المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

[1828]

عَن عَدِيِّ بنِ حَاتِمٍ قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي أُرسِلُ

ــ

(25)

كتاب الصيد

الأصلُ في جواز الصيد على الجملة: الكتاب، والسنة، وإجماع الأمة.

فأما الكتاب: فقوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ مَاذَا أُحِلَّ لَهُم قُل أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ وَمَا عَلَّمتُم مِنَ الجَوَارِحِ مُكَلِّبِينَ} ؛ أي: وصيد ما علَّمتم، الآية. وقوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَيَبلُوَنَّكُمُ اللَّهُ بِشَيءٍ مِنَ الصَّيدِ} وقوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُم صَيدُ البَحرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَكُم وَلِلسَّيَّارَةِ} الآية.

وأما السُّنة: فصحيحها الأحاديث الآتية.

وأما الإجماع: فمعلومٌ.

والصيد: ذكاة في المتوحش طبعًا، غير المقدور عليه، المأكول نوعه. والنظر فيه: في الصائد، والمصيد، والآلة التي يصاد بها. ولكل منها شروط يأتي ذكرها أثناء النظر في الأحاديث إن شاء الله تعالى.

ص: 204

الكِلَابَ المُعَلَّمَةَ فَيُمسِكنَ عَلَيَّ، وَأَذكُرُ اسمَ اللَّهِ عَلَيهِ. فَقَالَ: إِذَا أَرسَلتَ كَلبَكَ المُعَلَّمَ؛

ــ

(1 و 2) ومن باب: الصيد بالجوارح وشروطها (1)

قوله: (إذا أرسلت كلبك المعلَّم) تعليم الكلب وغيره مما يصاد به هو: تأديبه على الصيد، بحيث يأتمر إذا أمر، وينزجر إذا زُجِر. ولا يختلف في هذين الشرطين في الكلاب وما في معناها من سباع الوحوش.

واختلف فيما يصاد به من الطير. فالمشهور: أن ذلك مشترطٌ فيها. وذكر ابن حبيب: أنه لا يشترط أن تنزجر إذا زُجِرَت؛ فإنَّه لا يتأتى ذلك فيها غالبًا. فيكفي أنها إذا أمرت أطاعت.

قلت: والوجود يشهد للجمهور، بل الذي لا ينزجر نادرٌ فيها، وقد شرط الشافعي، وجمهور من العلماء في التعليم أن يمسك على صاحبه، ولا يأكل منه شيئًا. ولم يشترطه مالك في المشهور عنه، وسيأتي.

وقد ألحق الجمهور بالكلب كلَّ حيوان مُعَلَّم يتأتى به الاصطياد تمسُّكًا بالمعنى، وبما رواه الترمذي عن عدي بن حاتم قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صيد البازي فقال: (ما أمسك عليك فَكُل)(2) على أن في إسناده مجالدًا، ولا يُعرف إلا من حديثه، وهو ضعيف. والمعتمد: النظر إلى المعنى، وذلك أن كل ما يتأتى من الكلب يتأتى من الفهد مثلًا، فلا فارق إلا فيما لا مدخل له في التأثير، وهذا هو القياس في معنى الأصل، كقياس السيف على المِديَة؛ التي ذبح النبي صلى الله عليه وسلم بها، وقياس الأَمَة على العبد في سراية العتق.

وقد خالف في ذلك قوم، وقصروا الإباحة على الكلاب خاصة. ومنهم من يستثني الكلب الأسود، وهو الحسن،

(1) ضمَّن المؤلف رحمه الله في شرح ما أشكل في هذا الباب، شرحَ ما أشكل في الباب الذي يليه وهو: باب: الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد.

(2)

رواه الترمذي (1467).

ص: 205

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

والنخعي، وقتادة؛ لأنَّه شيطان كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، متمسكين بقوله:(مكلِّبين)، وبأنَّه ما وقع في الصحيح إلا ذكر الكلاب، وهذا لا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ ذكر الكلاب في هذه المواضع إنما كان لأنها الأغلب والأكثر. وأيضًا فإن ذكرها خصوصًا لا يدل على أن غيرها لا يصاد بها؛ لأنَّ الكلب لقب، ولا مفهوم للقب عند جماهير المحققين من الأصوليين، ولم يصر إليه إلا الدَّقاق، وليس هو فيه على توفيق، ولا وفاق. ولو صحَّ زعمه ذلك لكفر من قال: عيسى رسول الله؛ فإنَّه كان يلزم منه بحسب زعمه: أن محمدًا وغيره من الأنبياء - صلوات الله وسلامه عليهم - ليس رسولًا.

وفي (قوله صلى الله عليه وسلم: إذا أرسلت) ما يدلُّ على أن الإرسال لا بدَّ أن يكون من جهة الصائد، ومقصودًا له؛ لأنَّ أفعل فعل الفاعل كأَخرَج، وأَكرم، ثم هو فعل عاقل، فلا بدَّ أن يكون مفعولًا لغرض صحيح، وفيه مسألتان:

الأولى: أن يقصد الصائد عند الإرسال قصد التذكية والإباحة، وهذا لا يختلف فيه، فلو قصد مع ذلك اللهو؛ فكرهه مالك، وأجازه ابن عبد الحكم. وهو ظاهر قول الليث: ما رأيت حقًّا أشبه بباطل منه. يعني: الصيد. فأما لو فعله بغير نيَّة التذكية: فهر حرام؛ لأنَّه من باب الفساد وإتلاف نفس حيوان بغير منفعة. وقد نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتل الحيوان إلا لمأكلة.

الثانية: لا بدَّ أن يكون انبعاثُ الكلب بإرسالٍ من يد الصائد، بحيث يكون زمامه بيده [فيُخلِّي عنه، ويُغرِيه عليه، فينبعثُ، أو يكون الجارح ساكنًا مع رؤية الصيد، فلا يتحرَّك له إلا بإغراء الصائد. فهذا بمنزلة ما زمامه بيده](1) فأطلقه مُغريًا له على أحد القولين. فأما لو انبعث الجارح من تلقاء نفسه من غير إرسال،

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 206

وَذَكَرتَ اسمَ اللَّهِ عَلَيهِ فَكُل.

ــ

ولا إغراء: فلا يجوز صيده، ولا يحل أكله؛ لأنَّه إنَّما صاد لنفسه، وأمسك عليها، ولا صُنعَ للصائد فيه، فلا يُنسبُ إليه إرساله؛ لأنَّه لا يصدق عليه:(إذا أرسلت كلبك المعلم). ولا خلاف في هذا فيما علمته.

و(قوله: وذكرت اسم الله)، وفي الأخرى:(واذكر اسم الله) على الأمر.

وظاهر هذا: أنه لا بدَّ من التسمية بالقول عند الإرسال، فلو لم توجد على أي وجه كان لم يؤكل الصيد. وهو مذهب أهل الظاهر، وجماعة أهل الحديث، ويعضدهم ظاهر قوله تعالى:{وَلا تَأكُلُوا مِمَّا لَم يُذكَرِ اسمُ اللَّهِ عَلَيهِ}

وذهب طائفة من أصحابنا، وغيرهم: إلى أنه يجوز أكل ما صاد المسلم وذبحه، وإن ترك التسمية عمدًا. وحملوا الأمر بالتسمية على الندب، وكأنهم حملوا هذه الظواهر على ذكر اسم الله بالقلب، وهو لا يخلو عنه المسلم غالبًا، فإنَّه إذا نوى التذكية فقد ذكر الله تعالى بقلبه، فإن معنى ذلك: القصد إلى فعل ما أباحه الله تعالى على الوجه الذي شرعه الله، وهذا كما قاله بعض العلماء في قوله صلى الله عليه وسلم:(لا وضوء لمن لم يذكر اسم الله عليه)(1) أي: من لم ينو، وأصل هذا: أن الذِّكر إنما هو التنبه بالقلب للمذكور، ثم سمي القول الدال على الذكر: ذكرًا، ثم اشتهر ذلك حتى صار السابق إلى الفهم من الذكر: القول اللِّساني. فأما الآية: فمحمولة على أن المراد بها ذبائح المشركين، كما هو أشهر أقوال المفسرين وأحسنها. وذهب مالك في المشهور عنه إلى الفرق بين ترك التسمية عمدًا، أو سهوًا، فقال: لا تؤكل مع العمد، وتؤكل مع السهو. وهو قول كافة فقهاء الأمصار، وأحد قولي الشافعي.

ثم اختلف أصحاب مالك في تأويل قوله:

(1) رواه أبو داود (101 و 102).

ص: 207

قُلتُ: وَإِن قَتَلنَ؟ قَالَ: وَإِن قَتَلنَ، مَا لَم يَشرَكهَا كَلبٌ لَيسَ مَعَهَا.

ــ

(لا يؤكل)، فمنهم من قال: تحريمًا، ومنهم من قال: كراهةً. ووجه الفرق: أن الناسي غير مكلَّف بما نسيه، ولا مؤاخذة عليه، فلا يؤثر نسيانه بخلاف العامد.

و(قوله: وإن قَتَلن) هذا لا يختلف فيه أن قتل الجوارح للصيد ذكاة إذا كان قتلها بِتَخلِيب، أو تَنيِيب، فأما لو قتله صدمًا، أو نطحًا: فلا يؤكل عند ابن القاسم. وبه قال أبو حنيفة. وقال أشهب: يؤكل. وهو قول أحد قولي الشافعي. وسبب الخلاف: هل صدم الجارح له، أو نطحه كالمعراض إذا أصاب بعرضه، أم لا؟ فشبهه ابن القاسم به؛ فمنع، وفرَّق الآخرون: بأن الجوارح حيوان، وقد أمسك على صاحبه، وقد قال الله تعالى:{فَكُلُوا مِمَّا أَمسَكنَ عَلَيكُم} وليس كذلك المعراض؛ فإنَّه لا يقال فيه: أمسك عليك.

قلت: وهذا الفرق لفظي لا فقه فيه، فإن المِعرَاض، وإن لم يُقل فيه: أمسك عليك؛ لكنه يقال فيه: أمسك - مُطلقًا -؛ لأنَّه لما أصاب الصيد وقتله فقد أمسكه، والأفقه: قول ابن القاسم، والله أعلم.

فأما لو مات الصيد فزعًا، أو دهشًا، ولم يكن للجوارح فيه فعل: فلا يختلف في أنه لا يؤكل فيما علمت.

و(قوله: فإن أدركته حيًّا فاذبحه) هذا يدلُّ على أن المقدور عليه لا تكون ذكاته العقر، بل الذبح، أو النحر. وعلى هذا: فيجب على الصائد إذا أرسل الجوارح أن يجتهد في الجري مُهيِّئًا لآلة الذبح؛ فإنَّه إن فرَّط في شيء من ذلك حتى هلك الصيد بين يدي الجوارح لم يجز أكله؛ لأنَّه لما أمسكته الجوارح صار مقدورًا عليه. والصائد لو لم يُفرط كان متمكنًا من ذبحه، فإن أدركه الصائد منفوذ المقاتل فحكمه حكم المقتول؛ لأنَّه ميؤوس من بقائه. إلا أن مالكًا استحب ذكاته مراعاة للخلاف. هذا هو مشهور قوله.

و(قوله: ما لم يشركها كلب ليس معها)، وفي أخرى: (فإن خالطها

ص: 208

قُلتُ لَهُ: فَإِنِّي أَرمِي بِالمِعرَاضِ الصَّيدَ فَأُصِيبُ؟ فَقَالَ: إِذَا رَمَيتَ بِالمِعرَاضِ فَخَزَقَ فَكُلهُ، وَإِن أَصَابَهُ بِعَرضِهِ فَلَا تَأكُلهُ.

وفي رواية: فإنه وقيذ فلا تأكله.

رواه أحمد (4/ 258)، والبخاري (5477)، ومسلم (1929)(1 و 3)، والترمذي (1465)، والنسائي (7/ 180)، وابن ماجه (395).

ــ

كلاب من غيرها فلا تأكل)، وفي الأخرى:(وإن وجدت مع كلبك كلبًا غيره وقد قتل، فلا تأكل، فإنك لا تدري أيهما قتله) هذه الروايات وإن اختلفت ألفاظها فمعناها واحد. وهذا الاختلاف يدل: على أنهم كانوا ينقلون بالمعنى. وتفيد هذه الروايات: أن سبب إباحة الصيد الذي هو عَقرُ الجارح له لا بدَّ أن يكون متحققًا غير مشكوك فيه، ومع الشكِّ لا يجوز الأكل. وهذا الكلب المخالط محمول على أنه غير مرسل من صائد آخر، وأنه إنما انبعث في طلب الصيد بطبعه ونفسه. ولا يختلف في هذا. فأما لو أرسله صائدٌ آخر على ذلك الصيد فاشترك الكلبان فيه: فإنَّه للصائدين؛ يكونان شريكين. فلو أنفذ أحد الكلبين مقاتله، ثم جاء الآخر، فهو للذي أنفذ مقاتله.

و(قوله: فإني أرمي بالمعراض). قال أبو عبيد: المعراض: سهم لا ريش فيه، ولا نصل. وقال غيره: المعراض: خشبة ثقيلة، أو عصا غليظة في طرفها حديدة، وقد تكون بغير حديدة، غير أنها محدَّدُ طرفها. وهذا التفسير أولى من تفسير أبي عبيد، وأشهر.

و(قوله: إذا رميت بالمعراض فخزق فكل، وإن أصابه بعرضه فلا تأكله فإنَّه وقيذٌ) معنى خزق: خرق ونفذ. والعرض: خلاف الطول. والوقيذ: الموقوذ؛ أي: المضروب بالعصا حتى يموت. وبه فسر قوله تعالى: {وَالمَوقُوذَةُ}

ص: 209

[1829]

وعنه: قَالَ: سَأَلتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُلتُ: إِنَّا قَومٌ نَصِيدُ بِهَذِهِ الكِلَابِ، فَقَالَ: إِذَا أَرسَلتَ كِلَابَكَ المُعَلَّمَةَ، وَذَكَرتَ اسمَ اللَّهِ عَلَيهَا

ــ

وبظاهر هذا الحديث قال جمهور العلماء من السلف والخلف. وقد شذَّ مكحول، والأوزاعي، فأباحا أكل ما أصاب المعراض بعرضه. وهو قول مردودٌ بالكتاب والسُّنَّة؛ لأنَّه مخالف لنصوصهما.

و(قوله: وإن رميت بسهمك فاذكر اسم الله) هذا دليلٌ على جواز الصيد بمحدَّد السلاح، وكذلك قوله في المعراض:(إذا أصاب بحدِّه فكل)، وكذلك قوله تعالى:{تَنَالُهُ أَيدِيكُم وَرِمَاحُكُم} ولا خلاف فيه.

و(قوله: فإن غاب عنك يومًا، فلم تجد فيه إلا أثر سهمك فكل)، ونحوه في حديث أبي ثعلبة، غير أنه زاد:(فكله بعد ثلاث ما لم ينتن). وإلى الأخذ بظاهر هذه الأحاديث صار مالك في أحد أقواله، وسوى بين السَّهم والكلب.

والقول الثاني: إنه لا يؤكل شيء من ذلك إذا غاب عنك.

والقول الثالث: الفرق بين السَّهم، فيؤكل، وبين الكلب فلا يؤكل. ووجهه: أن السهم يقتل على جهة واحدة فلا يُشكل، والجارح على جهات متعدِّدة فيُشكل. والقول الثاني أضعفها.

و(قوله: ما لم يُنتِن) اختلف العلماء في تعليل هذا المنع، فمنهم من قال: إذا أنتن لحق بالمستقذرات التي تمجُّها الطِّباع، فيكره أكلها تنزيهًا، فلو أكلها لجاز، كما قد أكل النبي صلى الله عليه وسلم الإهالة السنخة (1)، وهي المنتنة. ومنهم من قال: بل هو مُعلَّلٌ بما يخاف منه الضرر على آكله. وعلى هذا التعليل يكون أكله محرَّمًا؛ إن كان الخوف محققًا. وقيل: إن ذلك النتن يمكن أن يكون من نهش ذوات السُّموم. قال ابن شهاب: كُل مما قتل إلا أن يَنعَطِن، فإذا انعَطَن فإنَّه نهشٌ. وفسَّروا

(1) ذكره ابن الأثير في النهاية (2/ 408).

ص: 210

فَكُل مِمَّا أَمسَكنَ عَلَيكَ وَإِن قَتَلنَ، إِلَّا أَن يَأكُلَ الكَلبُ، فَإِن أَكَلَ فَلَا تَأكُل، فَإِنِّي أَخَافُ أَن يَكُونَ إِنَّمَا أَمسَكَ عَلَى نَفسِهِ، وَإِن خَالَطَهَا كِلَابٌ مِن غَيرِهَا فَلَا تَأكُل.

وفي رواية: فإنما سميت على كلبك ولم تسم على غيره.

رواه مسلم (1929)(2 و 3).

* * *

ــ

(ينعطن) بأنَّه إذا مُدَّ تَمَرَّط. قال ابن الأعرابي: إهاب معطون، وهو الذي تَمَرَّط شعره (1).

و(قوله: وإن وجدته غريقًا في الماء، فلا تأكل، فإنك لا تدري الماء قتله، أو سهمك؟ ) هذا محمله على الشك المحقق في السبب القاتل للصيد، والشك: تردد بين مُجوّزين لا ترجيحَ لأحدهما على الآخر، فما كان كذلك لم يؤكل، وأما لو تحقق أن سهمه أنفذ مقاتله، ثم وقع في الماء، أو سقط من الهواء، أو ما شاكل ذلك، فإنَّه يؤكل. وهو مذهب الجمهور: مالك، والشافعي، وغيرهما. وقد روى ابن وهب عن مالك كراهة ذلك على ما حكاه ابن المنذر، وهي من جهة الورع، والله أعلم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (إلا أن يأكل الكلب، فإن أكل فلا تأكل، فإني أخاف أن يكون إنما أمسك على نفسه) بهذا قال الجمهور من السلف وغيرهم، منهم: ابن عباس، والزهري، وأبو هريرة، والشعبي، وسعيد بن جبير، والنخعي، وعطاء بن أبي رباح، وعكرمة، وقتادة، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، والنعمان.

(1) جاء في حاشية (ل 1): قال ابن القطاع: عَطَنْتَ الإهابَ عَطْنًا: غممته لينتثر صوفه.

وعَطِن الجلدُ عَطَنًا: تغيَّرتْ ريحُه.

ص: 211