المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب تحريم الخمر - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(1) باب تحريم الخمر

(26) كتاب الأشربة

(1) باب تحريم الخمر

[1861]

عن عَلِيّ بن أبي طالب قَالَ: كَانَت لِي شَارِفٌ مِن نَصِيبِي مِن المَغنَمِ يَومَ بَدرٍ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَعطَانِي شَارِفًا مِن الخُمُسِ يَومَئِذٍ، فَلَمَّا أَرَدتُ أَن أَبتَنِيَ بِفَاطِمَةَ بِنتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَاعَدتُ رَجُلًا صَوَّاغًا مِن بَنِي قَينُقَاعَ يَرتَحِلُ مَعِيَ، فَنَأتِي بِإِذخِرٍ أَرَدتُ أَن أَبِيعَهُ مِن الصَّوَّاغِينَ، فَأَستَعِينَ بِهِ فِي وَلِيمَةِ عُرسِي، فَبَينَا أَنَا أَجمَعُ لِشَارِفَيَّ مَتَاعًا مِن الأَقتَابِ وَالغَرَائِرِ وَالحِبَالِ، وَشَارِفَايَ مُنَاخَتانِ إِلَى جَنبِ حُجرَةِ رَجُلٍ مِن الأَنصَارِ، وَجَمَعتُ حتى جَمَعتُ مَا جَمَعتُ، فَإِذَا شَارِفَايَ قَد اجتُبَّت أَسنِمَتُهُمَا وَبُقِرَت خَوَاصِرُهُمَا وَأُخِذَ مِن أَكبَادِهِمَا، فَلَم أَملِك عَينَيَّ حتى رَأَيتُ ذَلِكَ المَنظَرَ مِنهُمَا، قُلتُ: مَن فَعَلَ هَذَا؟ قَالَوا: فَعَلَهُ حَمزَةُ بنُ عَبدِ المُطَّلِبِ، وَهُوَ فِي هَذَا البَيتِ فِي شَربٍ مِن الأَنصَارِ، غَنَّتهُ قَينَةٌ وَأَصحَابَهُ، فَقَالَت فِي غِنَائِهَا:

أَلَا يَا حَمزُ لِلشُّرُفِ النِّوَاءِ

ــ

(26)

كتاب الأشربة

(1)

ومن باب: تحريم الخمر (1)

(قولها: ألا يا حَمزُ للشُّرُفِ النَّواءِ) الرواية الصحيحة المشهورة في هذا

(1) هذا العنوان ليس في الأصول واستدرك من التلخيص.

ص: 246

فَقَامَ حَمزَةُ بِالسَّيفِ فَاجتَبَّ أَسنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، فَأَخَذَ مِن

ــ

اللفظ: (للشُّرُف) باللام وضم الراء. و (النواء) بكسر النون. فالشرف بضم الراء: جمع شارف على غير قياس، وذلك أن الشارف مؤنث؛ لأنَّه اسم للناقة المُسِّنة. وهو في أصله صفة لها، فكان حَقَّه أن يجمع على (فواعل)، أو (فُعَّل) لأنَّهما مثالًا جمع فاعل إذا كان للمؤنث، لكنه لما كان مذكر اللفظ - أي ليس فيه علامة تأنيث - حملوه على (بازل) الذي هو صفة للجمل المسنِّ، فجمعوه جَمعَهُ، فقالوا: شُرُف. كما قالوا: بُزُل. واللام في الشُّرُف لام الجر، وهي متعلقة بفعل محذوف دلَّ عليه الحال؛ أي: انهض للشُّرُف، أو: قُم لها. تُحرِّضُه على نحرها، ولذلك قام حمزة فنحرها.

و(النواء): السمان. يقال: نوت الناقة، تنوي، فهي ناوية، وجمعها: نواء، وهو أيضًا على غير قياس، كما تقدَّم. قال الخطابي: وقد روى هذا اللفظ أبو جعفر الطبري: (ذا الشَرَف) بـ (ذا) التي بمعنى صاحب، وبفتح الراء والشين. قال: وفسَّره بالبعد.

قلت: وفي هذه الرواية ومعناها بُعدٌ، والصواب: رواية الجماعة كما ذكرناه السَّاعة.

و(الصُّوَّاغ): الصَّائِغ، وهو الذي يصوغُ الذهب والفضة، وهو للمبالغة. و (الأقتاب): جمع قتب، وهو أداة الرَّحل، وقد يكون في موضع آخر الأمعاء. و (اجتبَّ أسنمتها) أي: شق عنها الجلد، وأخرج الشحم الذي فيها. و (بُقِرت خواصرها) أي: نُقِبَت. وهذا إنما فعل ذلك بعد أن نحرها على عادتهم. وعلى هذا يدلُّ الشعر المذكور بعد هذا. ويحتمل أن يكون فعل ذلك بها من غير نحر استعجالًا لإجابة الإغراء الذي أغرته به المغنية، لا سيما وقد كانت الخمر أخذت منه.

و(قوله: فلم أملك عيني) أن بكيت، يعني: مغلوبًا لشدَّة الموجدة.

و(الشَّربُ) بفتح الشين وسكون الراء: اسم للقوم يجتمعون للشُّرب، بضم الشين. و (القينة): المُغَنِّيةُ.

ص: 247

أَكبَادِهِمَا. فَقَالَ عَلِيٌّ: فَانطَلَقتُ حَتَّى أَدخُلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِندَهُ زَيدُ بنُ حَارِثَةَ، قَالَ: فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي وَجهِيَ الَّذِي لَقِيتُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكَ؟ . قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا رَأَيتُ كَاليَومِ! عَدَا

ــ

و(قوله: ما رأيت كاليوم قطّ) هذا كلام كثر عندهم، حتى صار كالمثل. والكاف فيه نعت لـ (يوم) محذوف، تقديره: ما رأيت يومًا مثل اليوم. يهوله لما لقي فيه. ويحتمل أن يكون نعتًا لمصدر محذوف. أي: ما رأيت كربًا مثل كرب اليوم، أو ما شاكل ذلك. ويدلُّ على الأول ما أنشده ابن شبَّة من الزيادة في شعر القَينة فقال:

ألا يا حمز للشُّرفِ النَّواءِ

وهنَّ مُعَقَّلاتٌ بالفِنَاء

ضع السكين في اللَّبَّات مِنها

وضَرِّجهُنَّ حمزةُ بالدِّماءِ

وعَجِّل من أَطايِبها لِشَربٍ

قَدِيرًا من طَبِيخٍ أو شِواءِ

قلت: وعلى هذا: فيكون فيه حجة على إباحة أكل ما ذبحه غير المالك تعديًّا، كالغاصب، والسارق. وهو قول جمهور العلماء: مالك، والشافعي، وأبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي. وخالف في ذلك: إسحاق، وداود، وعكرمة، فقالوا: لا يؤكل. وهو قول شاذٌّ، وحجَّة الجمهور: أن الذكاة وقعت من المتعدِّي على شروطها الخاصة بها. وقيمة الذبيحة قد تعلَّقت بذمة المتعدِّي، فلا موجب للمنع، وقد وقع التفويت. وقد روى ابن وهب حديثًا يدلُّ على جواز الأكل، فليبحث عنه، وليُكتب هنا (1).

و(قوله: وجمعتُ حتَّى جمعتُ ما جمعت) هكذا رواه الطبري، والعذري، وابن ماهان بـ (حتى) التي هي للغاية. وقد رواه السجزي، والسَّمرقندي:(حين)

(1) رواه أحمد (5/ 293)، وأبو داود (3332)، والدارقطني (4/ 286) من حديث عاصم بن كليب.

ص: 248

حَمزَةُ عَلَى نَاقَتَيَّ فَاجتَبَّ أَسنِمَتَهُمَا وَبَقَرَ خَوَاصِرَهُمَا، وَهَا هُوَ فِي بَيتٍ

ــ

مكان (حتى) والأول أوضح. وقد سقط (وجمعت) الأوَّل في بعض النسخ، وسقوطه وثبوت (حتى) يَحسُن الكلام، وقد ذكره الحميدي في مختصره بلفظ أحسن من هذا، فقال:(وأقبلت حين جمعت ما جمعت).

قلت: وهذا الحديث يدلُّ على أن شُرب الخمر كان إذ ذاك مباحًا، معمولًا به، معروفًا عندهم بحيث لا يُنكر، ولا يُغير، وأن النبي صلى الله عليه وسلم أقرَّ عليه، وعليه يدلُّ قوله تعالى:{لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكَارَى} وقوله تعالى: {تَتَّخِذُونَ مِنهُ سَكَرًا وَرِزقًا حَسَنًا} وهل كان يباح لهم شرب القدر الذي يسكر؟ ظاهر هذا الحديث يدلّ عليه، فإنَّ ما صدر عن حمزة رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم من القول الجافي المخالف لما يجب من احترام النبي صلى الله عليه وسلم وتوقيره، وتعزيره، يدلُّ: على أن حمزة كان قد ذهب عقله بما يسكر، ولذلك قال الراوي: فعرف رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنه ثَمِلَ. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يُنكر على حمزة، ولا عنَّفه، لا في حال سكره، ولا بعد ذلك. فكان ذلك دليلًا على إباحة ما يُسكر عندهم. وهذا خلاف ما قاله الأصوليون وحكوه، فإنَّهم قالوا: إن السكر حرام في كل شريعة قطعًا لأن الشرائع مصالح العباد قطعًا، لا مفاسدهم. وأصل المصالح العقل، كما أن أصل المفاسد ذهابه. فيجب المنع من كل ما يذهبه ويشوشه. وما ذكروه واضح، ويمكن أن ينفصل عن حديث حمزة بأن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الإنكار على حمزة في حال سكره؛ لكونه لا يعقل، وعلى إثر ذلك نزل تحريم الخمر. أو أن حمزة لم يقصد بشربه السُّكر، لكنه أسرع فيه فغلبه. والله تعالى أعلم.

ولم يقع في شيء من الصحيح أن النبي ألزم حمزة غرامة الشارفين، لكن روى هذا الحديث عمر بن شبَّة في كتابه، وزاد فيه من رواية أبي بكر بن عياش: فغرمهما النبي صلى الله عليه وسلم عن حمزة، وهذه الرواية جارية على الأصول؛ إذ لا خلاف في أنَّ

ص: 249

مَعَهُ شَربٌ، قَالَ: فَدَعَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِرِدَائِهِ فَارتَدَاهُ، ثُمَّ انطَلَقَ يَمشِي. فاتَّبَعتُهُ أَنَا وَزَيدُ بنُ حَارِثَةَ حَتَّى جَاءَ البَابَ الَّذِي فِيهِ حَمزَةُ، فَاستَأذَنَ فَأَذِنُوا لَهُ، فَإِذَا هُم شَربٌ، فَطَفِقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَلُومُ حَمزَةَ فِيمَا فَعَلَ، فَإِذَا حَمزَةُ مُحمَرَّةٌ عَينَاهُ، فَنَظَرَ حَمزَةُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ إِلَى رُكبَتَيهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى سُرَّتِهِ، ثُمَّ صَعَّدَ النَّظَرَ فَنَظَرَ إِلَى وَجهِهِ، قَالَ حَمزَةُ: وَهَل أَنتُم إِلَّا عَبِيدٌ لِأَبِي؟ فَعَرَفَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ ثَمِلٌ، فَنَكَصَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى عَقِبَيهِ القَهقَرَى، حتى خَرَجَ، وَخَرَجنَا مَعَهُ.

رواه البخاريُّ (3091)، ومسلم (1979)(2)، وأبو داود (2986).

ــ

ما يُتلِف السكران من الأموال يلزمه غرمه. وعلى تقدير ألَاّ تثبت هذه الزيادة؛ فعدم النقل لا يدلّ على عدم المنقول، ولو دلَّ على ذلك لأمكن أن يقال: إنما لم يحكم عليه النبي صلى الله عليه وسلم بالغرامة لأن عليًّا رضي الله عنه لم يطلبها منه، أو لأن النبي صلى الله عليه وسلم تحمَّلها عنه كما قال في صدقة العباس. والله تعالى أعلم.

وقد احتج بهذا الحديث من لا يلزم السكران؛ من جهة أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يؤاخذ حمزة بما صدر عنه من قوله. وإليه ذهب: المُزني، والليث، وبعض أصحاب أبي حنيفة. وتوقف فيه: أحمد بن حنبل. والجمهور من السَّلف والخلف وكافة الفقهاء: على أن ذلك يلزمه؛ لأنَّ السكران بعد التحريم أدخل نفسه في السُّكر بمعصية الله تعالى فكان مختارًا لما يكون منه فيه، ولم يكن حمزة كذلك، بل كان شُربُه مباحًا كما قدَّمناه، فصار ذلك بمثابة من سكر من شُرب اللَّبن، أو غيره من المباحات، فإنَّه لا يلزمه شيء مما يجري منه من القول، ويكون كالمُغمى عليه. والله أعلم.

و(قوله: فنكص رسول الله صلى الله عليه وسلم على عقبيه القهقرى). نكص، أي: تأخر. و (القهقرى): الرجوع إلى وراء، ووجهه إليك. قاله الأخفش. يقال منه: تقهقر

ص: 250

[1862]

وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كُنتُ سَاقِيَ القَومِ يَومَ حُرِّمَت الخَمرُ فِي بَيتِ أَبِي طَلحَةَ، وَمَا شَرَابُهُم إِلَّا الفَضِيخُ: البُسرُ وَالتَّمرُ، فَإِذَا مُنَادٍ يُنَادِي: أَلَا إِنَّ الخَمرَ قَد حُرِّمَت، قَالَ: فَجَرَت فِي سِكَكِ المَدِينَةِ، فَقَالَ لِي أَبُو طَلحَةَ: اخرُج فَاهرِقهَا، فَهَرَقتُهَا، فَقَالَوا: أَو قَالَ بَعضُهُم: قُتِلَ فُلَانٌ، قُتِلَ فُلَانٌ، وَهِيَ فِي بُطُونِهِم، قَالَ: فَلَا أَدرِي هُوَ مِن حَدِيثِ أَنَسٍ، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل:{لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ}

رواه البخاري (5582)، ومسلم (1980)، وأبو داود (3673)، والنسائي (8/ 287 و 288).

ــ

الرجل، يتقهقر؛ إذا فعل ذلك، وظاهر هذا أن النبي صلى الله عليه وسلم رجع إلى خلفه ووجهه إلى حمزة مخافة أن يصدر من حمزة شيء يُكره، فإنَّه قد كان أذهب السكر عقله. وقيل في هذا: إنه خرج عنهم مسرعًا. والأوَّل أولى.

و(قوله: فارتدى رسول الله صلى الله عليه وسلم بردائه، ثم انطلق يمشي) دليلٌ على المحافظة على حُسن الهيئات عند ملاقاة الناس، والتَّزَيُّن للمحافل على ما تقتضيه عادات أهل المروءات، ولا يُعد ذلك رياءً ولا سمعةً.

و(قوله: فطفق يلوم حمزة) أي: جعل وأخذ. يقال: بفتح الفاء وكسرها، والكسر أشهر وأكثر.

و(قول أنس: وما شرابهم إلا الفضيخ البسر والتمر) الفضيخ: هو أن يفضخ البسر، ويصبُّ عليه الماء حتَّى يغلي. قاله الحربي. وقال أبو عبيد: هو ما فضخ من البسر من غير أن تمسَّه نار، فإنَّ كان معه تمر فهو خليط.

قلت: وعلى هذا يدلّ قوله في أوَّل الرواية الأخرى: (وكانت عامة

ص: 251

[1863]

وعنه؛ وسئل عن الفضيخ فقال: مَا كَانَت لَنَا خَمرٌ غَيرَ فَضِيخِكُم، هَذَا الَّذِي تُسَمُّونَهُ الفَضِيخَ، إِنِّي لَقَائِمٌ أَسقِيهَا أَبَا طَلحَةَ، وَأَبَا أَيُّوبَ،

ــ

خمورهم يومئذ خليط البسر والتمر). وهذه الأحاديث على كثرتها تبطل مذهب أبي حنيفة، والكوفيين القائلين بأن الخمر لا تكون إلا من العنب. وما كان من غيره لا يُسمَّى خمرًا، ولا يتناوله اسم الخمر، وإنما يُسمى نبيذًا. وهذا مخالف للُّغة، والسُّنَّة.

ألا ترى: أنه لما نزل تحريم الخمر فهمت الصحابة جميعهم من ذلك تحريم كل ما يُسكر نوعه؟ فسَوَّوا في التحريم بين المعتصر من العنب وغيره، ولم يتوقفوا في ذلك، ولا سألوا عنه؛ لأنَّهم لم يشكل عليهم شيء من ذلك، فإنَّ اللِّسان لسانهم، والقرآن نزل بلغتهم. ولو كان عندهم في ذلك شكٌّ، أو توهُّم، لتوقفوا عن الإراقة حتى يستكشفوا، ويسألوا، لا سيما وكان النبيذ عندهم مالًا محترمًا منهيًّا عن إضاعته قبل التحريم، فلما فهموا التحريم نصًّا ترجَّح عندهم مقتضى الإراقة والإتلاف على مقتضى الصيانة والحفظ. ثم كان هذا من جميعهم من غير خلاف من أحد منهم، فصار القائل بالتَّفريق سالكًا غير سبيلهم. ثم إنَّه قد ثبتت أحاديث نصوصٌ في التسوية بين تلك الأشياء، وأن كلَّ ذلك خمر على ما يأتي بعد هذا.

وقد خطب عمر بن الخطاب رضي الله عنه الناس فقال: ألا وإن الخمر نزل تحريمها يوم نزل، وهي من خمسة أشياء: من الحنطة، والشعير، والتمر، والزبيب، والعسل. والخمر: ما خامر العقل. وهذه الخطبة بمحضر الصحابة - رضوان الله عليهم - وهم أهل اللسان، ولم ينكر ذلك عليه أحد، وهو الذي جعل الله الحق على لسانه وقلبه.

وإذا ثبت أن كل ذلك يقال عليه (1): خمر؛ فيلزمه تحريم قليله وكثيره، ولا يحل شيء منه تمسُّكًا بتحريم مُسمَّى الخمر، ولا مخصص، ولا مفصل يصحّ في ذلك. بل قد وردت الأحاديث الصحيحة والحسان بالنص على: أنَّ ما حَرُمَ كثيره حَرُمَ قليله. روى الترمذي من حديث جابر بن

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 252

وَرِجَالًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِنَا، إِذ جَاءَ رَجُلٌ فَقَالَ: هَل بَلَغَكُم

ــ

عبد الله قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما أسكر كثيره فقليله حرام)(1). قال: هذا حديث حسن غريب. وروى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كلُّ مسكر حرام، وما أسكر منه الفَرَق (2)، فملء الكفِّ منه حرام) (3). وإسناده صحيح.

وأمَّا الأحاديث التي تمسك بها المخالف؛ فلا يصح شيء منها على ما قد بيَّن عللها المحدِّثون في كتبهم، وليس في الصحاح شيء منها، ثم العجب من المخالفين في هذه المسألة؛ فإنَّهم قالوا: إن القليل من الخمر المعتصر من العنب حرام ككثيره، وهو مُجمع عليه، فإذا قيل لهم: فلم حرم القليل من الخمر، وليس مُذهبًا للعقل؟ فلا بدَّ أن يقال: لأنه داعية إلى الكثير، أو للتَّعَبُّد، فحينئذ يقال لهم: كل ما قدَّرتموه في قليل الخمر هو بعينه موجود في قليل النبيذ. فيحرم أيضًا؛ إذ لا فارق بينهما. إلا مجرَّد الاسم إذا سُلّم ذلك. القياس أرفع أنواع القياس؛ لأنَّ الفرع فيه مساو للأصل في جميع أوصافه. وهذا كما نقوله في قياس الأمة على العبد في سراية العتق. ثم العجب من أبي حنيفة - رحمه الله تعالى - وأصحابه، فإنَّهم يتوغلون في القياس، ويرجحونه على أخبار الآحاد، ومع ذلك فقد تركوا هذا القياس الجلي المعضود بالكتاب والسُّنة، وإجماع صدر الأمَّة.

تفصيل: ذهب جمهور العلماء من السَّلف، وغيرهم: إلى أن كل ما يسكر نوعه حرم شربه، قليلًا كان أو كثيرًا، نَيِّئًا كان أو مطبوخًا، ولا فرق بين المستخرج من العنب، أو غيره كما قررناه. وأن من شرب شيئًا من ذلك حُدَّ. فأمَّا المستخرج من العنب المسكر النِّيء: فهو الذي انعقد الإجماع على تحري كثيره وقليله، ولو

(1) رواه الترمذي (1865).

(2)

"الفَرَق والفَرْق": مكيال ضخم لأهل المدينة معروف يقرب من (7) كيلوغرام.

(3)

رواه أبو داود (3687).

ص: 253

الخَبَرُ؟ قُلنَا: لَا، قَالَ: فَإِنَّ الخَمرَ قَد حُرِّمَت، فَقَالَ: يَا أَنَسُ، أَرِق هَذِهِ القِلَالَ، قَالَ: فَمَا رَاجَعُوهَا وَلَا سَأَلُوا عَنهَا بَعدَ خَبَرِ الرَّجُلِ.

ــ

النُّقطة منه. وأما ما عدا ذلك فالجمهور على تحريمه على ما ذكرناه.

وخالف الكوفيون في القليل مما عدا ما ذكر. وهو الذي لا يبلغ الإسكار. وفي المطبوخ من المستخرج من العنب: فذهب قومٌ من أهل البصرة إلى قصر التحريم على عصير العنب، ونقيع الزبيب النَّيِّء، وأما المطبوخ منهما والنَّيِّء والمطبوخ مما سواهما فحلال ما لم يقع الإسكار. وذهب أبو حنيفة إلى قصر التَّحريم على المعتصر من ثمرات النخيل والأعناب على تفصيل. فيرى: أنَّ سُلافَةَ العنب يحرم قليلها وكثيرها إلا أن تطبخ حتى ينقص ثُلثاها. وأمَّا نقيع الزبيب والتمر: فيحل مطبوخهما، وإن مسَّته النار مسًّا قليلًا من غير اعتبار بحدٍّ. وأما النَّيِّء منه فحرام، ولكنه مع تحريمه إيَّاه لا يوجب الحدَّ فيه. وهذا كله ما لم يقع الإسكار، فإنَّ وقع الإسكار استوى الجميع. هذه حكاية الإمام أبي عبد الله. والصحيح ما ذهب إليه الجمهور على ما قررناه، والحمد لله.

وفي حديث أنس هذا أبواب من الفقه. منها: أن الواحد كان معمولًا به عندهم، معلومًا لهم، ألا ترى أنهم لم يتوقفوا عند إخبار المخبر، بل بادروا إلى إتلاف الخمر، والامتناع مما كان مباحًا لهم.

ومنها: أن نداء المنادي عن الأمير يتنزل في العمل منزلة سماع قوله.

ومنها: أن المحَّرم الأكل أو الشُّرب لا ينتفع به في شيء من الأشياء، لا من بيع، ولا من غيره.

وفيه: كسر أواني الخمر. وعليه تُخَرَّج إحدى الروايتين عن مالك في كسرها؛ لما داخلها من الخمر، ولعسر غسلها، وفي الأخرى: إذا طبخ فيها الماء وغسلت جاز استعمالها. وعلى هذا: فإذا كانت الأواني مضرَّاة في الخمر لا ينتفع بها لشيء من الأشياء؛ تكسر على كل حال، ولذلك شدَّد مالك في الزقاق، فإنَّ تَعَلَّق الرائحة بها عَسر الانفكاك، بل لا ينفك.

ص: 254

وفي رواية: فَقَالَ أَبُو طَلحَةَ: يَا أَنَسُ، قُم إِلَى هَذِهِ الجَرار فَاكسِرهَا، فَقُمتُ إِلَى مِهرَاسٍ لَنَا فَضَرَبتُهَا بِأَسفَلِهِ حَتَّى تَكَسَّرَت.

رواه مسلم (1980)(4 و 5).

[1864]

وعنه: لقد أنزل الله الآية التي حرم الله فيها الخمر وما بالمدينة شراب يشرب إلا من تمر.

رواه مسلم (1982).

* * *

ــ

و(المهراس): الحجر الذي يُهرَس، ويدق به.

و(قول أنس: لقد أنزل الله الآية التي حرَّم فيها الخمر) يعني بها: قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ فَاجتَنِبُوهُ} وهي نصٌّ في تحريم الخمر بمجموع كلماتها، لا بآحادها. وقد فَهِم منها التحريم قطعًا الصَّحابة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه عند سماع:{فَهَل أَنتُم مُنتَهُونَ} انتهينا، انتهينا. وقد سبق: أن الخمر: كل ما يخامر العقل. والميسر: القِمار، وهو لعب يُؤكل به مال الغير بحيث لا يحصل له به لا أجر، ولا شكر. ومنه: النرد، والشطرنج. حكي ذلك عن عثمان ومجاهد. والأنصاب: كل ما ينصب ليعبد من دون الله تعالى، ويذبح عنده، كما كانت الجاهلية تفعل، والأزلام: قداح يضربون بها عند العزم على الأمر، في بعضها: افعل. وفي بعضها: لا تفعل. وبعضها لا شيء فيه. فإذا خرج هذا؛ أعادوا الضرب. وقيل: كان في أحدهما: أمرني ربي، وفي الأخرى: نهاني ربي. والرجس: النجس، وهو المستخبث شرعًا.

و(قوله: {مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ} ؛ أي: يَحمِلُ عليه، ويُزَيِّنُه. وقيل: هو الذي كان عمل مبادي هذه الأمور بنفسه حتى اقتدي به فيها. والعَدَاوَةَ وَالبَغضَاءَ: معروفان.

ص: 255

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

{وَيَصُدَّكُم عَن ذِكرِ اللَّهِ وَعَنِ الصَّلاةِ} : يصرفكم عنهما، فيُذهب العقل، ويُضيِّع الوقت.

ويُفهم من هذه الآية أيضًا: الحكم بتنجيس الخمر. وهو مذهب كافة علماء السَّلف والخلف إلا شذوذًا. وإليه ذهب ربيعة، وحكي عن الليث، والمزني. ووجه التمسك بها على التَّنجيس: أن الله تعالى قد أخبر عنها أنها رجس، والرجس: النجس القذر، فتنجس. وأيضًا: فلما غلَّظ تحريمها، وأخبر بالمفاسد النَّاشئة عنها اقتضى ذلك الزجر عنها مطلقًا، مبالغة في التحريم، كما فعل في الخنزير، والدم، وغير ذلك من الخبائث المحرمات. ويتحرَّر القياس بأن يقال: مستخبث شرعًا حرم شربه، فيكون نجسًا كالبول.

وفي الآية مباحث كثيرة، سنكتب فيها إن شاء الله تعالى جزءًا مفردًا.

و(قوله: قال بعضهم: قُتِل فلان، قُتِل فلان، وهي في بطونهم) هذا القول أصدره عن قائله إما غلبة خوف وشفقة، وإما غفلة عن المعنى. وبيان ذلك: أن الخمر كانت مباحة لهم، كما قد صحَّ أنهم كانوا يشربونها، والنبي صلى الله عليه وسلم يُقرّهم عليها. وهو ظاهر قوله تعالى:{لا تَقرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنتُم سُكَارَى} ومن فعل ما أبيح له حتى مات على فعله لم يكن له، ولا عليه شيء، لا إثم، ولا مؤاخذة، ولا ذمٌّ، ولا أجر، ولا مدح؛ لأنَّ المباح مستوي الطرفين بالنسبة للشرع كما يعرف في الأصول. وعلى هذا: فما ينبغي أن يُتخوَّف ولا يُسأل عن حال من مات والخمر في بطنه وقت إباحتها، فإمَّا أن يكون ذلك القائل غفل عن دليل الإباحة، فلم يخطر له، أو يكون لغلبة خوفه من الله تعالى، وشفقته على إخوانه المؤمنين توهَّم مؤاخذة، ومعاقبة لأجل شرب الخمر المتقدِّم، فإنَّ الشفيقَ بسوءِ الظنِّ مولعٌ، فرفع الله ذلك التوهُّم بقوله تعالى:{لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا} ؛ أي: فيما شربوا. وهذا مثل قوله تعالى في نَهر طالوت: {فَمَن شَرِبَ مِنهُ فَلَيسَ مِنِّي وَمَن لَم يَطعَمهُ فَإِنَّهُ مِنِّي} ؛

ص: 256