الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2101]
وعن نافع قال: كَانَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ يَومًا عِندَ هَدمٍ لَهُ، فَرَأَى وَبِيصَ جَانٍّ فَقَالَ: اتَّبِعُوا هَذَا الجَانَّ فَاقتُلُوهُ: فقَالَ أَبُو لُبَابَةَ الأَنصَارِيُّ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن قَتلِ الجِنَّانِ الَّتِي تَكُونُ فِي البُيُوتِ إِلَّا الأَبتَرَ، وَذَا الطُّفيَتَينِ، فَإِنَّهُمَا اللَّذَانِ يَخطِفَانِ البَصَرَ، وَيَتَتَبَّعَانِ مَا فِي بُطُونِ النِّسَاءِ.
رواه مسلم (2233)(136)، وأبو داود (5255).
* * *
(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا
[2102]
عَن عَبدِ اللَّهِ - هو ابن مسعود - قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي غَارٍ، وَقَد أُنزِلَت عَلَيهِ وَالمُرسَلَاتِ عُرفًا فَنَحنُ نَأخُذُهَا مِن فِيهِ رَطبَةً؛ إِذ خَرَجَت عَلَينَا حَيَّةٌ فَقَالَ: اقتُلُوهَا، فَابتَدَرنَاهَا لِنَقتُلَهَا فَسَبَقَتنَا. فَقَالَ
ــ
وقول ابن مسعود رضي الله عنه: (أنزلت {وَالمُرسَلاتِ عُرفًا} فنحن نأخذها من فيه رطبة) أي: مُستطابة، سهلة كالثمرة الرَّطبة، السهلة الجنَى. وقيل: معناه: أي: نتلقاها لنسمعها منه لأول نزولها، كالشيء الرَّطب في أول أحواله. والأول أوقع تشبيهًا، ويدلّ عليه: قوله صلى الله عليه وسلم في الخوارج: (يقرءون القرآن رطبًا لا يجاوز حناجرهم)(1) أي: يستطيبون تلاوته، ولا يفهمون معانيه.
(1) رواه البخاري (7432)، ومسلم (1064)، وأبو داود (4764) من حديث أبي سعيد.
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَقَاهَا اللَّهُ شَرَّكُم كَمَا وَقَاكُم شَرَّهَا.
رواه أحمد (1/ 428)، والبخاريُّ (4931)، ومسلم (2234)، والنسائي (5/ 208).
[2103]
وعن أبي السَّائِبِ - مَولَى هِشَامِ بنِ زُهرَةَ -: أَنَّهُ دَخَلَ عَلَى أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ فِي بَيتِهِ قَالَ: فَوَجَدتُهُ يُصَلِّي، فَجَلَستُ أَنتَظِرُهُ حَتَّى يَقضِيَ صَلَاتَهُ، فَسَمِعتُ تَحرِيكًا فِي عَرَاجِينَ فِي نَاحِيَةِ البَيتِ، فَالتَفَتُّ فَإِذَا حَيَّةٌ، فَوَثَبتُ لِأَقتُلَهَا فَأَشَارَ إِلَيَّ أَن اجلِس فَجَلَستُ، فَلَمَّا انصَرَفَ أَشَارَ إِلَى بَيتٍ فِي الدَّارِ فَقَالَ: أَتَرَى هَذَا البَيتَ؟ فَقُلتُ: نَعَم. فقَالَ: كَانَ فِيهِ فَتًى مِنَّا حَدِيثُ عَهدٍ بِعُرسٍ، قَالَ: فَخَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى الخَندَقِ، فَكَانَ ذَلِكَ الفَتَى يَستَأذِنُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِأَنصَافِ النَّهَارِ فَيَرجِعُ إِلَى أَهلِهِ، فَاستَأذَنَهُ يَومًا، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذ عَلَيكَ سِلَاحَكَ،
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم: (وقاها الله شرَّكم) أي: قتلكم لها؛ فإنَّه شرٌّ بالنسبة لها؛ وإن كان خيرًا بالنسبة إلينا.
و(قوله: كما وقاكم شرَّها) أي: لسعَها. وفيه: دلالة على صحة ما ذكرناه من استصحاب أصل الضرر في نوع الحيَّات.
وقول أبي سعيد: فكان ذلك الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنصاف النهار) إنَّما كان الفتى يستأذن رسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالًا لقوله تعالى: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمرٍ جَامِعٍ لَم يَذهَبُوا حَتَّى يَستَأذِنُوهُ} وكانوا مع النبي صلى الله عليه وسلم في حفر الخندق. وأنصاف: جمع نصف، كحِمل وأحمال، وعِدل وأعدال. وكأن هذا الفتى كانت عادته أن يستأذن النبي صلى الله عليه وسلم كل يوم من تلك الأيام في نصف النهار، فيأذن له في الانصراف إلى أهله. والباء في: بأنصاف بمعنى: في، كما تقول: جاء زيد بثيابه؛ أي: فيها.
فَإِنِّي أَخشَى عَلَيكَ قُرَيظَةَ فَأَخَذَ الرَّجُلُ سِلَاحَهُ، ثُمَّ رَجَعَ فَإِذَا امرَأَتُهُ بَينَ البَابَينِ قَائِمَةً، فَأَهوَى إِلَيهَا الرُّمحَ لِيَطعُنَهَا بِهِ، وَأَصَابَتهُ غَيرَةٌ فَقَالَت لَهُ: اكفُف عَلَيكَ رُمحَكَ، وَادخُل البَيتَ حَتَّى تَنظُرَ مَا الَّذِي أَخرَجَنِي، فَدَخَلَ فَإِذَا بِحَيَّةٍ عَظِيمَةٍ مُنطَوِيَةٍ عَلَى الفِرَاشِ، فَأَهوَى إِلَيهَا بِالرُّمحِ فَانتَظَمَهَا بِهِ، ثُمَّ خَرَجَ فَرَكَزَهُ فِي الدَّارِ، فَاضطَرَبَت عَلَيهِ، فَمَا يُدرَى أَيُّهُمَا كَانَ أَسرَعَ مَوتًا الحَيَّةُ أَم الفَتَى، قَالَ: فَجِئنَا رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرنَا ذَلِكَ لَهُ، وَقُلنَا: ادعُ اللَّهَ يُحيِيهِ لَنَا فَقَالَ: استَغفِرُوا لِصَاحِبِكُم، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ بِالمَدِينَةِ جِنًّا قَد أَسلَمُوا، فَإِذَا رَأَيتُم مِنهُم شَيئًا فَآذِنُوهُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ، فَإِن بَدَا لَكُم بَعدَ ذَلِكَ فَاقتُلُوهُ فَإِنَّمَا هُوَ شَيطَانٌ.
رواه مسلم (2236)(139)، وأبو داود (5259)، والترمذيُّ (1484).
ــ
و(قوله: فأهوى إليها بالرُّمح ليطعنها) أي: أماله إليها إرهابًا ومبالغة في الزَّجر. وحمله على ذلك فرط الغيرة، وما كان بالذي يطعنها.
وقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم حين مات الفتى: (ادع الله أن يحييه لنا) قول أخرجه منهم كثرة ما كانوا يشاهدون من إجابة دعواته وعموم بركاته، ولما روى أئمتنا في كتبهم: أن رجلًا وأد ابنته ثم أسلم، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فسأله: أن يدعو الله في أن يحييها له، فانطلق معه إلى قبرها، فدعا، فناداها، فأحياها الله، فتكلمت معهما، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم:(أتريدين أن تنطلقي مع أبيك؟ أو ترجعي إلى ما كنت فيه؟ ) فاختارت الرُّجوع إلى قبرها (1).
و(قوله: إنَّ بالمدينة جنًّا قد أسلموا) قد بيَّنَّا: أن بغير المدينة أيضًا جنًّا قد أسلموا، فتلزم التسوية بينها وبين غيرها في المنع من قتل الحيَّات إلا بعد الإذن.
(1) انظر: حجة الله على العالمين للنبهاني (1/ 422).
[2104]
وفي طريق أخرى: فقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِهَذِهِ البُيُوتِ عَوَامِرَ، فَإِذَا رَأَيتُم شَيئًا مِنهَا فَحَرِّجُوا عَلَيهَا ثَلَاثًا، فَإِن ذَهَبَ وَإِلَّا فَاقتُلُوهُ
ــ
ولا يفهم من هذا الحديث: أن هذا الجان الذي قتله الفتى كان مسلمًا، وأن الجنَّ قتلته قصاصًا؛ لأنَّه لو سلم: أن القصاص مشروع بيننا وبين الجن، لكن: إنما يكون في العمد المحض، وهذا الفتى لم يقصد، ولم يتعمد قتل نفس مسلمة؛ إذ لم يكن عنده علم من ذلك، وإنما قصد إلى قتل ما سوَّغ له قتل نوعه شرعًا، فهذا قتل خطأ، ولا قصاص فيه. فالأولى أن يقال: إن كفار الجن أو فسقتهم قتلوا الفتى بصاحبهم عدوانًا وانتقامًا، وإنما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن بالمدينة جنًّا قد أسلموا. . .) إلى آخر الحديث؛ ليبين طريقًا يحصل به التحرُّز من قتل المسلم منهم، ويتسلط به على قتل الكافر منهم، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(فإذا رأيتم منها شيئًا فآذنوه ثلاثة أيام، فإن بدا لكم بعد ذلك فاقتلوه، فإنما هو شيطان) ولذلك قال مالك: أحبُّ إلي أن ينذروا ثلاثة أيام. قال عيسى بن دينار: ينذر ثلاثة أيام، وإن ظهر في اليوم مرارًا، ولا يقتصر على إنذاره ثلاث مرار في يوم واحد حتى يكون في ثلاثة أيام.
قلت: وهذا تنبيه: على أن من الناس من يقول: إن الإذن ثلاث مرَّات، وهو الذي يفهم من قوله:(فليؤذنه ثلاثًا) ومن قوله: (فحرجوا عليه ثلاثًا) لأنَّ ثلاثًا للعدد المؤنث، فيظهر: أن المراد ثلاث مرَّات، والأولى: ما صار إليه مالك؛ لأنَّ قوله: (ثلاثة أيام) نصٌّ صحيح، مقيَّد لتلك المطلقات، فلا يُعدل عنه، ويمكن أن يحمل تأنيث العدد على إرادة ليالي الأيام الثلاثة، فغلب الليلة على عادة العرب في باب التاريخ، فإنَّها تغلب فيها التأنيث.
و(قوله: فحرِّجوا عليها ثلاثًا) قال مالك: يكفي في الإنذار أن يقول: أحرِّج عليك بالله واليوم الآخر ألا تبدو لنا، ولا تؤذينا. وحكى ابن حبيب عن