الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه
[2096]
عَن عَمرِو بنِ الشَّرِيدِ، عَن أَبِيهِ قَالَ: رَدِفتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا فَقَالَ: هَل مَعَكَ مِن شِعرِ أُمَيَّةَ بنِ أَبِي الصَّلتِ شَيءٌ؟ قُلتُ: نَعَم. قَالَ: هِيه. فأَنشَدتُهُ بَيتًا. فَقَالَ: هِيه. ثُمَّ أَنشَدتُهُ بَيتًا،
ــ
(20)
ومن باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه
قوله: (عن عمرو بن الشريد عن أبيه قال: رَدِفتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم) هكذا صواب هذا السَّند وصحيح روايته، وقد وقع لبعض رواة كتاب مسلم: عن عمرو بن الشريد (1)، عن الشريد، عن أبيه، وهو وَهمٌ؛ لأنَّ الشريد هو الذي أردفه النبي صلى الله عليه وسلم خلفه، واستنشده شعر أميَّة بن أبي الصلت، لا أبو الشريد. واسم أبي الشريد: سويد.
و(قوله: هل معك من شعر أميَّة بن أبي الصلت شيء؟ ) دليلٌ على جواز حفظ الأشعار، والاعتناء بها، وإنَّما المكروه أن يغلب الاشتغال بها على الإنسان، ويكثر منها كثرة تصده عن أهم منها، أو تفضي به إلى تعاطي أحوال مجان الشعراء وسخفائهم، فإنَّ الغالب من أحوال من انصرف إلى الشعر بكليته، وأكثر منه؛ أن يكون كذلك، واستقراء الوجود يحققه. وأما حفظ فصيح الشعر وجيده المتضمن للحكم والمعاني المستحسنة شرعًا وطبعًا: فجائز، بل ربما يلحق ما كان منه حُكمًا بالمندوب إليه. وعلى الجملة: فلا أحسن مِمَّا قاله الإمام القرشي الصريح: الشعر كلامٌ حسنه حسن، وقبيحه قبيح.
و(قوله: هيه) بكسر الهاء الأولى، وسكون الثانية للوقف. وهي: إيه؛
(1) ليست في (م 2) ولا في (ل 1).
فَقَالَ: هِيه، حَتَّى أَنشَدتُهُ مِائَةَ بَيتٍ.
رواه أحمد (4/ 388)، ومسلم (2255)(1)، وابن ماجه (3758).
[2097]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَصدَقُ كَلِمَةٍ قَالَهَا شَاعِرٌ كَلِمَةُ لَبِيدٍ:
أَلَا كُلُّ شَيءٍ مَا خَلَا اللَّهَ بَاطِلٌ
وَكَادَ أُمَيَّةُ بنُ أَبِي الصَّلتِ أَن يُسلِمَ.
رواه أحمد (2/ 470)، والبخاري (6489)، ومسلم (2256)(2 - 4).
ــ
التي للاستزادة، وأبدل من الهمزة (هاء) كما قد فعلوا ذلك في غير موضع. وهي اسم لفعل الأمر الذي هو: زِد. وهي مبنية على الكسر لوقوعها موقع المبني؛ الذي هو الأمر. وفي الصحاح: إذا قلت: إيهِ يا رجل؛ فإنما تأمره بأن يزيدك من حديثه المعهود. وإن قلت: إيهٍ - بالتنوين - كأنك قلت: هات حديثًا؛ لأنَّ التنوين تنكير.
وفيه دليلٌ على جواز إنشاد الشعر، واستنشاده؛ لكن ما لم ينته إلى الإطراب المخل بالعقل، المزيل للوقار، فإنَّ ذلك يحرم، أو يكره بحسب ما يفضي إليه. وإنَّما استكثر النبي صلى الله عليه وسلم من شعر أميَّة؛ لأنه كان حكمًا (1). ألا ترى قوله صلى الله عليه وسلم:(وكاد أميَّة بن أبي الصلت أن يسلم).
و(قوله: أصدق كلمة قالها شاعر كلمة لبيد: ألا كل شيء ما خلا الله باطل) الباطل هنا: أراد به: المضمحل، المتغير؛ الذي هو بصدد أن يهلك، ويتلف. وهذا نحو من قوله تعالى:{كُلُّ شَيءٍ هَالِكٌ إِلا وَجهَهُ} ولا شك في أن هذه الكلمات أصدق ما يتكلَّم به ناظمٌ أو ناثر؛ لأن مقدمتها الكليَّة
(1) في (م 2) و (ل 1) و (م 3): حكيمًا.
[2098]
وعنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَأَن يَمتَلِئَ جَوفُ الرَّجُلِ قَيحًا يَرِيهِ خَيرٌ مِن أَن يَمتَلِئَ شِعرًا.
رواه أحمد (2/ 288)، والبخاري (6155)، ومسلم (2257)، والترمذيُّ (2851)، وابن ماجه (3759).
[2099]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: بَينَا نَحنُ نَسِيرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالعَرجِ إِذ عَرَضَ شَاعِرٌ يُنشِدُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذُوا الشَّيطَانَ، أَو أَمسِكُوا الشَّيطَانَ؛
ــ
مقطوعٌ بصحتها وشمولها عقلًا ونقلًا، ولم يخرج من كليتها شيء قطعًا إلا ما استثني فيها، وهو: الله تعالى، فإنَّه لم يدخل فيها قطعًا، فإنَّ العقل الصريح قد دلَّ على أن كل ما نشاهده من هذه الموجودات ممكن في نفسه، متغيِّر في ذاته، وكل ما كان كذلك كان مفتقرًا إلى غيره، وذلك الغير إن كان ممكنًا متغيرًا كان مثل الأول؛ فلا بدَّ أن يستند إلى موجود لا يفتقر إلى غيره، يستحيل عليه التغيُّر، وهو المعبَّر عنه في لسان النظَّار: بواجب الوجود. وفي لسان الشرع: بالصمد المذكور في قوله تعالى: {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ * اللَّهُ الصَّمَدُ} وبقوله: {أَنَّ اللَّهَ هُوَ الحَقُّ المُبِينُ} وعند الانتهاء إلى هذا المقام يفهم معنى قوله تعالى: {كُلُّ مَن عَلَيهَا فَانٍ * وَيَبقَى وَجهُ رَبِّكَ ذُو الجَلالِ وَالإِكرَامِ} وللكلام في تفاصيل ما أجمل مواضع أخر.
وقوله صلى الله عليه وسلم للشاعر الذي عرض له بالعَرج: (خذوا الشيطان) أو: (أمسكوا الشيطان) إنما فعل النبي صلى الله عليه وسلم هذا الفعل مع الشاعر لما علم من حاله (1)، فلعل هذا الشاعر كان ممن قد عرف من حاله: أنه قد اتَّخذ الشعر طريقًا للتكسب، فيفرط في المدح إذا أعطي، وفي الهجو والذمِّ إذا مُنع، فيؤذي الناس في أموالهم
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ل 1).
لَأَن يَمتَلِئَ جَوفُ رَجُلٍ قَيحًا خَيرٌ لَهُ مِن أَن يَمتَلِئَ شِعرًا.
رواه أحمد (3/ 8)، ومسلم (2259).
* * *
ــ
وأعراضهم. ولا خلاف: في أن كل من كان على مثل هذه الحالة فكل ما يكتسبه بالشعر حرام، وكل ما يقوله حرام عليه من ذلك، ولا يحل الإصغاء إليه، بل يجب الإنكار عليه، فإن لم يمكن ذلك؛ فمن خاف من لسانه تعيَّن عليه أن يداريه ما استطاع، ويدافعه بما أمكن، ولا يحل أن يعطى شيئًا ابتداء؛ لأنَّ ذلك عون على المعصية، فإن لم يجد من ذلك بدًّا أعطاه بنية وقاية العرض، فما وقى به المرء عرضه كتب له به صدقة.
و(قوله: لأن يمتلئ جوف أحدكم قيحا يريه خيرٌ له من أن يمتلئ شعرًا) القيح: المِدَّة يخالطها دمٌ. يقال منه: قاح الجرح، يقيح. وتقيَّح، وقيَّح. وصديد الجرح: ماؤه المختلط بالدَّم الرقيق قبل أن تغلظ المِدَّة.
و(يريه) قال الأصمعي: هو من الوَري، على مثال: الرّمي. وهو: أن يَدوى (1) جوفه. يقال منه: رجل مَودي - مشدد غير مهموز - قال أبو عبيد: هو أن يأكل القيح جوفه. قال صاحب الأفعال: ورِي الإنسان والبعير، ورى: دوي جوفه. وَوَرَاه الدَّواء وريًا: أفسده. ووري الكلب: سَعرَ أشدَّ السُّعار. وفي الصحاح: وَرِي القيحُ جوفَه، يَرِيه، وَريًا: إذا أكله، وأنشد:
وراهُنَّ رَبِّي مِثل ما قد وَرَيننِي (2)
…
. . . . . . . . . . . . .
وأنشد اليزيدي:
قالت له وَريًا إذا تَنَحنَح (3)
…
. . . . . . . . . . . . .
(1) في اللسان دَوِي، بالكسر، يَدْوَى.
(2)
البيت لعبد بن الحَسْحَاس، وعجزه:
وأحْمَى على أكبادِهِنَّ المكاويا
(3)
كذا في الأصول والصِّحاح، وفي اللسان: تنحنحا.