الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق
[2048]
عَن سَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَحَبُّ الكَلَامِ إِلَى اللَّهِ أَربَعٌ: سُبحَانَ اللَّهِ، وَالحَمدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكبَرُ، لَا يَضُرُّكَ بِأَيِّهِنَّ بَدَأتَ، وَلَا تُسَمِّيَنَّ غُلَامَكَ يَسَارًا، وَلَا رَبَاحًا، وَلَا نَجِيحًا، وَلَا أَفلَحَ، فَإِنَّكَ تَقُولُ: أَثَمَّ هُوَ؟ فَلَا يَكُونُ، فَيَقُولُ: لَا. إِنَّمَا هُنَّ أَربَعٌ، فَلَا تَزِيدُنَّ عَلَيَّ.
ــ
هارون، بأخ لها كان اسمه ذلك، ويبطل قول من قال من المفسرين: إنها إنما قيل لها ذلك لأنها شُبِّهت بهارون أخي موسى في عبادته ونسكه.
وفيه: ما يدلّ على جواز بأسماء الأنبياء. والله تعالى أعلم.
(3)
ومن باب: ما يكره أن يُسمَّى به الرقيق
قوله: (أحبُّ الكلام إلى الله أربع) أي: أحقه قبولًا، وأكثره ثوابًا، ويعني بالكلام: المتضمن للأذكار، والدعاء، والقرب من الكلام، وإنَّما كانت هذه الكلمات كذلك؛ لأنَّها تضمَّنت تنزيهه عن كل ما يستحيل عليه، ووصفه بكل ما يجب له من أوصاف كماله، وانفراده بوحدانيته، واختصاصه بعظمته وقدمه المفهومين من أكبريته. ولتفصيل هذه الجمل علمٌ آخر.
و(قوله: لا يضرُّك بأيهنَّ بدأت) يعني: أن تقديم بعض هذه الكلمات على بعض لا ينقص ثوابها، ولا يوقف قبولها؛ لأنَّها كلَّها كلمات جامعات طيِّبات مباركات.
و(قوله: لا تسمَّيَنَّ غلامك يسارًا، ولا رباحًا، ولا نجيحًا، ولا أفلح) هذا نهي صحيح عن تسمية العبد بهذه الأسماء، لكنه على جهة التنزيه بدليل قول جابر
وفي رواية: نافعا بدل نجيحا.
رواه مسلم (2136)(11) و (2137)(12)، وأبو داود (4958)، والترمذيُّ (2838).
ــ
في الحديث الآتي: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يُسمَّى بمقبل، وببركة، وبأفلح، وبيسار، وبنافع، ونحو ذلك، ثم سكت؛ يعني: أراد أن ينهى عن ذلك نهي تحريم، وإلا فقد صدر النهي عنه على ما تقدَّم، لكنه على وجه الكراهة التي معناها: أن ترك المنهي عنه أولى من فعله؛ لأنَّ التَّسمية بتلك الأسماء تؤدي إلى أن يسمع ما يكرهه، كما نصَّ عليه بقوله:(فإنك تقول: أثمَّ هو فلان، فلا يكون؛ فتقول: لا) وبالنظر إلى هذا المعنى، فلا تكون هذه الكراهة خاصة بالعبيد، بل: تتعدى إلى الأحرار. ولا مقصورة على هذه الأربعة الأسماء، بل: تتعدى إلى ما في معناها. ولهذا أشار جابر في حديثه بقوله، وبنحو ذلك.
وحينئذ يقال: فما فائدة تخصيص الغلام بالذكر؟ وكيف يعدَّى إلى زيادة على الأربع، وقد قال في بقيَّة الحديث: إنما هي أربع، فلا تزيدن علي؟ فالجواب عن الأوَّل من وجهين:
أحدهما: أنَّا لا نسلِّم أن المراد بالغلام العبد، بل الصغير؛ فإنه يقال عليه: غلام إلى أن يبلغ، وللأنثى: جارية، كما تقدَّم.
والثاني: أنَّا وإن سلَّمنا ذلك لكن إنما خُصص العبد بالذكر، لأن هذه الأسماء إنما كانت في غالب الأمر أسماء لعبيدهم، فخرج النهي على الغالب.
والجواب عن الثاني: أن قوله: فلا تزيدن علي، إنما هو من قول سمرة بن جندب، وإنما قال ذلك ليحقق: أن الذي سمعه من النبي صلى الله عليه وسلم إنما هي الأربع، لا زيادة عليها؛ تحقيقا لما سمع، ونفيًا لأن يقول ما لم يقل. ولئن سُلِّم أن ذلك من قول النبي صلى الله عليه وسلم؛ فليس معناه المنع من القياس. بل عن أن يقول اسمًا لم يقله، فإنَّ
[2049]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قال: أَرَادَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يَنهَى عَن أَن يُسَمَّى بِمقبل وَبِبَرَكَةَ وَبِأَفلَحَ وَبِيَسَارٍ وَبِنَافِعٍ وَبِنَحوِ
ــ
الفرع ملحق بأصله في الحكم، لا في القول. وبيانه: إنَّا وإن ألحقنا الزبيب بالتمر في تحريم الربا فلا نقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الربا في الزبيب حرام. فإنَّه قول كاذب، ولو كان ذلك صادقًا لكان الزبيب منطوقًا به، فحينئذ لا يكون فرعًا. بل: أصلًا. وقد اجترأت طائفة عراقية على إطلاق ذلك. ونعوذ بالله مما أُطلق هنالك. وعلى ما قررناه فلا يكون بين حديث سمرة بن جندب، ولا بين حديث جابر رضي الله عنهم معارضة، فلا يكون بينهما نسخ خلافًا لمن زعمه، وقال: إن حديث جابر ناسخ لحديث سمرة، وما ذكرناه أولى. والله تعالى أعلم.
فإن قيل: بل المصير إلى النسخ أولى؛ لأنَّ حديث سمرة - وإن حمل على الكراهة - فحديث جابر يقتضي الإباحة المطلقة؛ لأنَّه لما سكت النبي صلى الله عليه وسلم عن النهي عن ذلك إلى حين موته، وكذلك عمر رضي الله عنه مع حصول ذلك في الوجود كثيرًا، فقد كان للنبي صلى الله عليه وسلم غلام اسمه: رباح، ومولى اسمه: يسار، وقد سَمَّى ابن عمر مولاه: نافعًا. ومثله كثير. فقد استمر العمل على حديث جابر، فإذًا هو متأخر، فيكون ناسخًا.
والجواب: إن هذا التقدير يلزم منه: أن لا يصدق قول جابر: إن النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن ينهى عن ذلك، فإنَّه قد وجد النهي ولا بدَّ، وهو صادق، فلا بدَّ من تأويل لفظه. وما ذكرناه أولى. وما ذكر من تسمية موالي النبي صلى الله عليه وسلم وغيره بتلك الأسماء فصحيح؛ لأنَّ ذلك جائز، وغاية ما ترك فيه الأولى، فكم من أولى قد سوغت الشريعة تركه، وإن فات بفوته أجر كثير، وخير جزيل؛ عملًا بالمسامحة والتيسير، وتركًا للتشديد والتعسير.
و(قوله: أراد النبي صلى الله عليه وسلم أن ينهى أن يُسمَّى بمقبل) هكذا صحيح الرواية. وهو في بعض النسخ: بيعلى، وكأنه تصحيف، والأوَّل أولى رواية ومعنى.