الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: هُوَ أَهوَنُ عَلَى اللَّهِ مِن ذَلِكَ.
رواه أحمد (4/ 246)، والبخاري (7122)، ومسلم (2152)، وابن ماجه (4073).
* * *
(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده
[2060]
عن أَبي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ قال: كُنتُ جَالِسًا بِالمَدِينَةِ فِي مَجلِسِ الأَنصَارِ، فَأَتَانَا أَبُو مُوسَى فَزِعًا - أَو مَذعُورًا -، قُلنَا: مَا شَأنُكَ؟ قَالَ: إِنَّ عُمَرَ أَرسَلَ إِلَيَّ أَن آتِيَهُ، فَأَتَيتُ بَابَهُ فَسَلَّمتُ ثَلَاثًا، فَلَم يَرُدَّ عَلَيَّ،
ــ
على أن المغيرة كان قد سمع هذا الأمر عن الدَّجال من غير النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يحققه، فعرض ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم فأجابه بقوله:(هو أهون على الله من ذلك) وظاهر هذا الكلام: أن الدَّجال لا يمكن من ذلك لهوانه على الله، وخسة قدره، غير أن هذا المعنى قد جاء ما يناقضه في أحاديث الدجال الآتية. فيحتمل: أن يكون هذا القول صدر عنه قبل أن يوحى إليه بما في تلك الأحاديث. ويحتمل: أن يعود الضمير إلى تمكين الدجال من أنهار الماء، وجبال الخبز؛ أي: فعل ذلك على الله هين. والأوَّل أسبق، والثاني لا يمتنع، والله تعالى أعلم.
(7)
ومن باب: الاستئذان وكيفيته وعدده
قوله في هذه الرواية: (فسلمت ثلاثًا) ليس مناقضًا لقوله في الأخرى: إنه استأذن ثلاثًا؛ لأنَّ أبا موسى رضي الله عنه كان قد جمع بين السلام والاستئذان ثلاثًا، كما قد جاء منصوصًا عليه في الرواية الثالثة. وحاصل هذه الأحاديث: أن دخول منزل الغير ممنوع؛ كان ذلك الغير فيها أو لم يكن، إلا بعد الإذن. وهذا
فَرَجَعتُ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ أَن تَأتِيَنَا؟ فَقُلتُ: إِنِّي أَتَيتُكَ فَسَلَّمتُ عَلَى بَابِكَ ثَلَاثًا فَلَم ترد عَلَيَّ فَرَجَعتُ، وَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا استَأذَنَ أَحَدُكُم ثَلَاثًا فَلَم يُؤذَن لَهُ فَليَرجِع. فَقَالَ عُمَرُ: أَقِم عَلَيهِ البَيِّنَةَ، وَإِلَّا أَوجَعتُكَ.
ــ
الذي نصَّ الله تعالى عليه بقوله: {لا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُم حَتَّى تَستَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهلِهَا} ثم قال بعد ذلك: {فَإِن لَم تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلا تَدخُلُوهَا حَتَّى يُؤذَنَ لَكُم وَإِن قِيلَ لَكُمُ ارجِعُوا فَارجِعُوا} وهذا لا بدَّ منه؛ لأنَّ دخول منزل الغير تصرُّف في ملكه، ولا يجوز بغير إذنه؛ لأنَّه يطلع منه على ما لا يجوز الاطلاع عليه من عورات البيوت، فكانت هذه المصلحة في أعلى رتبة المصالح الحاجيَّة.
ولما تقرَّر هذا شرعًا عند أبي موسى استأذن أبو موسى على عمر رضي الله عنهما، ولما كان عنده علم بكيفية الاستئذان وعدده: عمل على ما كان عنده من ذلك. فلما لم يؤذن له: رجع. وأما عمر رضي الله عنه فكان عنده علم بالاستئذان، ولم يكن عنده علم من العدد، فلذلك أنكره على أبي موسى إنكار مستبعد من نفسه أن يخفى عليه ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم مع ملازمته النبي صلى الله عليه وسلم حضرًا وسفرًا ملازمة لم تكن لأبي موسى ولا لغيره، وإنكار من يسد باب الذريعة في التقوُّل على رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولذلك أغلظ على أبي موسى بقوله: أقم عليه البينة، وإلا أوجعتك، ولأجعلنك عظة. فلما أتاه بالبينة قال: إنما أحببت أن أتثبت.
وفي هذا الحديث أبواب من الفقه؛ فمنها: أن لا بد أن يكون ثلاثًا، فإذا لم يؤذن له بعد الثلاث؛ فهل يزيد عليها أو لا؟ قولان لأصحابنا. الأولى أن لا يزيد؛ لقوله صلى الله عليه وسلم:(الاستئذان ثلاث، فإن أذن لك، وإلا فارجع) وهذا نصٌّ. وإنَّما خصَّ الثلاث بالذكر؛ لأنَّ الغالب أن الكلام إذا كُرر ثلاثًا سمع وفهم. ولذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا تكلَّم بكلمة أعادها ثلاثًا حتى تفهم عنه، وإذا سلَّم على قومٍ سلَّم عليهم ثلاثًا. وإذا كان الغالبُ هذا، فإذا لم يؤذن له بعد ثلاث ظهر
فَقَالَ أُبَيُّ بنُ كَعبٍ: لَا يَقُومُ مَعَهُ إِلَّا أَصغَرُ القَومِ. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: قُلتُ: أَنَا أَصغَرُ القَومِ، قَالَ: فَاذهَب بِهِ.
رواه أحمد (3/ 6)، والبخاريُّ (6245)، ومسلم (1153)(33)، وأبو داود (5180)، والترمذي (2690)، وابن ماجه (3706).
ــ
أن ربَّ المنزل لا يريد الإذن، أو لعله يمنعه من الجواب عذر لا يمكنه قطعه. فينبغي للمستأذن أن ينصرف، لأن الزيادة على ذلك قد تقلق ربَّ المنزل، وربما يضرُّه الإلحاح حتى ينقطع عما كان مشتغلًا به، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي أيوب رضي الله عنه حين استأذن عليه، فخرج مستعجلًا فقال:(لعلنا أعجلناك)(1).
ومنها: قبول أخبار الآحاد، ووجوب التثبُّت فيها، والبحث عن عدالة ناقليها؛ لأنَّ أبا موسى لما أخبر عمر رضي الله عنهما بأن أُبي بن كعب يشهد له قال: عَدلٌ.
ومنها: حماية الأئمة حوزة الرواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، والإنكار على من تعاطاها إلا بعد ثبوت الأهليَّة وتحققها.
ومنها: أن المستأذن حقَّه أن يبدأ بالسلام، ثم يذكر اسمه، وإن كانت له كنى يُعرف بها ذكرها، كما فعل أبو موسى، وكل ذلك ينبغي في تحصيل التعريف التام للمستأذن عليه؛ فإنَّه إن أُشكل عليه اسم عرف آخر. وقال بعض أصحابنا: هو بالخيار بين أن يُسمي نفسه أو لا، والأولى ما فعله أبو موسى، فإنَّ فعله ذلك إن كان توقيفًا؛ فهو المطلوب. وإن لم يكن توقيفًا؛ فبه يحصل التعريف الذي لأجله شرع الاستئذان، ثم رأي الصحابي راوي الحديث أولى من هذا القول الحديث.
و(قوله: فقال أُبي بن كعب: لا يقوم معه إلا أصغر القوم، فقام أبو سعيد، فأعلمه بذلك) وفي الرواية الأخرى: (إن أُبي بن كعب أخبره بذلك) لا تباعد فيهما، فإنَّه أخبره بذلك كلاهما: أبو سعيد أولًا أتاه إلى منزله، وأُبي ثانيًا لما
(1) رواه أحمد (3/ 21)، والبخاري (180)، ومسلم (345)(83)، وابن ماجه (606) من حديث أبي سعيد الخدري.
[2061]
وعنه أَنَّ أَبَا مُوسَى أَتَى بَابَ عُمَرَ فَاستَأذَنَ، فَقَالَ عُمَرُ: وَاحِدَةٌ، ثُمَّ استَأذَنَ الثَّانِيَةَ، فَقَالَ عُمَرُ: ثِنتَانِ، ثُمَّ استَأذَنَ الثَّانية فَقَالَ عُمَرُ: ثَلَاثٌ، ثُمَّ انصَرَفَ فَأَتبَعَهُ فَرَدَّهُ فَقَالَ: إِن كَانَ هَذَا شَيئًا حَفِظتَهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَهَا، وَإِلَّا فَلَأَجعَلَنَّكَ عِظَةً. قَالَ أَبُو سَعِيدٍ: فَأَتَانَا فَقَالَ: أَلَم تَعلَمُوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: الِاستِئذَانُ ثَلَاثٌ؟ . قَالَ: فَجَعَلُوا يَضحَكُونَ. قَالَ: فَقُلتُ: أَتَاكُم أَخُوكُم المُسلِمُ قَد أُفزِعَ، تَضحَكُونَ؟ ! انطَلِق فَأَنَا شَرِيكُكَ فِي هَذِهِ العُقُوبَةِ، فَأَتَاهُ فَقَالَ: هَذَا أَبُو سَعِيدٍ.
وزاد في أخرى: فَقَال أَبُو سَعِيدٍ: كُنَّا نُؤمَرُ بِهَذَا. فَقَالَ عُمَرُ: خَفِيَ عَلَيَّ هَذَا مِن أَمرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، أَلهَانِي عَنهُ الصَّفقُ بِالأَسوَاقِ.
رواه البخاري (2063)، ومسلم (2153)(35 و 36)، وأبو داود (5182).
[2062]
عَن أَبِي بُردَةَ، عَن أَبِي مُوسَى الأَشعَرِيِّ أنه جَاءَ إِلَى عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكُم، هَذَا عَبدُ اللَّهِ بنُ قَيسٍ، فَلَم يَأذَن لَهُ. فَقَالَ: السَّلَامُ عَلَيكُم، هَذَا أَبُو مُوسَى. السَّلَامُ عَلَيكُم، هَذَا الأَشعَرِيُّ. ثُمَّ
ــ
اجتمع به عمر في المسجد. وهذا كله يدلُّ على شهرة الحديث عندهم، ومع ذلك فلم يعرفه عمر، ولا يُستنكر هذا، فإنَّه من ضرورة أخبار الآحاد.
و(قوله: جعلوا يضحكون) إنما ضحكوا من جزع أبي موسى من تهديد عمر، مع علمهم: بأن ذلك لا يتمُّ منه؛ لأنَّ ما طلبه من البينة، ولأن عمر لم يكذبه، ولا مقصوده جلده، ولا إهانته، بل: التغليظ والحماية.
وقول عمر رضي الله عنه: (خفي علي هذا من أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم) إنما قاله عاتبًا على نفسه، وناسبًا لها إلى التقصير، ثم بيَّن عذره بقوله:(ألهاني الصَّفق بالأسواق) وفي البخاري: يعني: الخروج إلى التجارة. وألهاني: شغلني.
انصَرَفَ فَقَالَ: رُدُّوا عَلَيَّ، رُدُّوا عَلَيَّ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا رَدَّكَ؟ كُنَّا فِي شُغلٍ. قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: الِاستِئذَانُ ثَلَاثٌ، فَإِن أُذِنَ لَكَ وَإِلَّا فَارجِع، قَالَ: لَتَأتِيَنِّي عَلَى هَذَا بِبَيِّنَةٍ، وَإِلَّا فَعَلتُ وَفَعَلتُ. فَذَهَبَ أَبُو مُوسَى، قَالَ عُمَرُ: إِن وَجَدَ بَيِّنَةً تَجِدُوهُ عِندَ المِنبَرِ عَشِيَّةً، وَإِن لَم يَجِد بَيِّنَةً لَم تَجِدُوهُ. فَلَمَّا أَن جَاءَ بِالعَشِيِّ وَجَدُوهُ قَالَ: يَا أَبَا مُوسَى، مَا تَقُولُ؟ أَقَد وَجَدتَ؟ قَالَ: نَعَم، أُبَيَّ بنَ كَعبٍ. قَالَ: عَدلٌ. قَالَ: يَا أَبَا الطُّفَيلِ، مَا يَقُولُ هَذَا؟ قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ ذَلِكَ يَا بنَ الخَطَّابِ، فَلَا تَكُونَنَّ عَذَابًا عَلَى أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: سُبحَانَ اللَّهِ، إِنَّمَا سَمِعتُ شَيئًا، فَأَحبَبتُ أَن أَتَثَبَّتَ.
رواه مسلم (2154)، وأبو داود (5181).
* * *
ــ
والصَّفق: البيع، وسمي بذلك لأنهم كانوا يتواجبون البيع بالأيدي، فيصفق كل واحد منهم بيد صاحبه. ومنه قيل للبيعة: صفقة.
وقول أُبي لعمر بن الخطاب رضي الله عنهما: (لا تكونن عذابًا على أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يدلُّ على ما كانوا عليه من القوَّة في دين الله، وعلى قول الحق، ومن قبوله، والعمل به (1)، فإنَّ أُبيًّا أنكر على عمر تهديده لأبي موسى، فقام بما عليه من الحق. ولما تحقق عمر الحقَّ قَبِلَه، واعتذر عما صدر عنه رضي الله عنهم أجمعين.
(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).