المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

[1761]

عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ نَاسًا مِن عُرَينَةَ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَاجتَوَوهَا، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن شِئتُم أَن

ــ

وابن عُلَيَّة، وبعض المكيين. فنفَوا الحكم بها شرعًا في العمد والخطأ. وقد روي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، والحكم بن عتَيبة. وقد روي عنهما العمل بها. وقد روي نفي العمل بها عن سليمان بن يسار.

والصحيح عنه روايته المذكورة عنه هنا. حيث قال عن رجال من الأنصار: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أقرَّ القسامة على ما كانت عليه في الجاهلية. وظاهر هذا: أنَّه يقول بها. وهذا الحديث أيضًا حجة للجمهور على من أنكر العمل بها. فإن ظاهره: أنَّه صلى الله عليه وسلم وجدَ الناس على عمل، فلمَّا أسلموا، واستقل بتبليغ الأحكام أقرَّها على ما كانت عليه، فصار ذلك حكما شرعيًّا يُعمل عليه، ويحكم به، لكن يجب أن يبحث عن كيفية عملهم الذي كانوا يعملونه فيها، وشروطهم التي اشترطوها، فيعمل بها من جهة إقرار النبي صلى الله عليه وسلم، لا من جهة الاقتداء بالجاهلية فيها.

(2)

ومن باب القصاص في العين وحكم المرتد

(قوله: إن ناسًا من عُرَينَة قدموا المدينة فاجتَوَوها) أي: لم توافقهم في صحتهم. يقال: اجتوى البلد، واستوبله، واستوخمه: إذا سقم فيه عند دخوله. و (استاقوا الذود) أي: حملوا الإبل معهم، وهو من السَّوق، وهو: السير السَّريع العنيف. وفي الرِّواية الأخرى: مكان: (الذود): (لقاح رسول الله صلى الله عليه وسلم)، وهي: جمع: لِقحَة. وهي: الناقة ذات اللبن. و (سَمَلَ أعينهم) أي: غرز فيها الشوك حتَّى فقأها. قال أبو ذُؤَيب:

والعَينُ بَعدَهُمُ كأنَّ حِدَاقِهَا

سُمِلَت بشوكٍ فهي عُورٌ تدمَعُ

ص: 18

تَخرُجُوا إِلَى إِبِلِ الصَّدَقَةِ فَتَشرَبُوا مِن أَلبَانِهَا وَأَبوَالِهَا. فَفَعَلُوا فَصَحُّوا، ثُمَّ

ــ

و(سَمَرَ) أي: فقأها بمسامير محميَّةٍ؛ قاله أبو عبيد. وقال غيره: (سَمَلَ) و (سَمَّرَ) بمعنى واحد. أبدلت الرَّاء من اللام. وفيه بُعدٌ.

(يستسقون): يسألون أن يسقوا. وفي الأصل (1): (وقد وقع بالمدينة ألمُوم، وهو البرسام). والبرسام: لفظة يونانية تستعملها الأطبَّاء في كتبهم، يعنون به: وجعَ الرأسِ أو الصَّدر.

وفي الحديث أبواب من الفقه؛ منها: جواز التطبب، وأن يطب كل جسم بما اعتاد. فإن هؤلاء القوم أعراب البادية، عادتهم شرب أبوال الإبل وألبانها، وملازمتهم الصحارى. فلمَّا دخلوا القرى، وفارقوا أغذيتهم، وعادتهم؛ مرضوا. فأرشدهم النبي صلى الله عليه وسلم إلى ذلك، فلمَّا رجعوا إلى عادتهم من ذلك، صحُّوا، وسمنوا.

وفيه دليل لمالك على طهارة بول ما يؤكل لحمه. وقد تقدَّم.

وفيه جواز (2) قتل المرتدين من غير استتابةٍ.

وفيه: القصاص من العين بمثل ما فقئت به، كما قال أنس: إنما سَمَل رسول الله صلى الله عليه وسلم أعينهم؛ لأنهم سَمَلوا أعين الرِّعاء، وإنَّما قطع رسول الله صلى الله عليه وسلم أيديهم وأرجلهم لأنهم فعلوا كذلك بالرَّاعي؛ على ما حكاه أهل التاريخ (3) والسِّير. قالوا: كان هذا الفعل من هؤلاء المرتدِّين سنة ست من الهجرة. واسم الرَّاعي: يسار، وكان نوبيًّا. فقطعوا يديه، ورجليه، وغرزوا الشوك في عينيه حتَّى مات، وأدخل المدينة ميتًا. ففعل بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم مثل ما فعلوا به.

قلت: وعلى هذا: فلا يكون فيه إشكال. ويكون فيه دليل على القصاص من الجماعة بالواحد في النفس والأطراف. وهو قول مالك، وجماعة. وخالف في

(1) أي: في الرواية رقم (1671/ 13) في كتاب مسلم.

(2)

زيادة من (ل 1).

(3)

في (ج 2): التواريخ.

ص: 19

مَالُوا عَلَى الرُّعَاء، فَقَتَلُوهُم وَارتَدُّوا عَن الإِسلَامِ، وَاستاقُوا ذَودَ

ــ

ذلك أبو حنيفة فقال: لا تقتل الجماعة بالواحد. والحديث حجَّة عليه.

وقول عمر رضي الله عنه: (لو تمالأ عليه أهل صنعاء لقتلتهم به). غير أن ذلك الحديث يُشكِل بما زاده أبو داود فيه من حديث أنس أيضًا قال: فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم في طلبهم قافة، فأُتي بهم، فأنزل الله تعالى في ذلك:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا} الآية (1).

وعلى هذا فإنما قطعهم وقتلهم لأنهم محاربون، فلا يكون فيه حجَّة على شيء مما ذكر قبل هذا من الأوجه المستنبطة؛ لأنَّهم إذا كانوا محاربين فهو مخيَّر فيهم. ثم يشكل هذا بما زاده أبو داود فيه من حديث أنس، فإنَّه قال فيه بعد ذلك: ثم نهى عن المثلة (2).

وفيه من حديث أبي الزناد: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما قطع أيدي الذين سرقوا لقاحه، وسمل أعينهم بالنار عاتبه الله في ذلك، فأنزل الله عز وجل في ذلك:{إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} الآية (3). فإن كان فعل ذلك قصاصًا منهم، أو حدًّا؛ لأنهم محاربون؛ فذلك ليس بمثلة منهيًّا عنها، ولا يعاتب عليه.

قلت: والذي يرتفع به الإشكال -إن شاء الله -: أن طرق حديث أنس الواقعة في كتاب مسلم والبخاري أشهر وأصح من طرق أبي داود. وتلك الطرق متوافقة: على أن ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم كان قصاصًا منهم بما فعلوا، غير تركهم حتى ماتوا عطاشًا، وتكحيلهم بمسامير محمَّاة، كما ذكره أبو داود، وكما دل عليه قوله:(وسمر أعينهم). فيمكن أن يقال: إن الله تعالى عاتبه على ذلك القدر الذي زاده فقط، دون القصاص والقتل، فإن ذلك كان حكمهم. ولم يَستَتِبهُم من الرِّدة، إما لأن الاستتابة لم تكن إذ ذاك مشروعة، وإمَّا لأنهم كانوا قد وجب قتلهم إمَّا

(1) رواه أبو داود (4366).

(2)

رواه أبو داود (4368).

(3)

رواه أبو داود (4370).

ص: 20

رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَبَلَغَ ذَلِكَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم، فَبَعَثَ فِي أَثَرِهِم، فَأُتِيَ بِهِم، فَقَطَعَ أَيدِيَهُم وَأَرجُلَهُم، وَسَمَلَ أَعيُنَهُم، وَتَرَكَهُم فِي الحَرَّةِ حَتَّى مَاتُوا.

ــ

بالقصاص، وإمَّا بالحرابة؛ فلا بدَّ من قتلهم، فلا يظهر للاستتابة فائدة، فاستغنى عنها، والله تعالى أعلم.

غير أنه يبقى على هذا إشكال آخر، وهو: أن من قطع يد رجل أو رجله، أو فقأ عينه، ثم قتله، قتل به، ولم يُفعل به شيء مما فعل بالمقتول من قطع، أو جرح. بل يُقتل خاصة إلا أن يكون قد مَثَّل به فيُفعل به كما فعل، ثمَّ يقتل. هذا مذهب مالك. وقال أبو حنيفة، والشافعي: يجرح، أو يقطع، ثم يُقتل. فعلى قولهما لا إشكال فيه. ويزول الإشكال على قول مالك بأنهم مثَّلوا بالرَّاعي فمُثِّل بهم، ثم قُتِلوا.

وقد اختلف العلماء فيماذا نزلت: {إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} ؟ فقيل: نزلت في هؤلاء العُرَنيَّين كما ذكرناه في حديث أبي داود. وذهب الحسن البصري، وعطاء بن أبي رباح: إلى أنها نزلت في المشركين. وذهب ابن جرير: إلى أنها نزلت في اليهود. قال: ويدخل تحتها كلُّ ذِمِّي وملِّي. وذهب مالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي: إلى أنها نزلت في المسلمين المحاربين. وهذا القول أصحها - إن شاء الله تعالى - لوجهين:

أحدهما: أن الكفار لا تخيير فيهم بين القتل والصَّلب، وقطع الأيدي والأرجل. وإنَّما حكم الكافر الأصلي: إمَّا القتل، وإمَّا السباء، أو الجزية. وأمَّا المرتد: فالقتل. وهل يستتاب أو لا؟ هذا محل الخلاف كما تقدم.

وثانيهما: أن الكافر لو تاب فأسلم بعد القدرة عليه لصحت توبته، وحرم قتله بالإجماع. وآية المحاربة بنصِّها مخالفة لهذين الوجهين. فدلَّ اختلاف حكم الكافر لحكم المحارب: أن المحارب إنَّما هو مسلمٌ بحكم اعتقاده، محارب بفعله. فحكمه ما ذكره الله تعالى في آية المحاربة. ثم المحاربة عندنا هي: إخافة السبيل، وإشهار السلاح قصدًا لأخذ الأموال، وسعيا بالفساد في الأرض، ويكون خارج

ص: 21

وفي رواية: قال: وسملت أعينهم، وألقوا في الحرة يستسقون فلا يسقون.

رواه أحمد (3/ 107)، والبخاري (4192)، ومسلم (1671)، (9 و 10)، وأبو داود (4364)، والترمذي (72)، والنسائي (7/ 93) وابن ماجه (2578)(9 و 10).

ــ

المصر وداخله عندنا، وعند الشافعي. وقال أبو حنيفة، وعطاء: لا تكون في المصر. وقد فسَّر مجاهد المحاربة بالزنى والسرقة. وليس بصحيح؛ لأن الله تعالى قد بيَّن في كتابه، وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم:(أن السارق تقطع يده فقط، وأن الزاني يجلد ويغرَّب إن كان بكرًا، أو يرجم إن كان ثيِّبًا محصنًا). وأحكام المحارب في هذه الآية خلاف ذلك؛ اللهم إلا أن يريد (مجاهد): إخافة الطُّرق بإظهار السِّلاح قصدا للغلبة على الفروج؛ فهذا أفحش المحاربة، وأقبح من أخذ الأموال. ولا ينبغي أن يختلف في ذلك. وقد دخل ذلك في قوله تعالى:{وَيَسعَونَ فِي الأَرضِ فَسَادًا} وأي فسادٍ أعظم من الهجم على حرم المسلمين وأولادهم، وإشهار ذلك، وإظهار السلاح لأجله. وقد كثر ذلك في بلاد الأندلس في هذه المُدَد القريبة، وظهر فيهم ظهورًا فاحشًا، بحيث اشترك فيه الشُّبَّان بالفعل، وأشياخهم بالإقرار عليه، [وترك الإنكار. فسلط الله عليهم عدوَّهم فأهلكهم، واستولى على بلادهم. فإنا لله وإنَّا إليه راجعون](1).

فأمَّا حكم المحارب: فأولى الأقوال فيه ما شهد له ظاهر الآية. وهو: تخيير الإمام بين القتل مع الصَّلب، والقطع، والنفي. فأي ذلك رأى الإمام أنكى، أو أحق، فعل. وهو مروي عن ابن عباس. وإليه ذهب عطاء، والحسن البصري، والنخعي، ومجاهد، والضحاك، ومالك، وأبو ثور. واختلف عن مالك في

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 22

[1762]

عَن أَنَسٍ قَالَ: إِنَّمَا سَمَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَعيُنَ أُولَئِكَ لِأَنَّهُم سَمَلُوا أَعيُنَ الرِّعَاءِ.

رواه مسلم (1471)(14).

* * *

ــ

الصَّلب. هل يكون قبل القتل، أو بعده؟ وروي أيضًا عن ابن عباس: أنه إن أخاف السبيل وأخذ المال؛ قُطعت يده ورجله من خلاف. وإن أخذ المال وقَتَل؛ قُطعت يده ورجله، ثم قُتل. وإن قتل، ولم يأخذ مالًا؛ قُتل. وإن لم يأخذ مالًا (1) ولم يقتل: نُفي. وبه قال قتادة، وأبو مجلز. وقال الأوزاعي: إن أخاف السبيل، وشهر السلاح؛ قتل، ولم يصلب. وإن أخذ، وقتل؛ قتل مصلوبًا. وإن أخاف السبيل ولم يقتل؛ قطع؛ أخذ المال أو لم يأخذ. وقال الشافعي: إن قتل، وأخذ؛ قتل، وصلب. وإن قتل ولم يأخذ؛ قُتل ولم يصلب، ودُفع إلى أوليائه، وإن أخذ ولم يقتل؛ قطعت يده اليمنى، ثم حسمت بالنار، ثم رجله اليسرى، ثم حسمت. وقال أحمد: من قَتَل قُتِل، ومن أخذ المال قُطِع. والأولى: القولُ بالتخيير. [والله العليم الخبير](2).

* * *

(1) زيادة من (ل 1).

(2)

في (ع): والله تعالى أعلم، وهو العليم الخبير.

ص: 23