الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها
[2092]
عَن أَسمَاءَ بِنتِ أَبِي بَكرٍ قَالَت: تَزَوَّجَنِي الزُّبَيرُ وَمَا لَهُ فِي الأَرضِ مِن مَالٍ وَلَا مَملُوكٍ وَلَا شَيءٍ غَيرَ فَرَسِهِ،
ــ
بل: يؤدَّب بالضرب الوجيع والسجن الطويل، والنفي حتى ينزع عن ذلك، ويكفي دليلًا على ذلك ما خرَّجه البخاري عن ابن عباس قال: لعن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتشبهين من الرجال بالنساء، والمتشبهات من النساء بالرجال (1)، وقال:(أخرجوهم من بيوتكم)(2) وأخرج فلانًا، وفلانًا؛ غير أنه لا يقتل لما رواه أبو هريرة: أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي برجل قد خضب يديه ورجليه، فقال:(ما بال هذا؟ ! ) فقيل: يتشبَّه بالنساء، فأمر به، فنفي إلى النقيع - بالنون -، فقيل: يا رسول الله ألا نقتله؟ فقال: (إني نهيت عن قتل المصلين)(3).
(18)
ومن باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها
(قولها: تزوجني الزبير، وما له في الأرض من مال، ولا مملوك، ولا شيء غير فرسه) هذا يدلُّ على ما كانوا عليه من شدَّة الحال في أول الأمر، وعلى أن المعتبر عندهم في الكفاءة إنَّما كان: الدين، والفضل. لا المال، والغنى، كما
(1) رواه البخاري (5885).
(2)
رواه البخاري (5886).
(3)
رواه أبو داود (4928).
قَالَت: فَكُنتُ أَعلِفُ فَرَسَهُ، وَأَكفِيهِ مَئُونَتَهُ، وَأَسُوسُهُ، وَأَدُقُّ النَّوَى لِنَاضِحِهِ، وَأَعلِفُهُ، وَأَستَقِي المَاءَ، وَأَخرُزُ غَربَهُ، وَأَعجِنُ، وَلَم أَكُن أُحسِنُ أَخبِزُ، فكَانَ يَخبِزُ لِي جَارَاتٌ مِن الأَنصَارِ، وَكُنَّ نِسوَةَ صِدقٍ،
ــ
قال صلى الله عليه وسلم: (فعليك بذات الدين تربت يداك)(1) وإنما كان ذلك؛ لأنَّ القوم كانت مقاصدهم في النكاح التعاون على الدِّين، وتكثير أمة محمد خاتم النبيين، ولأنهم علموا: أن المال ظِلٌ زائل، وسحابٌ حائل، وأن الفضل باقٍ إلى يوم التلاق. فأمَّا اليوم: فقد انعكست الحال، وعدل الناس عن الواجب إلى المحال.
وقولها: (فكنت أعلف فرسه، وأكفيه مؤونته. . .) إلخ الكلام؛ فيه ما يدلّ: على ما كانوا عليه من تبذُّل المرأة في خدمة زوجها وييته وفرسه، وإن كانت شريفة. لكن هذا كله فعلته متبرعة بذلك مختارة له، راغبة لما علمت فيه من الأجر، وال واب، وعونًا لزوجها على البرِّ والتقوى. ولا خلاف في حسن ذلك، ولا في أن كل ذلك ليس بواجب عليها؛ إذ لا يجب عليها أن تخرز الغِرب، ولا أن تخدم الفرس، ولا أن تنقل النوى، وإنما اختلف في خدمة بيتها من عَجنٍ، وطبخ، وكنس، وفرش؛ فالشريفة ذات القدر؛ التي رفع في صداقها، لا يجب عليها أن تفعل شيئًا من ذلك، ولا يحكم عليها به، ولا يجب عليها عند مالك أن تأمر الخدم بذلك، ولا تنهاهم، وليس عليها إلا أن تمكن من نفسها. وقال بعض شيوخنا عليها أن تأمرهم، وتنهاهم بما يصلح حال زوجها؛ إذ لا كلفة عليها في ذلك، ولجريان العادة بمثله في الأشراف. وفي كتاب ابن حبيب (2): عليها في العسر الخدمة الباطنة، كما
(1) رواه أحمد (2/ 428)، والبخاري (5090)، ومسلم (1466)، وأبو داود (2047)، والنسائي (6/ 68)، وابن ماجه (1858).
(2)
هو عبد الملك بن حبيب بن سليمان العباسي القرطبي المالكي: فقيه، مؤرخ، نسَّابة، أديب، لغوي، شاعر. له:"غريب الحديث" و"طبقات الفقهاء والتابعين" وغير ذلك توفي سنة (238 هـ).
قَالَت: وَكُنتُ أَنقُلُ النَّوَى، مِن أَرضِ الزُّبَيرِ - الَّتِي أَقطَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى رَأسِي، وَهِيَ عَلَى ثُلُثَي فَرسَخٍ، قَالَت: فَجِئتُ يَومًا وَالنَّوَى عَلَى رَأسِي،
ــ
هي على الدنية، وأما من ليست كذلك فيجب عليها من خدمة بيتها: ما جرت العادة بأن مثلها تفعله.
ومأخذ هذا الباب عندنا النظر إلى العوائد؛ فإنَّ الإنسان إذا تزوَّج عند قومٍ، فالغالب أنه يبحث عن عاداتهم، ومناشئهم، فيعلمها، ولا يكاد يخفى عليه حالهم. فإذا تزوَّج ممن عادتهم أن لا تخدم نساؤهم أنفسهن، وإنَّما يخدمن، فقد دخل على أنه يبقيها على عادتها، ويسير بها سيرة نسائها، فلا يحكم له عليها بشيء من ذلك. بخلاف من جرت عادتها بأن مثلها لا تخدم، وإنما تخدم نفسها، فإنَّه يحكم له عليها بما ذكر من خدمة بيتها، وكذلك في رضاع الولد.
فأما من يجهل حالها، ولا يعلم عادة نسائها: فالأصل: أنها تخدم نفسها، فيحكم عليها بذلك، وبرضاعة الولد إلى أن يتبين أنها شريفة لها الحال، والقدر. هذا أصل مالك، وتفريعه، وقد خولف في ذلك؛ فمن الناس من لا يرى على المرأة خدمة مطلقًا. ومنهم من يرى عليها الخدمة مطلقًا، وهو أحوط (1). والأحسن التفصيل الذي صار إليه مالك، والله تعالى أعلم.
و(الغرب): الدلو العظيمة.
وقولها: (كنت أنقل النوى من أرض الزبير التي أقطعه رسول الله صلى الله عليه وسلم على رأسي) قيل: إن هذه الأرض المقطعة من موات البقيع (2)، أقطعه من ذلك حُضرَ فرسه (3)، فأجراه، ثم رمى بسوطه رغبة في الزيادة فأعطاه ذلك كله. وفي البخاري عن عروة أنه صلى الله عليه وسلم أقطع الزبير أرضًا من أموال بني النضير، وليست هذه الأرض التي
(1) ما بين حاصرتين سقط من النسخ، وأثبتناه من هامش (ج 2).
(2)
في (ل 1) و (م 2) و (م 3): النقيع -بالنون-.
(3)
أي: إسراعه في عدوه.
فَلَقِيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ نَفَرٌ مِن أَصحَابِهِ، فَدَعَانِي ثُمَّ قَالَ: إِخ! إِخ، لِيَحمِلَنِي خَلفَهُ، قَالَت: فَاستَحيَيتُ وَعَرَفتُ غَيرَتَكَ،
ــ
كانت أسماء تنقل منها النوى على رأسها، لقولها: وهي على ثلثي فرسخ، فالأشبه أنها الأرض التي بالبقيع كما تقدَّم في القول الأول.
ففيه من الفقه ما يدل على جواز إقطاع الإمام الأرض لمن يراه من أهل الفضل، والحاجة، والمنفعة العامة، كالعلماء، والمجاهدين، وغيرهم، لكن تكون تلك الأرض المقطعة من موات الأرض أو من الأرض الموقوفة لمصالح المسلمين كما قدمناه في الجهاد.
وفيه ما يدلُّ على جواز الاستزادة من الحلال، وإظهار الرَّغبة فيه، كما فعل الزبير رضي الله عنه؛ حيث أجرى فرسه، فلما وقف رمى بسوطه رغبة في الزيادة، والنبي صلى الله عليه وسلم يبصر ذلك كله، ولم ينكره عليه.
وليس إقطاع الإمام تمليكًا للرقبة، وإنما هو اختصاص بالمنفعة، لكن لو أحيا الموات المقطع لكان للمحيي، لقول النبي صلى الله عليه وسلم:(من أحيا أرضًا ميتة فهي له)(1).
وقولها: (فلقيت النبي صلى الله عليه وسلم في نفر من أصحابه، فدعاني، ثم قال: إخ، إخ) تعني به: أنه نوَّخ ناقته ليُركبها عليها.
و(إخ) - بكسر الهمزة، وسكون الخاء - وهو صوت تُنَوَّخ به الإبل. وظاهر هذا المساق يدلّ على أنه صلى الله عليه وسلم عرض عليها الركوب، فلم تركب؛ لأنَّها استحيت، كما قالت. وعلى هذا فلا يحتاج إلى اعتذار عن النبي صلى الله عليه وسلم في ركوبها معه، فإنَّه يحتمل أنها لو اختارت الركوب تركها راكبة وحدها، ولا يكون فيه من حيث هذا اللفظ دليل على جواز ركوب اثنين على بعير، فتأمله.
وقولها: (وعرفت غيرتك) تعني: ما جبل عليه من الغيرة، وإلا فالنبي صلى الله عليه وسلم لا يغار لأجله، كما قال عمر رضي الله عنه للنبي صلى الله عليه وسلم: (وعليك أغار
(1) رواه أحمد (3/ 313) من حديث جابر بن عبد الله.
فَقَالَ: وَاللَّهِ! لَحَملُكِ النَّوَى عَلَى رَأسِكِ أَشَدُّ مِن رُكُوبِكِ مَعَهُ، قَالَت: حَتَّى أَرسَلَ إِلَيَّ أَبُو بَكرٍ، بَعدَ ذَلِكَ، بِخَادِمٍ، فَكَفَتنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ، فَكَأَنَّمَا أَعتَقَتنِي.
رواه أحمد (6/ 347)، والبخاريُّ (5224)، ومسلم (2182)(34).
ــ
يا رسول الله! ) حين أخبره أنه صلى الله عليه وسلم رأى قصرًا من قصور الجنَّة فيه امرأة من نساء الجنة فقال: (لمن أنت؟ ) فقالت: لعمر بن الخطاب. قال صلى الله عليه وسلم: (فذكرت غيرتك)(1) فتوقع النبي صلى الله عليه وسلم تحريك الغيرة بحكم الجبلَّة، وإن لم يغر لأجله.
وقول الزبير: (والله! لحملك النوى على رأسك أشدُّ علي من ركوبك معه) هذا يدلّ على أن الزبير لم يكلفها شيئًا من ذلك، وإنما فعلت هي ذلك لحاجتها إلى ذلك، وتخفيفًا عن زوجها؛ على عادة أهل الدين والفضل الذين لا التفات عندهم لشيء من زينة الدنيا، ولا من أحوال أهلها، فإنَّهم كانوا لا يعيبون على أنفسهم إلا ما عابه الشرع، فكانوا أبعد الناس منه، وأخرج هذا القول من الزبير فرط الاستحياء المجبول عليه أهل الفضل. ويعني بذلك: أن الحياء الذي لحقه من تبذلها بحمل النوى على رأسها أشدُّ عليه من الغيرة التي كانت تلحقه عليها لو ركبت مع النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّه صلى الله عليه وسلم ليس ممن يغار على الحريم لأجله. والله تعالى أعلم.
وقولها: (حتى أرسل إلي أبو بكر رضي الله عنه بعد ذلك بخادم، فكفتني سياسة الفرس، فكأنما أعتقتني) دليلٌ على مكارم أخلاق القوم، فإنَّ أبا بكر رضي الله عنه علم ما كانت عليه ابنته من الضرر والمشقة، ولم يطالب صهره بشيء من ذلك، وكان مترقبًا لإزالة ذلك، فلما تمكَّن منه أزاله مِن عنده.
(1) رواه أحمد (3/ 309)، والبخاري (5226)، ومسلم (2394).
[2093]
وعنها قَالَت: كُنتُ أَخدُمُ الزُّبَيرَ خِدمَةَ البَيتِ، وَكَانَ لَهُ فَرَسٌ، وَكُنتُ أَسُوسُهُ، فَلَم يَكُن مِن الخِدمَةِ شَيءٌ أَشَدَّ عَلَيَّ مِن سِيَاسَةِ الفَرَسِ، كُنتُ أَحتَشُّ لَهُ، وَأَقُومُ عَلَيهِ وَأَسُوسُهُ، قَالَت: ثُمَّ إِنَّهَا أَصَابَت خَادِمًا، جَاءَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَبيٌ فَأَعطَاهَا خَادِمًا، قَالَت: كَفَتنِي سِيَاسَةَ الفَرَسِ،
ــ
و(الخادم) يقال على الذكر والأنثى. و (أعتقتني) روي بتاء بعد القاف، ويكون فيه ضمير يعود على الخادمة. وبغير تاء، وضميره يعود إلى أبي بكر رضي الله عنه. وصحَّ ذلك لأنها لما استراحت من خدمة الفرس، والقيام عليه بسبب الجارية التي بعث بها إليها أبو بكر صحَّ أن ينسب العتق لكل واحد منهما.
و(قولها: جاء النبي صلى الله عليه وسلم سبي فأعطاها خادمًا) هذه الرواية مخالفة لقولها في الرواية المتقدِّمة: إن أبا بكر رضي الله عنه أرسلها إليها. وهذا لا بُعد فيه؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم دفعها لأبي بكر ليدفعها لها، فأرسل بها أبو بكر لها.
واستئذان الفقير لأم عبد الله - وهي أسماء ابنة أبي بكر - في أن يبيع في ظلِّ دارها يدلُّ على أن المتقرَّر المعلوم من الشرع أن فناء الدار ليس لغير ربِّها القعود فيه للبيع إلا بإذنه، فإذا أذن جاز ما لم يضر بغيره؛ من تضييق طريق، أو اطلاع على عورة منزل غيره. ولربِّ الدار أن يمنعه؛ لأنَّ الأفنية حق لأرباب المنازل؛ لأنَّ عمر رضي الله عنه قضى في الأفنية لأرباب الدور. قال ابن حبيب: وتفسير هذا يعني: بالانتفاع للمجالس، والمرابط، والمصاطب، وجلوس الباعة فيها للبياعات الخفيفة، وليس بأن ينحاز بالبنيان والتحظير.
قلت: وعلى هذا فليس لربِّ الدار التصرف في فنائها ببناء دكان (1)، أو غيره مما يثبت ويدوم؛ لأنَّه من المنافع المشتركة بينه وبين الناس؛ إذ للناس فيه حق العبور، والوقوف، والاستراحة، والاستظلال، وما أشبه هذه الأمور. لكنه
(1) في (ز) و (م 2) و (م 3) و (ع): ثانٍ.
فَأَلقَت عَنِّي مَئُونَتَهُ. فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبدِ اللَّهِ! إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدتُ أَن أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ، قَالَت: إِنِّي إِن رَخَّصتُ لَكَ أَبَى ذَاكَ الزُّبَيرُ، فَتَعَالَ فَاطلُب إِلَيَّ، وَالزُّبَيرُ شَاهِدٌ، فَجَاءَ فَقَالَ: يَا أُمَّ عَبدِ اللَّهِ، إِنِّي رَجُلٌ فَقِيرٌ، أَرَدتُ أَن أَبِيعَ فِي ظِلِّ دَارِكِ، فَقَالَت: مَا لَكَ بِالمَدِينَةِ إِلَّا دَارِي؟ فَقَالَ لَهَا
ــ
أخصُّ به فيجوز له من ذلك ما لا يجوز لغيره من مرافقه الخاصة به كبناء مصطبة لجلوسه، ومربط فرسه، وحطّ أحماله، وكنس مرحاضه، وتراب بيته، وغير ذلك مما يكون من ضروراته. وعلى هذا فلا يفعل فيها ما لا يكون من ضرورات حاجاته كبناء دكان للباعة، أو تحظيره عن الناس، أو إجارته لمن يبيع فيه؛ لأنَّ ذلك كله منع الناس من منافعهم التي لهم فيه، وليس كذلك الإذن في البيع الخفيف بغير أجرة؛ لأنَّ ذلك من باب الرفق بالمحتاج، والفقير. وأصل الطرق، والأفنية للمرافق، ولو جاز أن يحاز الفناء ببناء ونحوه؛ للزم أن يكون لذلك البناء فناء، ويتسلسل إلى أن تذهب الطرق، وترتفع المرافق.
وتوقف أسماء رضي الله عنها في الإذن للفقير إلى أن يأذن الزبير إنما كان مخافة غيرة الزبير، أو يكون في ذلك شيء يتأذى به الزبير، وحسن أدب، وكرم خلق حتى لا تتصرَّف في شيء من مالها إلا بإذن زوجها. وأمرها للفقير بأن يسألها ذلك بحضرة الزبير لتستخرج بذلك ما عند الزبير من كرم الخلق، والرغبة في فعل الخير، وليشاركها في الأجر، وذلك كله منها حسن سياسة، وجميل ملاطفة تدلُّ على انشراح الصدور، وصدق الرغبة في الخير.
وبيعها للجارية بغير إذن الزبير يدلّ على أن للمرأة التصرُّف في مالها بالبيع والابتياع من غير إذنه، وليس له منعها من ذلك إذا لم يضرُّه ذلك في خروجها، ومشافهتها للرجال بالبيع والابتياع، فله منعها مما يؤدي إلى ذلك.
وسؤاله لها أن تهبه ثمن الجارية دليل على أن الزوج ليس له أن يتحكم عليها
الزُّبَيرُ: مَا لَكِ أَن تَمنَعِي رَجُلًا فَقِيرًا يَبِيعُ؟ فَكَانَ يَبِيعُ إِلَى أَن كَسَبَ، فَبِعتُهُ الجَارِيَةَ، فَدَخَلَ عَلَيَّ الزُّبَيرُ وَثَمَنُهَا فِي حَجرِي، فَقَالَ: هَبِيهَا لِي، قَالَت: إِنِّي قَد تَصَدَّقتُ بِهَا.
رواه مسلم (2182)(35).
* * *
ــ
في مالها بأخذ، ولا غيره؛ إذ لا ملك له في ذلك، وإنَّما له فيه حق التجمُّل، وكفاية بعض المؤن، ولذلك منعناها من إخراج كل مالها، أو جلَّه كما تقدَّم في النكاح.
وصدقتها (1) بثمن الجارية من غير إذنه دليلٌ على جواز هبة المرأة بعض مالها بغير إذن الزوج، لكن إن أجازه الزوج جاز، وإن منعه؛ فإن كان الثلث فدون لم يكن له المنع، وإن كان أكثر كان له منع الزائد على الثلث على ما تقدَّم؛ هذا إذا وهبته لأجنبي؛ فإن وهبته لزوجها، فلا يفرَّق بين ثلث ولا غيره؛ لأنَّها إذا طابت نفسها بذلك جاز. ولأن الفرق بين الثلث وغيره إنما كان لحق الزوج؛ لئلا يفوت عليه ما له فيه من حق التجمُّل، ولئلا يمنعها أيضًا من إعطاء ما طابت به نفسها، فينفذ عطاؤها في الثلث، ويرد فيما زاد عليه. وقيل: يردُّ في الجميع، وهو المشهور.
* * *
(1) في (ج 2): وهبتها.