الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء
[2090]
عَن أُمِّ سَلَمَةَ: أَنَّ مُخَنَّثًا كَانَ عِندَهَا، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي البَيتِ، فَقَالَ لِأَخِي أُمِّ سَلَمَةَ: يَا عَبدَ اللَّهِ بنَ أَبِي أُمَيَّةَ، إِن فَتَحَ اللَّهُ عَلَيكُم
ــ
أفنية الطُّرق، وأفضية البلاد غير المتملَّكة فهو أحق به ما دام جالسًا فيه، فإن قام منه، ونيَّته الرجوع إليه من غده؛ فقيل: هو أحق به حتى يتمَّ غرضه. حكاه الماوردي عن مالك؛ قطعًا للتنازع. وقيل: هو وغيره سواء، والسَّابق إليه بعد ذلك أحق به.
(17)
ومن باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء
التخنُّث: هو اللين والتكسُّر. والمخنث: هو الذي يلين في قوله، ويتكسَّر في مشيته، ويتثنى فيها كالنساء. وقد يكون خِلقة، وقد يكون تصنعًا من الفسقة. ومن كان ذلك فيه خلقة؛ فالغالب من حاله: أنَّه لا أرب له في النساء، ولذلك كان أزواج النبي صلى الله عليه وسلم يعددن (1) هذا المخنث من غير أولي الإربة، فكانوا لا يحجبونه إلى أن ظهر منه ما ظهر فحجبوه.
وقوله: (إن مخنثًا كان عندها) اختلف في اسم هذا المخنث، والأشهر: أن اسمه هيت بياء ساكنة بعد الهاء باثنتين من تحتها، وآخرها تاء باثنتين من فوقها. وقيل: صوابه هنب - بنون وباء بواحدة أخيرًا - والهنب: الرجل الأحمق، قاله ابن درستويه (2). وقيل: إن هذا المخنث هو ماتع- باثنتين من فوقها - مولى
(1) كذا في (ل 1) وفي باقي النسخ: يعدُّون.
(2)
هو عبد الله بن جعفر بن محمد بن درستويه، من علماء اللغة، من تصانيفه:"تصحيح الفصيح" و"الكتَّاب". توفي سنة (347 هـ).
الطَّائِفَ غَدًا، فَإِنِّي أَدُلُّكَ عَلَى بِنتِ غَيلَانَ، فَإِنَّهَا تُقبِلُ بِأَربَعٍ وَتُدبِرُ بِثَمَانٍ، قَالَ: فَسَمِعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: لَا يَدخُل هَؤُلَاءِ عَلَيكُم.
رواه أحمد (6/ 290)، والبخاري (5887)، ومسلم (2180)، وأبو داود (4929)، وابن ماجه (1902 و 2614).
ــ
أبي فاختة المخزومي. قيل: وكان هو وهيت يدخلان في بيوت النبي صلى الله عليه وسلم، فلما وقعت هذه القصَّة غربهما النبي صلى الله عليه وسلم إلى الحمى. وقيل: إن مخنَّثا كان بالمدينة نفاه النبي صلى الله عليه وسلم (1) إلى حمراء الأسد.
وقول المخنث: (أدلك على ابنة غيلان، فإنَّها تقبل بأربع، وتدبر بثمان) قال أبو عبيد: يعني به: العكن، وهي أربع (2) تقبل بهن، ولها أطراف أربعة من كل جانب فتصير ثمانية.
قلت: وإنَّما أنث فقال: بأربع وبثمان؛ وهو يريد الأطراف، وواحدها طرف، مذكر؛ لأنَّ هذا على حدِّ قولهم: هذا الثوب سبع في ثمان، والثمان يراد بها الأشبار، ووجه ذلك أنه (3) يعني به العكن، وهي جمع عكنة، وهي الطي الذي يكون في جانبي البطن من السِّمن، وتجمع: عكن، وأعكان. وتعكَّن البطن: إذا صار ذلك فيه.
يريد المخنَّث: أنَّ هذه المرأة إذا أقبلت كان لها من كل جانب من جوانب بطنها عكنتان، وإذا أدبرت كان لها من خلفها ثمان، وأنث العدد لتانيث المعدود، وهو: العكن: جمع عكنة.
وقد روى هذا الحديث الواقدي، والكلبي، وقالا: إن (هيتًا) المخنَّث،
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ل 1).
(2)
أي: في بطنها، كما نقله عنه المازريُّ.
(3)
ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).
[2091]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: كَانَ يَدخُلُ عَلَى أَزوَاجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُخَنَّثٌ، فَكَانُوا يَعُدُّونَهُ مِن غَيرِ أُولِي الإِربَةِ، قَالَ: فَدَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَومًا، وَهُوَ عِندَ بَعضِ نِسَائِهِ، وَهُوَ يَنعَتُ امرَأَةً، قَالَ: إِذَا أَقبَلَت أَقبَلَت بِأَربَعٍ، وَإِذَا
ــ
وكان مولى لعبد الله بن أبي أمية المخزومي أخي أم سلمة لأبيها، وأم عبد الله عاتكة عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له في بيت أم سلمة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم يسمع: إن افتتحتم الطائف فعليك ببادية ابنة غيلان بن غيلان الثقفي؛ فإنها تقبل بأربع وتدبر بثمان مع ثغرٍ كالأقحوان، إن جلست تثنَّت، وإن تكلَّمت تغنَّت، بين رجليها كالإناء المكفوء، وهي كما قال قيس بن الخطيم:
تَغتَرِقُ الطَّرفَ وهِي لاهِيَةٌ
…
كأنَّما شَفَّ وَجهَها نَزَفُ
بَينَ شُكُولِ النساء خِلقَتُها
…
قصدًا فلا غَيلَةٌ ولا نصف (1)
تَنَامُ عن كِبرِ شأنِها فإذا
…
قامت رُوَيدًا تكاد تنقصف (2)
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: (لقد غلغلت النظر إليها يا عدوَّ الله) ثم أجلاه عن المدينة إلى الحمى (3). قال: فلما فتحت الطائف تزوجها عبد الرحمن بن عوف، فولدت له في قول الكلبي. قال: ولم يزل هيت بذلك المكان حتى قبض النبي صلى الله عليه وسلم. فلما ولي أبو بكر رضي الله عنه كُلِّم فيه، فأبى أن يردَّه، فلما ولي عمر رضي الله عنه كُلِّم فيه، فأبى أن يردَّه، ثم كُلِّم فيه بعد، وقيل: إنه قد كبر وضعف وضاع، فأذن له أن يدخل كل جمعة، فيسأل، ويرجع إلى مكانه. قال أبو عمر بن عبد البر: يقال: بادية - بالياء - وبادنة - بالنون - والصواب بالياء، وهو قول أكثرهم.
و(قوله: تغنت) هو من الغنة، لا من الغناء؛ أي: أنها تتغنَّن في كلامها
(1) في اللسان مادة -قضف-: قصدٌ فلا جبلةٌ ولا قضف.
(2)
في اللسان مادة (كبر): تنغرف بدل تنقصف.
(3)
ذكره الحافظ ابن حجر في فتح الباري (9/ 336).
أَدبَرَت أَدبَرَت بِثَمَانٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَلَا أَرَى هَذَا يَعرِفُ مَا هَاهُنَا، لَا يَدخُل عَلَيكُم. قَالَت: فَحَجَبُوهُ.
رواه أحمد (6/ 152)، ومسلم (2181)، وأبو داود (4107 و 4108)، والنسائي في عشرة النساء (365).
* * *
ــ
للينها، ورخامة صوتها. يقال: تغنَّن الرجل، وتغنى، مثل: تضنَّن وتضنَّى.
وفيه: ما يدلّ على جواز العقوبة بالنفي عن الوطن لمن يخاف منه الفساد والفسق. وعلى تحريم ذكر محاسن المرأة المعينة؛ لأنَّ ذلك إطلاع الأسماع على عورتها، وتحريك النفوس إلى ما لا يحل منها. ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(لا تصف المرأة المرأة لزوجها حتى كأنه ينظر إليها)(1) فأما ذكر محاسن من لا تعرف من النساء: فمباحٌ إن لم يدع إلى مفسدةٍ؛ من تهييج النفوس إلى الوقوع في الحرام، أو في المكروه.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (ألا أرى هذا يعرف ما هاهنا) يدلّ: على أنهم كانوا يظنون أنه لا يعرف شيئًا من أحوال النساء، ولا يخطرن له بالبال. وسببه: أن التخنيث كان فيه خِلقة وطبعًا، ولم يكن يعرف منه إلا ذلك، ولذلك كانوا يعدُّونه من غير أولي الإربة؛ أي: ممن لا حاجة له في النساء. وقد قدَّمنا: أن الأرب والإربة: الحاجة. فلما سمع النبي صلى الله عليه وسلم وصفه لتلك المرأة: علم أنه عنده تشوُّف للنساء؛ فحجب لذلك، ثم بولغ في تنكيله، وعقوبته، ونفيه لما اطلع عليه من محاسن تلك المرأة، وكشف من سترها، ولم تكن عقوبته لنفس التخنيث؛ فإنَّ ذلك كان فيه خِلقة، ولم يكن مكتسبًا له، ولا يكلف الله نفسًا إلا وسعها.
وأمَّا من تخانث وتشبه بالنساء، فقد أتى كبيرة من أفحش الكبائر؛ لعنه الله عليها ورسوله، ولا يقرُّ عليها.
(1) ذكره ابن عبد البر في التمهيد (4/ 65 - 66).