الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي
[2152]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: لَدَدنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ، فَأَشَارَ أَلَّا تَلُدُّونِي! فَقُلنَا: كَرَاهِيَةُ المَرِيضِ لِلدَّوَاءِ! فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ: لَا يَبقَى أَحَدٌ مِنكُم إِلَّا لُدَّ، غَيرُ العَبَّاسِ فَإِنَّهُ لَم يَشهَدكُم.
رواه أحمد (6/ 53)، والبخاريُّ (7886)، ومسلم (2213)(85).
ــ
الحميات، فإنَّ الأطباء قد سلموا أن الحمى الصفراوية يدبر صاحبها بسقي الماء الشديد البرودة حتى يسقوه الثلج، وتغسل أطرافه بالماء البارد. وعلى هذا فلا بُعد في أن يكون هذا المقصود بالحديث، والله أعلم.
ولئن سلَّمنا أنه أراد جميع جسد المحموم فجوابه أنه يحتمل أن يريد بذلك استعماله بعد أن تقلع الحمَّى وتسكن حرارتها، ويكون ذلك في وقت مخصوص وبعدد مخصوص، فيكون ذلك من باب الخواص التي قد اطلع عليها النبي صلى الله عليه وسلم، كما قد روى قاسم بن ثابت أن رجلًا شكا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم الحمى فقال له: اغتسل ثلاثًا قبل طلوع الشمس، وقل: باسم الله، اذهبي يا أم ملدم! فإن لم تذهب فاغتسل سبعًا (1).
(12)
ومن باب: التداوي باللَّدود والعود الهندي
قولها لددنا رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ أي: وضعنا في فمه اللَّدود، وهو ما يجعل في أحد جانبي الفم، والوَجور: هو ما يصبُّ في وسط الفم.
وقوله لا تلدوني نهي ظاهر في المنع، فكان ينبغي لهم أن ينتهوا عن ذلك، غير أنَّهم تأوَّلوا أن ذلك من باب ما علم من أحوال المرضى من كراهتهم
(1) رواه سعيد بن منصور كما في اللآلى المصنوعة (2/ 408).
[2153]
وعَن أُمِّ قَيسٍ بِنتِ مِحصَنٍ أُختِ عُكَّاشَةَ قَالَت: دَخَلتُ بِابنٍ لِي عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَم يَأكُل الطَّعَامَ، فَبَالَ عَلَيهِ فَدَعَا بِمَاءٍ فَرَشَّهُ. قَالَت: وَدَخَلتُ عَلَيهِ بِابنٍ لِي قَد أَعلَقتُ عَلَيهِ مِن العُذرَةِ فَقَالَ:
ــ
الدَّواء، فخالفوه، فعاقبهم بأن اقتص منهم، ففعل بهم ما فعلوا به، فكان فيه دليل على مشروعية القصاص في كل شيء يتأتى فيه القصاص، كما قال تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم}
وقال بعض أصحابنا: فيه ما يدلّ على قتل الجماعة بالواحد؛ لأنَّهم لما تمالؤوا وتعاونوا على لده اقتصَّ من جميعهم - وفيه بُعدٌ لإمكان مراعاة الفرق، فإنَّه يمكن أن يقال: جاز ذلك فيما لا إراقة دم فيه لخفته في مقصود الشرع، ولا يجوز ذلك في الدِّماء لحرمتها وعظم أمرها في مقصود الشرع، فلا يصح حمل أحدهما على الآخر، وإنَّما الذي يستنبط منه أن الحاضر في الجناية المعين عليها كالناظور الذي هو الطليعة كالمباشر له، فيقتص من الكل، لكن فيما لا دم فيه على ما قررناه، وقد نبَّه النبي صلى الله عليه وسلم على هذا المعنى بقوله إلا العباس فإنَّه لم يشهدكم.
وفيه من الفقه منع إكراه المريض على الطعام والشراب والدواء، كما قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لا تكرهوا مرضاكم على الطعام والشراب، فإنَّ الله تعالى يغذيهم (1).
وقول أم قيس دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم بابن لي قد أعلقت عليه من العذرة، كذا وقع هذا اللفظ في كتاب مسلم أعلقت عليه بلا خلاف فيه، ووقع في البخاري باختلاف؛ ففي رواية معمر وغيره كما في كتاب مسلم، وفي رواية سفيان بن عيينة أعلقت عنه، قال الخطابي: وهو الصواب - وإلى ذلك أشار ابن الأعرابي.
والعذرة وجع الحلق، فخافت أن يكون به ذلك، فرفعت لهاته بأصبعها. وقال الأصمعي: العذرة قريبٌ من اللهاة. وفي البارع (2): العذرة
(1) رواه الترمذي (2040)، وابن ماجه (3444).
(2)
هو كتاب من أوسع كتب اللغة، ألَّفه أبو علي القالي، المتوفى سنة (356 هـ).
عَلَامَه تَدغَرنَ أَولَادَكُنَّ بِهَذَا العِلَاقِ؟ ! عَلَيكُنَّ بِهَذَا العُودِ الهِندِيِّ، فَإِنَّ فِيهِ سَبعَةَ أَشفِيَةٍ؛ مِنهَا ذَاتُ الجَنبِ يُسعَطُ مِن العُذرَةِ وَيُلَدُّ مِن ذَاتِ الجَنبِ.
ــ
اللهاة. وقد تقدَّم أن اللَّهاة اللحمة الحمراء التي في آخر الفم وأول الحلق، والنِّساء ترفعها بأصابعهن، فنهاهنَّ النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك لما فيه من تعذيب الصبي، ولعل ذلك يزيد في وجع اللهاة.
وقوله علام تدغرن أولادكنَّ بهذا العِلاق؟ ! ، تدغرن: الرواية الصحيحة فيه بالدال المهملة والغين المعجمة - لا يجوز غيره، ومعناه هنا رفع اللهاة، وأصله الرفع، ومنه قول العرب: دغرى لا صفَّى، ودغرًا لا صفًا - منونًا وغير منوَّن، يقولون هذا في الحرب؛ أي: ادفعوا عليهم ولا تصطفُّوا لهم.
والعلاق الرواية فيه بكسر العين، ووقع في بعض النسخ الأعلاق وهو الصواب قياسًا؛ لأنَّه مصدر أعلقت، وهو المعروف لغة.
ومقصود هذا الاستفهام الإنكار على النساء في فعل ذلك بأولادهن.
وقوله عليكن بهذا العود الهندي، هذه إحالة منه لهن على استعمال العود الهندي الطيب الرائحة في مرض الحلق المسمَّى بالعذرة، ثم بيَّن لهم كيفية العلاج به بقوله يسعط من العذرة؛ أي يُدَقُّ ناعمًا ويُسعط في الأنف. وهذا يفيد أنَّه يستعمل وحده ولا يضاف إلى غيره، ثمَّ زاد فقال ويلدُّ من ذات الجنب، ويعني به الوجع الذي يكون في الجنب المسمَّى بالشَّوصة، وقال الترمذي: يعني به السِّلَّ - وفيه بُعد، والأول أعرف. وهل يلد به منفردًا مدقوقًا أو مع غيره؟ يُسأل عن الأنفع من ذلك أهل الخبرة من المسلمين ممن جرَّب ذلك أو تباشر تجربته؛ إذ لا بدَّ من نفعه في ذلك المرض، لأنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يقول إلا حقًّا.
وقوله فإنَّ فيه سبعة أشفية، بيَّن منها في الحديث اثنين وسكت عن
وفي رواية: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَامَه تَدغَرنَ أَولَادَكُنَّ بِهَذَا الإِعلَاقِ؟ عَلَيكُم بِالعُودِ الهِندِيِّ - يَعنِي بِهِ الكُستَ. قَالَ يُونُسُ: أَعلَقَت غَمَزَت، فَهِيَ تَخَافُ أَن تكُونَ بِهِ عُذرَةٌ.
رواه البخاري (5715)، ومسلم (287)(86) و (2214) و (2214)(87).
* * *
ــ
الخمسة، وقد ذكر الأطبَّاء في كتبهم أن فيه من الأشفية أكثر مما في هذا الحديث.
قال أبو عبد الله المازري: رأيت في كتبهم - يعني الأطباء - أنه يدر البول والطمث وينفع من السُّموم ويحرك شهوة الجماع ويقتل الدود وحبَّ القرع إذا شُرِب بالعسل، ويذهب بالكلف إذا طلي عليه، وينفع من ضعف الكبد والمعدة وبردهما، ومن حمَّى الوِرد والرِّبع، وينفع من النَّافض لُطُوخًا بالزيت قبل نفض الحمَّى، ولمن به فالج واسترخاء. قال: وهو صنفان؛ بحري، وهندي - فالبحري: هو القسط الأبيض يؤتى به من بلاد المغرب. ونص بعضهم على أن البحري أفضل من الهندي، وهو أقل حرارة منه. قال إسحاق بن عمران: هما حارَّان يابسان في الدرجة الثالثة، والهندي أشد حرًّا في الجزء الثالث. وقال ابن سينا: القُسط حارٌّ في الثالثة يابس في الثانية.
قلت: ويُسمى الكُست كما قال الراوي، وحينئذ يشكل هذا بما ذكر من قول الأطبَّاء إن البحري من العود يُسمى القسط يؤتى به من بلاد المغرب، فكيف يكون هنديًّا ويؤتى به من المغرب؟ ! إلا أن يريدوا مغرب الهند، فإن قيل: فإذا كان في العود الهندي هذه الأدوية الكثيرة، فما وجه تخصيص منافعه بسبع مع أنها أكثر من ذلك؟ ولأي شيء لم يُفصلها؟ فالجواب عن الأول بعد تسليم أن