الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا
[2074]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبدَءُوا اليَهُودَ وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ، وإِذَا لَقِيتُم أَحَدَهُم فِي طَرِيقٍ فَاضطَرُّوهُ إِلَى أَضيَقِهِ.
رواه أحمد (2/ 436)، ومسلم (2167)، وأبو داود (5205).
ــ
(11)
ومن باب: لا يُبدأ أهل الذمَّة بالسلام
قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تبدؤوا اليهود والنصارى بالسَّلام) إنما نهى عن ذلك لأن الابتداء بالسلام إكرام، والكافر ليس أهلًا لذلك، فالذي يناسبهم الإعراض عنهم، وترك الالتفات إليهم، تصغيرًا لهم، وتحقيرًا لشأنهم، حتى كأنهم غير موجودين.
و(قوله: وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه) أي: لا تتنحوا لهم عن الطريق الضيق إكرامًا لهم واحترامًا. وعلى هذا فتكون هذه الجملة مناسبة للجملة الأولى في المعنى والعطف. وليس معنى ذلك: أنا إذا لقيناهم في طريق واسع أننا نلجئهم إلى حَرفِه حتى نضيِّق عليهم؛ لأنَّ ذلك أذى منا لهم من غير سبب، وقد نهينا عن أذاهم.
و(السَّام): الموت. كما قال: (في الحبَّة السوداء شفاءٌ من كل داء إلا السَّام)(1) والسَّام: الموت. وقيل: السَّام: من السآمة، وهو الملال، يقال: سَئم يَسأمُ سَآمة وسَآمًا، وهو تأويل قتادة.
قلت: وعلى هذا القول: فتُسَهَّلُ همزة سأما وسآمة، فيكون كاللَّذاذ واللَّذَاذة، وعلى الأوَّل الجمهور.
(1) رواه أحمد (2/ 423) و (6/ 146)، وانظر: مجمع الزوائد (5/ 88).
[2075]
وعَن أَنَسٍ: أَنَّ أَصحَابَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالُوا لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَهلَ الكِتَابِ يُسَلِّمُونَ عَلَينَا، فَكَيفَ نَرُدُّ عَلَيهِم؟ قَالَ: قُولُوا: وَعَلَيكُم.
رواه أحمد (3/ 115)، ومسلم (2163)(7).
[2076]
وعن ابنَ عُمَرَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اليَهُودَ إِذَا سَلَّمُوا عَلَيكُم، يَقُولُ أَحَدُهُم: السَّامُ عَلَيك، فَقُل: عَلَيكَ.
وفي رواية: فقولوا: وعليك.
رواه أحمد (2/ 19)، والبخاريُّ (6928)، ومسلم (2164)(8 و 9)، وأبو داود (5206)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (378 - 380).
ــ
و(عليك) بغير واو: هي الرواية الواضحة المعنى، وأما مع إثبات الواو: ففيها إشكال؛ لأنَّ الواو العاطفة تقتضي التشريك، فيلزم منه أن ندخل معهم فيما دعوا به علينا من الموت، أو من سآمة ديننا. واختلف المتأولون في ذلك فقال بعضهم: الواو زائدة كما زيدت في قول الشاعر (1):
فلمَّا أجَزنا ساحة الحي وانتحى (2)
…
. . . . . . . . . . . . . . . .
أى: لما أجزنا انتحى، فزاد (الواو) وقيل: إن (الواو) في الحديث للاستئناف فكأنه قال: والسَّام عليكم. وهذا كله فيه بُعد، وأولى من هذا كُلّه أن يقال: إن (الواو) على بابها من العطف غير أنا نجاب عليهم، ولا يجابون علينا. كما قاله صلى الله عليه وسلم، ورواية حذف (الواو) أحسن معنى، وإثباتها أصح رواية وأشهر.
(1) هو امرؤ القيس.
(2)
هذا صدر البيت، وعجزه: بنا بَطن خَبْتٍ ذي حِقَافٍ عَقَنْقَلِ
كذا في الديوان، وفي اللسان: ذي قفاف.
[2077]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ، قال: سَلَّمَ نَاسٌ مِن يَهُودَ عَلَى النبي صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكَ يَا أَبَا القَاسِمِ؟ فَقَالَ: وَعَلَيكُم، فَقَالَت عَائِشَةُ - وَغَضِبَت -: أَلَم تَسمَع مَا قَالُوا؟ قَال: بَلَى، قَد سَمِعتُ، فَرَدَدتُ عَلَيهِم، وَإِنَّا نُجَابُ عَلَيهِم، وَلَا يُجَابُونَ عَلَينَا.
رواه أحمد (3/ 383)، ومسلم (2166)(12).
ــ
وقد اختلف في السَّلام على أهل الذِّمَّة؛ هل هو واجبٌ كالرد على المسلمين؟ وإليه ذهب ابن عبَّاس، والشعبي، وقتادة تمسُّكًا بعموم الآية، وبالأمر بالردِّ عليهم بالذي في هذه الأحاديث. وذهب مالك فيما روى عنه أشهب، وابن وهب إلى أن ذلك ليس بواجب فإنَّ رددت؛ فقل: عليك. والاعتذار عن ذلك: بأن ذلك بيان (1) أحكام المسلمين؛ لأن سلام أهل الذمة علينا (2) ليس تحية لنا؛ وإنما هو دعاء علينا، كما قد بيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(إنما يقولون: السَّام) فلا هم يحيوننا، ولا نحن نرد عليهم تحيَّة، بل دعاء عليهم ولعنة، كما فعلته عائشة رضي الله عنها، وأمره صلى الله عليه وسلم لنا بالرد، إنما هو لبيان الرد لما قالوه خاصة، فإن تحققنا من أحدهم أنه تلفظ بالسَّلام رددنا عليه بعليك فقط؛ لإمكان أن يريد بقلبه غير ما نطق بلسانه، وقد اختار ابن طاوس (3) أن يقول في الرد عليهم: علاكَ السَّلام؛ أي: ارتفع عنك. واختار بعض أصحابنا: السِّلام - بكسر السين -؛ يعني به الحجارة، وهذا كلّه تكلُّف. بل: ما قاله مالك كاف شاف.
(1) في (ز): شأن.
(2)
في (ز): غالبًا.
(3)
هو أحمد بن موسى بن جعفر بن محمد بن طاووس، من فقهاء الإمامية ومحدثيهم، وهو مصنف مجتهد، وله كتب كثيرة في الفقه، وأصول الدين، والأدب، وتراجم رجال الحديث، توفي سنة 673 هـ.
[2078]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: استَأذَنَ رَهطٌ مِن اليَهُودِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالُوا: السَّامُ عَلَيكُم، فَقَالَت عَائِشَةُ: بَل عَلَيكُم السَّامُ وَاللَّعنَةُ.
وفي رواية: السام والذام.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ! إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الرِّفقَ فِي الأَمرِ كُلِّهِ.
وفي رواية: لا تكوني فاحشة. بدل: إن الله يحب.
قَالَت: أَلَم تَسمَع مَا قَالُوا؟ قَالَ: قَد قُلتُ: وَعَلَيكُم.
ــ
وقول عائشة رضي الله عنها: (بل عليكم السَّام والذَّام) الذَّام بتخفيف الميم؛ الرواية المشهورة فيه بالذال المعجمة: وهو العيب، ومنه: المثل: لا تعدم الحسناء ذامًا؛ أي: عيبًا، ويهمز، ولا يهمز. يقال: ذأمه يذأمه. مثل: دأب عليه يدأب، والمفعول: مذؤوم - مهموزا - ومنه: مَذؤومًا مَدحُورًا، ويقال: ذامه يذومه - مخففًا - كرامه يرومه. قال الأخفش: الذَّام أشدُّ العيب. وقد وقع للعذري هذا الحرف (الهام) بالهاء. يعني: هامة القتيل وصداه التي كانت العرب تتحدَّث بها، وهي من أكاذيبها كما تقدَّم. وتعني بذلك عائشة على هذا: القتل؛ دعت عليه بالموت والقتل، وقاله ابن الأعرابي بالدال المهملة، وفسَّره بالدائم، والصواب الأول إن شاء الله تعالى.
و(قوله: ففطنت بهم عائشة (1)) صحيح الرواية بفاء وطاء مهملة ونون من الفطنة، والفهم. أي: فهمت عنهم ما قالوه. ولابن الحذَّاء: فقطبت. بقاف وباء بواحدة من التقطيب في الوجه، وهو العَبسَة والغضب. وقد جاء مفسَّرا في الرواية الأخرى.
(1) هذه العبارة لم ترد في التلخيص، وإنما في صحيح مسلم برقم (2165)(11).