الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر
[1961]
عَن رَافِعِ بنِ خَدِيجٍ قال: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا لَاقُو العَدُوِّ غَدًا، وَلَيسَت مَعَنَا مُدًى.
وفي رواية: فنذكي بالليط؟
ــ
بقوله: ولا نضحِّي بعوراء، وبما بعده.
و(المقابلة) هي: التي يقطع بعض أذنها، ويُترك مُعلَّقًا على وجهها. و (المدابرة): أن يُترك معلَّقًا إلى خلفها. و (الشرقاء) هي: المشقوقة الأذن طولًا. و (الخرقاء): التي خرق من غير شق. و (الجدعاء): المقطوعة الأذن. وظاهر عطف هذه العيوب على العوراء - وهي لا تجزئ باتفاق - ألا تجزئ الأضحية مع شيء من هذه العيوب. وهو أصل الظاهرية، لكن لما كانت العوراء مقيَّدة بالبيِّن عَوَرُها، كما قال في حديث البراء؛ تحققنا: أن المنهي عنه من هذه العيوب ما تفاحش منها، ولا شكَّ أن ما أذهب الأُذن من هذه الأمور، أو جلها، لا تجزئ به، وما لم يكن كذلك، فقال أصحابنا في المقطوع بعض أذنها: إن زاد القطع على الثلث منع الإجزاء، وإن نقص عنه أجزأت. واختلف في الثلث. هل يجزئ أو لا؟ على قولين. وكذلك القول في البتراء، والنظر في آحاد العيوب، وتفصيل الخلاف يستدعي تطويلًا، فلنقتصر على ما ذكرناه.
(5)
ومن باب: الذبح بما أنهر الدَّم
قولهم: (إنا لاقو العدو غدًا، وليست معنا مدى؟ فنُذَكِّي باللِّيط) وهو قطع القصب، والشَّصير: قطعة العصا، والظُّرَرُ: قطعة الحجر، ويجمع: ظِرَّان، كما قال امرؤ القيس:
قَالَ: أَعجِل، أَو أَرنِي، مَا أَنهَرَ الدَّمَ، وَذُكِرَ اسمُ اللَّهِ فَكُل،
ــ
تَطايَرُ ظِرانُ الحَصَى بمناسِمٍ (1)
…
. . . . . . . . . . . . . . . .
ويقال عليها: المروة أيضًا، وكذلك رواه أبو داود في هذا الحديث: أفنذكِّي بالمروة؟ مكان (اللَّيط). والشِّظاظ: فِلقة العود. فهذه كلُّها إذا قطع بها الودجان والحلقوم جازت الذبيحة؛ غير أنه لا يذبح بها إلا عند عدم الشِّفار وما يتنزل منزلتها؛ لما تقدَّم من الأمر بحدِّ الشِّفار، وتحسين الذَّبح، والنهي عن تعذيب البهائم. وقد نبَّه مالك على هذا لما ترجم على الذكاة بالشِّظاظ ما يجوز من الذكاة على الضرورة.
ومعنى هذا السؤال: أنهم لما كانوا عازمين على قتال العدو صانوا ما عندهم من السِّيوف، والأسنة، وغير ذلك عن استعمالها في الذَّبح؛ لأنَّ ذلك ربما يفسد الآلة، أو يعيبها، أو ينقص قطعها، ولم تكن لهم سكاكين صغار مُعِدَّة للذَّبح، فسألوا: هل يجوز لهم الذبح بغير محدَّد السِّلاح؛ فأجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي الجواز. وقد دخل في هذا العموم: أن كل آلة تقطع ذبحًا أو نحرًا فالذكاة بها مبيحة للذبيحة، والحديد المُجهِز أولى لما تقدَّم. ولا يستثنى من الآلات شيء إلا السنُّ، والظُّفُر على ما يأتي.
و(قوله: وذكر اسم الله) ظاهر قوي في كون شرطًا في الإباحة؛ لأنَّه قرنها بالذَّكاة المشترطة، وعلَّق الإباحة عليهما، فقد صار كل واحد منهما شرطًا، أو جزء شرط في الإباحة. وقد تقدَّم هذا. والرواية الصحيحة المشهورة: أنهر بالرَّاء. وذكر الخشني في شرحه هذا الحرف - بالزاي -. والنَّهز: بمعنى: الدَّفع. وهذا توجيهٌ للتصحيف، فلا يُلتفت إليه.
(1) هذا صدر البيت، وعجزه: صِلاب العُجَى مثلُومُها غيرُ أمْعَرا. انظر: ديوان امرئ القيس ص (64).
لَيسَ السِّنَّ وَالظُّفُرَ، وَسَأُحَدِّثُكَ: أَمَّا السِّنُّ فَعَظمٌ، وَأَمَّا الظُّفُرُ فَمُدَى الحَبَشِ.
ــ
و(قوله: ليس السِّنّ، والظُّفُر) ليس هنا للاستثناء، بمعنى: إلا. وظاهر هذا: أنه لا تجوز الذكاة بهما على حال، سواء كانا متصلين بالمذكِّي، أو منفصلين عنه. قال القاضي أبو الحسن: وهذا الظاهر من قول مالك من رواية ابن الموَّاز عنه. وروى ابن وهب عنه الجواز مطلقًا. وقيل: بالفرق بين المتصل منهما، فلا تجوز الذَّكاة به، وبين المنفصل؛ فتجوز الذكاة به، قاله ابن حبيب. فالأول: تمسُّك بالعموم، والثاني: نظرٌ للمعنى؛ لأنَّه يحصل بهما الذبح. وهو ضعيف؛ لأنَّه تعطيل للاستثناء المذكور في الحديث. والثالث: تمسُّك بأن الظُّفُر المتصل خنق، والسِّن المتصل نَهشٌ. وربما جاء ذلك في بعض الحديث. والمنفصل ليس كذلك، فجازت الذَّكاة به. والصحيح: الأول، وما عداه، فليس عليه مُعوَّلٌ.
و(قوله: وسأحدِّثُك، أمَّا السِّنُّ: فعظمٌ. وأمَّا الظُّفُر: فمدى الحبش) ظاهر هذا: أنَّه من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وهو تنبيه على تعليل منع التذكية بالسِّنُّ، لكونه عظمًا، فيلزم على هذا: تعدية المنع من السِّنِّ إلى كل عظم، من حيث: إنَّه عظم؛ متصلًا كان، أو منفصلًا. وإليه ذهب النخعي، والحسن بن صالح، والليث، والشافعي. وفقهاء أصحاب الحديث منعوا الذكاة بالعظم، والظُّفر كيف كانا، وأجازوه بما عدا ذلك للحديث. وهو أحد أقوال مالك، كما تقدَّم. وروي عن مالك التفريق بين السِّن والعظم. فأجازها بالعظم، وكرهها بالسنِّ، وهو مشهور مذهبه.
و(قوله: وأمَّا الظُّفُر فمدى الحبش) يعني: أن الحبش يذبحون بأظفارهم، ولا يستعملون السَّكاكين في الذَّبح؛ فمَنَعَنا الشرع من ذلك؛ لئلا نتشبَّه بهم. فقيل: إنهم يغرزون أظفارهم في موضع الذبح، فتنخنق الذبيحة. وعلى هذا: فيكون محل المنع إنَّما هو الظُّفر المتصل، ويكون حجَّة لما صار إليه ابن حبيب من ذلك.
وقد روى حديث رافع هذا غيرُ من ذكرناه، وقال فيه: (ما فرى الأوداج وذكر
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اسم الله عليه فكُله) أي: ما قطع. وظاهره: الاقتصار في الذكاة على الودجين خاصَّة. وقال بذلك قومٌ منهم: ابن عبَّاس، وعطاء. وقد روي عن مالك: أنَّه قال فيما قطعت أوداجه: أنَّه قد تَمَّت ذكاته. ومشهور مذهبه ومذهب أصحابه: اشتراط قطع الحلقوم، والودجين، وهو قول الليث. وحكى عنه البغداديون: أنه يشترط قطع أربع: الثلاثة المذكورة، والمري. وهو قول أبي ثور. ثمَّ اختلف أصحاب مالك في قطع أحد الودجين والحلقوم. هل هو ذكاة، أو لا؟ على قولين. وذهب الشافعي: إلى اشتراط الحلقوم والمري دون الودجين، لكن في تمامها الودجان، ولا يجزيان دون الحلقوم والمري. والناس مجمعون: على أن الذَّبح مهما كان في الحلق تحت الغلصمة؛ فقد تَمَّت الذكاة.
واختلف فيما إذا ذبح فوقها وجازها إلى البدن؛ هل ذلك ذكاة أم لا؟ على قولين. وقد روي عن مالك: أنها لا تُؤكل، وقد تمسك بقوله صلى الله عليه وسلم:(ما أنهر الدَّم .. .) من يجيز نحر ما يذبح، وذبح ما ينحر، وأن النَّحر والذبح ذكاة للجميع لإنهاره الدَّم. وهو قول عامَّة السلف، والعلماء، وفقهاء الأمصار، وأشهب من أصحابنا. ومالك كره أكله مرة، وأخرى حرَّمه. قال ابن المنذر: ولا نعلم أحدًا حرَّم أكل شيء من ذلك كُلِّه، ولم يختلفوا: أن الذبح أولى في الغنم، والنحر أولى في الإبل، والتخيير في البقر. وقيل: الذبح أولى؛ لأنَّه الذي ذكره الله تعالى.
و(قوله: أَعجِل وأَرني) هذا الحرف وقع في كتاب البخاري، ومسلم، وأبي داود. واختلف الرواة في تقييده على أربعة أوجه:
الأول: قيَّده النَّسفي، وبعض رواة البخاري: أَرِن. بكسر الراء، وسكون النون؛ مثل: أَقِم.
الثاني: قيَّده الأصيلي: أَرِني. بكسر النون بعدها ياء المتكلم.
الثالث: قيَّده بعض رواة مسلم كذلك إلا أنَّه سكَّن الراء.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرابع: قيَّده في كتاب أبي داود بسكون الراء، ونون مطلقة. هذه التقييدات المنقولة.
قال الخطابي: وطالما استثبتُّ فيه الرواة، وسألت عنه أهل العلم، فلم أجد عند أحد منهم ما يقطع بصحته.
تنبيه: قال بعض علمائنا في الوجه الأول: هو بمعنى: قد أنشط وأسرع. فهو بمعنى: أَعجل. فكأنَّه يشير إلى أنَّه شكٌّ وقع من أحد الرواة في أي اللفظين قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قلت: وهذه غفلة؛ إذ لو كان من الأَرَنِ الذي بمعنى النشاط؛ للزم أن يكون مفتوح الراء؛ لأنَّ ماضيه: أَرِن، ومضارعه: يأرن. قال الفرَّاء: الأَرَن: النشاط. يقال: أَرِنَ البعير بالكسر، يأرن بالفتح أرنًا: إذا مرح مرحًا، فهو آرِنٌ؛ أي: نشيط. وقياس الأمر من هذا أن تُجتَلَبَ له همزة الوصل مكسورة وتفتح الراء، فيقال: اِئرَن كـ (ائذن)، من أَذِنَ يأذن. ولم يُروَ كذلك.
وأمَّا تقييد الأصيلي: فقال بعضهم: يكون بمعنى: أَرِني سيلان الدم.
قلت: وعلى هذا فيبُعدُ أن تكون (أو) للشك، بل للجمع بمعنى الواو على المذهب الكوفي؛ فإنَّه طلب الاستعجال، وأن يريه دم ما ذبح.
وما وقع في كتاب مسلم من تسكين الراء: هو تخفيفٌ للراء المكسورة وهي لغة معروفة، قرأ بها ابن كثير.
وأما ما وقع في كتاب أبي داود: فقيل: هو بمعنى: أَدِم الحزَّ، ولا تفتر. من: رنوت؛ أي: أدمت النظر.
قلت: ويلزم على هذا: أن تكون مضمومة النُّون؛ لأنه أمرٌ من: رنا،
قَالَ: وَأَصَبنَا نَهبَ إِبِلٍ وَغَنَمٍ، فَنَدَّ مِنهَا بَعِيرٌ، فَرَمَاهُ رَجُلٌ بِسَهمٍ فَحَبَسَهُ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِهَذِهِ الإِبِلِ أَوَابِدَ كَأَوَابِدِ الوَحشِ، فَإِذَا غَلَبَكُم مِنهَا شَيءٌ؛ فَاصنَعُوا بِهِ هكذا.
ــ
يرنو، فتحذف الواو لبناء الأمر، ويبقى ما قبلها مضمومًا على أصله، ولم يحقَّق ضبطه كذلك.
وقد ذكر الخطَّابي في هذه اللفظة أوجها محتملة لم يجئ بها تقييد عن مُعتبر، ولا صحَّت بها رواية، رأيت الإضراب عنها لعدم فائدتها، وبُعدها عن مقصود الحديث. وأثبت ما فيها رواية، وأقربه معنى مَن جعله من رؤية العين، وذلك أن اللِّيط والمروة، وما أشبههما مما ليس بمحدَّد يخاف منه ألا يكون مُجهِزًا، فإن لم يستعجل بالمرِّ لم يقطع، وربما يموت الحيوان خنقًا، فإذا استعجل في المرِّ، ورأى أن الدَّم قد سال من موضع القطع فقد تحقَّق الذبح المبيح، والله تعالى أعلم بما أراد رسوله صلى الله عليه وسلم.
و(قوله: ما أنهر الدم) أي: ما أساله وصبَّه بكثرة. ووزنه: أفعل، من النهر. شبَّه خروج الدَّم بجري الماء في النهر. و (ما) موصولة في موضع رفع بالابتداء، وخبرها:(كُله)، ودخلت الفاء على الخبر هنا كما دخلت في قوله تعالى:{وَمَا بِكُم مِن نِعمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ} ولا يلتفت لقول من تخيَّل أن ما أنهر الدَّم مفعوله بـ: أرني؛ لأنَّه يبقى فعله: (فكله) ضائعًا. فتأمله.
و(قوله: وأصبنا نهب إبل، وغنم، فندَّ منها بعيرٌ فرماه رجل بسهم، فحبسه) النهب: الغنيمة، ومنه قول عباس بن مرداس: أتجعل نهبي ونهب العبيد؛ أي: حظي من الغنيمة. و (ندَّ): نفر وشذَّ عن الإبل. و (قوله: إن لهذه الإبل أوابد كأوابد الوحش، فإذا غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا) الأوابد: جمع آبدة، وهي التي نفرت من الإنس، وتوحَّشت.
رواه أحمد (3/ 463)، والبخاريُّ (2507)، ومسلم (1968)(20 - 22)، وأبو داود (2821)، والترمذيُّ (1491)، والنسائي (7/ 226)، وابن ماجه (3137).
ــ
ويقال: أبدت البقرة، تأبد، وتَأبُد، وتأبَّدت الديار: توحَّشت (1)، وخلت من سُكَّانها. فالأوابد: الوحش. قال امرؤ القيس:
وقد أغتَدِي والطَّيرُ في وُكُناتِها
…
بِمُنجَرِدٍ قيدِ الأوابدِ هَيكَلِ
وظاهر هذا الحديث أن ما ند من الإنسي، ولم يقدر عليه جاز أن يُذَكَّى بما يُذكَّى به الطير. وبه قال أبو حنيفة، والشافعي، وقال مالك: لا يُؤكل إلا بذكاة الإنسي بالنحر، أو الذبح استصحابًا لمشروعية أصل ذكاته، ولأنه وإن كان قد لحق بالوحش في الامتناع؛ فلم يلحق بها لا في النوع، ولا في الحكم. ألا ترى: أن ملك مالكه باقٍ عليه، واعتذر أصحابنا عن هذا الحديث بمنع ظهور ما ادُّعي ظهوره من ذلك؛ إذ لم يقل فيه: إن السهم قتله. وإنَّما قال: حبسه. ثم بعد أن حبسه فقد حصل مقدورًا عليه. فلا يؤكل إلا بالذبح أو النحر، ولا فرق بين أن يكون وحشيًّا، أو إنسيًّا.
و(قوله: فإذا (2) غلبكم منها شيء فاصنعوا به هكذا) نقول بموجبه: أي: نرميه، ونحبسه، فإنَّ أدركناه حيًّا ذكَّيناه، وإن تلف بالرَّمي، فهل نأكله أم لا؟ ليس في الحديث تعيين أحدهما، فلحق بالمجملات، فلا ينهض حجَّة، وحينئذ يبقى متمسك مالك واضح الحجَّة، والله تعالى أعلم. وقد استدل المخالف بما رواه الترمذي، وأبو داود عن أبي العشراء، عن أبيه قال: قلت: يا رسول الله! أما تكون
(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).
(2)
في (ل 1) و (ج 2): وما، والمثبت من (ع) والتلخيص.
[1962]
وعنه؛ قال: كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذِي الحُلَيفَةِ مِن تِهَامَةَ،
ــ
الذَّكاة إلا في الحلق واللَّبَّة؟ قال: (لو طعنت في فخذها لأجزأ عنك)(1). قال يزيد بن هارون: هذا في الضرورة. وقال أبو داود: لا يصلح هذا إلا في المتردية، والنافرة، والمستوحش. وقد حمل ابن حبيب هذا الحديث على ما سقط في مهواة، فلا يوصل إلى ذكاته إلا بالطعن في غير موضع الذكاة. وهو قول انفرد به عن مالك، وجميع أصحابه. وقد ألزمه بعض الأصحاب مذهب المخالف، فيجيز ذلك في النادِّ، والمستوحش، وهذا إلزام صحيح؛ إذ كل واحد منهما غير مقدور على ذكاته في الحلق واللَّبَّة. وقد اعتذر أصحابنا عن هذا الحديث: بأنَّه ليس بصحيح؛ لأنَّ الترمذي قال فيه: حديث غريب، لا نعرفه إلا من حديث حمَّاد بن سلمة، ولا نعرف لأبي العشراء عن أبيه غير هذا الحديث.
واختلفوا في اسم أبي العشراء. فقال بعضهم: اسمه: أسامة بن قِهطِم. ويقال: اسمه: يسار بن بَزرٍ، ويقال: بَلز، ويقال: اسمه عُطارد. نُسب إلى جدِّه، فهذا سند مجهولٌ، ولو سُلِّمت صحته لما كان فيه حجَّة؛ إذ مقتضاه جواز الذَّكاة في أي عضو كان مطلقًا؛ في المقدور على تذكيته وفي غيره. ولا قائل به في المقدور عليه، فظاهره ليس بمراد قطعًا. وقول يزيد وأبي داود تأويل لهما غير متفق عليه، فلا يكون فيه حجَّة. والله تعالى أعلم.
وقوله في الأم: (فرميناه بالنبل حتى وهضناه (2)) كذا الرواية في كتاب مسلم بالواو. ومعناه: رميناه، وشدخناه حتى أسقطناه بالأرض. وفي غير كتاب مسلم:(رهصناه) بالرَّاء (3). ومعناه: حبسناه بالرمي، وأوثقناه. يقال: رهصني فلان بحقه؛ أي: أخذني به أخذًا شديدًا.
(1) رواه أبو داود (2825)، والترمذي (1481).
(2)
انظر الحديث في صحيح مسلم (1968)(22).
(3)
انظر: النهاية لابن الأثير (2/ 282).
فَأَصَبنَا غَنَمًا وَإِبِلًا، فَعَجِلَ القَومُ، فَأَغلَوا بِهَا القُدُورَ، فَأَمَرَ بِهَا فَكُفِئَت، ثُمَّ عَدَلَ عَشرًا مِن الغَنَمِ بِجَزُورٍ
…
الحديث.
رواه أحمد (4/ 140)، والبخاري (2507)، ومسلم (1968)(21).
* * *
ــ
و(قوله: فأصبنا غنمًا وإبلًا، فعجل القوم، فأغلوا بها القدور، فأمر بها، فكفئت) اختُلفوا في سبب أمره صلى الله عليه وسلم بإكفاء القدور، فقيل فيه أقوال كثيرة، أشبهها قولان:
أحدهما: أنهم انتهبوها متملكين لها من غير قسمة، ولم يأخذوها بجهة القسمة العادلة، وعلى وجه الحاجة لأكلها، ويشهد لهذا قوله في بعض الروايات:(فانتهبناها).
الثاني: أن ذلك إنما كان لتركهم النبي صلى الله عليه وسلم في أخريات القوم، واستعجالهم للنهب، ولم يخافوا من مكيدة العدو، فحرمهم الشرع ما استعجلوه عقوبة لهم بنقيض قصدهم، كما منع القاتل من الميراث. قاله المهلب.
قلت: ويشهد لهذا التأويل مساق حديث أبي داود، فإنَّه قال فيه: وتقدم سرعان الناس، فتعجَّلوا، فأصابوا من الغنائم، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر الناس) (1). و (كفئت القدور): قلبت. وهذه الرواية الصحيحة المعروفة في اللغة. يقال: كفأت الإناء: قلبته وكببته. وزعم ابن الأعرابي: أن: (أكفأته) لغة.
و(قوله: ثمَّ عدل عشرًا من الغنم بجزور) يعني: أنه صلى الله عليه وسلم قسم ما بقي من الغنيمة على الغانمين، فجعل عشرة من الغنم بإزاء جزور، ولم يحتج إلى القرعة، لرضا كل منهم بما صار إليه من ذلك. ولم يكن بينهم تشاحٌ في شيء من ذلك، والله تعالى أعلم. وكأنَّ هذه الغنيمة لم يكن فيها إلا الإبل، والغنم. ولو كان فيها غيرهما: لقوَّم جميع الغنيمة، ولقسم على القيم.
(1) رواه أبو داود (2821).