المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

وفي رواية: عليكم من غير واو.

رواه أحمد (6/ 37)، والبخاريُّ (2935)، ومسلم (2165)(10 و 11)، وابن ماجه (3698).

* * *

(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

[2079]

عَن عَائِشَةَ: أَنَّ أَزوَاجَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كُنَّ يَخرُجنَ بِاللَّيلِ، إِذَا تَبَرَّزنَ، إِلَى المَنَاصِعِ - وَهُوَ صَعِيدٌ أَفيَحُ - وَكَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ يَقُولُ

ــ

وقوله لعائشة: (مه) معناه: اكففي. كما تقدَّم.

و(قوله: لا تكوني فاحشة) أي: لا يصدر عنك كلام فيه جفاء. والفحش: ما يستفحش من الأقوال، والأفعال. غير أنَّه قد كثر إطلاقه على الزنى، وهو غير مراد هنا قطعًا. وهذا منه صلى الله عليه وسلم لعائشة رضي الله عنها أمر بالتثبت، والرفق، وترك الاستعجال، وتأديبٌ لها لما نطقت به من اللَّعنة وغيرها، والله تعالى أعلم.

(12)

ومن باب احتجاب النساء وما يُخفَّف عنهن من ذلك

قوله: (كن يخرجن بالليل يتبرَّزن إلى المناصع) يتبرَّزن: يخرجن إلى البَرَاز- بفتح الباء - وهو الموضع الذي يُتبرَّز فيه؛ أي: يظهر. والبروز: الظهور، ومنه:{وَتَرَى الأَرضَ بَارِزَةً} أي: ظاهرة. مستوية لا يحجبها شيء، كما قال تعالى:{لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمتًا}

و(المناصع): موضع خارج المدينة.

و(قوله: وهو صعيد أفيح) أي: أرض مستوية متسعة، وذلك كناية عن

ص: 494

لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: احجُب نِسَاءَكَ، فَلَم يَكُن رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَفعَلُ، فَخَرَجَت سَودَةُ بِنتُ زَمعَةَ، زَوجُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَيلَةً مِن اللَّيَالِي، عِشَاءً، وَكَانَت امرَأَةً طَوِيلَةً، فَنَادَاهَا عُمَرُ: أَلَا قَد عَرَفنَاكِ، يَا سَودَةُ! حِرصًا عَلَى أَن يُنزَلَ الحِجَابُ. قَالَت

ــ

خروجهن إلى الحدث؛ إذ لم يكن لهم كنف في البيوت؛ كانوا لا يتخذونها استقذارًا، فكانت النساء يخرجن بالليل إلى خارج البيوت، ويبعدن عنها إلى هذا الموضع. وقد نصَّت على هذا عائشة رضي الله عنها في حديث الإفك.

وقول عمر رضي الله عنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (احجب نساءك) مصلحة ظهرت لعمر فأشار بها، ولا يظن بالنبي صلى الله عليه وسلم أن تلك المصلحة خفيت عليه، لكنَّه كان ينتظر الوحي في ذلك، ولذلك لم يوافق عمر على ذلك حين أشار عليه به، لا سيما وقد كانت عادة نساء العرب ألا يحتجبن لكرم أخلاق رجالهم، وعفاف نسائهم غالبًا، ولذلك قال عنترة:

وأغُضُّ طرفي ما بدت لي جارتي

حتى يواري جارتي مأواها

فلما لم يكن هنالك ريبة؛ تركهم، ولم ينههم استصحابًا للعادة، وكراهة لابتداء أمرٍ أو نهي؛ فإنَّه كان يحبُّ التخفيف عن أمته.

ففيه من الفقه: الإشارة على الإمام بالرأي، وإعادة ذلك إن احتاج إليها، وجواز إشارة المفضول على الفاضل، وجواز إعراض المشار عليه، وتأخير الجواب إلى أن يتبيَّن له وجه يرتضيه.

وقول عمر رضي الله عنه في هذا الحديث: (ألا قد عرفناك يا سودة) يقتضي: أن ذلك كان من عمر رضي الله عنه قبل نزول الحجاب؛ لأنَّ عائشة رضي الله عنها قالت فيه: حرصًا على أن ينزل الحجاب، فأنزل الحجاب. والرواية الأخرى تقتضي أن ذلك كان بعد نزول الحجاب، فالأولى أن يحمل ذلك على أن عمر تكرر منه هذا القول قبل نزول الحجاب وبعده، ولا بُعد فيه. ويحتمل

ص: 495

عَائِشَةُ: فَأُنِزَلَ الحِجَابُ.

رواه البخاريُّ (146)، ومسلم (2170)(18).

ــ

أن يحمل ذلك على أن بعض الرواة ضمَّ قصة إلى أخرى، والأول أولى؛ فإنَّ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة عظيمة، وأنفة شديدة من أن يطلع أحدٌ على حرم النبي صلى الله عليه وسلم حتى صرح له بقوله: احجب نساءك؛ فإنَّهن يراهن البر والفاجر. ولم يزل ذلك عنده إلى أن نزل الحجاب وبعده. فإنه كان قصده: ألا يخرجن أصلًا، فأفرط في ذلك فإنَّه مفض إلى الحرج والمشقة، والإضرار بهن، فإنَّهن محتاجات إلى الخروج، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم لما تأذَّت بذلك سودة:(قد أذن لَكُنَّ أن تخرجن لحاجتكنَّ).

و(قوله: فأنزل الحجاب) أي: آية الحجاب؛ وهي قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤذَنَ لَكُم} إلى قوله: {وَإِذَا سَأَلتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسأَلُوهُنَّ مِن وَرَاءِ حِجَابٍ} كذلك روي عن أنس وابن مسعود رضي الله عنهما؛ غير أن هذا يتوجَّه عليه إشكال، وهو: أن حديث أنس وابن مسعود (1) يقتضي: أن سبب نزولها هو: أن النبي صلى الله عليه وسلم حين أعرس بزينب اجتمع عنده رجال فجلسوا في بيته، وزوجته مولية وجهها إلى الحائط، فأطالوا المجلس حتى ثقلوا عليه، فأنزل الله تعالى هذه الآية (2). وحديث عائشة يقتضي أن الحجاب إنَّما نزل بسبب قول عمر: احجب نساءك. ويزول ذلك الإشكال بأن يقال: إن الآية نزلت عند مجموع السَّببين. فيكون عمر قد تقدَّم قوله: احجب نساءك، وكرر ذلك عليه إلى أن اتفقت قصة بناء زينب، فصدقت نسبة نزول الآية لكل واحد من ذينك السَّببين.

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).

(2)

رواه مسلم (1428).

ص: 496

[2080]

وعنها قَالَت: خَرَجَت سَودَةُ، بَعدَمَا ضُرِبَ عَلَيهَا الحِجَابُ، لِبعض حَاجَتَهَا، وَكَانَت امرَأَةً جَسِيمَةً تَفرَعُ النِّسَاءَ جِسمًا، لَا تَخفَى عَلَى مَن يَعرِفُهَا، فَرَآهَا عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، فَقَالَ: يَا سَودَةُ! وَاللَّهِ مَا تَخفَينَ عَلَينَا، فَانظُرِي كَيفَ تَخرُجِينَ، قَالَت: فَانكَفَأَت رَاجِعَةً وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَيتِي، وَإِنَّهُ لَيَتَعَشَّى وَفِي يَدِهِ عَرقٌ، فَدَخَلَت فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي خَرَجتُ، فَقَالَ لِي عُمَرُ: كَذَا وَكَذَا، قَالَت: فَأُوحِيَ إِلَيهِ، ثُمَّ رُفِعَ عَنهُ، وَإِنَّ العَرقَ فِي يَدِهِ مَا وَضَعَهُ، فَقَالَ: إِنَّهُ قَد أُذِنَ لَكُنَّ أَن تَخرُجنَ لِحَاجَتِكُنَّ.

رواه مسلم (2170)(17).

ــ

قلت: وهذا الحجاب الذي أمر به أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وخُصِّصن به هو في الوجه والكفين.

قال القاضي عياض: لا خلاف في فرضه عليهن في الوجه والكفين الذي اختلف في ندب غيرهن إلى ستره، قالوا: ولا يجوز لهن كشف ذلك لشهادة ولا غيرها، ولا ظهور أشخاصهن، وإن كن مستترات إلا ما دعت إليه الضرورة من الخروج إلى البراز، وقد كن إذا خرجن جلسن للناس من وراء حجاب، وإذا خرجن لحاجة حجبن وسترن.

و(قوله: تفرع النساء جسمًا) أي: طولًا. يقال: فرعت القوم: إذا طلتهم. و (انكفأت) صوابه بالهمزة، بمعنى: انقلبت وانصرفت. يقال: كفأت القوم كفئًا: إذا أرادوا وجها فصرفتهم إلى غيره، فانكفؤوا. ووقع لبعض الرواة: انكفت - بحذف الهمزة والألف -، وكأنه لما سهل الهمزة بقيت الألف ساكنة، فلقيها ساكن فحذفت.

و(العرق) - بفتح العين وسكون الراء -: العظم الذي عليه اللحم. واعترقت العظم، وتعرَّقته: إذا تتبعت ما عليه من اللحم. والعراق: العظم الذي لا لحم عليه.

و(قوله: قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن) لا خلاف في أن المرأة إن

ص: 497

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

تخرج لما تحتاج إليه من أمورها الجائزة لكنها تخرج على حال بذاذة، وتستُّر، وخشونة ملبس؛ بحيث يستر حجم أعضائها، غير متطيِّبة، ولا متبرِّجة بزينة، ولا رافعة صوتها. وعلى الجملة فالحال التي يجوز لها الخروج عليها: أن تكون بحيث لا تمتد لها عين، ولا تميل إليها نفس، وما أعدم هذه الحالة في هذه الأزمان؛ لما يظهرن من الزينة والطيب، والتبختر في الملابس الحسان، فمسامحتهن في الخروج على تلك الحال فسوق وعصيان. فإن قيل: فما الزينة التي اسثنى الله تعالى لهن إظهارها في قوله: {وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا} فالجواب: إن ذلك اختلف فيه. فقال ابن مسعود: إنها الثياب. يعني بذلك: ثيابها التي تستتر بها، ولا تُستَر هي، كالملحفة، والخمار. وعلى هذا فلا يجوز أن تبدي مما تحت ذلك شيئًا؛ لا كحلًا، ولا خاتمًا، ولا غير ذلك مما يستر بالملحفة والخمار. وقال ابن عباس والمسور: هي الكحل، والخاتم؛ يعني: أن العين لا يمكن سترها، وقد تتناول بيد الخاتم ما تحتاج إليه. وقال الحسن ومالك: هو الوجه، والكفان؛ لأنَّهما ليسا بعورة؛ إذ يجب كشفهما عليها في الإحرام عبادة، ويظهر ذلك منها في الصلاة، وهما اللذان يبدوان منها عادة. والكلُّ محومون على أن المستثنى: هو ما يتعذر ستره إما عادة، وإما عبادة، وقد دلَّ على أن المطلوب من المرأة ستر ما تتمكن من ستره؛ قول الله تعالى:{وَلا يُبدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلا مَا ظَهَرَ مِنهَا وَليَضرِبنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ} وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُل لأَزوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ المُؤمِنِينَ يُدنِينَ عَلَيهِنَّ مِن جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدنَى أَن يُعرَفنَ فَلا يُؤذَينَ}

فالخمار ما يلف على الرأس، والحلق، والجلباب اختلف فيه. فقال الحسن: هو الرداء. وقال ابن جبير: المقنعة. وقال قطرب: هو كل ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها. وقال أبو عبيدة: أدنى الجلباب أن تغطي وجها إلا قدر ما تبصر منه.

فرع: إذا قلنا: إن الوجه والكفين ليسا بعورة، وإنه يجوز لها كشفهما؛ فإذا كانت بارعة الجمال، وجب عليها أن تستر وجهها لئلا تفتن الناس، فتكون من

ص: 498

[2081]

عن ابنَ مَسعُودٍ قال: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذنُكَ عَلَيَّ أَن يُرفَعَ الحِجَابُ، وَأَن تَسمِعَ سِوَادِي، حَتَّى أَنهَاكَ.

رواه أحمد (1/ 404)، ومسلم (2169)، وابن ماجه (139).

* * *

ــ

المميلات اللاتي قد توعدن بالنار، وللكلام في هذا متسع، وفيما ذكرناه مَقنَعٌ.

وقوله صلى الله عليه وسلم لابن مسعود رضي الله عنه: (إذنك علي أن يرفع الحجاب وأن تسمع (1) سوادي) الرواية في: (أن يرفع) أن يبنى لما لم يسم فاعله. ولا يجوز غيرها. وسببه: أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل لعبد الله إذنًا خاصًّا به، وهو أنه إذا جاء بيت النبي صلى الله عليه وسلم فوجد الستر قد رفع دخل من غير إذن بالقول، ولم يجعل ذلك لغيره إلا بالقول. كما قال تعالى:{لا تَدخُلُوا بُيُوتًا غَيرَ بُيُوتِكُم حَتَّى تَستَأنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهلِهَا} وبقوله تعالى: {لا تَدخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلا أَن يُؤذَنَ لَكُم} . ولذلك كانت الصحابة رضي الله عنهم تذكر ذلك في فضائل ابن مسعود، فتقول: كان ابن مسعود يُؤذن له إذا حجبنا، وكأن ابن مسعود كان له من التبسُّط في بيت النبي صلى الله عليه وسلم والانبساط ما لم يكن لغيره: لما علمه النبي صلى الله عليه وسلم من حاله، ومن خلقه، ومن إلفه لبيته.

ويستفاد من هذا الحديث أن ربَّ المنزل لو جعل رفع ستر بيته علامة على الإذن في الدخول إليه لاكتفي بذلك عن الاستئذان بالقول.

و(السَّواد) بكسر السين: الرواية، وهو السِّرار. تقول: ساودته مساودة وسوادًا؛ أي: ساررته. وأصله: إدناء سوادك من سواده - بفتح السين - وهو: الشخص.

(1) كذا في كل نسخ المفهم، وفي صحيح مسلم: تستمع.

ص: 499