الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك
[2118]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم عَبدِي وَأَمَتِي، كُلُّكُم عَبِيدُ اللَّهِ، وَكُلُّ نِسَائِكُم إِمَاءُ اللَّهِ، وَلَكِن لِيَقُل: غُلَامِي وَجَارِيَتِي، وَفَتَايَ وَفَتَاتِي.
رواه أحمد (2/ 316)، والبخاريُّ (2552)، ومسلم (2249)، وأبو داود (4975 و 4976).
[2119]
وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَقُولن أَحَدُكُم: اسقِ رَبَّكَ، أَطعِم رَبَّكَ، وَضِّئ رَبَّكَ، وَلَا يَقُل أَحَدُكُم: رَبِّي، وَليَقُل: سَيِّدِي ومَولَايَ، وَلَا يَقُل أَحَدُكُم: عَبدِي، أَمَتِي، وَليَقُل: فَتَايَ، فَتَاتِي، غُلَامِي.
ــ
وحظرٍ، بل: نهي أدبٍ وحضٍّ. ثم خاطبهم أحيانًا بما فهم عنهم من صحة استعمالهم له في لغتهم، وعلى غير الوجه المذموم. وقد تقدَّم: أنه يقال على المالك والسَّيد: ربٌّ. وأن أصله من: ربَّ الشيءَ والولد، يربُّه، وربَّاه، يُرَبِّيه: إذا قام عليه بما يُصلحه، وُيكمِّله. فهو: ربٌّ، ورابٌّ. ولما كان ابتداءُ التربية، وكمالها من الله تعالى بالحقيقة، لا من غيره: كان الأولى بالإنسان ألا ينسب تربية نفسه إلا إلى مَن إليه الربوبية الحقيقية، وهو الله تعالى، فإن فَعَل ذلك؛ كان متجوِّزًا في اللفظ، مخالفًا للأولى، كما تقدَّم.
و(قوله: ولا يقل أحدُكم: ربِّي، وليقل: سيِّدي ومولاي) هذا اللفظُ متفقٌ عليه عند أكثر الرواة. وفي الأمِّ من رواية أبي سعيدٍ الأشجِّ، وأبي معاوية عن الأعمش مرفوعًا:(ولا يقل العبدُ لسيِّده: مولاي)(1) وانفرد أبو معاوية؛ فزاد:
(1) رواه مسلم (2249)(14).
وفي رواية: لَا يَقُولَنَّ أَحَدُكُم عَبدِي، فَكُلُّكُم عَبِيدُ اللَّهِ، وَلَكِن
ــ
(وإن الله مولاكم) وقد رواه عن الأعمش جرير، ولم يذكر ذلك. وقد روي من طرق متعددة مشهورة، وليس ذلك مذكورًا فيها، بل: اللفظ الأول؛ فظهر بهذا: أن اللفظ الأول أرجح. وإنما صرنا للترجيح للتعارض بين الحديثين، فإنَّ الأول يقتضي إباحة قول العبد: مولاي. والثاني يقتضي منعه من ذلك، والجمع متعذر، والعلم بالتاريخ مفقود، فلم يَبقَ إلا الترجيح؛ كما ذكرناه، والله تعالى أعلم.
وأمره صلى الله عليه وسلم بأن يقول: غلامي، وفتاي، وفتاتي، وجاريتي: إنَّما كان لأن هذه الألفاظ تنطلق على الحر والعبد، وليس فيها من معنى الملك، ولا من التعاظم شيء مما في: عبدي، وأمتي. وأصل الفتوة: الشباب، وهو من الفتاء - بالمد - ثم قد استعمل الفتى فيمن كملت فضائله، ومكارمه، كما قالوا: لا فتًى إلا علي. ومن هذا أخذ الصُّوفيَّة الفتوة المتعارفة بينهم. وأصل الغلوميَّة في بني آدم، وهي للصغير، فينطلق على الصغير اسم غلام من حين يولد إلى أن يبلغ، فينقطع عنه ذلك الاسم، وكذلك: الجارية في النِّساء.
تنبيه: إذا أطلق (ربّ) على غير الله تعالى فإنما يطلق مضافًا، فيقال: ربُّ الدَّار، وربُّ الفرس. ولا يطلق وفيه الألف واللام إلا إذا أريد به الله تعالى، قاله الجوهري، وغيره.
و(قوله: ولا يقل العبد: ربِّي، وليقل: سيِّدي) إنما فرَّق بينهما: لأن الربَّ من أسماء الله تعالى المستعملة بالاتفاق. واختلف في السَّيِّد؛ هل هو من أسماء الله تعالى أم لا؟ فإذا قلنا: ليس من أسمائه فالفرق واضح؛ إذ لا التباس، ولا إشكال يلزم من إطلاقه، كما يلزم من إطلاق الرَّبِّ. وإذا قلنا: إنه من أسمائه؛ فليس في الشهرة والاستعمال كلفظ: الربِّ؛ فيحصل الفرق بذلك. وأما من حيث اللغة: فالربُّ مأخوذٌ مما ذكرناه، والسَّيِّد من السؤدد، وهو التقدُّم. يقال: ساد قومه: إذا تقدَّمهم، ولا شكَّ في تقدُّم السَّيِّد على غلامه، فلما حصل الافتراق جاز
لِيَقُل: فَتَايَ، وَلَا يَقُل العَبدُ: رَبِّي، وَلَكِن لِيَقُل: سَيِّدِي.
رواه مسلم (2249)(14 و 15).
* * *
ــ
الإطلاق، ويجري مجرى ما ذكر قوله صلى الله عليه وسلم:(لا يقل أحدكم: خبثت نفسي، وليقل: لقِسَت) قال أبو عبيد: معنى لقست وخبثت واحد، لكن كره لفظ الخبث، وشناعة اللفظ، وعلَّمهم الأدب في المنطق. وقال الأصمعي: لقست نفسي؛ أي: غثت. وقال ابن الأعرابي: ضاقت. ولا يعترض هذا بقوله صلى الله عليه وسلم: (فأصبح خبيث النفس كسلان) لأنَّ محل النهي أن يضيف المتكلم الخبث إلى نفسه، لا أن يتكلم بالخبث مطلقًا، فإذا أخبر به عن غير معيَّن جاز، ولا سيما في معرض التحذير والذم للكسل والتثاقل عن الطاعات، كما قد جاء في هذا الحديث. ومن أوضح ما في هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم حين سُئل عن العقيقة فقال:(لا أحبُّ العقوق، ولكن: إذا أحبَّ أحدكم أن ينسك عن ولده بشاةٍ فليفعل)(1) فكره اسم العقوق.
قلت: ومقصود الشرع الإرشاد إلى تعرُّف مواقع الألفاظ، واستعمال الأولى منها والأحسن ما أمكن من غير إيجاب ذلك، واجتناب المشترك من الألفاظ، وما يستكره منها، وما لا تواضع فيه، كعبدي وأمتي، من غير تحريم ذلك، ولا تحريجه. والله تعالى أعلم.
* * *
(1) رواه أحمد (2/ 194).