الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة
[2154]
عن أبي هُرَيرَةَ أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ فِي الحَبَّةِ السَّودَاءِ شِفَاءً مِن كُلِّ دَاءٍ، إِلَّا السَّامَ. وَالسَّامُ المَوتُ، وَالحَبَّةُ السَّودَاءُ الشُّونِيزُ.
رواه مسلم (2215)(88).
ــ
لأسماء الأعداد مفهوم مخالفةٍ: إن هذه السَّبع المنافع هي التي علمها بالوحي وتحققها، وغيرها من المنافع علمت بالتجربة، فتعرَّض لما علمه بالوحي دون غيره. وعن الثاني: إنَّه إنما فضَّل منها ما دعت الحاجة إليه وسكت عن غيره لأنَّه لم يُبعث لبيان تفاصيل الطبِّ ولا لتعليم صنعته، وإنما تكلم بما تكلم به منه ليُرشد إلى الأخذ فيه والعمل به، وأن في الوجود عقاقير وأدوية ينتفع بها، وعيَّن منها ما دعت حاجتهم إليها في ذلك الوقت وبحسب أولئك الأشخاص، والله تعالى أعلم.
(13)
ومن باب: المداواة بالشُّونِيز والتَّلبينة
قوله في الحبَّة السوداء شفاء من كل داء، اختلف في الحبَّة السَّوداء؛ فقال الحربي: إنَّه الخردل. وحكى الهروي عن غيره أنها الحبَّة الخضراء، قال: والعرب تسمِّي الأخضر أسود والأسود أخضر، وهي ثمرة البُطم وهو المسمَّى بالضَّرو، وأولى ما قيل فيها إنَّها الشونيز لوجهين؛
أحدهما: أنه المذكور في الحديث.
وثانيهما: أنه أكثر منافع من الخردل وحب الضَّرو، فتعيَّن لأن يكون هو المراد بالحديث؛ إذ مقصوده الإخبار بأكثرية فوائده ومنافعه على ما نذكره.
[2155]
وعَن عَائِشَةَ أَنَّهَا كَانَت إِذَا مَاتَ المَيِّتُ مِن أَهلِهَا فَاجتَمَعَ لِذَلِكَ النِّسَاءُ ثُمَّ تَفَرَّقنَ إِلَّا أَهلَهَا وَخَاصَّتَهَا أَمَرَت بِبُرمَةٍ مِن تَلبِينَةٍ فَطُبِخَت ثُمَّ صُنِعَ ثَرِيدٌ فَصُبَّت التَّلبِينَةُ عَلَيهَا، ثُمَّ قَالَت: كُلنَ مِنهَا؛ فَإِنِّي
ــ
والشُّونيز قيده بعض مشايخنا بفتح الشين، وقال ابن الأعرابي: هو الشُّينيز، كذا تقوله العرب. وقال غيره: الشَّونيز - بالضم، وقد ذكر الأطباء للشونيز منافع كثيرة وخواص عجيبة.
قال القاضي أبو الفضل عياض: ذكر جالينوس من منافعه أنه يُحلِّل النَّفخ، ويقتل ديدان البطن إذا أُكِل أو وضع على البطن، ويشفي من الزكام إذا قُلِي وصُرَّ في خرقة واشتُمَّ، وينفع من العلَّة التي يتقشَّر منها الجلد، ويقلع الثآليل والخِيلان (1)، ويدر الطمث الكائن عن الأخلاط الغليظة اللَّزجة، وينفع من الصُّداع إذا طلي به الجبين، ويقلع البثور والجرب، ويحلل الأورام البلغمية إذا شمَّه مع الخل، وينفع من الماء العارض في العين إذا استُعِط مسحوقًا مع دهن الأرِيسَا، وينفع من انصباب النفس، ويتمضمض به من وجع الأسنان، ويدر البول واللبن، وينفع من نهشة الدُّبيلى (2)، وإذا بخر به طرد الهوامَّ.
وقال غيرُ جالينوس: من خاصته إذهابُ حمَّى البلغم والسَّوداء، ويقتل حبَّ القرع، وإذا عُلِّق من عنق المزكوم نفعه، وينفع من حمى الرِّبع. قال بعضهم: ولا يبعد منفعة الحار من أدواء حارَّةٍ لخواصَّ فيها كوجود ذلك في أدوية كثيرة فيكون الشونيز منها لعموم قوله صلى الله عليه وسلم، ويكون أحيانًا مفردًا وأحيانًا مركَّبًا.
قلت: وعلى هذا القول الآخر تحمل كليَّة الحديث على عمومها وإحاطتها، ولا يستثنى من الأدواء شيء إلا الدَّاء الذي يكون عنه الموت في علم
(1)"الخِيْلان" مفردها: الخال، وهو شامة سوداء في البدن، وقد تكون في الخدّ.
(2)
"الدُّبَيْلَةُ": خُرَاجٌ ودمَّلٌ كبير تظهر في الجوف، فتقتل صاحبها غالبًا.
سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: التَّلبِينَةُ مُجِمَّةٌ لِفُؤَادِ المَرِيضِ، يذهِبُ بَعضَ الحُزنِ.
رواه البخاريُّ (5689)، ومسلم (2216)(90).
* * *
ــ
الله تعالى، وعلى القول الأول يكون ذلك العموم محمولًا على الأكثر والأغلب، والله تعالى أعلم.
وقوله التلبينة مُجمَّةٌ لفؤاد المريض، تذهب بعض الحزن، التلبينة حساء من دقيق، ومُجمَّةٌ يروى بفتح الميم والجيم وبضم الميم وكسر الجيم، فعلى الأول هو مصدر؛ أي: جمامٌ. وعلى الثاني يكون اسم فاعل من أجمَّ، ومعناه أنَّها تقوِّيه وتُنشطه، وذلك أنها غذاء فيه لطافةٌ سهل التناول على المريض، فإذا استعمله المريض اندفع عنه الحرارة الجوعيَّة وحصلت له القوة الغذائية من غير مشقَّة تلحقه فيسرى (1) عنه بعض ما كان فيه، ونشط، وذهب عنه الضيق والحزن الذي كان يجده بسبب المرض، وإنما كانت عائشة رضي الله عنها تصنعها لأهل الميت وتثرد فيها لأن أهل الميت شغلهم الحزن عن الغذاء فاشتدَّت حرارة أحشائهم من الجوع والحزن، فلما أطعمتهم التلبينة انكسرت عنهم حرارة الجوع فخف عنهم بعض ما كانوا فيه. ولا يلزم من فعلها ذلك لهؤلاء أن يفعل بالمريض كذلك فيثرد له فيها، وإنَّما ذلك بحسب الحال، فإنَّ احتاج المريض إلى تقوية غذاء التلبينة بلبابٍ (2) يضاف إليها فحسن.
وعلى الجملة: فالتلبينة غذاء لطيف لا ضرر فيه غالبًا، فلذلك نبَّه عليه النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) في (م 3) و (ز): يبرأ.
(2)
"اللباب": طحين مرقّق. واللباب أيضًا: الخالص من كلِّ شيء.