المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

[1782]

عَن عَلقَمَةَ بنِ مَرثَدٍ، عَن سُلَيمَانَ بنِ بُرَيدَةَ، عَن أَبِيهِ قَالَ: جَاءَ مَاعِزُ بنُ مَالِكٍ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرنِي، فَقَالَ: وَيحَكَ! ارجِع فَاستَغفِر اللَّهَ وَتُب إِلَيهِ. قَالَ: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ ثُمَّ جَاءَ

ــ

(4 و 5 و 6) ومن باب: إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنى (1)

(قول ماعز رضي الله عنه في هذه الرِّواية: يا رسول الله! طهرني) ولم يذكر فيها مماذا يُطهَّر؟ وإنما أراد به: من إثم الزنى، بإقامة الحدّ، كما جاء في الرِّواية الأخرى، فإنَّه قال: يا رسول الله! إني قد ظلمت نفسي، وزنيت، وإني أريد أن تطهرني. وهذه رواية محكمة، وهكذا هذا الحديث روي بألفاظ متعددة بعضها يفسر بعضًا، أو يُقيِّده (2).

و(قوله صلى الله عليه وسلم: ويحك! ارجع فاستغفر الله، وتب إليه) يدل على أن ما كان من حقوق الله تعالى يكفي في الخروج من إثمه التوبة، والاستغفار، وإن كان فيه حدٌّ. وفيه: جواز ستر الإمام على الزاني ما لم يتحقق السبب، فإذا تحقق السبب الذي يترتب عليه الحدّ فلا بدَّ من إقامته، كما ذكره مالك في الموطأ من مراسيل ابن شهاب، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من بلي بشيء من هذه القاذورات فليستتر،

(1) ضمَّن المؤلف رحمه الله شرحَ ما أشكل في هذا الباب شرح ما أشكل في (باب: يُحفر للمرجوم حفرة إلى صدره ويشدّ عليه ثيابه)، (وباب: من روى أن ماعزًا لم يُحْفَر له ولا شدّ ولا استغفر له) التاليين في التلخيص.

(2)

جاء في حاشية (م): والمرأة التي وقع عليها ماعز هي: فاطمة جارية هزَّال الأسلمي.

ص: 88

فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرنِي، فَقَالَ النبي صلى الله عليه وسلم: وَيحَكَ! ارجِع فَاستَغفِر اللَّهَ وَتُب إِلَيهِ. قَالَ: فَرَجَعَ غَيرَ بَعِيدٍ، ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِثلَ ذَلِكَ، حَتَّى إِذَا كَانَت الرَّابِعَةُ قَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فِيمَ أُطَهِّرُكَ؟ . فَقَالَ: مِن الزِّنَى، فَسَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَبِهِ جُنُونٌ؟ . فَأُخبِرَ أَنَّهُ لَيسَ بِمَجنُونٍ، فَقَالَ: أَشَرِبَ خَمرًا؟ . فَقَامَ رَجُلٌ فَاستَنكَهَهُ، فَلَم يَجِد مِنهُ

ــ

فإنَّه من يُبد لنا صفحته نقم عليه كتاب الله) (1). فأمَّا حقوق الآدميين: فلا بدَّ مع التوبة من الخروج منها.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: أبه جنون؟ ) هذا سؤال أوجبه ما ظهر على السَّائل من الحال التي تشبه حال المجنون، وذلك: أنَّه جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منتفش الشعر، ليس عليه رداء، يقول: زنيت فطهرني. كما قد صحَّ في الرِّواية، وإلا فليس من المناسب أن ينسب الجنون إلى من أتى على هيئة العقلاء، وأتى بكلام منتظم مُقيد، لا سيما إذا كان فيه طلب الخروج من مأثم.

و(قوله: أَشرِبَ (2) خمرًا؟ واستِنكَاهُهُم له) يدلُّ على أن مَن وجدت منه رائحة الخمر حكم له بحكم من شربها. وهو مذهب مالك، والشافعي. وهو قول عمر بن الخطاب، وابن مسعود، وعمر بن عبد العزيز. وقال آخرون: لا يُحَدُّ بالرِّيح بل بالاعتراف، أو البيِّنة، أو يُوجد سكران. وإليه ذهب عطاء وعمرو بن دينار، والثوري، غير أنه قال: يعزر من وجد منه ريح الخمر.

وفيه من الفقه ما يدلُّ على أن المجنون لا تعتبر أقواله، ولا يتعلَّق بها حكم، وهذا لا يختلف فيه.

(1) رواه مالك في الموطأ (2/ 825).

(2)

في (م) و (م 2) و (ل 1): و (ز): أشربت.

ص: 89

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وظاهر هذا الحديث: أن السَّكران مثل المجنون في عدم اعتبار إقراره، وأقواله. وبه قالت طائفة من أهل العلم. وقالت طائفة أخرى، وهو مالك، وجل أصحابه: يؤخذ بإقراره؛ لأنه لا يعرف المتساكر من السَّكران، ولأنَّه لَمَّا كان مختارًا لإدخال السُّكر على نفسه صار كأنه مختار لما يكون في سكره. وهذا مع أنا نقول: إن من ذهب عقله حتى لا يميز شيئًا فليس بمكلَّف، ولا مخاطب خطاب تكليف في تلك الحال بالإجماع، على ما حكاه ابن العربي. وإنَّما يتعلَّق به خطاب الإلزام المسمَّى بخطاب الوضع والإخبار؛ على ما بيَّناه في الأصول.

واعترافه على نفسه أربع مرَّات يَستدلُ به من يشترط في قبول إقرار الزاني العدد. وهم: الحكم، وابن أبي ليلى، وأحمد، وإسحاق، وأصحاب الرأي؛ فقالوا: لا يقام عليه الحدّ إلا إذا أقرَّ على نفسه أربع مرَّات تمسُّكًا بهذا الحديث، وبأن الإقرار بالزنى كالشهادة عليه، وقد انعقد الإجماع: على أن شهود الزنى أربعة، فيكون الإقرار أربعة. ومن هؤلاء من شرط أن تكون الأربع الإقرارات في مجلس واحد. وإليه ذهب ابن أبي ليلى، وأحمد. وقال أصحاب الرأي: إذا أقرَّ أربع مرَّات في مجلس واحد فهو بمنزلة مرة واحدة.

قلت: والأوَّل مقتضى قياس الإقرار بالزنى على الشهادة به، وعلى القول الثاني يمتنع الإلحاق.

والصحيح: أنَّه لا يشترط في الإقرار بالزنى، ولا غيره عدد. وهو مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وأبي ثور. وبه قال الحسن، وحمَّاد. والدَّليل على صحة ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم رجم الغامدية بإقرارها مرة واحدة، ولم يستعد منها الإقرار، ولقوله صلى الله عليه وسلم:(واغدُ يا أنيس على امرأة هذا فإن اعترفت فارجمها)(1) ولم يأمره أن

(1) سيأتي تخريجه في التلخيص برقم (2087).

ص: 90

رِيحَ خَمرٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَزَنَيتَ؟ . فَقَالَ: نَعَم،

ــ

يستعيد إقرارها بذلك أربع مرَّات. وأما تكرار اعتراف ماعز فإنما كان لأجل إعراضه عنه صلى الله عليه وسلم في الثلاث المرَّات ليستر نفسه، وليتوب، ولم يأمره النبي صلى الله عليه وسلم بإعادة ذلك. وأمَّا قياسهم الإقرار على الشهادة فليس بصحيح، للفرق بينهما من وجوه متعددة. وذلك: أن إقرار الفاسق والعبد على نفسه مقبول بخلاف شهادتهما، ويكفي منه في سائر الحقوق مرة واحدة بالإجماع، إلا من شذَّ فقال: إنَّ الإقرار بالقتل لا يكون إلا مرَّتين كالشهادة به، ولو كان الإقرار كالشَّهادة مطلقًا لاشترط فيه العدد مطلقًا، ولو كان كالشهادة لما قُبل إقرار المرأة على نفسها بأنها جُرِحت أو أعتقت؛ لأنَّها لا تقبل شهادتها في ذلك، فبطل تمسكهم بالخبر والقياس. والله الموفق.

و(قوله: أزنيتَ؟ فقال: نعم) جاء هذا المعنى في كتاب أبي داود بأوضح من هذا: قال له النبي صلى الله عليه وسلم: (أنكتها؟ ) قال: نعم. قال: (حتى غاب ذلك منك في ذلك منها؟ ) قال: نعم. قال: (كما يغيب المِروَد في المُكحُلَة، والرِّشاء في البِئر؟ ) قال: نعم. قال: (هل تدري ما الزنى؟ ) قال: نعم، أتيتُ منها حرامًا ما يأتي الرَّجُل من أهله حلالًا) (1). وهذا منه صلى الله عليه وسلم أخذ لماعز بغاية النصّ الرافع لجميع الاحتمالات كلها تحقيقًا للأسباب، وسعيًا في صيانة الدماء. ثمَّ لما فرغ صلى الله عليه وسلم من استفصاله (2) عن ذلك سأله عن الإحصان. فقال:(هل أحصنت؟ ) قال: نعم؛ يعني: هل تزوجت تزويجًا صحيحًا، ووطئت وطئًا مباحًا؟ فعندما أجابه بنعم، أمر برجمه، وذلك عند تحقق السبب الذي هو الزنى بشرطه؛ الذي هو الإحصان. وقد أخذ علماؤنا من حديث أبي داود: أن شهود الزنى يصفون الزنى كما وصف ماعز، فيقول الشاهد: رأيت فرجه في فرجها كالمرود في المكحلة. وإليه ذهب معاوية، والزهري، ومالك، والشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

(1) رواه أبو داود (4428).

(2)

في (ل 1) و (م 3) و (ز): استقصائه.

ص: 91

فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَكَانَ النَّاسُ فِيهِ فِرقَتَينِ، قَائِلٌ يَقُولُ: لَقَد هَلَكَ، لَقَد

ــ

و(قوله: فأمر به، فرجم)، وفي الرِّواية الأخرى:(فأمر به فحفر له)، وفي الرواية الأخرى قال:(فما أوثقناه، ولا حفرنا له)، وفي حديث الغامدية:(أنها حُفِر لها إلى صدرها) اختلاف هذه الروايات هو الموجب لاختلاف العلماء في هذا الحكم الذي هو: الحفر. فلم يبلغ مالكًا من أحاديث الحفر شيء، فلم يقل به، لا في حق المرأة، ولا في حق الرَّجل، لا هو، ولا أصحابه. وكذلك قال أحمد، وأصحاب الرأي. وقالوا: إن حفر للمرأة فحسن. وقيل: يحفر لهما. وبه قال قتادة وأبو يوسف. وروي في ذلك عن علي، ووسَّع الشافعي، وابن وهب للإمام في ذلك، وخيراه.

ثم قال في هذه الرواية الأخيرة: (فرميناه بالعظم، ثمَّ المدر، والخزف)، قال:(فاشتد واشتددنا خلفه حتى أتى عُرض الحَرَّة، فانتصب لنا، فرميناه بِجَلامِيد الحرَّةِ حتى سكت) يعني بالعظم: العظام، والمدر: التراب الأحمر المنعقد، والخزف: الشِّقاف، وهي: كِسَر الفخَّار. وعُرض الحَرَّة - بضم العين -: جانبها، وسكت: معناه: سكن؛ أي: مات. وقال أبو داود فيه من حديث هَزَّال، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(هلَاّ تركتموه لعلَّه أن يتوب فيتوب الله عليه)(1).

وقال أيضًا من حديث جابر: أن جابرًا قال: لما خرجنا به فرجمناه، فوجد مس الحجارة صرخ بنا: يا قوم! ردوني إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإن قومي قتلوني، وغرُّوني من نفسي، وأخبروني: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير قاتلي. فلم ننزع عنه حتى قتلناه، فلمَّا رجعنا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وأخبرناه فقال:(هلا تركتموه وجئتموني به) ليستثبت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه، فأمَّا لترك حدّ فلا (2).

هذه الروايات متواردة: على أن ماعزًا لَمَّا وجد ألم الحجارة صدر منه ما

(1) رواه أبو داود (4420).

(2)

رواه أحمد (3/ 381)، وأبو داود (4420).

ص: 92

أَحَاطَت بِهِ خَطِيئَتُهُ، وَقَائِلٌ يَقُولُ: مَا تَوبَةٌ أَفضَلَ مِن تَوبَةِ مَاعِزٍ، إنَّهُ جَاءَ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَوَضَعَ يَدَهُ فِي يَدِهِ، ثُمَّ قَالَ: اقتُلنِي بِالحِجَارَةِ، قَالَ: فَلَبِثُوا بِذَلِكَ يَومَينِ أَو ثَلَاثَةً، ثُمَّ جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُم جُلُوسٌ فَسَلَّمَ، ثُمَّ جَلَسَ فَقَالَ: استَغفِرُوا لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ. قَالَ: فَقَالَوا: غَفَرَ اللَّهُ لِمَاعِزِ بنِ مَالِكٍ، قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَقَد تَابَ تَوبَةً لَو قُسِمَت بَينَ أُمَّةٍ لَوَسِعَتهُم.

ــ

يدلّ على أنه أراد أن يردَّ إلى النبي صلى الله عليه وسلم لا سيما وقد صرح بذلك في حديث جابر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فهلا تركتموه، وجئتموني به)، فاستنبط منه كثير من العلماء: أن المعترف بما يجب عليه من الحد إن رجع عن إقراره مطلقًا لم يُحدَّ، وممن ذهب إلى هذا: عطاء، ويحيى بن يعمر، والزهري، وحمَّاد، والثوري، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، والنعمان، ومالك في رواية القعنبي. وقيل: لا ينفعه رجوعه مطلقًا. وبه قال سعيد بن جبير، والحسن، وابن أبي ليلى، وأبو ثور. وهي رواية ابن عبد الحكم عن مالك. وقال أشهب: قال مالك: إن جاء بعذر قُبل منه، وإلا لم يقبل ذلك منه.

قلت: وليس في شيء من هذه الروايات ما ينصّ على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يقبل رجوعه مطلقًا لا سيما مع قول جابر: ليستثبت في أمره، فأمَّا لترك حدّ فلا. ولعلَّه كان يستدعي منه النبي صلى الله عليه وسلم الرُّجوع إلى شبهة كما صار إليه مالك في رواية أشهب. وهذا القول أعجب ما في هذه المسألة.

إنَّه إن رجع إلى شبهة درئ عنه الحد، وإلا فلا. وقد قال أحمد بن حنبل، وأبو ثور: إذا هرب تُرك اتِّباعًا لهذه الزيادة. وقاله بعض أصحابنا. وقال: إن وُجد بالفور كمل عليه الحد. وإن وجد بعد زمان تُرِكَ.

و(قوله: فلبثوا بذلك يومين أو ثلاثة) الإشارة بـ (ذلك) إلى ما وقع لهم من الاختلاف في شأن ماعز؛ يعني: أنَّهم بقوا كذلك إلى أن تبيَّن لهم حاله بقوله:

ص: 93

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

(لقد تاب توبة لو قُسِمَت بين أُمَّةٍ لوسعتهم). والأمَّة: الجماعة من الناس. وقد يقال على الجماعة مما لا يعقل. فيقال: أمَّة من الحمير، ومن الطير. ومنه قوله تعالى:{وَمَا مِن دَابَّةٍ فِي الأَرضِ وَلا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيهِ إِلا أُمَمٌ أَمثَالُكُم} ويعني بالأمَّة في هذا الحديث السبعين الذين ذكروا في حديث الغامدية. وزاد أبو داود من رواية ابن عباس: أن ماعزًا لما رجم سمع النبي صلى الله عليه وسلم رجلين من أصحابه يقول أحدهما لصاحبه: انظر إلى هذا الذي ستر الله عليه، فلم تدعه نفسه حتى رجم رجم الكلب، فسكت عنهما، ثم سار ساعة حتى مرَّ بجيفة حمار شائلٍ بِرِجلِه. فقال:(أين فلان وفلان؟ ) فقالا: نحن ذانِ يا رسول الله! فقال: (انزلا وكلا من جيفة هذا الحمار) فقالا: يا رسول الله! من يأكل من هذا؟ قال: (فما نِلتُما من عِرضِ أَخِيكُما آنفًا أشد من أكلٍ منه، والذي نفسي بيده! إنَّه الآن في أنهار الجنة ينغمسُ فيها)(1).

قلت: فهذه الروايات كلها متواردة على أن الحدّ كفارة، كما جاء في حديث عبادة بن الصامت حيث قال:(فمن أصاب شيئًا من ذلك فعوقب به فهو كفارة)(2).

وقد زاد أبو داود في حديث ماعز من حديث خالد بن اللجلاج: أنه لَمَّا رجم جاء رجل يسأل عن المرجوم، فانطلقنا به إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقلنا: هذا جاء يسأل عن الخبيث. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لهو أطيب عند الله من ريح المسك)، فإذا هو أبوه، فأعنَّاه على غسله وتكفينه، ودفنه. قال: وما أدري؛ قال: والصلاة عليه، أم لا (3)؟

(1) رواه أبو داود (4428)، والدارقطني (3/ 196 - 197)، والبيهقي (8/ 227 - 228).

(2)

رواه البخاري (7213)، ومسلم (1709)، والترمذي (1439)، والنسائي (7/ 148).

(3)

رواه أبو داود (4435).

ص: 94

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وفيه دليل: على أن المرجوم يُغسَّل، ويكفَّن، ويصلَّى عليه. وفي معناه: كل من قتل في حدّ من المسلمين، غير أن الإمام يجتنب الصلاة على من قتله في حدّ؛ على مذهب مالك، وأحمد بن حنبل؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم لم يصل على ماعز. وعند أبي بكر بن أبي شيبة (1): أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالغامدية فصُلِّي عليها - بضم الصاد -كذا الرواية. وفي كتاب أبي داود (2): أنَّه أمرهم: أن يصلوا عليها. وظاهر هذين الحديثين: أنَّه لم يصل عليها، غير أنَّه في كتاب مسلم: صَلَّى عليها. وظاهره: أنَّه صلَّى بنفسه، حتى قال له عمر: أتصلي عليها وقد زنت؟ ! وبهذا استدل من قال: إن الإمام يُصلِّي على من قتله في حدّ، على أنه يحتمل أن قول الراوي: صلَّى عليها؛ أي: دعا لها، واستغفر لها. أو يكون معناه: أنه أمر أن يصلّى عليها. ويعتضد هذا بأنه لم يُصلِّ على ماعز، كما قد روي من حديث معمر: أنه لم يصلِّ عليه. وفي بعض طرقه: أنَّه ما صلَّى عليه، ولا استغفر له، مع أنَّه قد صحَّ قوله:(استغفروا لأخيكم). فقالوا: غفر الله له (3). ولم يتلفظ هو بالاستغفار، ولكنه أمر به، فيجوز أن يكون جرى في الصلاة عليه كذلك.

و(قوله: لعلك قبَّلت أو غمزت (4))، وفي بعض طرقه:(لعلك)، واقتصر عليها.

فيه من الفقه: جواز تلقين الإمام للمقرِّ ما يدرأ عنه الحدّ. وقد روي ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأئمة العلماء. وروي عنه صلى الله عليه وسلم أنَّه قال لسارقٍ:(ما إخالُك سَرَقتَ)(5)، وروي عن أبي بكر، وعمر، وأبي الدرداء قالوا لسارقٍ: (أسرقتَ؟ قُل

(1) رواه ابن أبي شيبة في المصنف (8856).

(2)

رواه أبو داود (4442).

(3)

هو حديث الباب رقم (2082).

(4)

هذه الرواية ليست في مسلم وهي في البخاري برقم (6824)، وأحمد بن حنبل (1/ 270 و 285 و 325).

(5)

رواه أبو داود (4380)، والنسائي (8/ 67).

ص: 95

قَالَ: ثُمَّ جَاءَتهُ امرَأَةٌ مِن غَامِدٍ مِن الأَزدِ فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، طَهِّرنِي، فَقَالَ: وَيحَكِ، ارجِعِي فَاستَغفِرِي اللَّهَ وَتُوبِي إِلَيهِ. فَقَالَت: أَرَاكَ تُرِيدُ أَن تُرَدّنِي كَمَا رَدَّدتَ مَاعِزَ بنَ مَالِكٍ، قَالَ: وَمَا ذَاكِ؟ . قَالَت: إِنَّهَا حُبلَى مِن الزِّنَى، فَقَالَ: آنتِ؟ . قَالَت: نَعَم، فَقَالَ لَهَا: حَتَّى تَضَعِي مَا فِي بَطنِكِ. قَالَ: فَكَفَلَهَا رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ حَتَّى وَضَعَت، قَالَ: فَأَتَى

ــ

: لا). وعن عمر: ما أَرَى يد سارقِ. وعن ابن مسعود: لعلك وجدته. وعن علي رضي الله عنه وقال لِحُبلَى: لعلَّكِ استُكرِهتِ، لعلَّك وُطِئتِ نائمةً. وقال للحُبلى الباكِيَة: إن المرأة قد تُستَكرَه. وقد أجاز ذلك أحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم.

و(قوله: جاءت امرأة من غامد من الأزد) كذا قال في هذه الرِّواية. وفي الرواية الأخرى: (من جهينة)، ولا تباعد بين الروايتين؛ فإن غامدًا قبيلة من جهينة، قاله عياض. وأظن جهينة من الأزد. وبهذا تتفق الروايات (1).

وقولها (2): (إنَّها لَحُبلَى من الزنى) اعتراف منها من غير تكرار يطلب منها. ففيه دليلٌ على عدم اشتراطه على ما مرَّ. وكونه صلى الله عليه وسلم لم يستفصلها كما استفصل ماعزًا؛ لأنَّها لم يظهر عليها ما يُوجب ارتيابًا في قولها، ولا شكًّا في حالها، بخلاف حال ماعز، فإنَّه ظهر عليه ما يشبه الجنون، فلذلك استفصله النبي صلى الله عليه وسلم لِيَستَثبِت في أمره، كما تقدَّم.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: حتى تضعي ما في بطنك) يدل على أن الجنين - وإن كان من زنى - له حُرمَة، وأن الحامل لا تُحَدُّ حتى تضع؛ لأجل حملها. وهذا

(1) جاء في حاشية (م 1): اسم الغامدية: سبيعة، وقيل: أميَّة بنت فرح.

(2)

في (ع) و (م 2): قوله.

ص: 96

النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَد وَضَعَت الغَامِدِيَّةُ، فَقَالَ: إِذًا لَا نَرجُمُهَا وَنَدَعُ وَلَدَهَا صَغِيرًا، لَيسَ لَهُ مَن يُرضِعُهُ. فَقَامَ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ فَقَالَ: إِلَيَّ رَضَاعُهُ يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَرَجَمَهَا.

رواه أحمد (5/ 347 و 348)، ومسلم (1695)(22)، والنسائي في الكبرى (7163).

* * *

ــ

لا خلاف فيه إلا شيء روي عن أبي حنيفة على خلاف عنه فيه.

وقال في الرواية الأخرى: (إمَّا لا، فاذهبي حتى تلدي) إمَّا: بكسر الهمزة التي هي همزته (إن) الشَّرطية، زيدت عليها (ما) المؤكدة؛ بدليل دخول الفاء في جوابها. و (لا) التي بعدها للنفي. فكأنه قال: إن رأيت أن تستري على نفسك وترجعي عن إقرارك فافعلي، وإن لم تفعلي فاذهبي حتى تلدي.

ثمَّ اختلف العلماء فيها إذا وضعت. فقال مالك: إذا وضعت رجمت، ولم ينتظر بها إلى أن تكفل ولدها. وقاله أبو حنيفة، والشافعي في أحد قوليه. وهذا قول من لم تبلغه هذه الرواية التي فيها تأخير الغامدية إلى أن فطمت ولدها. وقد روي عن مالك: أنها لا ترجم حتى تجد من يكفل ولدها بعد الرَّضاع. وهو مشهور قول مالك، والشافعي، وقول أحمد، وإسحاق.

وقد اختلفت الروايات في رجمها متى كان؟ هل كان قبل فطام الولد، أو بعد فطامه. والأولى: رواية من روى: أنها لم ترجم حتى فطمت ولدها، ووجدت من يكفله؛ لأنَّها مُثبِتةٌ حكما زائدًا على الرواية الأخرى التي ليس فيها ذلك، ولمراعاة حق الولد. وإذا روعي حقه وهو جنين، فلا ترجم لأجله بالإجماع، فمراعاته إذا خرج للوجود أولى.

ويستفاد من هذه الرِّواية: أن الحدود لا يبطلها طول الأزمان. وهو مذهب الجمهور. وقد شذَّ بعضهم فقال: إذا طال الزمان على الحدّ بطل. قاله أبو حنيفة في الشهادة بالزِّنى والسَّرِقة القَدِيمين. وهو قول لا أصل له.

ص: 97