الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها
[1900]
عَن قَتَادَةَ، عَن أَنَسٍ: عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: أَنَّهُ نَهَى أَن يَشرَبَ الرَّجُلُ قَائِمًا. قَالَ قَتَادَةُ: فَقُلنَا: فَالأَكلُ؟ قَالَ: ذَلكَ أَشَرُّ وأَخبَثُ.
رواه مسلم (2024)(113)، وأبو داود (3717)، والترمذي (1880)، وابن ماجه (3424).
ــ
(13)
ومن باب: النهي عن الشرب قائمًا
لم يَصِر أحدٌ من العلماء فيما علمت إلى أن هذا النهي على التحريم، وإن كان جاريًا على أصول الظاهرية، وإنَّما حمله بعض العلماء على الكراهة، والجمهور: على جواز الشرب قائمًا. فمن السلف: أبو بكر، وعمر، وعلي رضي الله عنهم. وجمهور الفقهاء، ومالك، متمسكين في ذلك بشرب النبي صلى الله عليه وسلم من زمزم قائمًا. وكأنهم رأوا هذا الفعل منه متأخرًا عن أحاديث النهي، فإنَّه كان في حجة الوداع، فهو ناسخٌ. وحَقق ذلك حُكم الخلفاء الثلاثة بخلافها، ويبعدُ أن تخفى عليهم تلك الأحاديث مع كثرة علمهم، وشدة ملازمتهم للنبي صلى الله عليه وسلم، وتشدُّدهم في الدين. وهذا وإن لم يصلح للنسخ فيصلح لترجيح أحد الحديثين على الآخر.
وأمَّا من قال بالكراهة: فيجمع بين الحديثين بأن فعل النبي صلى الله عليه وسلم يبيِّن الجواز، والنَّهي يقتضي التنزيه؛ فالأولى: ترك ذلك على كل حال. وأما قول قتادة: (الأكلُ أَشَرُّ): فَشَيءٌ لم يقل به أحدٌ من أهل العلم فيما علمت. وعلى ما حكاه النقلة والحفاظ، فهو رأيه، لا روايته. والأصل: الإباحة. والقياس خلي عن الجامع. وقد ذهب بعض الناس: إلى أن النهي عن الشرب قائمًا إنما كان لئلا
[1901]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ وأنس: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم زَجَرَ عَن الشُّربِ قَائِمًا.
رواه مسلم (2025)(114 و 115) من حديث أبي سعيد و (2024)(112) من حديث أنس.
[1902]
وعن أَبي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَشرَبَنَّ أَحَدكُم قَائِمًا، فَمَن نَسِيَ فَليَستَقِئ.
رواه مسلم (2026).
ــ
يستعجل القائم فَيَعُبُّ، فيأخذه الكُباد (1)، أو يشرق، أو يأخذه وجع في الحلق، أو في المعدة؛ فينبغي ألا يشرب قائمًا، وحيث شرب النبي صلى الله عليه وسلم قائمًا أمن ذلك، أو دعته إلى ذلك ضرورة، أو حاجة، لا سيما وكان على زمزم، وهو موضع مزدحم الناس، أو لعلَّه فعل ذلك ليري الناس أنه ليس بصائم، أو لأن شرب ماء زمزم في مثل ذلك الوقت مندوبٌ إليه. والله تعالى أعلم.
و(قوله: لا يشربن أحدكم قائمًا، فمن نَسِي فليستقئ) قال الإمام أبو عبد الله: لا خلاف بين أهل العلم: في أن من شرب قائمًا ناسيًا ليس عليه أن يستقيء. قال بعض الشيوخ: والأظهر: أن هذا موقوف على أبي هريرة.
ولا خلاف في جواز الأكل قائمًا، وإن كان قتادة قال: الأكل أَشَرُّ وأخبث.
قلت: ويمكن أن يقال: إن القيء وإن لم يقل أحدٌ بأنَّه واجبٌ عليه، فلا بعد في أن يكون مأمورًا به على جهة التطبُّب. وهو يؤيد قول من قال: إن النهي عن ذلك مخافة مرض أو ضرر، فإنَّ القيء استفراغ مما يخاف ضرره.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن اختناث الأسقية. قال الراوي: واختناثها أن يُقلَبَ رأسُها
(1)"الكباد": وجع الكبد.
[1903]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن اختِنَاثِ الأَسقِيَةِ أَن يُشرَبَ مِن أَفوَاهِهَا.
وفي رواية: قال: وَاختِنَاثُهَا؛ أَن يُقلَبَ رَأسُهَا، ثُمَّ يُشرَبَ مِنهُ.
رواه أحمد (3/ 6)، والبخاري (5625)، ومسلم (2023)(111)، وأبو داود (3720)، والترمذيُّ (1890)، وابن ماجه (3418).
[1904]
وعن ابن عَبَّاسٍ قَالَ: سَقَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن زَمزَمَ فَشَرِبَ قَائِمًا، وَاستَسقَى وَهُوَ عِندَ البَيتِ.
وفي رواية: فأتيته بدلو.
رواه أحمد (1/ 369)، والبخاريُّ (1637)، ومسلم (2027)(117 و 118)، والنسائي (5/ 237)، وابن ماجه (3422).
* * *
ــ
ويُشرب منه. قال ابن دريد: اختناث الأسقية: كسر أفواهها إلى خارج ليشرب منها. فأمَّا كسرها إلى داخل: فهو القمع.
قلت: وأصل هذه اللفظة: التَّكسر والتثني. ومنه: المخنث وهو الذي يتكسَّر في كلامه تكسُّر النساء، ويَنثَنِي في مِشيَته كمشيتهنَّ.
وقيل في هذا، وفي نهيه صلى الله عليه وسلم عن الشرب من فم السقاء: إن ذلك مخافة أن يتقزَّز منه بعض الناس فيستقذره. وقيل: لما يخاف من ضرر يكون هنالك، كما روي عن أبي سعيد: أن رجلا شرب من في سقاء فانساب جان (1) في بطنه، فنهى
(1)"الجان": ضرب من الحيات، أكحل العينين، يضرب إلى الصُّفرة، لا يؤذي.
والجمع: جِنان.