المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

[1924]

عن جَابِر بن عَبدِ اللَّهِ قال: لَمَّا حُفِرَ الخَندَقُ رَأَيتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا، فَانكَفَأتُ إِلَى امرَأَتِي فَقُلتُ لَهَا: هَل عِندَكِ شَيءٌ؟ فَإِنِّي قد رَأَيتُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَمَصًا شَدِيدًا. فَأَخرَجَت لِي جِرَابًا فِيهِ صَاعٌ مِن شَعِيرٍ، وَلَنَا بُهَيمَةٌ دَاجِنٌ، قَالَ: فَذَبَحتُهَا وَطَحَنَت، فَفَرَغَت إِلَى فَرَاغِي، فَقَطَّعتُهَا فِي بُرمَتِهَا، ثُمَّ وَلَّيتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: لَا تَفضَحنِي بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَن مَعَهُ، قَالَ: فَجِئتُهُ فَسَارَرتُهُ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّا قَد ذَبَحنَا بُهَيمَةً لَنَا، وَطَحَنَت صَاعًا مِن شَعِيرٍ كَانَ عِندَنَا، فَتَعَالَ أَنتَ ونَفَر مَعَكَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ: يَا أَهلَ الخَندَقِ، إِنَّ جَابِرًا قَد صَنَعَ لَكُم سُورًا، فَحَيَّهَلًا بِكُم. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُنزِلُنَّ

ــ

(8)

ومن باب: جعل قليل الطعام كثيرًا ببركة النبي صلى الله عليه وسلم

(الخمص): الجوع، وأصله: من خمص البطن، وهو: ضموره، ولما كان الجوع يضمر البطن سُمِّي به. و (البهيمة) الصغيرة من الضأن، تصغير: بهمة. والجمع: بهم. و (الدَّاجن): الملازم للبيت، ودجن في كذا؛ أي: أقام فيه.

و(قوله: انكفأت إلى أهلي)(1) أي: انقلبت إليهم، وانصرفت.

و(الجراب): وعاء من جلد.

و(قوله: إن جابرًا قد صنع لكم سورًا) أي: اتخذ طعامًا لدعوة الناس. كلمة فارسية. قاله الطبري وغيره. وقال غيرهما: هو الطعام نفسه بالفارسية.

و(قوله: حيَّهلا بكم) أي: أقبلوا وهلمُّوا. قال الهروي: (حي) كلمة على

(1) في التلخيص: امرأتي.

ص: 308

بُرمَتَكُم، وَلَا تَخبِزُنَّ عَجِينَكُم حَتَّى أَجِيءَ. فَجِئتُ، وَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقدَمُ النَّاسَ، حَتَّى جِئتُ امرَأَتِي فَقَالَت: بِكَ وَبِكَ، فَقُلتُ: قَد فَعَلتُ الَّذِي قُلتِ لِي، فَأَخرَجتُ لَهُ عَجِينَتَنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ عَمَدَ إِلَى بُرمَتِنَا فَبَصَقَ فِيهَا وَبَارَكَ، ثُمَّ قَالَ: ادعِي خَابِزَةً فَلتَخبِز مَعَكِ، وَاقدَحِي مِن بُرمَتِكُم، وَلَا تُنزِلُوهَا. وَهُم أَلفٌ، فَأُقسِمُ بِاللَّهِ لَأَكَلُوا حَتَّى تَرَكُوهُ وَانحَرَفُوا،

ــ

حدة، ومعناها: هلمّ، و (هلا): كلمة على حدة، فجُعِلا كلمة واحدة. قال غيره: وفيها لغات، يقال: حي هل، وهل، وهلى، وهلا، وحي هل، وحي هل - بسكونهما -. وحكى أبو عبيدة: حيهلك، وهي التي يقال فيها: حي على بمعنى. وهي عند أبي عبيدة بمعنى: عليك بكذا؛ أي: ادع به.

و(قولها: بك وبك) عتب عتبت عليه، وكأنها قالت له: فعلت هذا برأيك، وسوء نظرك. تعني: دعاءه للناس كلهم، وظنَّت أنه لم يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم بقدر الطعام. ويحتمل أن يكون معناه: بك تنزل الفضيحة، وبك يقع الخجل. ويحتمل أن يكون دعاء؛ أي: أوقع الله بك الفضيحة، أو الخجل، ونحو هذا.

و(قوله: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدم الناس) هذا منه صلى الله عليه وسلم مخالفٌ للذي نقل من سيرته مع أصحابه: أنه كان لا يتقدمهم، ولا يوطأ عقبه؛ وإنما كان يمشي بين أصحابه، أو يقدمهم. وإنَّما تقدمهم في هذا الموضع لأنه هو الذي دعاهم، فكان دليلهم إلى الموضع الذي دعاهم إليه.

و(قوله: وبارك فيها) أي: دعا بالبركة، فاستجيب له على الفور، وظهرت معجزاته وبركاته لما أكل من الصاع الشعير والبهمة ذلك العدد الكثير، ثم بقي الطعام على حاله كما كان أوَّل مرة. وعلى هذا (1): لو كانوا مائة ألف لكفاهم.

وغطيط القدر: صوت فورانها.

(1) في (ج 2): ذلك.

ص: 309

وَإِنَّ بُرمَتَنَا لَتَغِطُّ كَمَا هِيَ، وَإِنَّ عَجِينَنَا لَيخبَزُ كَمَا هُوَ.

رواه البخاري (3070)، ومسلم (2039).

[1925]

وعن أَنَسَ بنَ مَالِكٍ قال: قَالَ أَبُو طَلحَةَ لِأُمِّ سُلَيمٍ: قَد سَمِعتُ صَوتَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ضَعِيفًا أَعرِفُ فِيهِ الجُوعَ، فَهَل عِندَكِ مِن شَيءٍ؟ فَقَالَت: نَعَم، فَأَخرَجَت أَقرَاصًا مِن شَعِيرٍ، ثُمَّ أَخَذَت خِمَارًا لَهَا، فَلَفَّت الخُبزَ بِبَعضِهِ، ثُمَّ دَسَّتهُ تَحتَ ثَوبِي، وَرَدَّتنِي بِبَعضِهِ، ثُمَّ أَرسَلَتنِي إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: فَذَهَبتُ بِهِ، فَوَجَدتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسًا فِي المَسجِدِ وَمَعَهُ النَّاسُ، فَقُمتُ عَلَيهِم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَرسَلَكَ أَبُو طَلحَةَ؟ قَالَ: فَقُلتُ: نَعَم. قَالَ: إلى طَعَامٍ؟ فَقُلتُ: نَعَم. فَقَالَ

ــ

و(قوله في حديث أنس: فأخرجت أقراصًا من شعير، فلفته بالخمار ثم أرسلت بذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم). وفي الرواية الأخرى: (إن أبا طلحة أمر أمَّ سليم أن تصنع للنبي صلى الله عليه وسلم طعامًا لنفسه خاصة). وفي أخرى: (إن أبا طلحة قال لأم سليم: هل من شيء؟ فقالت: نعم، عندي كسر وتمرات، فإنَّ جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم وحده أشبعناه، وإن جاء أحدٌ معه قلَّ عنهم).

قلت: وهذه روايات مختلفة، فإن كان وقع ذلك مرَّات فلا إشكال، وإن كان مرة واحدة كان ذلك اضطرابًا، غير أنه يمكن الجمع بين تلك الألفاظ، ويرتفع الاضطراب، لكن على تكلف وبُعد.

و(قوله: فدسته تحت ثوبي) كذا في كتاب مسلم عند سائر رواته. وفي الموطأ: تحت يدي. أي: إبطي. والدسّ: وضع الشيء في خفية، ولطافة.

و(قوله: وردتني ببعضه) يعني به: أنها جعلت الطرف الثاني من الخمار عليه كالرداء.

ص: 310

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِمَن مَعَهُ: قُومُوا. قَالَ: فَانطَلَقَ وَانطَلَقتُ بَينَ أَيدِيهِم، حَتَّى جِئتُ أَبَا طَلحَةَ فَأَخبَرتُهُ، فَقَالَ أَبُو طَلحَةَ: يَا أُمَّ سُلَيمٍ، قَد جَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالنَّاسِ، وَلَيسَ عِندَنَا مَا نُطعِمُهُم! فَقَالَت: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ. قَالَ: فَانطَلَقَ أَبُو طَلحَةَ حَتَّى لَقِيَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَقبَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُ حَتَّى دَخَلَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَلُمِّي مَا عِندَكِ يَا أُمَّ سُلَيمٍ. فَأَتَت بِذَلِكَ الخُبزِ، فَأَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَفُتَّ، وَعَصَرَت عَلَيهِ أُمُّ سُلَيمٍ عُكَّةً لَهَا فَأَدَمَتهُ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِيهِ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن يَقُولَ، ثُمَّ قَالَ: ائذَن لِعَشَرَةٍ. فَأَذِنَ لَهُم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائذَن لِعَشَرَةٍ.

ــ

و(قول أبي طلحة لأم سليم: قد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بالناس وليس عندنا ما نطعمهم) قولٌ على مقتضى العادة. و (جواب أم سليم بقولها: الله ورسوله أعلم) قولٌ أخرجه النظر إلى إمكان خرق العادة، ورجاء بركة رسول الله صلى الله عليه وسلم كالذي كان.

و(العكة): وعاء صغير من جلد يجعل فيه السمن، والنحي أكبر منه. و (أدمته) بمدِّ الألف وقصرها؛ أي: جعلت السمن في الخبز وهو الأدم (1)، فصار الخبز مأدومًا.

و(قوله: ليتحلق عشرة عشرة)(2) فيه دليل على استحباب اجتماع هذا العدد على جفنة واحدة عند كثرة الناس، لكن هذا إذا لم تحمل الجفنة أكثر من ذلك، فلو كانت كجفنة الرَّكب (3) لأكل عليها أكثر من هذا العدد.

و(قوله: فأكلوا حتى شبعوا) دليل على جواز الشبع، خلافًا لمن كرهه

(1) في (ج 2): الإدام.

(2)

هذه العبارة لم تردْ في كل روايات هذا الحديث، وإنما وردت في كتاب النكاح من صحيح مسلم برقم (1428) (93). والعبارة المقصود شرحها هنا هي:"ائذنْ لعشرة".

(3)

"الركب": أصحاب الإبل في السفر.

ص: 311

فَأَذِنَ لَهُم فَأَكَلُوا حَتَّى شَبِعُوا، ثُمَّ خَرَجُوا، ثُمَّ قَالَ: ائذَن لِعَشَرَةٍ. حَتَّى أَكَلَ القَومُ كُلُّهُم وَشَبِعُوا، وَالقَومُ سَبعُونَ رَجُلًا أَو ثَمَانُونَ رَجُلًا.

وفي رواية: قَالَ: رَأَى أَبُو طَلحَةَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضطَجِعًا فِي المَسجِدِ يَتَقَلَّبُ ظَهرًا لِبَطنٍ، فَأَتَى أُمَّ سُلَيمٍ فَقَالَ: إِنِّي رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُضطَجِعًا فِي المَسجِدِ، يَتَقَلَّبُ ظَهرًا لِبَطنٍ، وَأَظُنُّهُ جَائِعًا.

فأَمَرَ أَبُو طَلحَةَ أُمَّ سُلَيمٍ أَن تَصنَعَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا لِنَفسِهِ خَاصَّةً، ثُمَّ أَرسَلَنِي إِلَيهِ. وَسَاقَ الحَدِيثَ. وفِيهِ: فَوَضَعَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ وَسَمَّى عَلَيهِ، ثُمَّ قَالَ: ائذَن لِعَشَرَةٍ. فَأَذِنَ لَهُم فَدَخَلُوا فَقَالَ: كُلُوا وَسَمُّوا اللَّهَ. فَأَكَلُوا حَتَّى فَعَلَ ذَلِكَ بِثَمَانِينَ رَجُلًا، ثُمَّ أَكَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعدَ ذَلِكَ، وَأَهلُ البَيتِ، وَتَرَكُوا سُؤرًا.

وفي رواية: وأفضلوا ما أبلغوا جيرانهم.

رواه أحمد (3/ 218)، والبخاري (5450)، ومسلم (2040)(142 - 143)، والترمذيُّ (3630).

ــ

مطلقًا. وهم قومٌ من المتصوفة، لكن الذي يكره منه ما يزيد على الاعتدال، وهو الأكل بكل البطن، حتى لا يترك للماء، ولا للنَّفس مساغًا. وقد ينتهي هذا إلى تجاوز الحد، فيحكم عليه بالتحريم كما تقدَّم. وكونه صلى الله عليه وسلم أكل بعدهم؛ إنَّما كان ذلك لأنه هو أطعمهم ببركة دعائه، فكان آخرهم أكلًا، كما قال في الشراب:(ساقي القوم آخرهم شربًا)(1). وأيضًا: فليحصل على درجة الإيثار؛ فإنَّه صلى الله عليه وسلم كان

(1) رواه أحمد (5/ 303)، ومسلم (681)، والترمذي (1894).

ص: 312

[1926]

وعنه، قال: جِئتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا فَوَجَدتُهُ جَالِسًا مَعَ أَصحَابِهِ يُحَدِّثُهُم، وَقَد عَصَّبَ بَطنَهُ بِعِصَابَةٍ، قَالَ أُسَامَةُ: وَأَنَا أَشُكُّ - عَلَى حَجَرٍ - فَقُلتُ لِبَعضِ أَصحَابِهِ: لِمَ عَصَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَطنَهُ؟ فَقَالَوا: مِن الجُوعِ، فَذَهَبتُ إِلَى أَبِي طَلحَةَ، وَهُوَ زَوجُ أُمِّ سُلَيمٍ بِنتِ مِلحَانَ، فَقُلتُ: يَا أَبَتَاهُ، قَد رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَصَّبَ بَطنَهُ بِعِصَابَةٍ، فَسَأَلتُ بَعضَ أَصحَابِهِ فَقَالَوا: مِن الجُوعِ، فَدَخَلَ أَبُو طَلحَةَ عَلَى أُمِّي فَقَالَ: هَل مِن شَيءٍ؟ فَقَالَت: نَعَم، عِندِي كِسَرٌ مِن خُبزٍ، وَتَمَرَاتٌ، فَإِن جَاءَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحدَهُ أَشبَعنَاهُ، وَإِن جَاءَ أحد مَعَهُ قَلَّ عَنهُم، وساق الحديث.

وفي أخرى: ثم أخذ ما بقي فجمعه، ثم دعا فيه بالبركة. قال: فعاد كما كان. فقال: دونكم هذا.

رواه مسلم (2040)(143).

* * *

ــ

أشدهم جوعًا؛ لأنَّه كان قد شدَّ على بطنه بحجرين، ومع ذلك فقدَّمهم عليه وآثرهم بالأكل قبله.

وشدُّ البطن بالحجر يسكن سورة الجوع، وذلك: أنه يلصق البطن بالأمعاء، والأمعاء بالبطن، فتلتصق المعدة بعضها بالبعض، فيقل الجوع. وقيل: إنما يفعل ذلك ليقوى من الضعف الذي يجده بسبب الجوع. والأول أبين. وفيه أبواب من الفقه لا تخفى.

* * *

ص: 313