الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد
[1815]
عن أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: اشتَرَى رَجُلٌ مِن رَجُلٍ عَقَارًا لَهُ، فَوَجَدَ الرَّجُلُ الَّذِي اشتَرَى العَقَارَ فِي عَقَارِهِ جَرَّةً فِيهَا ذَهَبٌ، فَقَالَ لَهُ الَّذِي اشتَرَى العَقَارَ: خُذ ذَهَبَكَ مِنِّي، إِنَّمَا اشتَرَيتُ مِنكَ الأَرضَ، وَلَم أَبتَع مِنكَ الذَّهَبَ، فَقَالَ الَّذِي شَرَى الأَرضَ: إِنَّمَا بِعتُكَ الأَرضَ وَمَا فِيهَا، قَالَ: فَتَحَاكَمَا إِلَى رَجُلٍ، فَقَالَ الَّذِي تَحَاكَمَا إِلَيهِ: أَلَكُمَا وَلَدٌ؟ فَقَالَ
ــ
(7)
ومن باب: للحاكم أن يصلح بين الخصوم
العقار: أصل (1) الأموال من الأرض وما يتصل بها، وعقر الشيء: أصله - ومنه: عقرُ الأرض - بفتح العين وضمها -.
و(قوله: فقال الذي شَرَى الأرض: إنَّما بعتك الأرض وما فيها) هكذا للسمرقندي، ومعنى (شَرَى): باع، كما قال تعالى:{وَشَرَوهُ بِثَمَنٍ بَخسٍ} ؛ أي: باعوه. وقد تقدَّم: أن (شرى) من الأضداد. يقال: شريت الشيء: أي: بعته واشتريته. وقد رواه غير السمرقندي: (الذي اشترى الأرض)، وفيها بُعدٌ؛ لأنَّ المشتري هو الذي تقدَّم ذكره، وهو هنا البائع، ولا يصحُّ أن يقال عليه: مُشترٍ؛ إلا أن صحَّ في (اشترى): أنه من الأضداد، كما قلناه في (شَرَى). والأول هو المعروف.
و(قوله: فتحاكما إلى رجل) ظاهره: أنهما حكَّماه في ذلك، وأنَّه لم يكن حاكمًا منصوبًا للناس، مع أنَّه يحتمل ذلك. وعلى ظاهره يكون فيه لمالك حجَّة
(1) في (ج 2): أصول.
أَحَدُهُمَا: لِي غُلَامٌ، وَقَالَ الآخَرُ: لِي جَارِيَةٌ، قَالَ: أَنكِحُوا الغُلَامَ الجَارِيَةَ، وَأَنفِقُوا عَلَى أَنفُسِكُمَا مِنهُ، وَتَصَدَّقَا.
رواه أحمد (2/ 316)، والبخاريُّ (3472)، ومسلم (1721)، وابن ماجه (2511).
ــ
على صحة قوله: إن المتداعيين إذا حَكَّما بينهما من له أهلية الحكم صحَّ، ولزمهما حكمه، ما لم يكن جوَّرًا، سواء وافق ذلك الحكم رأي قاضي البلد، أو خالفه. وقال أبو حنيفة: إن وافق رأيه رأي قاضي البلد نَفَذَ، وإلا فلا. واختلف قول الشافعي، فقال مثل قول مالك، وقال أيضًا: لا يلزم حكمه، ويكون ذلك كالفتوى منه. وبه قال شريح.
وهذا الرَّجل المُحكَّم لم يحكم على أحد منهما؛ وإنما أصلح بينهما، بأن ينفقا ذلك المال على أنفسهما وعلى ولديهما، ويتصدَّقا. وذلك أن هذا المال ضائع، إذا لم يدَّعِه أحدٌ لنفسه. ولعلهم لم يكن لهم بيت مال، فظهر لهذا الرَّجل: أنهما أحق بذلك المال من غيرهما من المستحقين لزهدهما، وورعهما، ولحسن حالهما، ولِمَا ارتجي من طيب نسلهما، وصلاح ذريتهما.
قال الشيخ أبو عبد الله المازري: واختلف عندنا فيمن ابتاع أرضًا فوجد فيها شيئًا مدفونًا؛ فهل يكون ذلك للبائع أو للمشتري؛ فيه قولان.
قلت: ويعني بذلك ما يكون من أنواع الأرض، كالحجارة، والعمد، والرُّخام، ولم يكن خِلقَةً فيها. وأمَّا ما يكون من غير أنواع الأرض، كالذهب والفضة، فإن كان من دفن الجاهلية كان ركازًا. وإن كان من دفن الإسلام (1) فهو لُقَطة. وإن جُهِل ذلك كان مالًا ضائعًا. فإن كان هنالك بيت مالٍ حفظ فيه. وإن لم
(1) في (ج 2): المسلمين.
[1816]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَبغَضَ الرِّجَالِ إِلَى اللَّهِ الأَلَدُّ الخَصِمُ.
رواه أحمد (6/ 55)، والبخاري (2457)، ومسلم (2668)، والترمذي (2976)، والنسائي (8/ 247 و 248).
* * *
ــ
يكن؛ صرف للفقراء (1) والمساكين. وفيمن يستعين به على أمور الدِّين، وفيما أمكن من مصالح المسلمين. والله تعالى أعلم.
و(قوله: إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخَصِم) الألد: اسم فاعل من: لدَّ في الخصومة، يَلَدُّ - بفتح العين - لَدًّا: إذا اشتدَّ في خصومته، فهو ألدُّ، والجمع: لُدٌّ. ومنه قوله تعالى: {قَومًا لُدًّا} وامرأة لَدَّاءٌ. وسمي الخَصِم بذلك لإعماله لدَيدَيهِ في الخصومة، وهما جانبا الفم. وقيل: لأنك كلما أخذت في جانب من الحجَّة أخذ جانبًا آخر منها. وعلى هذا: فالألد صفة. فكان حقَّه أن يكون تابعًا للخصم. فيقول: الخصم الألد. لكنه لما كثر استعماله عومل معاملة الأسماء وحُذي به حَذوَ قوله تعالى: {وَغَرَابِيبُ سُودٌ} ؛ لأن الأصل أن يقال: أسودٌ غِربِيب. فلو جاء على الأصل لقال: وسودٌ غرابيب.
وهذا الخصم المذموم هو الذي يعدل عن الحق في خصومته، ويُوَهِّيه، ويَعضِدُ الباطلَ، ويُقَوِّيه. فأمَّا من اشتدت خصومته في حق حتى يظهره، ويبديه، ويزيح الباطل، ويخفيه؛ فهي حالةُ القائمين بالحق، الناصرين له، الذين لا يزالون ظاهرين إلى يوم الدِّين.
(1) في (ج 2): في الفقراء.