المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

قَصعَتَينِ، فَأَكَلنَا مِنهُمَا أَجمَعُونَ وَشَبِعنَا، وَفَضَلَ فِي القَصعَتَينِ، فَحَمَلتُهُ عَلَى البَعِيرِ. أَو كَمَا قَالَ.

رواه أحمد (1/ 197)، والبخاريُّ (2618)، ومسلم (2056).

* * *

(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

ة

[1944]

عن عَبد الرَّحمَنِ بن أَبِي بَكرٍ: أَنَّ أَصحَابَ الصُّفَّةِ كَانُوا نَاسًا فُقَرَاءَ، وَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ مَرَّةً: مَن كَانَ عِندَهُ طَعَامُ اثنَينِ فَليَذهَب بِثَلَاثَةٍ، وَمَن كَانَ عِندَهُ طَعَامُ أَربَعَةٍ فَليَذهَب بِخَامِسٍ، بِسَادِسٍ. أَو

ــ

و(الصُّفة): سقيفة المسجد، كانت منزلًا للغرباء والمهاجرين، وكانوا ضيف الإسلام، وكانوا يحتطبون في النهار، ويسوقون الماء لأبيات رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويقرؤون القرآن بالليل، ويصلُّون. هكذا وصفهم البخاري وغيره.

و(قوله: من كان عنده طعام اثنين فليذهب بثلاثة) هكذا صحَّت الرواية فيه عن جميع رواة مسلم. والصواب: (بثالث) لأن البخاري ذكره: بثالث؛ ولأن بقية الحديث تدل عليه؛ إذ قال: (ومن كان عنده طعام أربعة فليذهب بخامس، بسادس) ولأنه إن حمل على ظاهره فسد المعنى، وذلك: أن الذي عنده طعام اثنين إذا أكله في خمسة لم يكف أحدًا منهم، فلا يرد جوعًا، ولا يمسك لأحدهم رمقًا. فاقتصار الاثنين على طعامهما كان أصلح؛ لأنَّه كان يرد جوعهما، ويمسك رمقهما، وذلك بخلاف الواحد فإنَّه يتحمل الاثنان أكله، ولا يجحف بهما، ونحو ذلك في تشريك الاثنين في طعام الأربعة لا يجحف بهم، وكذلك الخامس بسادس

ص: 336

كَمَا قَالَ: وَإِنَّ أَبَا بَكرٍ جَاءَ بِثَلَاثَةٍ، وَانطَلَقَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِعَشَرَةٍ، وَأَبُو بَكرٍ بِثَلَاثَةٍ، قَالَ: فَهُوَ وَأَنَا وَأَبِي وَأُمِّي، وَلَا أَدرِي هَل قَالَ: وَامرَأَتِي وَخَادِمٌ بَينَ بَيتِنَا وَبَيتِ أَبِي بَكرٍ. قَالَ: وَإِنَّ أَبَا بَكرٍ تَعَشَّى عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ لَبِثَ حَتَّى صُلِّيَت العِشَاءُ، ثُمَّ رَجَعَ فَلَبِثَ حَتَّى نَعَسَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَجَاءَ بَعدَمَا مَضَى مِن اللَّيلِ مَا شَاءَ اللَّهُ. قَالَت لَهُ امرَأَتُهُ: مَا حَبَسَكَ عَن أَضيَافِكَ؟ أَو قَالَت: ضَيفِكَ. قَالَ: أَوَمَا عَشَّيتِهِم؟ قَالَت: أَبَوا حَتَّى تَجِيءَ، فَقَد عَرَضُوا عَلَيهِم فَغَلَبُوهُم. قَالَ: فَذَهَبتُ أَنَا فَاختَبَأتُ، وَقَالَ: يَا غُنثَرُ، فَجَدَّعَ وَسَبَّ، وَقَالَ: كُلُوا، لَا هَنِيئًا، وَقَالَ: وَاللَّهِ لَا أَطعَمُهُ أَبَدًا. قَالَ: فَايمُ اللَّهِ،

ــ

لمن كان عنده طعام أربعة. وفي ذلك كانت المواساة واجبة لشدَّة الحال. والحكم كذلك مهما وقعت شدَّة بالمسلمين، والله الكافي والواقي.

و(قوله: يا غنثر! فجدَّع، وسبَّ) هو بضم الغين المعجمة، وفتح الثاء المثلثة وضمها. وهو: الجاهل. مأخوذ من الغثارة، وهي: الجهل. وقيل: من الغثر، وهو: اللوم. وعلى هذين: فالنون فيه زائدة. قال: كسراع الغنثر: ذباب أزرق.

قلت: والحاصل: أنها كلمة ذمّ وتنقيص.

وقد روى الخطابي هذا الحرف بالعين المهملة، والتاء باثنتين من فوقها، وقال: هو الذباب؛ تحقيرًا له. وقيل: هو الأزرق منه.

و(قوله: جدَّع) أي: دعا عليه بالجدع، وهو قطع الأنف. وقال أبو عمرو الشيباني: معناه: سبَّ. يقال: جادعته مجادعة: ساببته.

قلت: وهذا فيه بُعدٌ؛ لقوله: (جدَّع وسبَّ)، فلو كان كما قال لكان تكرارًا لا فائدة له. والأول أصوب.

وكل ذلك أبرزه من أبي بكر الصديق رضي الله عنه على عبد الرحمن ظن: أنه فرط في الأضياف، فلما تبين له: أنه لم يكن منه

ص: 337

مَا كُنَّا نَأخُذُ مِن لُقمَةٍ إِلَّا رَبَا مِن أَسفَلِهَا أَكثَرَ مِنهَا، قَالَ: حَتَّى شَبِعنَا، وَصَارَت أَكثَرَ مِمَّا كَانَت قَبلَ ذَلِكَ، فَنَظَرَ إِلَيهَا أَبُو بَكرٍ فَإِذَا هِيَ كَمَا هِيَ أَو أَكثَرُ. قَالَ لِامرَأَتِهِ: يَا أُختَ بَنِي فِرَاسٍ، مَا هَذَا؟ قَالَت: لَا وَقُرَّةِ عَينِي،

ــ

تفريط، وأنَّه إنما كان ذلك امتناعًا من الأضياف: أدَّبهم بقوله لهم: (لا هنيئًا). وحلف لا يطعمه. وذلك: أن هؤلاء الأضياف تحكموا على ربِّ المنزل بالحضور معهم، وقالوا: لا نأكل حتى يحضر أبو منزلنا، فنكدوا على أهل المنزل. ولا يلزم حضور ربِّ المنزل مع الضيف إذا أحضر ما يحتاجون إليه، فقد يكون في مهم من أشغاله لا يمكنه تركه، فهذا منهم جفاء. لكن حملهم على ذلك: صدق رغبتهم في التبرُّك بمؤاكلته، وحضوره معهم. فأبوا حتى يجيء، وانتظروه، فجاء فصدر منه ذلك، فتكدَّر الوقت، وتشوش الحال عليهم أجمعين. وكانت نزغة شيطان، فأزال الله تعالى ذلك النكد بما أبداه من الكرامة، والبركة في ذلك الطعام، فعاد ذلك النكد سرورًا، وانقلب الشيطان مدحورًا، وعند ذلك عاد أبو بكر رضي الله عنه إلى مكارم الأخلاق، فأحنث نفسه، وأكل مع أضيافه، وطيَّب قلوبهم، وحصل مقصودهم لقوله صلى الله عليه وسلم:(من حلف على يمين فرأى غيرها خيرًا منها فليكفر عن يمينه وليأت الذي هو خير)(1).

وقول أبي بكر لامرأته - وهي: أم رومان -: (يا أخت بني فراس! ) هو ابن غنم بن مالك بن كنانة، وهي من ولده.

وقولها في جواب أبي بكر: (لا، وقرَّة عيني لهي الآن أكثر) أي: ما نقصت شيئًا، بل زادت. فحذفت اختصارًا؛ قاله عياض.

قلت: والأولى أن يقال: إنها أقسمت بما رأت من قرة عينها بكرامة الله

(1) رواه أحمد (2/ 185 و 211)، والنسائي (7/ 15)، وابن ماجه (2111).

ص: 338

لَهِيَ الآنَ أَكثَرُ مِنهَا قَبلَ ذَلِكَ بِثَلَاثِ مِرَارٍ. قَالَ: فَأَكَلَ مِنهَا أَبُو بَكرٍ، وَقَالَ: إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ مِن الشَّيطَانِ، يَعنِي يَمِينَهُ، ثُمَّ أَكَلَ مِنهَا لُقمَةً، ثُمَّ حَمَلَهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَصبَحَت عِندَهُ، قَالَ: وَكَانَ بَينَنَا وَبَينَ قَومٍ عَقدٌ فَمَضَى الأَجَلُ، فَعَرَّفنَا اثنَي عَشَرَ رَجُلًا منهم، مَعَ كُلِّ رَجُلٍ مِنهُم أُنَاسٌ، اللَّهُ أَعلَمُ كَم مَعَ كُلِّ رَجُلٍ، قَالَ: إِلَّا أَنَّهُ بَعَثَ مَعَهُم فَأَكَلُوا مِنهَا أَجمَعُونَ. أَو كَمَا قَالَ.

رواه أحمد (1/ 197)، والبخاريُّ (3581)، ومسلم (2057)(176).

[1945]

وعنه؛ قَالَ: نَزَلَ عَلَينَا أَضيَافٌ لَنَا. قَالَ: وَكَانَ أَبِي يَتَحَدَّثُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن اللَّيلِ. فَانطَلَقَ، وَقَالَ: يَا عَبدَ الرَّحمَنِ، افرُغ مِن أَضيَافِكَ. قَالَ: فَلَمَّا أَمسَيتُ جِئنَا بِقِرَاهُم، قَالَ: فَأَبَوا، فَقَالَوا: حَتَّى يَجِيءَ أَبُو مَنزِلِنَا، فَيَطعَمَ مَعَنَا، قَالَ: فَقُلتُ: إِنَّهُ رَجُلٌ حَدِيدٌ، وَإِنَّكُم إِن لَم تَفعَلُوا خِفتُ أَن يُصِيبَنِي مِنهُ أَذًى. قَالَ: فَأَبَوا، فَلَمَّا جَاءَ لَم يَبدَأ بِشَيءٍ أَوَّلَ مِنهُم،

ــ

تعالى لزوجها، وافتتحت الكلام بـ (لا) الزائدة (1). كقوله تعالى:{لا أُقسِمُ بِيَومِ القِيَامَةِ} وما في معناه، وكقول الشاعر (2):

فلا وأبيك ابنةَ العامري

لا يدَّعي القومُ أني أَفِرّ

و(قرَّة العين): ما يسر به الإنسان، مأخوذ من القرّ، وهو: البرد، وقد تقدَّم ذلك.

و(قوله: فعرَّفنا اثني عشر رجلًا) مشدَّد الراء من عرفنا؛ أي: جعلنا عرفاء؛ أي: نقباء على قومهم، وسُمُّوا بالعرفاء: لأنَّهم: يعرفون الإمام بأحوال جماعتهم. وسُمُّوا بالنقباء: لأنهم ينقبون عن أخبار أصحابهم. والله تعالى أعلم.

(1) في (ع) و (ل): النافية الزائدة.

(2)

هو امرؤ القيس.

ص: 339

فَقَالَ: أَفَرَغتُم مِن أَضيَافِكُم؟ قَالَ: قَالَوا: لَا وَاللَّهِ مَا فَرَغنَا، قَالَ: أَلَم آمُر عَبدَ الرَّحمَنِ؟ قَالَ: وَتَنَحَّيتُ عَنهُ، فَقَالَ: يَا عَبدَ الرَّحمَنِ، قَالَ: فَتَنَحَّيتُ، قَالَ: فَقَالَ: يَا غُنثَرُ، أَقسَمتُ عَلَيكَ إِن كُنتَ تَسمَعُ صَوتِي إِلَّا جِئتَ. قَالَ: فَجِئتُ فَقُلتُ: وَاللَّهِ مَا لِي ذَنبٌ، هَؤُلَاءِ أَضيَافُكَ فَسَلهُم، قَد أَتَيتُهُم بِقِرَاهُم فَأَبَوا أَن يَطعَمُوا حَتَّى تَجِيءَ. قَالَ: فَقَالَ: مَا لَكُم أَلَا تَقبَلُوا عَنَّا قِرَاكُم؟ قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: فَوَاللَّهِ لَا أَطعَمُهُ اللَّيلَةَ. قَالَ: فَقَالَوا: فَوَاللَّهِ لَا نَطعَمُهُ حَتَّى تَطعَمَهُ. قَالَ: فقال: مَا رَأَيتُ كَالشَّرِّ كَاللَّيلَةِ قَطُّ. وَيلَكُم، مَا لَكُم أَلَا تَقبَلُوا عَنَّا قِرَاكُم؟ قَالَ: ثُمَّ قَالَ: أَمَّا الأُولَى مِن الشَّيطَانِ، هَلُمُّوا قِرَاكُم. قَالَ: فَجِيءَ بِالطَّعَامِ فَسَمَّى فَأَكَلَ وَأَكَلُوا. قَالَ: فَلَمَّا أَصبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَرُّوا وَحَنِثتُ، قَالَ: فَأَخبَرَهُ فَقَالَ: أَنتَ أَبَرُّهُم وَأَخيَرُهُم. قَالَ: وَلَم تَبلُغنِي كَفَّارَةٌ.

ــ

وقول أبي بكر: (ما لكم ألا تقبلوا عنا قراكم) قال عياض: بتخفيف اللام على التحضيض واستفتاح الكلام عند الجمهور.

قلت: ويلزم على هذا ثبوت النون من (تقبلون) إذ لا موجب لحذفها مع الاستفتاح.

و(ما لكم؟ ): استفهام إنكار. وعند ابن أبي جعفر بتشديدها على زيادة (لا)، كما قال تعالى:{قَالَ مَا مَنَعَكَ أَلا تَسجُدَ إِذ أَمَرتُكَ} و {مَا لَكَ أَلا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ}

وقول أبي بكر: (بَرُّوا وحنثت) يعني بذلك: أضيافه؛ لأنَّهم لم يأكلوا حتى أكل معهم، فبرُّوا في يمينهم، وحنث هو في يمينه، حيث أكل معهم.

وقوله صلى الله عليه وسلم: (أنت أبَرُّهم، وأخيرهم) أي: أحقهم بذلك في هذه القصة،

ص: 340

رواه أحمد (1/ 197 - 198)، والبخاريُّ (6140)، ومسلم (2057)(177)، وأبو داود (3271).

[1946]

وعن جَابِر بن عَبدِ اللَّهِ قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: طَعَامُ الوَاحِدِ يَكفِي الِاثنَينِ، وَطَعَامُ الِاثنَينِ يَكفِي الأَربَعَةَ، وَطَعَامُ الأَربَعَةِ يَكفِي الثَّمَانِيَةَ.

رواه أحمد (3/ 382)، ومسلم (2059)، والترمذي (1820)، وابن ماجه (3254).

[1947]

وفي الباب عن أبي هريرة؛ ولم يذكر الثمانية.

رواه البخاريُّ (5392)، ومسلم (2058)، والترمذيُّ (1821).

* * *

ــ

ومطلقًا. وقد أتى بـ (أخيرهم) على الأصل المطرح. وتأمل ما فيه من أبواب الفقه.

* * *

ص: 341