المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

(24) كتاب الأقضية

(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

[1802]

عَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَو يُعطَى النَّاسُ بِدَعوَاهُم، لَادَّعَى نَاسٌ دِمَاءَ رِجَالٍ وَأَموَالَهُم، وَلَكِنَّ اليَمِينَ عَلَى المُدَّعَى عَلَيهِ.

رواه أحمد (1/ 343)، والبخاريُّ (2514)، ومسلم (1711)(1)، وأبو داود (3619)، والنسائي (8/ 248)، وابن ماجه (2321).

ــ

(24)

كتاب الأقضية

(1)

ومن باب: اليمين على المدَّعَى عليه (1)

(قوله: لو يُعطى الناس بدعواهم لادَّعَى ناسٌ دماء رجال وأموالهم، ولكن اليمين على المدَّعَى عليه) هذا الحديث رواه مسلم والبخاري مرفوعًا من حديث ابن جريج عن ابن أبي مليكة، عن ابن عباس. قال الأصيلي: لا يصح رفعه، وإنَّما هو من قول ابن عباس، كذلك رواه أيوب ونافع الجمحي عن ابن أبي مليكة.

قلت: إذا صحَّ رفعه بشهادة الإمامين فلا يضرُّه من وقفه، ولا يكون ذلك

(1) ما بين حاصرتين ساقط من الأصول، واستدرك من التلخيص.

ص: 147

[1803]

وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدعى عليه.

رواه مسلم (1711)(2)، والترمذي (1342).

ــ

تعارضًا، ولا اضطرابًا، فإن الرَّاوي قد يعرض له ما يوجب السكوت عن الرفع من نسيان، أو اكتفاء بعلم السَّامع، أو غير ذلك. والرَّافع عدلٌ، ثبتٌ، ولم يكذبه الآخر، فلا يُلتفت إلى الوقف إلا في الترجيح عند التعارض، كما بيَّنَّاه في الأصول.

وهذا الحديث أصل من أصول الأحكام، وأعظم مرجع عند التنازع والخصام، يقتضي ألا يحكم لأحد بدعواه - وإن كان فاضلًا شريفًا - بحقٍّ من الحقوق - وإن كان محتقرًا يسيرًا - حتَّى يستند المدَّعي إلى ما يقوي دعواه، وإلا فالدَّعاوي متكافئة، والأصل: براءة الذمم من الحقوق، فلا بدَّ مما يدلّ على تعلُّق الحق بالذمَّة، وتترجَّحُ به الدعوى.

و(قوله: لادَّعَى ناسٌ دماء رجال وأموالهم) استدل به بعض الناس على إبطال قول مالك في التَّدمِية. ووجه استدلاله: أنَّه صلى الله عليه وسلم قد سوَّى بين الدماء والأموال في أنَّ المدَّعِي لا يسمع قوله فيها، فإذا لم يُسمع قول المدَّعِي في مرضه: لي عندَ فلانٍ دينارٌ أو درهم؛ كان أحرى وأولى ألا يُسمع قوله: دَمي عند فلان؛ لحرمة الدماء، ولا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ مالكًا رحمه الله لم يسند القصاص أو الدِّية في التَّدمِية لقول المدَّعِي: دمي عند فلان؛ بل للقسامة على القتل، والتَّدمِية لوث يقوي جنبة المدَّعِين حتى يبدؤوا بالأيمان كسائر أنواع اللَّوث التي تقدم ذكرها في كتاب القسامة. وقد بيَّنَّا ذلك فيه، وعلى هذا: فنقول بموجب الحديث، فتأمَّلهُ.

و(قوله: ولكن اليمين على المدَّعَى عليه) المدَّعَى عليه: هو المطلوب منه. والمدَّعِي: هو الطالب. وإنَّما كانت اليمين على المدَّعَى عليه؛ لأنَّ الأصل براءة ذمته عمَّا طُلِبَ منه، وهو متمسّك به. لكن يمكن أن يقال: قد شغلها بما طلب منه، فيدفع ذلك الاحتمال عن نفسه باليمين إن شاء. وظاهر عموم هذا اللفظ

ص: 148

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

يقتضي: أن اليمين تتوجَّه على كل من ادُّعِي عليه؛ كانت هنالك مخالطة أو لم تكن. وهو قول أكثر الفقهاء، وابن نافع، وابن لبابة من أصحابنا. وذهب مالك وجل أصحابه: إلى أن اليمين لا تتوجَّه على المدَّعَى عليه حتى تثبت بينهما خلطة. وهو مذهب الفقهاء السبعة (1). وبه قضى علي. وإنما مال هؤلاء إلى هذا مراعاة للمصلحة، ودفعًا للمفسدة الناشئة من ذلك. وذلك: أنَّ السُّفهاء يتبذلون الأفاضل والعلماء بتكثير الأيمان عليهم مهما شاؤوا، حتى يحلف الرَّجل الجليل القدر في العلم والدين في اليوم الواحد مرارًا، ويكون ذلك الوضيع يقصد ذلك به ليتخلَّص منه بما يبذله. ويهون على أهل الدِّين والفضل بذل الجزيل من المال في مقابلة دفع هذا الامتهان والابتذال.

ثم اختلف مشايخنا في معنى الخلطة. فقيل: معرفة المعاملة والمداينة معه بشاهدٍ أو شاهدين. وقيل: أن يكون المدَّعى عليه يشبه أن يعامل المدَّعي. وقيل: يجزئ من ذلك الشبهة.

وأجمع العلماء على استحلاف المدَّعَى عليه في الأموال، واختلفوا في غير ذلك. فذهب الشافعي، وأحمد، وأبو ثور إلى وجوبها على كل مدَّعَى عليه في حدٍّ، أو طلاقٍ، أو نكاح، أو عتقٍ؛ أخذًا بظاهر عموم الحديث، فإن نَكَلَ؛ حلف المدَّعي، وثبتت دعواه. وقال أبو حنيفة، وأصحابه: يحلف على النكاح، والطلاق، والعتق، وإن نَكَلَ لزمه ذلك كلُّه. وقال الثوري، والشعبي، وأبو حنيفة: لا يستحلف في الحدود، والسَّرِقة. وقال نحوه مالك. قال: ولا يستحلف في السَّرِقة إلا إذا كان متَّهمًا، ولا في الحدود، والنكاح، والطلاق، والعتق، إلا أن يقوم شاهدٌ واحد، فيستحلف المدَّعَى عليه لقوة شبهة الدَّعوى.

واختَلَف قوله إذا نَكَلَ؛

(1) الفقهاء السبعة: هم عبيد الله بن عبد الله الهذلي، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد بن أبي بكر، وسليمان بن يسار، وأبو بكر بن عبد الرحمن المخزومي، وخارجة ابن زيد بن ثابت الأنصاري، وسعيد بن المسيِّب.

ص: 149

[1804]

وعنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد.

رواه مسلم (1712)، وأبو داود (3608)، والنسائي في الكبرى (6011 و 6012)، وابن ماجه (2370).

* * *

ــ

هل يحكم عليه بما ادّعي عليه، أو يسجن حتى يحلف، أو حتى يطول سجنه. وفي كتاب الدارقطني من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(إذا ادَّعت المرأة طلاق زوجها، فأتت على ذلك بشاهد عدلٍ؛ استحلف زوجها، فإن حلف بطلت شهادة الشاهد، وإن نَكَلَ؛ فنكوله بمنزلة شاهد آخر، وجاز طلاقه)(1). وهذا الحديث نصٌّ في الباب، لكنه يحتاج إلى قوائم وأطناب.

و(قوله: البيَّنةُ على المدَّعِي (2)) هذا بيان حكم المدَّعِي، وإن لم يتعرض لبيان حكم المدَّعَى عليه، وهو تعيين اليمين عليه، لكنه قد بيَّن ذلك في حديث الحضرمي؛ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم للمدَّعِي:(شاهداك أو يمينه)(3) وقد تقدم في الأيمان. وقد ذكر أبو عمر بن عبد البر من حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (البيِّنَة على المدَّعِي، واليمين على من أنكر؛ إلا في القسامة)(4). وهذا الحديث وإن كان ضعيف السند - لأنه من حديث مسلم بن خالد الزنجي، ولا يحتجُّ به - فمعناه صحيح، يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم:(شاهداك أو يمينه)، وقول ابن عباس في الطريق الأخرى: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى باليمين على المدَّعَى عليه.

و(قوله: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بيمين وشاهد) ظاهره: أنَّه صلى الله عليه وسلم حكم في

(1) رواه الدارقطني (4/ 64 و 166).

(2)

هذا الحديث رواه الترمذي (1341) عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما.

(3)

تقدم في التلخيص، وهو في مسلم برقم (138)(221).

(4)

ذكره ابن عبد البر (23/ 204) في التمهيد.

ص: 150

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قضية معيَّنة تُحُوكِمَ عنده فيها بيمين وشاهد. ويحتمل أن يكون ذلك عبارة عن تقعيد هذه القاعدة. فكأنه قال: أوجب رسول الله صلى الله عليه وسلم الحكم باليمين والشاهد. ومِمَّا يشهد لهذا التأويل: ما زاده أبو داود في حديث ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بشاهد ويمين في الحقوق (1). وهذا الذي يظهر من حديث أبي هريرة الذي قال فيه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم باليمين مع الشاهد (2). فعلى الظاهر الأول من حديث مسلم لا يكون له عموم؛ لأنَّها قضيَّة في عين، وعلى زيادة أبي داود، وظاهر حديث أبي هريرة يكون له عموم. ومع ذلك فهو مخصوصٌ بالأموال وما يتعلَّق بها.

قال القاضي أبو محمد عبد الوهاب رحمه الله: ذلك في الأموال وما يتعلَّق بها دون حقوق الأبدان للإجماع على ذلك من كلِّ قائل باليمين مع الشاهد. قال: لأن حقوق الأموال أخفض من حقوق الأبدان، بدلالة قبول شهادة النساء فيها.

وقد اختلف قول مالك في جراح العمد. هل يجب القود فيها بالشاهد واليمين؟ فيه روايتان:

إحداهما: أنه يجب به التخيير بين القود والدِّية.

والأخرى: أنَّه لا يجب به؛ لأنَّه من حقوق الأبدان. قال: وهو الصحيح. قال مالك في الموطأ: وإنما يكون ذلك في الأموال خاصَّة. وقال الإمام أبو عبد الله: يُقبل ذلك في المال المَحض من غير خلاف، ولا يُقبل في النكاح والطلاق المحضين من غير خلاف. وإن كان مضمون الشهادة ما ليس بمال، ولكنه يُؤدي إلى المال؛ كالشهادة بالوصية، والنكاح بعد الموت، حتى لا يُطلب من ثبوتها إلا المال، إلى غير ذلك؛ ففي قبوله اختلاف. فمن راعى المال قبله، كما يُقبل في المال. ومن راعى الحال لم يقبله.

(1) رواه أبو داود (3609).

(2)

رواه أبو داود (3610)، وابن ماجه (2368).

ص: 151

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قلت: والعذر لمالك عن خروجه عن ذلك الأصل المجمع عليه فيما كان المقصود فيه المال فقط واضح. وأمَّا الجراح العمد فليست بمال، ولا تؤدي إليه، وإنما يدخل المال فيها برضا المجروح. ثم يلزمه عليه أن يعمل بالشاهد واليمين في قتل النفس العمد؛ لأنَّه قد يرضى بها الأولياء ولا قائل به، ولا يلتفت لتفريق من فرَّق من أصحابنا بين الجراح والنفس، بأن من جنس الجراح ما لا يكون فيه إلا المال؛ لأنَّا كذلك نقول في القتل، فإن من جنسه ما لا يكون فيه إلا المال، وهو قتل الخطأ. فالصحيح من هذا: أنَّه لا يحكم بالشاهد واليمين في الجراح بوجه.

ثمَّ: أحاديث هذا الباب كلها حجَّة للجمهور على الكوفيين، والأوزاعي، والنَّخعي، وابن أبي ليلى، والزهري، والليث، والحكم، والشعبي، حيث نَفَوا الحكم بالشاهد واليمين، ونقضوا حكم من حكم به، وبدَّعوه، وقال الحكم: الشاهد واليمين بدعة، وأول من حكم به معاوية.

قلت: يا للعجب! ولضيعة العلم والأدب! كيف ردَّ هؤلاء القوم هذه الأحاديث مع صحتها، وشهرتها؟ ! وكيف اجترؤوا على تبديع من عمل بها حتى نقضوا حكمه، واستقصروا علمه، مع أنَّه قد عمل بذلك الخلفاء الراشدون وغيرهم: أبو بكر، وعمر، وعلي، وأبي بن كعب، ومعاوية، وشريح، وعمر بن عبد العزيز، - وكتب به إلى عمَّاله -، وإياس بن معاوية، وأبو سلمة بن عبد الرحمن، وأبو الزناد، وربيعة. ولذلك قال مالك: وإنَّه ليكفي من ذلك ما مضى من السُّنة. أترى هؤلاء تنقض أحكامهم، ويحكم ببدعتهم؟ !

قالوا: والذي حمل هؤلاء المانعين على هذا اللجاج ما اغترُّوا به من واهن الحِجَاج، وذلك: أنَّهم وقع لهم: أن الحكم باليمين مع الشاهد زيادة على نصِّ (1)

(1) من (ج 2).

ص: 152