الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه
[1880]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن البِتعِ؟ فَقَالَ: كُلُّ شَرَابٍ أَسكَرَ فَهُوَ حَرَامٌ.
رواه أحمد (6/ 190)، والبخاريُّ (5585)، ومسلم (2001)(67)، وأبو داود (3682)، والترمذي (1863)، والنسائي (8/ 298)، وابن ماجه (3386).
[1881]
وعن أبي موسى قَالَ: بَعَثَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمُعَاذًا إِلَى اليَمَنِ فَقَالَ: ادعُوَا النَّاسَ، وَلَا تُنَفِّرَا، وَيَسِّرَا، وَلَا تُعَسِّرَا. قَالَ: فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفتِنَا فِي شَرَابَينِ كُنَّا نَصنَعُهُمَا بِاليَمَنِ: البِتعُ، وَهُوَ مِن العَسَلِ يُنتبَذُ حَتَّى يَشتَدَّ، وَالمِزرُ، وَهُوَ مِن الذُّرَةِ وَالشَّعِيرِ، يُنبَذُ حَتَّى يَشتَدَّ. قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد أُعطِيَ جَوَامِعَ الكَلِمِ بِخَوَاتِمِهِ، ..........
ــ
ولا تشربوا مسكرًا) فثبت النسخ، وارتفع التضييق، والحمد لله. ومع وضوح هذا النسخ فقد كره مالك الانتباذ في الدُّباء والمزفت مبالغة في الاتقاء والورع؛ لأنَّ هذين الوعاءين أمكن في المعنى الذي قرَّرناه، ولحديث عبد الله بن عمرو، الذي قال فيه: فأرخص لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجرِّ غير المزفت (1). والله تعالى أعلم.
(6)
ومن باب: كل مسكر خمرٌ وحرامٌ
(قوله: وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أُعطي جوامع الكلم وخواتمه) يعني بالجوامع: الكلمات البليغة، الوجيزة الجامعة للمعاني الكثيرة، وقد جاء هذا اللفظ
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
فَقَالَ: أَنهَى عَن كُلِّ مُسكِرٍ أَسكَرَ عَن الصَّلَاةِ.
وفي رواية: كُلُّ مَا أَسكَرَ عَن الصَّلَاةِ فَهُوَ حَرَامٌ.
رواه أحمد (4/ 417)، والبخاريُّ (6124)، ومسلم (1733)(70 و 71)، وأبو داود (3684)، والنسائي (8/ 299).
[1882]
وعَن جَابِرٍ: أَنَّ رَجُلًا قَدِمَ مِن جَيشَانَ - وَجَيشَانُ مِن اليَمَنِ - فَسَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَن شَرَابٍ يَشرَبُونَهُ بِأَرضِهِم مِن الذُّرَةِ يُقَالَ لَهُ: المِزرُ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَوَمُسكِرٌ هُوَ؟ قَالَ: نَعَم، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:
ــ
ويراد به: القرآن في غير هذا الحديث. ويعني بخواتيم الكلام: أنه يختم كلامه بمقطع وجيز بليغ كما بدأه بمبدأ وجيز بليغ جامع. ويعني بجملة هذا الكلام - والله أعلم -: أن كلامه من مبدئه إلى خاتمته كله بليغ وجيز، ولذلك كانت العرب الفصحاء تقول له: ما رأينا الذي هو أفصح منك. فيقول: (وما يمنعني وقد أنزل القرآن بلساني؛ لسانٍ عربي مبينٍ)(1).
و(قوله: أنهى عن كل مسكرٍ أسكر عن الصلاة) أي: صَدَّ عنها بما فيه من السكر، كما أشار الله تعالى إليه حيث قال:{وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ}
و(قوله صلى الله عليه وسلم: أومُسكرٌ هو؟ ) الرواية التي لا يعرف غيرها هي بفتح الهمزة، وفتح الواو، وعلى جهة الاستفهام عن صفة النبيذ المسؤول عنه، وهو حجَّة على من يعلق التحريم على وجود الإسكار بالشارب من غير اعتبار وصف المشروب. وهم الحنفية. وهذا نص في أن المعتبر شرعًا إنما هو المعنى الذي في الخمر؛ الذي يعبر عنه الفقهاء بالشَّدَّة المطربة والمسكرة.
(1) ذكره القاضي عياض في "الشفاء"(1/ 177 - 178).
كُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ، إِنَّ عَلَى اللَّهِ عَهدًا لِمَن شرَبُ المُسكِرَ أَن يَسقِيَهُ مِن طِينَةِ الخَبَالِ. قَالَوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا طِينَةُ الخَبَالِ؟ قَالَ: عَرَقُ أَهلِ النَّارِ، أَو عُصَارَةُ أَهلِ النَّارِ.
رواه أحمد (3/ 361)، ومسلم (2002)، والنسائي (8/ 327).
[1883]
وعَن ابنِ عُمَرَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كُلُّ مُسكِرٍ خَمرٌ،
ــ
و(قوله: إن على الله عهدًا لمن شرب المسكر) أي: التزم ذلك بقوله ووعيده حسب ما سبق في علمه. وقد فسَّر (طينة الخبال) بأنها عُصَارة أهل النار. وفي حديث آخر: (صديد أهل النار). وسُمِّي ذلك بطينة الخبال؛ لأنها تخبل عقل شاربها، وتفسد حاله. مأخوذ من الخبل في العقل، والله تعالى أعلم.
وهذا الوعيد وإن كان مُعلَّقًا على مطلق الشرب فقد قيده في الحديث الآخر منها فقال: (من شرب الخمر في الدنيا فمات وهو يدمنها، لم يتب، لم يشربها في الآخرة). وأما من تاب منها: فلم يدخل في هذا الوعيد إذا حسنت توبته.
وفيه ما يدلّ على أن التوبة من الذنب مكفرة له. وهو الذي صرحت به آي الكتاب، والسُّنَّة، كقوله تعالى:{وَهُوَ الَّذِي يَقبَلُ التَّوبَةَ عَن عِبَادِهِ وَيَعفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ} وكقوله: {إِلا مَن تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِم حَسَنَاتٍ} وغير ذلك من الآي. ولقوله صلى الله عليه وسلم: (التائب من الذنب كمن لا ذنب له)(1)، وغير ذلك (2). وهذا مقطوعٌ به في التوبة من الكفر، وهل هو مقطوعٌ به، أو مظنون في التوبة من غير الكفر؟ اختلف فيه أهل السُّنَّة. والذي أقول به: إن من استقرأ الشريعة قرآنًا وسُنَّة، وتتبع ما فيهما من هذا المعنى علم على القطع واليقين: أن الله يقبل توبةَ الصَّادقين.
(1) رواه ابن ماجه (4250).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
وَكُلُّ مُسكِرٍ حَرَامٌ، وَمَن شَرِبَ الخَمرَ فِي الدُّنيَا فَمَاتَ وَهُوَ يُدمِنُهَا ولَم يَتُب؛ لَم يَشرَبهَا فِي الآخِرَةِ.
وفي رواية: مَن شَرِبَ الخَمرَ فِي الدُّنيَا لَم يَشرَبهَا فِي الآخِرَةِ، إِلَّا أَن يَتُوبَ.
رواه البخاري (5575)، ومسلم (2003)(73 و 74)، والترمذي (1861)، والنسائي (8/ 318).
* * *
ــ
و(قوله: من شرب الخمر في الدنيا لم يشربها في الآخرة)، أو:(حرمها في الآخرة) ظاهره تأبيد التحريم، وإن دخل الجنة فشرب جميع أشربة الجنة من ماء وعسل ولبن، ولا يشرب الخمر، ومع ذلك: فلا يتألم لعدم شُربها، ولا يتنغص من فقدها، ولا يحسد من يشربها، فإنَّ الجنة محل مطهَّر منزه عن ذلك كلّه. وإنَّما يكون حال هذا مع فقد شُرب الخمر كحاله مع المنازل التي رفع بها غيره عليه مع علمه برفعتها، وبأن صاحبها أعلى منه درجة، وأفضل منه عند الله تعالى. ومع ذلك فلا يحسده، ولا يتألم بفقد شيء من ذلك استغناء بالذي أُعطي، وغبطة به، ولأن الله تعالى قد طهرهم من كل نقص وصفة مذمومة. ألا ترى قوله تعالى:{وَنَزَعنَا مَا فِي صُدُورِهِم مِن غِلٍّ إِخوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ} ؟ وقال بهذا المعنى جماعة من العلماء. وقيل: يُنسى خمر الجنة. وقيل: لا يشتهيها. وكل ذلك محتمل. والأولى: الوجه الأول، والله تعالى أعلم.
وقيل: معنى الحديث: أن حرمانه الخمر إنما هو في الوقت الذي يعذب في النار، ويسقى من طينة الخبال، فإذا خرج من النار بالشفاعة، أو بالرحمة العامة - المعبَّر عنها في الحديث بالقبضة - أدخل الجنة، ولم يُحرم شيئا منها، لا خمرًا، ولا حريرًا، ولا غيره. قال هذا القائل: فإنَّ حرمان شيء من لذات الجنة لمن كان في