الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب ما يرخص فيه من الحرير
[1976]
عَن عَبدِ اللَّهِ، مَولَى أَسمَاءَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ، قَالَ: أَرسَلَتنِي أَسمَاءُ إِلَى عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ فَقَالَت: بَلَغَنِي أَنَّكَ تُحَرِّمُ أَشيَاءَ ثَلَاثَةً: العَلَمَ فِي الثَّوبِ، وَمِيثَرَةَ الأُرجُوَانِ، وَصَومَ رَجَبٍ كُلِّهِ! فَقَالَ لِي عَبدُ اللَّهِ: أَمَّا مَا ذَكَرتَ مِن رَجَبٍ، فَكَيفَ بِمَن يَصُومُ الأَبَدَ، وَأَمَّا مَا ذَكَرتَ مِن العَلَمِ فِي الثَّوبِ، فَإِنِّي سَمِعتُ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ يَقُولُ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّمَا يَلبَسُ الحَرِيرَ مَن لَا خَلَاقَ لَهُ. فَخِفتُ أَن يَكُونَ العَلَمُ مِنهُ، وَأَمَّا مِيثَرَةُ الأُرجُوَانِ، فَهَذِهِ مِيثَرَةُ عَبدِ اللَّهِ، فَإِذَا هِيَ أُرجُوَانٌ. فَرَجَعتُ إِلَى أَسمَاءَ
ــ
(2)
ومن باب: ما رخص فيه من الحرير
مَنعُ عبد الله العلم الحرير في الثوب؛ إنما كان لأنَّه تمسك بعموم النهي عن لبس الحرير، وكأنَّه لم يبلغه حديث عمر رضي الله عنه؛ الذي رواه عنه سويد بن غفلة الآتي في آخر الباب. والصواب: إعمال ذلك المخصص في النهي العام. ولأجل هذا المخصص قال ابن حبيب: إنه يرخص في لبس العلم والصلاة فيه وإن عظم.
قلت: ويعني بقوله: وإن عظم: إذا بلغ أربع أصابع؛ الذي هو غاية الرخصة المذكورة في الحديث. وروي عن مالك اختلاف في قدر الإصبع من الحرير يكون في الثوب، فنهى عنه مرة، وأجازه أخرى.
وقول ابن عمر في الجواب عن رجب: (فكيف بمن يصوم الأبد؟ ! ) معناه: إذا كان صوم الأبد جائزًا، فكيف لا يكون صوم رجب كلَّه جائزًا. وهذا تكذيب لمن نقل عنه، وإبطال لقول من يقول بذلك. وقد تقدَّم في كتاب الصوم الاختلاف في صوم الأبد.
و(قوله: وأما ميثرة الأرجوان فهذه ميثرة عبد الله، فإذا هي أرجوان) يعني:
فَخَبَّرتُهَا فَقَالَت: هَذِهِ جُبَّةُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخرَجَت إِلَيَّ جُبَّةَ طَيَالِسَةٍ كِسرَوَانِيَّةٍ، لَهَا لِبنَةُ دِيبَاجٍ، وَفَرجَيهَا مَكفُوفَينِ بِالدِّيبَاجِ، فَقَالَت: هَذِهِ كَانَت عِندَ عَائِشَةَ حَتَّى قُبِضَت، فَلَمَّا قُبِضَت قَبَضتُهَا، وَكَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَلبَسُهَا، فَنَحنُ نَغسِلُهَا لِلمَرضَى يُستَشفَى بِهَا.
رواه مسلم (2069)(10)، وأبو داود (4054).
ــ
إنه كان يستعمل ميثرة الأرجوان، فكيف يحرمها؟ ! وهذا يبطل قول من فسَّر الميثرة المنهي عنها: بأنها من أرجوان. والأرجوان - بفتح الهمزة - ذكرها الجوهري.
وقول أسماء: (هذه جبة رسول الله صلى الله عليه وسلم) تحتجُّ بذلك على جواز العلم من الحرير، فإنَّ الجبَّة كان فيها لبنة من حرير، وكانت مكفوفة بالحرير. ووجه الاحتجاج بذلك: أنه إذا كان القليل من الحرير المصمت المخيط في الثوب جائزًا، كان العلم بالجواز أولى، ولا يلتفت إلى قول من قال: إن ذلك الحرير وضع في الجبة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ لأنَّه لو كان كذلك لما احتجت به أسماء، ولكان الواضع معروفًا عندهم، فإنَّ الاعتناء بتلك الجبَّة كان شديدًا، وتحفظهم بها كان عظيمًا؛ لأنَّها من آثار رسول الله صلى الله عليه وسلم المتداولة عندهم للتذكر، والتبرك، والاستشفاء، فيبعد ذلك الاحتمال، بل يبطل بدليل قولها: (هذه كانت عند عائشة رضي الله عنها، إلى آخر الكلام. فتأمَّله، فإنَّه يدلّ على ذلك دلالة واضحة.
وقولها: (طيالسة) أي: غليظة. كأنَّها من طيلسان، وهو: الكساء الغليظ.
وقولها: (خسروانية) بالخاء المنقوطة من فوقها، هي رواية ابن ماهان. وبالكاف، رواية غيره. وهي في الحالتين منسوبة إلى اسم أعجمي، كما قالوا: كسروانية فنسبوها إلى كسرى. والله تعالى أعلم. ووقع في بعض الروايات: (وفرجيها مكفوفين)(1) منصوبين على إضمار فعل؛ أي: ورأيت فرجيها مكفوفين، وعند
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ز).
[1977]
وعَن أَبِي عُثمَانَ قَالَ: كَتَبَ إِلَي عُمَرُ وَنَحنُ بِأَذرَبِيجَانَ: يَا عُتبَةُ بنَ فَرقَدٍ، إِنَّهُ لَيسَ مِن كَدِّكَ وَلَا مِن كَدِّ أَبِيكَ وَلَا كَدِّ أُمِّكَ، فَأَشبِع المُسلِمِينَ فِي رِحَالِهِم مِمَّا تَشبَعُ مِنهُ فِي رَحلِكَ، وَإِيَّاك وَالتَّنَعُّمَ وَزِيَّ أَهلِ
ــ
الخشني، وغيره:(وفرجاها مكفوفان) مرفوعًا على الابتداء والخبر، والواو حالية.
و(أُكَيدر دُومة) هو ملك أيلة. أهدى للنبي صلى الله عليه وسلم في حال شركه، ثم أسلم بعد ذلك. وأُكيدر: تصغير أكدر، وهو في الأصل: سواد يضرب إلى الغبرة. و (دومة) رواه المحدثون بفتح الدال وضمها. وحكاه ابن دريد بالفتح، قال: والمحدثون يقولونه بالضم، وهو خطأ. وفيه دليل على جواز قبول هدايا المشركين. وقد تقدَّم في الجهاد.
و(قوله: إنَّه ليس من كدِّك، ولا كدِّ أبيك) يعني به: مال المسلمين، وهو ضمير يفسره الحال. والكدُّ: السعي والتعب.
و(قوله: فأشبع المسلمين مما تشبع منه) أي: لا تستأثر عليهم بشيء، ولا تختص به دونهم؛ أي: أمره أن يسوي بين نفسه وبين الناس فيما يأخذه من مال المسلمين، ثمَّ نهاه وحذره عن التنعُّم، وهو الترفه، والتوسُّع، وعن زي أهل الشرك؛ يعني بهم: المجوس؛ إذ لا يعني به: مشركي العرب، فإنَّ زي العرب كلُّه واحد؛ مشركهم ومسلمهم. والزي: ما يتزيى الإنسان به؛ أي: يتزين. وذلك يرجع إلى الهيئات، وكيفية اللباس، كما قال:(خالفوا المشركين، فإنَّهم لا يفرقون)، وفي آخر:(فإنهم لا يصبغون)(1)، وفي آخر:(خالفوا المجوس: جزوا الشوارب، وأوفوا اللحى)(2). ومن هنا كره مالك رحمه الله ما خالف زي
(1) رواه أحمد (2/ 240)، والبخاري (3462)، ومسلم (2103)، وأبو داود (4203)، والنسائي (8/ 137).
(2)
رواه البخاري (5892)، ومسلم (259).
الشِّركِ وَلَبُوسَ الحَرِيرَ، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن لَبُوسِ الحَرِيرِ، قَالَ: إِلَّا هَكَذَا، وَرَفَعَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِصبَعَيهِ، ورفع زهير السَّبَّابَةَ والوُسطَى وَضَمَّهُمَا.
وفي رواية: وَقَالَ أَبُو عُثمَانَ: وقال بِإِصبَعَيهِ اللَّتَينِ تَلِيَانِ الإِبهَامَ، فَرُئِيتُها أَزرَارَ الطَّيَالِسَةِ حِينَ رَأَيتُ الطَّيَالِسَةَ.
ــ
العرب جملة واحدة.
و(لبوس الحرير): لباسه. يقال: لبس الثوب لباسًا، ولبوسًا.
وقد روى غير مسلم حديث أبي عثمان هذا، وقال فيه: أتانا كتاب عمر ونحن بأذربيجان مع عتبة بن فرقد، قال فيه: أما بعد: فائتزروا، وارتدوا، وانتعلوا، واتقوا الخضاب (1)، والسراويلات، وعليكم بلباس أبيكم إسماعيل، وإياكم والتنعم، وزي العجم، وعليكم بالشمس فإنَّها حمام العرب، وتمعددوا، واخشوشنوا، واخشوشبوا، واخلولقوا، واقطعوا الرَّكب، وانزوا، وارموا على الأغراض (2).
و(قوله: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن الحرير إلا هكذا) وضم أصبعيه: السبابة والوسطى؛ يعني: الأعلام.
و(قوله: فرُئِيتها أزرار الطيالسة) الأزرار: جمع زر، وهو: ما يزرر به الثوب بعضه على بعض. ومنه: زررت علي قميصي. ويعني به: أطراف الطيالسة. وهي: جمع طيلسان، وهو الكساء، أو الثوب الذي له علم، وكأنَّها كانت لها أعلام من حرير.
(1) في (ع) و (ل 1): وألقوا الخفاف.
(2)
ذكره الحافظ ابن حجر في فتح البارى (10/ 286).
وفي أخرى: قال أبو عثمان: فما عتمنا: أنه يعني الأعلام.
رواه البخاري (5829)، ومسلم (2067)(12 و 13 و (14).
[1978]
وعَن سُوَيدِ بنِ غَفَلَةَ: أَنَّ عُمَرَ خَطَبَ بِالجَابِيَةِ فَقَالَ: نَهَى نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن لُبسِ الحَرِيرِ، إِلَّا مَوضِعَ إِصبَعَينِ، أَو ثَلَاثٍ، أَو أَربَعٍ.
رواه مسلم (2067)(15).
* * *
ــ
وقوله: فما عتَّمنا: أنه يعني به: الأعلام؛ كذا رواية الصدفي، والأسدي. ومعنى ذلك: أنا لم نتردد، ولم نبطئ. ورواه الطبري، وغيره: فما علمنا إلا أنه يريد الأعلام. وهو واضح. وكذا رواه قاسم بن أصبغ. وأما حديث سويد بن غفلة الذي قال فيه: إلا موضع أصبعين، أو ثلاث، أو أربع. فذكر الدارقطني: أنَّه لم يرفعه عن الشعبي إلا قتادة. قال: وهو مدلس. وقد رواه جماعة من الأئمة الحفاظ موقوفًا على عمر قوله. وقد تقدَّم في أول الباب ذكر الخلاف في العلم ومقداره.
* * *