الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ
[2141]
عَن عُثمَانَ بنِ أَبِي العَاصِ الثَّقَفِيِّ أَنَّهُ شَكَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَجَعًا يَجِدُهُ فِي جَسَدِهِ مُنذُ أَسلَمَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ضَع يَدَكَ عَلَى الَّذِي يألمَ مِن جَسَدِكَ وَقُل: بِاسمِ اللَّهِ - ثَلَاثًا، وَقُل سَبعَ مَرَّاتٍ: أَعُوذُ بِاللَّهِ وَقُدرَتِهِ مِن شَرِّ مَا أَجِدُ وَأُحَاذِرُ.
رواه مسلم (2202)، وأبو داود (3891)، وابن ماجه (3522).
ــ
وللجمهور أن يقولوا: لا نسلِّم صحة ذلك القياس؛ لأنَّه فاسد الوضع، لأنَّه في مقابلة قوله صلى الله عليه وسلم: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله، وهو عمومٌ قوي وظاهرٌ جلي.
والجواب عن القياس بعد تسليمه (1): إنه لا يصح للفرق بين الفرع والأصل، وهو أن الصلاة والصوم عبادات خاصَّة بالفاعل، وتعليم القرآن عبادة متعدية لغير المعلم، فتجوز الأجرة على محاولة النقل كتعليم كتابة القرآن.
وأمَّا الجواب عن الحديث بعد تسليم صحته فالقول بموجبه؛ لأنَّ تعليم عبادة لم يكن بإجارةٍ ولا جُعل، وإنما علَّم لله تعالى تطوعًا لا لغيره، ومن كان كذلك حرم عليه أخذ العوض على ما فعله لله تعالى لأنَّه ربما يفسد عمله ويأكل مالًا بالباطل.
(8)
ومن باب: الرُّقية بأسماء الله عز وجل
قوله ضع يدك على الذي يألم من جسدك، هذا الأمر على جهة التعليم والإرشاد إلى ما ينفع من وضع يد الرَّاقي على المريض ومسحه به، وأن ذلك لم
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع) و (ج 2).
[2142]
وعنه أنه أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ الشَّيطَانَ
ــ
يكن مخصوصًا بالنبي صلى الله عليه وسلم، بل ينبغي أن يفعل ذلك كل راقٍ، وقد تأكد أمر ذلك بفعل النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم ذلك بأنفسهم وبغيرهم، كما قد ذكر في الأحاديث المتقدِّمة، فلا ينبغي للرَّاقي أن يعدل عنه للمسح بحديد ولا بغيره، فإنَّ ذلك لم يفعله أحدٌ ممن سبق ذكره، ففعلُه تمويهٌ لا أصل له.
ومما ينبغي للرَّاقي أن يفعله النفث والتفل، وقد قلنا أنَّهما نفخ مع ريق، وإن ريق التفل أكثر، وقد قيل: إن ريق النفث أكثر. وقيل: هما متساويان. والأول أصح عند أهل اللغة. وقد كثر ذلك في الأحاديث المتقدِّمة وغيرها فلا يعدل عنه، وكذلك تكرار التسمية ثلاثًا وتكرار العوذ سبعًا كما جاء في هذا الحديث، فينبغي للرَّاقي أن يحافظ عليه إذ قد علَّمه النبي صلى الله عليه وسلم وأمر به، فكل ذلك فيه أسرار يدفع الله تعالى بها الأضرار، فأما ما يفعله المعزمون من الآلات والصَّلاصل فذلك كله من باب التمويه والتطرُّق لأكل المال بالباطل.
واختلف العلماء في النُّشرة، وهي أن يكتب شيئًا من أسماء الله أو من القرآن ثم يغسله بالماء ثمَّ يمسح به المريض أو يسقيه إياه؛ فأجازها سعيد بن المسيب، قيل له: الرَّجل يؤخذ عن امرأته، أيحل عنه وينشر؟ قال: لا بأس به، وما ينفع لم يُنه عنه. وقال المازري: النشرة أمر معروف عند أهل التعزيم، وسميت بذلك لأنها تنشر عن صاحبها - أي: تحل. ومنعها الحسن وقال: هي من السحر. وقد روى أبو داود من حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنه قال: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن النَّشرة فقال: هي من عمل الشيطان (1)، قال بعض علمائنا: هذا محمول على أنها خارجة عمَّا في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وعن المداواة المعروفة، والنُّشرة من جنس الطب.
(1) رواه أبو داود (3868).
قَد حَالَ بَينِي وَبَينَ صَلَاتِي وَقِرَاءَتِي يَلبِسُهَا عَلَيَّ! فَقَالَ له رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ذَاكَ شَيطَانٌ يُقَالُ لَهُ خَنزَبٌ، فَإِذَا أَحسَستَهُ فَتَعَوَّذ بِاللَّهِ مِنهُ، وَاتفِل عَلَى يَسَارِكَ ثَلَاثًا. قَالَ: فَفَعَلتُ ذَلِكَ، فَأَذهَبَهُ اللَّهُ عَنِّي.
رواه مسلم (2203).
* * *
ــ
قلت: ويتأيد هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك، ومن استطاع منكم أن ينفع أخاه فليفعل (1).
قال القاضي عياض رحمه الله في النفث: وفائدة ذلك - والله أعلم - التبرُّك ببلل الرُّطوبة أو الهواء والنفس المباشر للرُّقية الحسنة، كما يُتبرَّك بغسالة ما يكتب من أسماء الله الحسنى في النُّشُر. قال: وقد يكون ذلك على وجه التفاؤل من زوال ذلك الألم وانفصاله عن المريض كانفصال ذلك النفث، وقد كان مالك ينفث إذا رقى نفسه، وكان يكره الحديدة والملح الذي يعقد والذي يكتب خاتم سليمان، وكان العقد عنده أشدّ كراهة لما في ذلك من مشابهة السِّحر.
وقوله جاء (2) يَلبِسها علي هو بكسر الباء؛ لأنَّ ماضيه لبس بفتحها، كما قال الله تعالى:{وَلَلَبَسنَا عَلَيهِم مَا يَلبِسُونَ} وهو الخلط، فأمَّا لبست الثوب فهو على العكس من ذلك.
وقوله ذلك شيطان يقال له خِنزَب هو بالحاء المهملة وبفتحها عند الجياني، وبكسرها عند الصدفي. وفي الصحاح: الخنزاب هو الغليظ القصير، وأنشد:
(1) تقدم تخريجه في التلخيص برقم (2846).
(2)
كلمة (جاء) ليست في نص الحديث الذي في التلخيص، ولا روايات الحديث في صحيح مسلم.