الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب ما جاء في أكل الضب
[1845]
عن ابنَ عُمَرَ قال: سُئِلَ رسول الله صلى الله عليه وسلم عَن الضَّبِّ فَقَالَ: لَستُ بِآكِلِهِ وَلَا مُحَرِّمِهِ.
وفي رواية: أتي رسول الله صلى الله عليه وسلم بضب فلم يأكله ولم يحرمه.
رواه أحمد (2/ 62 و 74)، والبخاري (5536)، ومسلم (1943)(39 - 41)، والترمذيُّ (1790)، والنسائي (7/ 197)، وابن ماجه (3242).
ــ
(7 و 8) ومن باب: أكل الضبِّ (1)
وهو حرذونٌ كبير يكون في الصحراء. و (المَحنُوذ): المشوي بالرَّضف، وهي الحجارة المحمَّاة، وهو الحنيذ أيضًا. وقيل: المشوي مطلقًا. يقال: حَنَذَته النار، والشمس؛ إذا شوته.
و(قوله صلى الله عليه وسلم في الضبِّ: لست بآكله، ولا محرِّمه)، و (قول خالد:(أحرامٌ الضبُّ يا رسول الله؟ فقال: لا) دليل على أنه ليس بحرام. وهي تبطل قول من قال بتحريمه. حكاه المازري عن قومٍ، ولم يُعيِّنهم. وحكى ابن المنذر عن علي رضي الله عنه النهي عن أكله. والجمهور من السلف والخلف على إباحته لما ذكرناه، وقد كرهه آخرون: فمنهم من كرهه استقذارًا، ومنهم من كرهه مخافة أن يكون مما مسخ. وقد جاء في هذه الأحاديث التنبيه على هذين التعليلين. وقد جاء
(1) شرح الشيخُ رحمه الله تحت هذا العنوان ما أشكل في أحاديث هذا الباب، وما أشكل في أحاديث الباب الذي يليه في التلخيص بعنوان: باب: ما جاء في أن الضَّبَّ والفأر يتوقّع أن يكونا مما مسخ.
[1846]
وعن ابن عَبَّاسٍ أَنَّ خَالِدَ بنَ الوَلِيدِ الَّذِي يُقَالَ لَهُ: سَيفُ اللَّهِ، أَخبَرَهُ أَنَّهُ دَخَلَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَيمُونَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهِيَ خَالَتُهُ وَخَالَةُ ابنِ عَبَّاسٍ - فَوَجَدَ عِندَهَا ضَبًّا مَحنُوذًا، قَدِمَت بِهِ أُختُهَا حُفَيدَةُ بِنتُ الحَارِثِ مِن نَجدٍ، فَقَدَّمَت الضَّبَّ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ قَلَّمَا يُقَدّمُ يديه لطَعَام حَتَّى يُحَدَّثَ بِهِ، وَيُسَمَّى لَهُ، فَأَهوَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ إِلَى الضَّبِّ، فَقَالَت امرَأَةٌ مِن النِّسوَةِ الحُضُورِ: أَخبِرنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا قَدَّمتُنَّ لَهُ، قُلنَ: هُوَ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ، فَقَالَ خَالِدُ بنُ الوَلِيدِ: أَحَرَامٌ الضَّبُّ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: لَا، وَلَكِنَّهُ لَم يَكُن بِأَرضِ قَومِي، فَأَجِدُنِي أَعَافُهُ.
ــ
في غير كتاب مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم كرهه لرائحته، فقال:(إني يحضرني من الله حاضرة)(1)، يريد: الملائكة. فيكون هذا كنحو ما قال في الثوم: (إِنِّي أناجي من لا تناجي)(2).
قلت: ولا بُعد في تعليل كراهة الضب بمجموعها (3).
وإنما كان يُسمَّى له الطعام إذا وُضع بين يديه ليقبل على ما يحب، ويترك ما لا يحب؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم ما كان يذمُّ ذواقًا، فإن أحبَّه أكله، وإن كرهه تركه، كما فعل بالضبِّ.
و(قوله: لم يكن بأرض قومي، فأجدني أعافه) أي: أكرهه. يقال: عِفت الشيء أعافه [عيفًا: إذا كرهته. وعِفتُه أُعِيفُه](4) عيافة: من الزجر. وعافَ الطيرُ،
(1) رواه مالك في الموطأ (2/ 967).
(2)
رواه البخاري (855)، والبخاري (564)(73).
(3)
سقطت من (ز).
(4)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
قَالَ خَالِدٌ: فَاجتَرَرتُهُ فَأَكَلتُهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَنظُرُ، فَلَم يَنهَنِي.
رواه البخاريُّ (5537)، ومسلم (1945 و 1946)(44)، وأبو داود (3794)، والنسائي (7/ 197 و 198)، وابن ماجه (3241).
[1847]
وعَن يَزِيدَ بنِ الأَصَمِّ قَالَ: دَعَانَا عَرُوسٌ بِالمَدِينَةِ فَقَرَّبَ إِلَينَا ثَلَاثَةَ عَشَرَ ضَبًّا، فَآكِلٌ وَتَارِكٌ، فَلَقِيتُ ابنَ عَبَّاسٍ مِن الغَدِ فَأَخبَرتُهُ، فَأَكثَرَ القَومُ حَولَهُ حَتَّى قَالَ بَعضُهُم: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا آكُلُهُ، وَلَا أَنهَى عَنهُ، وَلَا أُحَرِّمُهُ. فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: بِئسَ مَا قُلتُم، مَا بُعِثَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَّا
ــ
يَعيفُ: إذا حام على الماء ليشرب.
و(قوله: بأرض قومي) ظاهره: أنه لم يكن موجودًا فيها، وقد حكي عن بعض العلماء: أن الضبَّ موجودٌ عندهم بمكة؛ غير أنه قليل، وأنهم لا يأكلونه. والله تعالى أعلم.
و(قول خالد: فاجتررته، فأكلته ورسول الله صلى الله عليه وسلم ينظر، فلم يمنعني) هذا تقرير منه صلى الله عليه وسلم على جواز أكله، ولو كان حرامًا لم يقرَّ عليه، ولا أُكِلَ على مائدته، ولا بحضرته، فثبت: أنه حلال مطلقٌ لعينه. وإنَّما كرهه لأمور خارجةٍ عن عينه، كما نصَّ عليها فيما ذكرناه آنفا.
و(قول يزيد بن الأصم: دعانا عروسٌ بالمدينة، فقرَّب إلينا ثلاثة عشر ضبًّا) دليل: على أن أكلهم للضباب كان فاشيًا عندهم، معمولًا به في الحاضرة، وفي البادية، ولذلك قال عمر رضي الله عنه: إنه طعام عامة الرُّعاء، ولو كان عندي طعمته.
وإنكار ابن عباس على الذي نقل عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (لا آكله، ولا أنهى عنه، ولا أحرِّمه) إنما كان لأنَّه فهم من الناقل: أنه اعتقد أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يحكم في الضبِّ بشيء، ولذلك قال له: بئس ما قلت، ما بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا محرِّمًا ومحلِّلًا. ثم بيَّن له بعد ذلك الدليل على أنَّه صلى الله عليه وسلم أباحه، فذكر الحديث.
مُحِلّلا وَمُحَرِّمًا، إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَمَا هُوَ عِندَ مَيمُونَةَ وَعِندَهُ الفَضلُ بنُ عَبَّاسٍ، وَخَالِدُ بنُ الوَلِيدِ، وَامرَأَةٌ أُخرَى، إِذ قُرِّبَ إِلَيهِم خُوَانٌ عَلَيهِ لَحمٌ، فَلَمَّا أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يَأكُلَ، قَالَت لَهُ مَيمُونَةُ: إِنَّهُ لَحمُ ضَبٍّ، فَكَفَّ يَدَهُ، وَقَالَ: هَذَا لَحمٌ لَم آكُلهُ قَطُّ. وَقَالَ لَهُم: كُلُوا. فَأَكَلَ مِنهُ الفَضلُ، وَخَالِد، وَالمَرأَةُ، وَقَالَت مَيمُونَةُ: لَا آكُلُ مِن شَيءٍ إِلَّا شَيءٌ يَأكُلُ مِنهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: قَالَ ابن عَبَّاسٍ: أَهدَت خَالَتِي أَمُّ حُفَيدٍ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَمنًا وَأَقِطًا وَأَضُبًّا، فَأَكَلَ مِن السَّمنِ وَالأَقِطِ، وَتَرَكَ الضَّبَّ
ــ
و(الخوان): ما يجعل عليه الطعام، يقال بكسر الخاء وضمها، وجمعه: أَخوِنَة وخُونٌ. ويُسمَّى بذلك إذا لم يكن عليه طعام، وإذا وضع عليه الطعام يسمّى: مائدة.
وفيه دليل: على جواز اتخاذ الأخونة، والأكل عليها؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم قد كان له خوان، وأُكِل عليه بحضرته، على ما اقتضاه ظاهر هذا الحديث. وما روي: أنه صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم لم تكن لهم موائد، وإنما يأكلون على السُّفَرِ، فذلك كان غالب أحوالهم. والله تعالى أعلم.
و(قول ابن عباس: أهدت خالتي أمُّ حُفيد) مصغر بغير هاء. كذا صوابه؛ لأنَّه الأشهر. واسمها: هزيلة. وهكذا ذكره أبو عمر في الصحابة، وهي رواية النَّسفي في البخاري، وما عدا هذه الرواية فاضطراب من الرواة. فمنهم من قال: حُفيدة. ومنهم من قال: أمّ حُفيدة. ومنهم من قال: أمّ حُفيد (1). وعند بعض رواة البخاري: أمُّ حذيفة. والأول الصواب. والله تعالى أعلم.
و(الأَقِطُ): اللَّبن المجبَّن المُجَّفف.
(1) في (ل 1): حميد.