الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن
[2036]
عَن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: لَعَنَ اللَّهُ الوَاشِمَاتِ وَالمُستَوشِمَاتِ، وَالنَّامِصَاتِ وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللَّهِ.
قَالَ: والمتوشمات. فَبَلَغَ ذَلِكَ امرَأَةً مِن بَنِي أَسَدٍ يُقَالَ لَهَا أُمُّ يَعقُوبَ، وَكَانَت تَقرَأُ القُرآنَ، فَأَتَتهُ فَقَالَت: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنكَ أَنَّكَ لَعَنتَ الوَاشِمَاتِ وَالمُستَوشِمَاتِ، وَالمُتَنَمِّصَاتِ، وَالمُتَفَلِّجَاتِ لِلحُسنِ، المُغَيِّرَاتِ خَلقَ اللَّهِ؟
ــ
و(المتنمصات): جمع متنمصة، وهي التي تقلع الشعر من وجهها بالمنماص، وهو الذي يقلع الشعر. ويقال عليها: النامصة.
و(المتفلجات): جمع متفلجة، وهي التي تفعل الفلج في أسنانها؛ أي: تعاينه حتى ترجع المصمتة الأسنان خلقة؛ فلجاء صنعة. وفي غير كتاب مسلم: (الواشرات) وهي جمع واشرة، وهي التي تشر أسنانها؛ أي: تصنع فيها أشرًا، وهي التحزيزات التي تكون في أسنان الشبان، تفعل ذلك المرأة الكبيرة تشبُّه بالشابَّة. وقد وقع في رواية الهوزني - أحد رواة مسلم - مكان الواشمة والمستوشمة: الواشية والمستوشية - بالياء باثنتين من تحتها مكان الميم -، وهي من الوشي؛ أي: تشي المرأة نفسها بما تفعله فيها من التَّنميص، والتفليج، والأشر، وغير ذلك، وبالميم أشهر، وهذه الأمور كُلُّها قد شهدت الأحاديث بلعن من يفعلها، وبأنَّها من الكبائر. واختلف في المعنى الذي لأجله نهي عنها. فقيل: لأنَّها من باب التدليس. وقيل: من باب تغيير خلق الله؛ الذي يحمل الشيطان عليه، ويأمر به، كما قال تعالى مخبرًا عنه:{وَلآمُرَنَّهُم فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلقَ اللَّهِ} قال ابن مسعود، والحسن: بالوشم. وهو الذي أومأ إليه قوله صلى الله عليه وسلم: (المغيرات خلق الله) ولذلك قال علماؤنا: هذا المنهي عنه، المتوعَّد على فعله؛ إنَّما هو فيما يكون باقيًا؛ لأنَّه من
فَقَالَ عَبدُ اللَّهِ: وَمَا لِي لَا أَلعَنُ مَن لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟
ــ
باب تغيير خلق الله. فأما ما لا يكون باقيًا، كالكحل، والتزين به للنساء: فقد أجازه العلماء: مالك وغيره. وكرهه مالك للرجال. وأجاز مالك أيضًا أن تشي المرأة يديها بالحناء. وروي عن عمر رضي الله عنه إنكار ذلك. وقال: إما أن تخضب يديها كلها، أو تدع. وأنكر مالك هذا عن عمر.
قال القاضي عياض: وجاء حديث بالنهي عن تسويد الحناء. ذكره صاحب النصائح.
قال أبو جعفر الطبري في هذا الحديث: إنَّه لا يجوز للمرأة تغيير شيء من خلقها الذي خلقها الله تعالى عليه بزيادة، أو نقص، التماس الحسن لزوج أو غيره، سواء فلجت أسنانها، أو وشرتها، أو كان لها سن زائدة فأزالتها، أو أسنان طوال، فقطعت أطرافها. وكذلك لا يجوز لها حلق حية، أو شارب، أو عنفقة إن نبتت لها؛ لأنَّ كل ذلك تغيير لخلق الله تعالى.
قال القاضي: ويأتي على ما ذكره أن من خلق بإصبع زائدة، أو عضو زائد؛ لا يجوز له قطعه، ولا نزعه؛ لأنَّه من تغيير خلق الله، إلا أن تكون هذه الزوائد تؤلمه فلا بأس بنزعه عند أبي جعفر الطبري وغيره.
وقول ابن مسعود للمرأة: (وما لي لا ألعن من لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم) دليل: على جواز الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في إطلاق اللعن على من لعنه النبي صلى الله عليه وسلم معينًا كان أو غير معيَّن؛ لأنَّ الأصل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما كان يلعن إلا من يستحق ذلك. غير أن هذا يعارضه قوله صلى الله عليه وسلم: (اللهم ما من مسلم سببته، أو جلدته، أو لعنته، وليس لذلك بأهل، فاجعل ذلك له كفارة وطهورًا)(1) وهذا يقتضي أنه صلى الله عليه وسلم قد يلعن من ليس بأهل للعنة. وقد أشكل هذا على كثير من العلماء، وراموا الانفصال عن ذلك
(1) رواه مسلم (2601).
وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ! فَقَالَت المَرأَةُ: لَقَد قَرَأتُ مَا بَينَ لَوحَي المُصحَفِ فَمَا وَجَدتُهُ! فَقَالَ: لَئِن كُنتِ قَرَأتِيهِ لَقَد وَجَدتِيهِ، قَالَ اللَّهُ:{وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُم عَنهُ فَانتَهُوا} قَالَت المَرأَةُ: فَإِنِّي أَرَى شَيئًا مِن هَذَا عَلَى امرَأَتِكَ الآنَ.
ــ
بأجوبة متعددة ذكرها القاضي عياض في كتاب الشفا، وأشبه ما ينفصل به عن ذلك: أن قوله: (ليس لذلك بأهل) في علم الله. وأعني بذلك: أن هذا الذي لعنه رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما لعنه لسبب صدر منه يقتضي إباحة لعنه، لكنَّه قد يكون منهم من يعلم الله تعالى من مآل حاله: أنه يقلع عن ذلك السبب، ويتوب منه، بحيث لا يضره. فهذا هو الذي يعود عليه سب رسول الله صلى الله عليه وسلم إياه، ولعنه له بالرحمة والطهور والكفارة. ومن لا يعلم الله منه ذلك، فإنَّ دعاءه صلى الله عليه وسلم زيادة في شقوته، وتكثير للعنته، والله تعالى أعلم.
و(قوله: وهو في كتاب الله) فهمت المرأة من هذا القول أن لعن المذكورات في الحديث منصوص عليه في القرآن، فقالت: لقد قرأت ما بين لوحي المصحف فلم أجده.
وقوله لها: (لئن كنت قرأتيه، لقد وجدتيه) بزيادة ياء هي الرواية، وهي لغة معروفة فيما إذا اتصل بياء خطاب الواحدة المؤنثة ضمير غائب؛ ويعني: بقرأتيه: تدبرتيه. ووجه استدلاله على ذلك بالآية: أنَّه فهم منها تحريم مخالفة النبي صلى الله عليه وسلم فيما يأمر به، وينهى عنه، وأن مخالفه مستحق للعنة. وهؤلاء المذكورات في الحديث مستحقات للعنة.
وقول المرأة لابن مسعود: (فإنا نرى (1) على امرأتك شيئًا من هذا الآن) تعني: أنها رأت على امرأته عن وقت قريب من وقت كلامها معه، حتى كأنه في حكم الوقت الحاضر المعبَّر عنه بـ (الآن) شيئًا من تلك الأمور المذكورات في
(1) في التلخيص: فإني أرى.