الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه
[2063]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: استَأذَنتُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: مَن هَذَا؟ فَقُلتُ: أَنَا. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَنَا، أَنَا. كَأَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ.
رواه أحمد (3/ 320)، والبخاريُّ (6250)، ومسلم (2155)(39)، وأبو داود (5187)، والترمذي (2711)، والنسائي في عمل اليوم والليلة (328)، وابن ماجه (3709).
[2064]
وعن سَهل بنَ سَعدٍ الساعدِيَّ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِن جُحرٍ فِي بَابِ رَسُولِ اللَّهِ،
ــ
(8)
ومن باب كراهية أن يقول: أنا. عند الاستئذان
قول جابر رضي الله عنه: استأذنت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: (من؟ ) دليلٌ على جواز الاستئذان من غير ذكر اسم المستأذن، إلا أن الأحسن أن يذكر اسمه كما تقدَّم في حديث أبي موسى، ولأن في ذكر اسمه إسقاط كلفة السؤال والجواب. وكراهة النبي صلى الله عليه وسلم قول جابر في جوابه: أنا، أنا. يحتمل أن يكون لذلك المعنى. ويحتمل: أن يكون، لأن (أنا) لا يحصل بها تعريف، وهو الأولى. وقيل: إنما كره ذلك لأنَّه دق عليه الباب على ما روي في غير كتاب مسلم، وفي هذا التأويل بُعد؛ لأنَّه إنما فهمت الكراهة عنه من قوله:(أنا، أنا) ولم يذكر الدَّق، ولا نبَّهه عليه، فكيف يعدل عما نطق به وكرَّره مُنكِرًا له، ويصار إلى ما لم يجر له ذكر؟ !
و(قوله: إن رجلًا اطَّلع من جحرٍ في باب رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا الفعل يحرم
وَمَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِدرًى يُرَجِّلُ بِهِ رَأسَهُ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو أَعلَمُ أَنَّكَ تَنظُرُ طَعَنتُ بِهِ فِي عَينِكَ،
ــ
قطعًا، وخصوصًا في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم لعظيم حرمته، وحرمة أزواجه، لا جرم علق على هذا الفعل من العقوبة جواز الطعن في عين الناظر، كما ظهر من قول النبي صلى الله عليه وسلم ومن فعله، وقد تقدَّم الكلام على هذا وذكر الخلاف فيه في كتاب القصاص.
غريب: (الجحر): واحد الجحرة. وهي: مكامنُ الوحش، ولما كانت نقبًا في الأرض سُمي بذلك النقب في الباب، وفي الحائط، وغير ذلك. و (المِدرى): بالدال المهملة: واحد المداري. قال ثابت: هي الأمشاط، وفي هذا التفسير تسامح، وأوضح منه وأصح، قول النضر بن شميل، وابن كيسان: أنَّه عود، أو عاج تنشر به المرأة شعرها وتجعده. قال امرؤ القيس:
غَدائِرُه مُستَشزِرات إلى العُلا
…
تظل المَدَاري (1) في مُثَنًّى ومرسل
ومؤنثه: مدراة، وقد عبر عنه في الرواية الأخرى: بمشقص، وبمشاقص، وقد قلنا: إن المشقص نصلٌ عريض. وقيل: هو السِّكين. فيحتمل أن يكون هذا المدرى من حديد، وكما يعمل من عاج، وعود، يجوز أن يعمل من حديد، أو يكون شبَّهه بالسِّكين.
و(يختله): يراوغه، ويخادعه. و (فخذفته) بالخاء المعجمة: هي الرواية الصحيحة، ومن رواها بالحاء المهملة فقد أخطأ؛ فإنَّ الخذف بالخاء: بالحجر، والحذف بالمهملة بالعصا.
و(الجناح): الإثم، والمؤاخدة، ونحوه: الحرج، وأصله من الضيق، ومنه قوله تعالى:{وَمَن يُرِد أَن يُضِلَّهُ يَجعَل صَدرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا}
(1) في الديوان: تَضِلُّ العقاص.
إِنَّمَا جَعَلَ اللَّهُ الإِذنَ مِن أَجلِ البَصَرِ.
رواه أحمد (5/ 330)، والبخاري (6241)، ومسلم (2156)(40 و 41)، والترمذي (2709)، والنسائي (8/ 60).
[2065]
وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ: أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ مِن بَعضِ حُجَرِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَامَ إِلَيهِ بِمِشقَصٍ أَو مَشَاقِصَ، فَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَختِلُهُ لِيَطعُنَهُ.
رواه البخاري (6900)، ومسلم (2157)، والترمذي (2718).
ــ
بكسر الراء (1)، وقُرِئت بالفتح:(كالغرِد والغرَد)(2) والدَّنِف والدَّنَف.
و(قوله: إنما جعل الاستئذان من أجل البصر)(3) دليل على صحة التعليل القياسي. فهو حجَّة الجمهور على نُفاة القياس.
و(قوله: يرجل به رأسه) دليل على استحباب إصلاح الشعر، وإكرامه، كما قال صلى الله عليه وسلم:(من كانت له جُمَّةٌ فليكرمها)(4) ولكن لا ينتهي بذلك إلى أن يخرج إلى الترفه والسرف المنهي عنه بقوله صلى الله عليه وسلم، فيما رواه عنه فضالة بن عبيد رضي الله عنه حيث قال:(نهانا رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كثير من الإرفاه، وأمرنا أن نحتفي أحيانًا)(5).
و(التَّرجُّل): مشط الشعر وتكسيره.
(1) هذه قراءة نافع وشعبة وأبو جعفر.
(2)
في جميع النسخ: كالقَرِد والقَرَد. وما أثبتناه من الصحاح.
(3)
هذه الرواية في الحديث رقم (2156)(40) في كتاب مسلم، وليست الرواية التي أثبتها التلخيص، وهي برقم (2156)(41).
(4)
رواه مالك في الموطأ (2/ 949) بلفظ: أن أبا قتادة الأنصاري قال لرسول الله: إنَّ لي جُمَّةً، أفأُرَجِّلُها؟ فقال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم:"نعم، وأَكْرِمْها".
(5)
رواه أحمد (6/ 22)، وأبو داود (4160)، والنسائي (8/ 132).
[2066]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن اطَّلَعَ فِي بَيتِ قَومٍ بِغَيرِ إِذنِهِم، فَقَد حَلَّ لَهُم أَن يَفقَؤوا عَينَهُ.
رواه أحمد (2/ 243)، والبخاريُّ (6902)، ومسلم (2158)(43)، والنسائي (6/ 61).
[2067]
وعنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَو أَنَّ رَجُلًا اطَّلَعَ عَلَيكَ بِغَيرِ إِذنٍ فَخَذَفتَهُ بِحَصَاةٍ فَفَقَأتَ عَينَهُ، مَا كَانَ عَلَيكَ مِن جُنَاحٍ.
رواه أحمد (2/ 243 و 428)، ومسلم (2158)(44)، وأبو داود (5172)، والنسائي (8/ 61).
* * *
ــ
قلت: يمكن أن يُحمل حديث سهل وأنس على أن الذي همَّ به النبي صلى الله عليه وسلم من طعن المطلع على الخصوص ببيت النبي صلى الله عليه وسلم لعظيم حرمته، وحرمة أهل بيته، غير أن حديث أبي هريرة يقتضي إباحة ذلك الطعن عامة في بيته، وبيت غيره، فإنَّه قال فيه:(من اطَّلع في بيتٍ قوم بغير إذنهم فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه) فإذًا هذا الحكم ليس مخصوصًا به.
و(قوله: فقد حل لهم أن يفقؤوا عينه) نصٌّ في الإباحة والتحليل، وعلى هذا: فلا يلزم ضمان، ولا دية إذا وقع ذلك. ولا يستبعد هذا من الشرع، فإنه عقوبة على جناية سابقة، غير أن هذا خرج مخرج التعزيرات، لا مخرج الحدود، ألا ترى قوله:(فقد حل) ولم يقل: فقد وجب. وإنما مقصود هذا الحديث إسقاط القود، والمؤاخذة بذلك إن وقع ذلك.
و(قوله: لو أن رجلا اطَّلع عليك بغير إذنٍ، وفقأت عينه ما كان عليك من حرج) ظاهر قوي في الذي قرَّرناه، ويفيد أيضًا أن هذا الحكم جارٍ فيمن اطَّلع على عورة الإنسان، وإن لم يكن من باب. فإنَّ قوله: اطَّلع عليك، يتناول كل