الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
[1778]
عَن عَائِشَةَ: أَنَّ قُرَيشًا أَهَمَّهُم شَأنُ المَخزُومِيَّةِ الَّتِي سَرَقَت، فَقَالَوا: مَن يُكَلِّمُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ وَمَن يَجتَرِئُ عَلَيهِ إِلَّا أُسَامَةُ حِبُّ
ــ
لهذا الحديث ابن عجلان، وهو ثقة.
وإذا تقرَّر اشتراط الحِرز في السرقة: فالحِرز عبارة عن المحلّ الذي يحفظ فيه ذلك الشيء عادة. ثم هو مختلف بحسب اختلاف الشيء المُحرز. وتفصيل ذلك وبقية ما يتعلَّق بالسَّرِقة في الفروع.
(2)
ومن باب: النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام
(قوله: إن قريشًا أهمَّهم شأن المخزومية التي سرقت) هذا هو الصحيح: أن هذه المرأة سرقت، وقطعت يدها لأجل سرقتها، لا لأجل جحد المتاع. ويدلّ على صحة ذلك أربعة أوجه:
أولها: إن رواية من روى: أنها سرقت؛ أكثر وأشهر من رواية من قال: إنَّها كانت تجحد المتاع. وإنَّما انفرد معمر بذكر الجحد وحده من بين الأئمة الحفاظ، وقد تابعه على ذلك من لا يعتد بحفظه كابن أخي ابن شهاب ونَمَطِه. هذا قول المحدِّثين.
ثانيها: إن معمرًا وغيره ممن روى هذه القضية متفق: على أن النبي صلى الله عليه وسلم قال - حيث أنكر على أسامة -: (لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها)، ثم أمر بيد المرأة فقطعت. وهذا يدلُّ دلالة قاطعة: على أن المرأة قطعت في السَّرِقة؛ إذ لو كان قطعها لأجل جحد المتاع لكان ذكر السِّرِقة هنا لاغيًا، لا فائدة له، وإنما كان يقول: لو أن فاطمة جحدت المتاع لقطعت يدها.
وثالثها: إن جاحد المتاع خائن، ولا قطع على خائن عند جمهور العلماء
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَكَلَّمَهُ أُسَامَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَتَشفَعُ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟ !
ــ
خلافًا لما ذهب إليه أحمد بن حنبل، وإسحاق بن راهويه؛ لقوله صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث جابر مرفوعًا:(ليس على خائن، ولا منتهب، ولا مختلس، قطع)(1). وقال: هذا حديث حسن صحيح. وهذا نصٌّ. ولأنَّه لو كان في جَحد المتاع قطعٌ لكان يلزم القطع على كلَّ من جَحَد شيئًا من الأشياء ثمَّ ثبت عليه. وهذا لا قائل به فيما أعلم.
ورابعها: إنَّه لا تعارض بين رواية من روى: (سرقت) ولا بين رواية من روى: (جحدت ما استعارت) إذ يمكن أن يقال: إن المرأة فعلت الأمرين، لكن قطعت في السرقة، لا في الجحد، كما شهد به مساق الحديث، فتأمله (2).
و(قوله صلى الله عليه وسلم: أتشفع في حدٍّ من حدود الله؟ ! ) إنكارٌ على أسامة، يُفهَم منه: تحريم الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام، فيَحرُم على الشافع وعلى المُشَفَّع، وهذا لا يختلف فيه. وقد ذكر الدارقطني عن عروة بن الزبير قال: شفع الزبير في سارق، فقيل: حتى نُبلِغَهُ الإمامَ. قال: إذا بلغ الإمام فلعن الله الشافع والمُشَفَّع، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم (3). ورواه مالك عن ربيعة بن أبي عبد الرحمن: أن الزبير قال ذلك، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم (4). والموقوف هو الصحيح.
(1) رواه الترمذي (1448).
(2)
جاء في حاشية (م): وجه خامس وهو: أن قولها: كانت تستعير المتاع وتجحده تعريف لها. أي: أن المرأة التي كانت تستعير المتاع سرقت. كما يقال: المرأة التي تغزل الحرير -مثلًا- سرقت، فحذف لفظ (سرقت) لدلالة الروايات عليه. وفي الحديث نفسه ما يدل عليه. وقد جاء صريحًا أنها سرقت قطيفة من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقطعت لذلك. ذكره الخطابي في "المعالم".
(3)
رواه الدارقطني (3/ 305).
(4)
رواه مالك في الموطأ (2/ 835).
ثُمَّ قَامَ فَاختَطَبَ فَقَالَ: يا أَيُّهَا النَّاسُ، إِنَّمَا أَهلَكَ الَّذِينَ قَبلَكُم أَنَّهُم كَانُوا إِذَا سَرَقَ فِيهِم الشَّرِيفُ تَرَكُوهُ، وَإِذَا سَرَقَ فِيهِم الضَّعِيفُ أَقَامُوا عَلَيهِ الحَدَّ، وَايمُ اللَّهِ، لَو أَنَّ فَاطِمَةَ بِنتَ مُحَمَّدٍ سَرَقَت لَقَطَعتُ يَدَهَا.
وفي رواية: فَتَلَوَّنَ وَجهُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَشفَعُ فِي حَدٍّ مِن حُدُودِ اللَّهِ؟ ! فَقَالَ أُسَامَةُ: استَغفِر لِي يَا رَسُولَ اللَّهِ! وفيها: ثُمَّ أَمَرَ بِتِلكَ المَرأَةِ الَّتِي سَرَقَت فَقُطِعَت يَدُهَا، قَالَت عَائِشَةُ: فَحَسُنَت تَوبَتُهَا بَعدُ، وَتَزَوَّجَت، وَكَانَت تَأتِينِي بَعدَ ذَلِكَ فَأَرفَعُ حَاجَتَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه البخاريُّ (3475)، ومسلم (1688)(8 و 9)، وأبو داود (4373)، والترمذيُّ (1430)، والنسائي (8/ 73)، وابن ماجه (2547).
ــ
وأمَّا الشفاعة قبل بلوغ الإمام: فقد أجازها أكثر أهل العلم لما جاء في السِّتر على المسلم مطلقًا، لكن قال مالك: ذلك فيمن لم يُعرف منه أذى للنَّاس، فأما من عرف منه شرٌّ، وفسادٌ: فلا أحبُّ أن يُشفع فيه.
وأمَّا الشفاعة فيما ليس فيه حدٌّ وليس فيه حق لآدمي، وإنَّما فيه التعزير فجائزة عند العلماء بلغ الإمام أم لا.
و(قوله: إنَّما أهلك الذين قبلكم أنَّهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحدَّ) تهديد، ووعيد شديد على ترك القيام بالحدود، وعلى ترك التسوية فيما بين الدَّنيء والشريف، والقوي والضعيف. ولا خلاف في وجوب ذلك.
وفيه حجَّة لمن قال: إن شرع من قبلنا شرع لنا.
و(قوله: لو أن فاطمة سرقت لقطعت يدها) إخبارٌ عن مقدَّر يفيد القطع بأمر محقق. وهو وجوب إقامة الحد على البعيد والقريب، والبغيض والحبيب، لا تنفع في ذريةٍ شفاعة، ولا تحولُ دونه قرابة ولا جماعة.
و(قولها: فحسنت توبتها، وتزوَّجت .. . إلى آخره) يدلّ على صحة توبة