الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: اذهَبِي فَانظُرِي. قَالَ: فَدَخَلَت عَلَى امرَأَةِ عَبدِ اللَّهِ فَلَم تَرَ شَيئًا، فَجَاءَت إِلَيهِ فَقَالَت: مَا رَأَيتُ شَيئًا. فَقَالَ: أَمَا لَو كَانَ ذَلِكَ لَم نُجَامِعهَا.
رواه البخاريُّ (5939)، ومسلم (2125)، وأبو داود (4169).
* * *
(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط
[2037]
عَن حُمَيدِ بنِ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ: أَنَّهُ سَمِعَ مُعَاوِيَةَ بنَ
ــ
الحديث. وأقرب ما يكون ذلك الشيء التنميص، وهو الذي يزول بنبات الشعر عن قريب، ولو كان ذلك وشمًا، أو تفليجًا، لما زال.
وقوله لها: (اذهبي فانظري) يعني: أنَّه لما رأى على امرأته شيئًا من ذلك نهاها فانتهت عنه، وسعت في إزالته حتى زال، فدخلت المرأة، فلم تر عليها شيئًا من ذلك، فصدَّق قوله فعله. وهكذا يتعين على الرجل أن ينكر على زوجته مهما رأى عليها شيئًا محرَّمًا، ويمتنع من وطئها، كما قال عبد الله: أما إنه لو كان ذلك لم يجامعها. هذا ظاهر هذا اللفظ. ويحتمل: لم يجتمع معها في دار، ولا بيت، فإما بهجران، أو بطلاق، كما قال تعالى:{وَاللاتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهجُرُوهُنَّ فِي المَضَاجِعِ وَاضرِبُوهُنَّ} وإذا كان هذا لأجل حق الزوج، فلأن يكون لحق الله تعالى أحرى وأولى.
(22)
ومن باب النهي عن الزور، وهو ما يكثر به الشعر
القُصَّة من الشعر: ما كان منه على الجبهة. قاله الأصمعي.
أَبِي سُفيَانَ، عَامَ حَجَّ، وَهُوَ عَلَى المِنبَرِ، وَتَنَاوَلَ قُصَّةً مِن شَعَرٍ فِي يَدِ حَرَسِيٍّ يَقُولُ: يَا أَهلَ المَدِينَةِ، أَينَ عُلَمَاؤُكُم؟ سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنهَى عَن مِثلِ هَذِهِ، وَيَقُولُ: إِنَّمَا هَلَكَت بَنُو إِسرَائِيلَ حِينَ اتَّخَذَ هَذِهِ نِسَاؤُهُم.
رواه أحمد (4/ 87)، والبخاريُّ (3468)، ومسلم (2127)(122)، وأبو داود (4167)، والترمذي (2781)، والنسائي (8/ 186).
ــ
وقول معاوية رضي الله عنه: (يا أهل المدينة! أين علماؤكم؟ ) هذا من معاوية رضي الله عنه على جهة التذكير لأهل المدينة بما يعلمونه، واستعانة على ما رام تغييره من ذلك. لا على جهة أن يعلمهم بما لم يعلموا، فإنَّهم أعلم الناس بأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم، لا سيما في ذلك العصر. ويحتمل أن يكون ذلك فيه؛ لأنَّ عوام أهل المدينة أول من أحدث الزور، كما قال في الرواية الأخرى: إنكم قد أحدثتم زي سوء؛ يعني: الزور، فنادى أهل العلم ليوافقوه على ما سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم من النهي عن ذلك، فينزجر من أحدث ذلك من العوام. وقد فسَّر معاوية الزور المنهي عنه في هذا الحديث بالخِرَق التي يُكثِر النساء بها شعورهن بقوله:(ألا وهذا الزور) وزاده قتادة وضوحًا.
و(الزور) في غير هذا الحديث: قول الباطل، والشهادة بالكذب. وأصل التزوير: التمويه بما ليس بصحيح.
وهذا الحديث حجَّة واضحة على إبطال قول من قصر التحريم على وصل الشعر، كما تقدَّم. وهذا يدلّ: على اعتبار أقوال أهل المدينة عندهم، وأنها مرجع يعتمد عليه في الأحكام. وهو من حجج مالك على أن إجماع أهل المدينة حجَّة، وقد حققنا ذلك في الأصول.
و(قوله: إنما هلكت بنو إسرائيل حين اتخذ هذه نساؤهم) يظهر منه: أن ذلك كان محرَّما عليهم، وأن نساءهم ارتكبوا ذلك المحرَّم، فأقرَّهن على ذلك رجالهم، فاستوجب الكل العقوبة بذلك، وبما ارتكبوه من العظائم.
[2038]
وعن مُعَاوِيَةَ أنه قَالَ ذَاتَ يَومٍ: إِنَّكُم قَد أَحدَثتُم زِيَّ سَوءٍ، وَإِنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن الزُّورِ. قَالَ: وَجَاءَ رَجُلٌ بِعَصًا عَلَى رَأسِهَا خِرقَةٌ، قَالَ مُعَاوِيَةُ: أَلَا وَهَذَا الزُّورُ قَالَ قَتَادَةُ: يَعنِي مَا يُكَثِّرُ بِهِ النِّسَاءُ أَشعَارَهُنَّ مِن الخِرَقِ.
رواه أحمد (4/ 93)، ومسلم (2127)(124).
[2039]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: صِنفَانِ مِن أَهلِ النَّارِ لَم أَرَهُمَا: قَومٌ مَعَهُم سِيَاطٌ كَأَذنَابِ البَقَرِ يَضرِبُونَ بِهَا النَّاسَ، وَنِسَاءٌ كَاسِيَاتٌ عَارِيَاتٌ،
ــ
و(قوله: صنفان من أهل النار لم أرهما) أي: لم يوجد في عصره منهما أحدٌ؛ لطهارة أهل ذلك العصر الكريم. ويتضمن ذلك: أن ذينك الصنفين سيوجدان. وكذلك كان، فإنَّه خلف بعد تلك الأعصار قوم يلازمون السياط المؤلمة التي لا يجوز أن يضرب بها في الحدود قصدًا لتعذيب الناس، فإن أمروا بإقامة حد، أو تعزير، تعدوا المشروع في ذلك في الصفة والمقدار، وربما أفضى بهم الهوى، وما جبلوا عليه من الظلم إلى هلاك المضروب، أو تعظيم عذابه. وهذا أحوال الشرط بالمغرب، والعوانية في هذه البلاد.
وعلى الجملة: فهم سخط الله في الجملة عاقب الله بهم شرار خلقه غالبًا. نعوذ بالله من سخطه في الدنيا والآخرة.
و(قوله: ونساء كاسيات عاريات) قيل في هذا قولان:
أحدهما: أنهن كاسيات بلباس الأثواب الرقاق الرفيعة التي لا تستر منهن حجم عورة، أو تبدي من محاسنها - مع وجود الأثواب الساترة عليها - ما لا يحل لها أن تبديه، كما تفعل البغايا المشتهرات بالفسق.
مُمِيلَاتٌ مَائِلَاتٌ، رُءُوسُهُنَّ كَأَسنِمَةِ البُختِ المَائِلَةِ، لَا يَدخُلنَ الجَنَّةَ وَلَا يَجِدنَ رِيحَهَا، وَإِنَّ رِيحَهَا لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذَا وَكَذَا.
رواه أحمد (2/ 355)، ومسلم (2128).
ــ
وثانيهما: أنهنَّ كاسيات من الثياب، عاريات من لباس التقوى؛ الذي قال الله تعالى فيه:{وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ}
قلت: ولا بُعد في إرادة القدر المشترك بين هذين النوعين؛ إذ كل واحد منهما عُرُوٌّ؛ وإنَّما يختلفان بالإضافة.
و(قوله: مميلات مائلات) كذا جاءت الرواية في هاتين الكلمتين بتقديم: مميلات على مائلات (1)، وكلاهما من الميل، بالياء باثنتين من تحتها. ومعنى ذلك: أنهن يملن في أنفسهن تثنيًا ونعمة وتصنعًا؛ ليُملن إليهن قلوب الرجال، فيميلون إليهن ويفتنَّهم. وعلى هذا: فكان حق مائلات أن يتقدم على مميلات؛ لأنَّ ميلهن في أنفسهن مقدَّم في الوجود على إمالتهن. وصحَّ ذلك لأن الصفات المجتمعة لا يلزم ترتيبها؛ ألا ترى أنها تعطف بالواو، والواو جامعة غير مترتبة، إلا أن الأحسن تقديم مائلات على مميلات؛ لأنَّه سببه كما سبق.
وقد أبعد أبو الوليد الوقشي حيث قال: إن صوابه: (الماثلة) بالثاء المثلثة، يعني: الظاهرة، وقال: لا معنى للمائلة هنا. وترك هذا الصواب هو الصواب (2).
و(قوله: رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة) أسنمة: جمع سنام، وسنام كل شيء: أعلاه. والبخت: جمع بختية، وهي ضرب من الإبل عظام الأجسام، عظام الأسنمة، شبَّه رؤوسهن بها لما رفعن من ضفائر شعورهن على أوساط رؤوسهن
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
[2040]
وعن أَسمَاءَ: جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: إِنَّ لِي ضَرَّةً، فَهَل عَلَيَّ جُنَاحٌ أَن أَتَشَبَّعَ مِن مَالِ زَوجِي بِمَا لَم يُعطِنِي؟ فَقَالَ
ــ
تزينًا، وتصنعًا، وقد يفعلن ذلك بما يكثرن به شعورهن (1)، والمائلة: الرواية بالياء، من الميل. يعني: أن أعلى السَّنام يميل لكثرة شحمه، شبَّه أعالي ما يرفعن من الشعر بذلك. وقال الوقشي (2): صوابه: بالثاء المثلثة؛ أي: المرتفعة الظاهرة.
وقد تقدَّم القول على نحو قوله: (لا يدخلن الجنة) وعلى قوله: (كذا وكذا) وهو كناية عن خمسمائة عام، كما قد جاء مفسَّرًا.
وقولها: (هل علي جناح أن أتشبَّع من مال زوجي بما لم يعطني؟ ) سألته: هل يجوز لها أن تظهر لضرتها: أن زوجها قد مكنها، أو أعطاها من ماله أكثر مما تستحقه، أو أكثر مما أعطى ضرتها؛ افتخارًا عليها، وإيهامًا لها أنها عنده أحظى منها، فأجابها صلى الله عليه وسلم بما يقتضي المنع من ذلك، فقال:(المتشبِّع بما لم يُعط كلابس ثوبي زور) وأصل التشبُّع: تفعُّل من الشِّبع، وهو الذي يظهر الشِّبع وليس بشبعان. وكثيرًا ما تأتي هذه الصيغة بمعنى التعاطي كالتكبُّر، والتصنُّع.
ويفهم من هذا الكلام: أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى المرأة عن أن تتظاهر وتتكاثر بما لم يعطها زوجها؛ لأنَّه شَبَّه فعلها ذلك بما يُنتهى عنه، وهو: أن يلبس الإنسان ثوبين زورًا. واختلف المتأولون؛ هل الثوبان محمولان على الحقيقة، أو على المجاز؟ على قولين:
فعلى الأول يكون معناه: أنه شبهها بمن أخذ ثوبين لغيره بغير إذنه، فلبسهما مظهرًا أن له ثيابًا ليس مثلها للمظهر له. وقيل: بل شبهها بمن يلبس ثياب الزهاد، وليس بزاهد.
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ز).
(2)
هو هشام بن أحمد الكناني: صنَّف نكت الكامل للمبرد، والمنتخب من غريب كلام العرب. توفي سنة (489 هـ).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: المُتَشَبِّعُ بِمَا لَم يُعطَ كَلَابِسِ ثَوبَي زُورٍ.
رواه أحمد (6/ 345)، والبخاريُّ (5219)، ومسلم (2130)، وأبو داود (4997).
* * *
ــ
وعلى الوجه الثاني: قال الخطابي: إن ذكر الثوبين هنا كناية عن حاله ومذهبه. والعرب تكني بالثوب عن حال لابسه. والمعنى: أنه بمنزلة الكاذب القائل ما لم يكن. وقيل: هو الرجل في الحي تكون له هيئة، فإذا احتيج إليه في شهادة زور شهد بها، فلا يرد لأجل هيئته، وحسن ثوبه. فأضيفت شهادة الزور إلى ثوبه؛ إذ كان سببها.
قلت: وأي شيء من هذه الوجوه كان المقصود، فيحصل منه: أن تشبع المرأة على ضرَّتها بما لم يعطها زوجها محرَّم؛ لأنَّه شُبه بمحرَّم، وإنما كان ذلك محرَّمًا؛ لأنَّه تصرف في ملك الغير بغير إذنه، ورياءً، وأذًى للضرة من نسبة الزوج إلى أنَّه آثرها عليها، وهو لم يفعل، وكل ذلك محرَّم.
* * *