الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(5) باب مماذا يرقى
؟
[2133]
عن عَائِشَةَ قَالَت: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقيَةِ مِن كُلِّ ذِي حُمَةٍ.
رواه البخاريُّ (5741)، ومسلم (2193)(52).
ــ
قلت: وهذا إنَّما يكون عند المعالجة والشروع فيها على قوانينها من مراعاة مقدار التراب والرِّيق وملازمة ذلك في أوقاته.
وأمَّا ووضع السَّبابة على الأرض فلا يتعلَّق منها بالمرقِي شيء له بالٌ ولا أثر، وإنَّما هذا من باب التَّبرُّك بأسماء الله تعالى وبآثار رسوله صلى الله عليه وسلم، وأما الرِّيق ووضع الإصبع وما أشبه ذلك فإمَّا أن يكون ذلك لخاصية فيه وإمَّا أن يكون ذلك لحكمة إخفاء آثار القدرة بمباشرة الأسباب المعتادة، والله تعالى أعلم (1).
(5)
ومن باب مِمَّاذا يرقى
قول عائشة رضي الله عنها رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من الحمة، وقول أنس رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم في الرُّقية من العين والحمة والنملة - دليلٌ على أن الأصل في الرّقي كان ممنوعًا كما قد صرَّح به، حيث قال: نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الرُّقى (2). وإنَّما نهى عنه مطلقًا لأنَّهم كانوا يرقون في الجاهلية
(1) جاء في هامش (ج 2) قوله:
"تربة أرضنا" فيه قولان. أحدهما: إنه عامٌّ في كلِّ تراب. والثاني: إنه مخصوصٌ بتربة المدينة. وأنَّث (الريقة) على معنى: القطعة والبزقة.
(2)
رواه مسلم (2199)(62).
[2134]
وعنها قَالَت: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَأمُرُنِي أَن أَستَرقِيَ مِن العَينِ.
رواه أحمد (6/ 93)، والبخاري (5738)، ومسلم (2195)(56)، وابن ماجه (3512).
[2135]
وعَن أَنَسٍ قَالَ: رَخَّصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي الرُّقيَةِ مِن العَينِ وَالحُمَةِ وَالنَّملَةِ.
رواه أحمد (3/ 118)، ومسلم (2196)(97)، والترمذيُّ (2056)، وابن ماجه (3516).
ــ
بِرُقًى هو شركٌ وبما لا يفهم، وكانوا يعتقدون أن ذلك الرُّقى يؤثر، ثم إنهم لما أسلموا وزال ذلك عنهم نهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك عمومًا ليكون أبلغ في المنع وأسدّ للذريعة، ثم إنهم لما سألوه وأخبروه أنهم ينتفعون بذلك رخص لهم في بعض ذلك وقال: اعرضوا علي رقاكم، لا بأس بالرُّقى ما لم يكن فيه شرك (1)، فجازت الرُّقية من كل الآفات من الأمراض والجراح والقروح والحمة والعين وغير ذلك إذا كان الرُّقى بما يفهم ولم يكن فيه شرك ولا شيء ممنوع، وأفضل ذلك وأنفعه ما كان بأسماء الله تعالى وكلامه وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم.
وقوله من كل ذي حمة؛ أي: من لَسع كل دابَّة ذات سُمٍّ. والحمة: السُّم - والمشهور فيه ضم الحاء، قال بعضهم: وقد تفتح. وهي مخففة الميم على كل حال.
والنملة قال ابن قتيبة: هي قروح تكون في الجنب وغير الجنب، تزعم
(1) رواه مسلم (2205)، وأبو داود (3886).
[2136]
وعَن أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجَارِيَةٍ فِي بَيتِ أُمِّ سَلَمَةَ رَأَى بِوَجهِهَا سَفعَةً، فَقَالَ: بِهَا نَظرَةٌ، فَاستَرقُوا لَهَا - يَعنِي: بِوَجهِهَا صُفرَةً.
رواه مسلم (2197)(59).
ــ
المجوس أن ولد الرَّجل إذا كان من أخته فخطَّ على النملة شفي صاحبها، وأنشد:
ولا عَيبَ فِينَا غير عِرقٍ (1) لِمًعشَرٍ
…
كِرَامٍ وأنَّا لا نَخُطُّ على النَّمل
أي: لسنا بمجوس ننكح الأخوات. قال غيره: تكون في الجنب وغير الجنب (2) - والمشهور فيها فتح النون، وحكى الهروي فيها الضم، فأمَّا النَّملة بكسر النون: فهي المشية المتقاربة - حكاها الفرَّاء.
والسَّفعة تُروى بفتح السين وضمها، والفتح أكثر. وقد فسَّرها الراوي بقوله: يعني بوجهها صفرة. وفيه تسامح، فإنَّ السفعة هي فيما قاله الأصمعي: حمرة يعلوها سواد. وقال الحربي: هي سوادٌ في الوجه.
والنَّظرة العين - قاله الهروي، وقال أبو عبيد: يقال رجل به نظرة؛ أي: عين (3).
قلت: وجميع أحاديث الرُّقية الواقعة في كتاب مسلم إنَّما تدلُّ على جواز الرُّقي بعد وقوع الأسباب الموجبة للرُّقية من الأمراض والآفات، وأما قبل وقوع ذلك ففي البخاري عن عائشة أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه نفث
(1) في اللسان: نَمل.
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(3)
في (ج 2): عيب.
[2137]
وعن جابر بن عبد الله قال: رَخَّصَ رسول الله صلى الله عليه وسلم لِآلِ حَزمٍ فِي رُقيَةِ الحَيَّةِ، وَقَالَ لِأَسمَاءَ بِنتِ عُمَيسٍ: مَا لِي أَرَى أَجسَامَ بَنِي أَخِي ضَارِعَةً تُصِيبُهُم الحَاجَةُ؟ قَالَت: لَا، وَلَكِن العَينُ تُسرِعُ إِلَيهِم! قَالَ: ارقِيهِم. قَالَت: فَعَرَضتُ عَلَيهِ، فَقَالَ: ارقِيهِم.
رواه مسلم (2198)(60).
* * *
ــ
في كفه بـ {قُل هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} والمعوذتين، ثمَّ يمسح بهما وجهه وما بلغت يده من جسده (1)، فكان هذا دليلًا على جواز استرقاء ما يتوقع من الطوارق والهوام وغير ذلك من الشرور، وقد تقدم في الإيمان الخلاف فيه.
وقوله ما لي أرى أجسام بني أخي ضارعة؟ أي: ضعيفة نحيلة، وأصل الضراعة الخضوع والتذلل، ويعني بهم بني جعفر بن أبي طالب رضي الله عنهم.
* * *
(1) رواه البخاري (6312).