الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(28) كتاب الأضاحي
(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد
[1953]
عن جُندَب بن سُفيَانَ قَالَ: شَهِدتُ الأَضحَى مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَما أَن صَلَّى وَفَرَغَ مِن صَلَاتِهِ، سَلَّمَ؛ فَإِذَا هُوَ يَرَى لَحمَ
ــ
(28)
كتاب الضحايا (1)
(1 و 2 و 3) ومن باب: التسمية على الأضحية، وفي وقتها، وأين تذبح (2)؟
قال الأصمعي: في الأضحية أربع لغات: أضحيَّةٌ، وإضحيَّة، والجمع: أضاحي. وضحيَّة - على وزن فعيلة - والجمع ضحايا. وأضحاةٌ، والجمع أضحى،
(1) جاء هذا الكتاب متقدمًا في بعض النسخ، ومتاخرًا في بعضها حسب ما يلي: في (ع) جاء متقدمًا على كتاب الحدود. وفي (م 2) بعد كتاب آداب الأطعمة، وكذلك في (ز) و (ل 1) و (م 3). وفي (ج 2) جاء بعد كتاب الأقضية.
(2)
شرح المؤلف تحت هذا العنوان ما أشكل أيضًا في باب: إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام، وباب: ما يجوز في الأضاحي من السن.
أَضَاحِيَّ قَد ذُبِحَت قَبلَ أَن يَفرُغَ مِن صَلَاتِهِ. فَقَالَ: مَن كَانَ ذَبَحَ أُضحِيَّتَهُ قَبلَ أَن يُصَلِّيَ - أَو: نُصَلِّيَ - فَليَذبَح مَكَانَهَا أُخرَى،
ــ
كما يقال: أرطاةٌ، وأرطى. وبها سَمَّي يوم الأضحى، وفي الصحاح: ضحوة النهار بعد طلوع الشمس، ثم بعده: الضحى، وهو حين تشرق الشمس، مقصورة، مؤنثة، وتذكَّر. فمن أنَّث ذهب إلى أنها جمع ضحوة، ومن ذَكَّر ذهب إلى أنه اسم على فعل، مثل: نُغَرٍ، وصُرَدٍ، قال: وهو ظرف غير متمكِّن، مثل: سحر. تقول: لقيته ضحًى وضحى؛ إذا أردت به ضحى يومك لم تنوِّنه.
قلت: قياسه: ضحى على سحر قد أخذ عليه فيه ابن بري. وهي مؤاخذة صحيحة؛ لأنَّ الظروف التي لا تنصرف إذا عينت هي: سحر - كما ذكر - وغدوة، وبكرة لا غير، فسحر: إذا أريد به يوم بعينه لم ينصرف للتعريف، والعدل. وفي: غدوة وبكرة للتعريف والتأنيث. فأمَّا بكير، وعشاء، وعتمة، وضحوة، وعشية، وضحى ونحوها فإنها منصرفة على كل حال. فإنَّ أريد بها وقت بعينه كانت نكرات اللفظ معرَّفة بالمعنى على غير وجه التعريف. وهكذا ذكره الحسن بن خروف، وغيره.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (من كان ذبح أضحيته قبل أن يصلي فليذبح مكانها أخرى) هذا اللفظ بظاهره يفيد حكمين:
أحدهما: وجوب الأضحية من حيث إنه أمر بالإعادة.
وثانيهما: وقت الذبح: عند الفراغ من صلاة الإمام.
وقد اختلف في الحكمين، فلنذكرهما.
فأما الأول: فالجمهور من السلف والخلف على أنها سنة مؤكدة. وهو مشهور مذهب مالك؛ متمسِّكين في ذلك بمداومة النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه رضي الله عنهم على فعلها، وأنه لم يرد نصٌّ في وجوبها، بل ولا ظاهر صحيح، سليم عن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
القوادح. وقد روى الترمذي عن ابن عمر: أنه قال: أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة عشر سنين يضحي (1). وسُئل ابن عمر عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: ضحَّى رسول الله صلى الله عليه وسلم، وضحى المسلمون (2). قال الترمذي: إنهما حديثان حسنان. قال: والعمل على هذا عند أهل العلم: أن الأضحية ليست بواجبة، ولكنها سنة من سنن النبي صلى الله عليه وسلم، وما روي عن بعض السلف مِن تركه الأضحية مع تمكنه، فذلك محمول على (3) أنهم إنما تركوها مخافة أن يعتقد: أنها واجبة. وقال ابن عبد الحكم (4): سألت مالكًا عن الأضحية: أواجبة هي؟ فقال: إنها سنة. ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت بالأضحى، وهي لكم سنة)(5).
قلت: فأفتى، واستدلَّ؛ وهذا يدلّ على صحة هذا الحديث عند مالك؛ إذ قد استدلَّ به، ولا يجوز الاستدلال بما لا يصح.
وقد ذهب إلى وجوب الأضحية طائفة، منهم: الأوزاعي، والليث، وأبو حنيفة؛ غير أنه اشترط في الوجوب أن يملك المضحي نصابًا. وقد روي القول بالوجوب عن مالك، وبعض أصحابه. وقد تُمُسِّك القائلون بالوجوب بقوله تعالى:{فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانحَر} ، وبما رواه أبو داود وغيره من حديث مخنف بن سلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا أيها الناس! إن على كلِّ بيت في كلِّ عام
(1) رواه الترمذي (1507).
(2)
رواه الترمذي (1506).
(3)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
(4)
هو عبد الله بن عبد الحكم بن أعين بن ليث بن رافع، أبو محمد: فقيهٌ مصريٌّ، من أصحاب مالك. له مُصنفات في الفقه وغيره، منها:"سيرة عمر بن عبد العزيز" و "المناسك". توفي سنة (214 هـ) في القاهرة.
(5)
انظر الموطأ (2/ 487). وذكر أحمد الحديث في مسنده (1/ 234 و 317) بلفظ: "أمرت بالأضحى، ولم تكتب".
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
أضحية، وعتيرة. أتدرون ما العتيرة؟ هذه التي يقول الناس: الرَّجبيَّة) (1)، وبظاهر الأمر بالإعادة في الحديث المتقدِّم.
قلت: ولا حجَّة في شيء من ذلك. أما الآية: فلأنها محتملة لأمور متعددة، ولذلك اختلفت أقوال العلماء فيها. فقيل: معناهما: صلِّ الصلوات المعهودة، وضع يمينك على شمالك، وضعهما على نحرك. قاله علي رضي الله عنه. وقال أبو الأحوص: ارفع يديك في التكبير إلى نحرك. وقيل: استقبل القبلة بنحرك في الصلاة. وقال مجاهد: صلِّ بالمزدلفة، وانحر الهَدي. وقال عطاء: صل العيد، وانحر الأضحية. ونحوه قال مالك. وقال ابن جبير: ادع لربك، وارفع يديك إلى نحرك عند الدعاء. وقال عطاء: استو بين السجدتين حتى يبدو نحرك.
قلت: وهذه الأقوال كلها؛ الآية قابلة لها؛ على أن الأظهر منها قول من قال: إن المراد بها: صلِّ الصلوات المعهودة، وانحر الهدايا الواجبة؛ تمسُّكًا بالعُرف المستعمل في ذينك اللفظين، والله أعلم. وعند هذا ظهر: أن لا حجَّة في الآية.
وأما قوله: (على أهل كل بيت أضحية، وعتيرة): فليس بصحيح. قيل: هو حديث ضعيف على ما قاله أبو محمد عبد الحق وغيره، ولو سُلِّمت صحته فلا حجة فيه لوجهين:
أحدهما: أنه ليس صريحا في الوجوب، بل قد يقال مثله في المندوب، كما قال في السواك:(وعليكم بالسواك)(2)، وليس السواك واجبًا في الجمعة بالاتفاق، وإنما يحمل ذلك على أن من أراد تحصيل الأجر الكثير، وإقامة السُّنَّة، فعليه
(1) رواه أبو داود (2788)، والترمذي (1518)، وابن ماجه (3125).
(2)
رواه ابن حبان (1070) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. وانظر: البخاري (887).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالأضحية والسواك. وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم: (من أراد أن يضحي فلا يأخذ من شعره ولا بشره شيئًا)(1).
والثاني: عطف العتيرة على الأضحية. والعتيرة ليست بواجبةً باتفاق على ما ذكره المازري. وقال أبو داود: العتيرة منسوخة. وهذا من قول أبي داود يدل على أن العتيرة كانت مشروعة في أول الإسلام، ثم نسخت، وكذلك قال ابن دريد، قال: العتيرة شاة كانت تذبح في رجب في الجاهلية يُتقرَّب بها، وكان ذلك في صدر الإسلام أيضًا. والعَتر: الذبح. قال غيره: وهي فعيلة بمعنى مفعولة، كذبيحة: بمعنى مذبوحة. يقال: عتر الرجل يعتر عترًا، بالفتح: إذا ذبح العتيرة. ويقال: هذه أيام ترجيب، وتعتار.
قلت: وظاهر قول أبي داود في العتيرة: إنها منسوخة: أنها لم تبق لها مشروعية على جهة الوجوب، ولا الجواز. قال القاضي أبو الفضل: وعامة أهل العلم على تركها للنهي عنها، إلا ابن سيرين فإنَّه كان يذبح العتيرة في رجب، ولم يره منسوخًا؛ يعني: الجواز. وأما الوجوب فمتفق على تركه على ما حكاه المازري. فإن قيل: لا نسلِّم أنَّ نسخ وجوب العتيرة يلزم منه نفي وجوب الأضحية؛ لأنَّ الحديث تضمن أمرين:
أحدهما: الأضحية - ولم يقل أحدٌ: إنها منسوخة -، - والعتيرة - وهي المنسوخة، فلا يلزم من نسخِها نسخُها. فالجواب: إنهما وإن كانا أمرين متغايرين، لكنهما قد اجتمعا في مفيد الوجوب، وهو: على؛ الذي استدللتم بها على الوجوب؛ لأنَّه لما عطف العتيرة على الأضحية بالواو من غير إعادة: على. علمنا: أن العتيرة دخلت مع الأضحية في معنى: على. وهو معنى واحدٌ، فإذا رفع ذلك المعنى عن العتيرة ارتفع عن الأضحية؛ لضرورة الاتحاد. وهذا حكم حروف
(1) رواه أحمد (6/ 301) والنسائي (7/ 212).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
العطف المشَرِّكة في المعنى إذا عطف بها المفردات. فإنك إذا قلت: قام زيد وعمرو؛ استحال أن يرفع القيام عن عمرو، ويبقى لزيد، فلو أعاد العامل لصحَّ أن يرفع حكم أحدهما ويثبت حكم الآخر؛ لأنَّه يكون من باب عطف الجمل، ويجوز عطف الجمل المختلفة بعضها على بعض. وقد أشبعنا القول في هذا في الأصول. وهو أصل حسن يجب الاعتناء به.
وأما الاستدلال بقوله صلى الله عليه وسلم: (اذبح مكانها أخرى): فقد عضدوه بما جاء في بعض طرق هذا الحديث، في (1) قوله:(أعد نسكًا)، وقوله: ضحِّ بها - يعني: الجذعة من المعز - ولا تجزي عن أحد بعدك)، ولا حجَّة في شيء من ذلك واضحة؛ لأنَّ المقصود بيان كيفية مشروعية الأضحية لمن أراد أن يفعلها، أو من التزمها فأوقعها على غير الوجه المشروع غلطًا، أو جهلًا، فبين له النبي صلى الله عليه وسلم وجه تدارك ما فرط فيه. وهذا هو المعني بقوله:(لا تجزي) أي: لا يحصل لك مقصود القربة، ولا الثواب. وهذا كما يقال في صلاة النفل: لا تجزي إلا بطهارة، وستر عورة؛ أي: لا تصح في نفسها؛ إذ لا يحصل مقصود القربة إلا بتمام شروطها. وهذا واضح جدًّا.
وقد استدلَّ بعض من رأى الوجوب: أن الأضحية من شريعة إبراهيم عليه السلام وقد أُمِرنا باتِّباعه، لقوله تعالى:{مِلَّةَ أَبِيكُم إِبرَاهِيمَ} وهذا ترد عليه أسئلة كثيرة، قد ذكرناها في الأصول، فلا حجة فيه؛ لأنَّا نقول بموجب ذلك، ونسألهم: هل كانت الأضحية واجبة في شرعه، أو سُنَّة؟ وليس هناك ما يدلّ على شيء من ذلك، فإنَّ استدلوا بقصة الذبيح؛ فتلك قضية خاصة، أو منسوخة، ولا حجة في شيء منها. والله تعالى أعلم.
وأما وقت ذبحها: فهو عند مالك بعد صلاة الإمام، وذبحه، إلا أن يؤخر
(1) في (ج 2): من.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
تأخيرًا يتعدَّى فيه فيسقط الاقتداء به معتمدًا في ذلك على حديث جابر المذكور في الأصل. وهو نصٌّ في ذلك. وعند أبي حنيفة: الفراغ من الصلاة دون مراعاة ذبح الإمام. ويشهد له حديث البراء؛ فإنَّه قال فيه: (من ذبح بعد الصلاة فقد تمَّ نسكه). فعلَّق الذبح على الصلاة، ولم يذكر الذبح للإمام.
وعند الشافعي: وقتها دخول وقت الصلاة، ومقدار ما توقع فيه. فاعتبر الوقت دون الصلاة، وهو خروج عن ظواهر هذه الأحاديث، غير أنه لما صحَّ عنده: أن الأضحية مخاطب بها أهل البوادي، ومن لا إمام له، ومن لا يخاطب بصلاة عيد: ظهر له أن حكمها متعلِّق بمقدار وقت الصلاة لأهل المصر وغيرهم. والله تعالى أعلم.
وأما على مذهب مالك: فردَّ مطلق حديث البراء إلى مقيد حديث جابر؛ لأنَّه قد اتحد الموجب والموجب. وقد قلنا في أصول الفقه: إن هذا النوع متفق عليه عند الأصوليين.
وأما قبل الصلاة: فقال القاضي عياض: أجمع المسلمون: أن الذبح لأهل المصر لا يجوز قبلها؛ وإنما اختلفوا إذا ذبح بعدها وقبل ذبح الإمام. واختلفت فيه الآثار. وأما أهل البوادي، ومن لا إمام له، أو إذا لم يبرز الإمام أضحيته: فمشهور مذهب مالك يتحرى وقت ذبح الإمام، أو أقرب الأئمة إليه. وقال ربيعة وعطاء فيمن لا إمام له: إن ذبح قبل طلوع الشمس لم يُجزِه، ويجزيه إن ذبح بعده. وقال أهل الرأي: يجزيهم من بعد الفجر. وكأن هؤلاء تمسكوا في ذلك بقوله: {وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ عَلَى مَا رَزَقَهُم مِن بَهِيمَةِ الأَنعَامِ} فأضاف النحر إلى اليوم، وهل اليوم من بعد طلوع الفجر أو من طلوع الشمس؟ هذا سبب اختلافهم. وهذا لا تعويل عليه هنا؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد عيَّن للأضحية وقتًا من اليوم بفعله، وقوله؛ فإنه ذبح بعدما صلَّى، وقال: (إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا أن نصلِّي، ثم ننحر، فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
لم يفعل فإنما هو لحم قدَّمه لأهله، ليس من النُّسك في شيء) (1). وهذا اللفظ عام يتناول كل مضحٍّ، وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث جابر من ذبح قبله أن يعيد أضحية أخرى، ونهى أن يذبح قبل ذبحه. فإذًا: أحسن المسالك ما ذهب إليه مالك.
هذا القول في مبدأ زمان الذبح.
فأما منتهاه: فهو عند مالك: يوم النَّحر، ويومان بعده. وعند الشافعي: وثلاثة بعده. وعند غيرهما: يوم النحر خاصَّة. وقاله سليمان بن يسار وأبو سلمة بن عبد الرحمن، ورويا حديثًا مرسلًا (2). ومعتمد أصحابنا قوله تعالى:{وَيَذكُرُوا اسمَ اللَّهِ فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ} الآية قالوا: والمعلومات: جمع قلَّة، لكن المتيقن منه الثلاثة، فإنَّه أقل الجمع على ما تقرر في الأصول. وما بعد الثلاثة غير متيقن، فلا يعمل به، فإنَّ تعيين عدد بعد ذلك تحكم؛ إذ لم يعينه الشرع.
وأما القول الثالث: فلا وجه له - في علمي - غير التمسك بإضافة النحر إلى اليوم الأول خاصة، وهو ضعيف مع قوله:{فِي أَيَّامٍ مَعلُومَاتٍ}
واختلف في ليالي أيام النحر: هل تدخل مع الأيام فيجوز فيها الذبح أو لا؟ فروي عن مالك في المشهور: أنها لا تدخل. فلا يجوز الذبح بالليل، وعليه جمهور أصحابه. وقال أبو حنيفة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور: الليالي داخلة في الأيام، ويجزي الذبح فيها، وروي عن مالك، وأشهب نحوه. ولأشهب تفريق بين الهدي والضحية، فأجاز الهدي ليلًا، ولم يجز الضحية ليلًا. وقد تمسَّك مالك بأصل وضع الأيام؛ فإنَّه الحقيقة في الكلام. وقد روي في ذلك نهي عن النبي صلى الله عليه وسلم من حديث عطاء بن يسار مرسلًا، ولا يصح؛ لأنَّه من حديث مُبَشِّر بن عبيد، وهو متروك.
(1) رواه أحمد (4/ 281 - 282)، ومسلم (1961)(5)، والترمذي (1508)، والنسائي (7/ 222).
(2)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
وَمَن كَانَ لَم يَذبَح فَليَذبَح بِاسمِ اللَّهِ.
رواه أحمد (4/ 312)، والبخاريُّ (985)، ومسلم (1960)(1 و 2)، وابن ماجه (3152).
[1954]
وعَن البَرَاءِ قَالَ: ضَحَّى خَالِي أَبُو بُردَةَ قَبلَ الصَّلَاةِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تِلكَ شَاةُ لَحمٍ. فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ عِندِي جَذَعَةً مِن المَعزِ. فَقَالَ: ضَحِّ بِهَا، وَلَا تَصلُحُ لِغَيرِكَ. ثُمَّ قَالَ: مَن ضَحَّى قَبلَ الصَّلَاةِ فَإِنَّمَا ذَبَحَ لِنَفسِهِ، وَمَن ذَبَحَ بَعدَ الصَّلَاةِ فَقَد تَمَّ نُسُكُهُ، وَأَصَابَ سُنَّةَ المُسلِمِينَ.
ــ
و(قوله: ومن لم يذبح فليذبح باسم الله) فيه دليل: على وجوب التسمية عند الذبح، وقد ذكر الخلاف فيه في الصيد.
وكونه صلى الله عليه وسلم صلَّى يوم الأضحى ثم خطب: دليل واضح على من أجاز تقديم الخطبة على الصلاة. وقد تقدَّم ذلك في كتاب الإيمان.
و(قوله: إن عندي جذعة من المعز)، وفي رواية:(أعناقًا)، وفي رواية أخرى:(عَتُودًا)، وكلها بمعنى واحد. واختلف في سنِّ الجذعة من الغنم. فأقل ما قيل في ذلك: ستة أشهر. وأقصى ما قيل في ذلك: سنة تامَّة. وفي الصحاح: الجَذَعُ قبل الثني، والجمع: جذعان، وجذاع، والأنثى: جذعة. والجمع: جذعات. يقال منه لولد الشاة في السنة الثانية، ولولد البقر والحافر في السنة الثالثة، وللإبل في السنة الخامسة: أجذع. والجذع: اسم له في زمن، وليس بسن ينبت ويسقط (1). وقد قيل في ولد النعجة: إنه يجذع في ستة أشهر، أو تسعة أشهر، وذلك جائز في الأضحى.
(1) في اللسان والصحاح: ولا تسقط.
وفي رواية: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَوَّل مَا نَبدَأُ بِهِ فِي يَومِنَا هَذَا، أن نُصَلِّي ثُمَّ نَرجِعُ فَنَنحَرُ، فَمَن فَعَلَ ذَلِكَ فَقَد أَصَابَ سُنَّتَنَا، وَمَن ذَبَحَ؛ فَإِنَّمَا هُوَ لَحمٌ قَدَّمَهُ لِأَهلِهِ، لَيسَ مِن النُّسُكِ فِي شَيءٍ. وَكَانَ أَبُو بُردَةَ بنُ نِيَارٍ قَد ذَبَحَ فَقَالَ: عِندِي جَذَعَةٌ خَيرٌ مِن مُسِنَّةٍ. فَقَالَ: اذبَحهَا، وَلَن تَجزِيَ عَن أَحَدٍ بَعدَكَ.
رواه أحمد (4/ 303)، والبخاريُّ (951 و 673)، ومسلم (1961)(5 و 7)، وأبو داود (2800)، والترمذي (1508)، والنسائي (7/ 222).
* * *
ــ
و(قوله: عندي جذعة خير من مسنة) يعني به: طيب لحمها، وهو أهم المقصودين في الأضاحي، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم ضحَّى بالغنم، كما أن أهم المقصودين في الهدايا: كثرة اللحم، ولذلك أهدى الإبل، ومن هنا ظهر حسن ما ذهب إليه مالك، فقال: الغنم في الضحايا أفضل، والإبل في الهدايا أفضل. والشافعي يرى أن الإبل أفضل في الضحايا والهدايا نظرًا إلى كثرة اللحم.
و(قوله: ولا تَجزِي جذعة عن أحدٍ بعدك) يعني: من المعز، وهو الذي لا نعرف فيه خلافًا. وأما الجذع من الضأن: فإنَّه جائز عند الجمهور، وفيه خلاف شاذّ يرده حديث جابر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم:(لا تذبحوا إلا مسنة، إلا أن يعسر عليكم، فتذبحوا جذعة من الضأن)(1)، وما روى الترمذي عن أبي كباش، قال: جلبت غنمًا جذعانًا إلى المدينة، فكسدت علي، فلقيتُ أبا هريرة، فسألته، فقال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (نعم -أو: نعمت - الأضحية الجذع من الضأن) فانتهبها الناس (2). قال: هذا حديث حسن غريب. والعمل على هذا عند أهل العلم
(1) رواه مسلم (1963)، وأبو داود (2797)، والنسائي (7/ 218).
(2)
رواه الترمذي (1499).