المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

؟

[1810]

عَن عَبدِ الله بنِ أَبِي بَكرَةَ قَالَ: كَتَبَ أَبِي وَكَتَبتُ لَهُ إِلَى عُبَيدِ اللَّهِ بنِ أَبِي بَكرَةَ، وَهُوَ قَاضي بِسِجِستَانَ: أَلَا تَحكُمَ بَينَ اثنَينِ وَأَنتَ غَضبَانُ، فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: لَا يَحكُم أَحَدٌ بَينَ اثنَينِ وَهُوَ غَضبَانُ.

رواه أحمد (5/ 36 و 37 و 52)، والبخاري (7158)، ومسلم (1717)، وأبو داود (3589)، والترمذيُّ (1334)، والنسائي (8/ 237 و 238)، وابن ماجه (2316).

ــ

(4)

ومن باب: لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره

(قوله: لا يحكم أحدٌ بين اثنين وهو غضبان) إنَّما كان الغضب مانعًا من الحكم؛ لأنَّه يشوِّش عليه فكره، ويخلُّ بفهمه، فيجب أن يُلحق به ما في معناه، كالجوع، والألم، والخوف، وما أشبه ذلك. وذلك إما بطريق الأولى، كالخوف، والمرض، فإنهما أولى بذلك من الغضب. وإما بطريق توسيع المناط، وذلك أن تَحذِف خصوصية ذكر الغضب، وتُعدِّيه إلى ما في معناه. وهذا النوع من القياس من أجل أنواعه، ولذلك قال به جماعة الفقهاء، وكثير من نفاة القياس. وقد استوفينا ذلك في الأصول، ولا يعارض هذا الحديث بحكم النبي صلى الله عليه وسلم للزبير بإمساك الماء إلى أن يبلغ الجدُر. وقد غضب من قول الأنصاري: أن كان ابن عمتك (1)؟ !

(1) رواه أحمد (4/ 4 - 5)، والبخاري (2359 و 2360)، ومسلم (2357)، والترمذي (1363)، والنسائي (8/ 245)، وابن ماجه (15).

ص: 170

[1811]

وعن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أَحدَثَ فِي أَمرِنَا هَذَا مَا لَيسَ مِنهُ فَهُوَ رَدٌّ.

وفي رواية: مَن عَمِلَ عَمَلًا لَيسَ عَلَيهِ أَمرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.

رواه أحمد (6/ 73 و 240 و 270)، والبخاري (2697)، ومسلم (1718)(17 و 18)، وأبو داود (4606)، وابن ماجه (14).

ــ

لأن النبي صلى الله عليه وسلم معصوم من الهوى، والباطل، والخطأ في غضبه، ورضاه، وصحته، ومرضه. ولذلك قال:(اكتبوا عني في الغضب والرضا)(1). ولذلك نفذت أحكامه، وعمل بحديثه الصادر منه في حال شدَّة مرضه ونزعه، كما قد نفذ في حال صحته ونشاطه.

و(قوله: من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردٌّ) أي: من اخترع في الشرع ما لا يشهد له أصل من أصوله فهو مفسوخ، لا يعمل به، ولا يلتفت إليه.

وفيه حجَّة: على أن النهي يدلُّ على الفساد. وهو قول جمهور الفقهاء. وذهب بعض أصحابنا، وأكثر المتكلمين: إلى أنه لا يدل على الفساد، وإنما مدلوله المنع من إدخال المنهي عنه في الوجود فقط. وأما حكمه إذا وقع من فساد أو صحة: فالنَّهي لا يدلُّ عليه، وينظر دليل ذلك من خارج النَّهي.

وقد اختلف حال المنهيات في الشرع؛ فبعضها يصحُّ إذا وقع، كالطلاق في الحيض. وبعضها لا يصحُّ، كبيع الملاقيح والمضامين. وبعضها يختلف فيه أصحابنا والفقهاء، كالبيع وقت النداء. وللمسألة غَورٌ. وقد بيَّنَّاه في الأصول.

وفتى (2) القاسم بن محمد فيمن له مساكن، فأوصى بثلث كل مسكن منها،

(1) رواه أحمد (2/ 162 و 192)، وأبو داود (3646) بنحوه.

(2)

أي: فتيا أو فتوى. انظر: اللسان مادة (فتا).

ص: 171

[1812]

وعَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا أُخبِرُكُم بِخَيرِ الشُّهَدَاءِ؟ ! الَّذِي يَأتِي بِشَهَادَتِهِ قَبلَ أَن يُسأَلَهَا.

ــ

فإنَّه يجمع ذلك كلُّه في مسكن واحد. فيه إشكال؛ إذ هي مخالفة لما أوصى به الموصي. والأصل اتِّباع أقواله والعمل بظاهرها؛ فإنَّه كالمشرع. ففتيا القاسم ليس على ظاهرها، وإنما هي محمولة على ما إذا أراد أحد الفريقين من الورثة، أو الموصى لهم القسمة، وتمييز حقه، وكانت المساكن متقاربة، بحيث يضم بعضها إلى بعض في القسمة، فحينئذ تقوَّم تلك المساكن قيمة التعديل، وتقسم بينهم، فيجمع نصيب الموصى لهم في موضع واحد يشتركون فيه بحسب وصاياهم، ويبقى نصيب الورثة فيما عدا ذلك، بحسب مواريثهم.

فإن قيل: فقد استحالت الوصية عن أصلها.

فالجواب: أن ذلك بحسب ما أدَّت إليه سُنَّة القسمة عند الدُّعاء إليها، فإن الموصي لو أوصى بثلث كل مسكن، ومنع من القَسم لم يلتفت إلى منعه، وكان ذلك المنع مردودًا. وهو الذي استدلَّ على ردِّه القاسم بقوله صلى الله عليه وسلم:(من أحدث في أمرنا ما ليس منه فهو ردٌّ) فلو لم يطلب أحدٌ من الفريقين قسمة، أو كانت المساكن لا يُضمُّ بعضها إلى بعض لبعدها، وتباين اختلافها بقي كلُّ واحد منهم على نصيبه حسب ما وُصِّي له به. وهذا كلُّه مذهب مالك.

و(قوله: ألا أخبركم بخير الشهداء) الشهداء: جمع شهيد، كظرفاء: جمع ظريف، ويجمع أيضًا على: شهود، لكنه جمع شاهد، كحضور جمع حاضر، وخروج جمع خارج. ويعني بخير الشهداء: أكملهم في رتبة الشهادة، وأكثرهم ثوابًا عند الله تعالى.

و(قوله: الذي يأتي بشهادته قبل أن يسأَلَها) يعني به الشهادة التي يجب أداؤها، ولم يَسألها؛ كشهادة بحق لم يحضر مستحقه، أو بشيء يخاف ضياعه، أو فوته بطلاق، أو عتق على من أقام على تصرُّفه من الاستمتاع بالزوجة، واستخدام العبد، إلى غير ذلك، فيجب على من تحمَّل شيئًا من ذلك أداء تلك الشهادة، ولا

ص: 172

رواه أحمد (5/ 114 و 116 و 117) و (5/ 192 و 193)، ومسلم (1719)، وأبو داود (3569)، والترمذيُّ (2296 و 2297)، وابن ماجه (2364).

* * *

ــ

يقف أداؤها على أن تُسأَلَ منه، فيضيع الحق، وقد قال تعالى:{وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ} ولا يعارض هذا بقوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: (ثم يأتي من بعد ذلك قوم يشهدون ولا يُستشهدون)(1) لأن هذا محمولٌ على أحد وجهين:

أحدهما: أن يراد به: شاهد الزور؛ فإنَّه يشهد بما لم يستشهد؛ أي: بما لم يحمله.

والثاني: أن يراد به الذي يحمله الشَّرَهُ على تنفيذ ما يشهد به فيبادر بالشهادة قبل أن يُسأَلَها. فهذه شهادة مردودة، فإن ذلك يدلُّ على هوى غالب على الشاهد. ولا خلاف عندنا في هذا إن شاء الله تعالى. وما ذكرناه أحسن ما حمل عليه هذا الحديث.

وقد روي عن النَّخعي: أنَّه قال: المراد بالشهادة في هذا الحديث: اليمين. واستدلَّ عليه بقوله صلى الله عليه وسلم في بقيَّة الحديث: (تسبق يمين أحدهم شهادته، وشهادته يمينه)، وفيه نظر. وسيأتي إن شاء الله تعالى.

فرع: لا إشكال في أن من وجبت عليه شهادة على أحد الأوجه التي ذكرناها فلم يؤدها أنَّها جُرحَةٌ في الشَّاهد والشهادة. ولا فرق في هذا بين حقوق الله تعالى وحقوق الآدميين. هذا قول ابن القاسم وغيره. وذهب بعضهم: إلى أن تلك الشهادة إن كانت بحق من حقوق الآدميين كان ذلك جُرحَة في تلك الشهادة نفسها خاصة، فلا يصلح له أداؤها بعد ذلك.

(1) رواه أحمد (4/ 427 و 436)، والبخاري (2651)، ومسلم (2535)(214)، وأبو داود (4657)، والترمذي (2222)، والنسائي (7/ 17 - 18).

ص: 173