الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين
[2043]
عَن أَنَسٍ قَالَ: نَادَى رَجُلٌ رَجُلًا بِالبَقِيعِ: يَا أَبَا القَاسِمِ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي لَم أَعنِكَ، إِنَّمَا دَعَوتُ فُلَانًا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: تَسَمَّوا بِاسمِي، وَلَا تَكَنَّوا بِكُنيَتِي.
رواه أحمد (2/ 248)، والبخاريُّ (3539)، ومسلم (2134)، وأبو داود (4965)، والترمذيُّ (2844)، وابن ماجه (3735).
ــ
(2)
ومن باب تسمَّوا باسمي ولا تكتنوا بكنيتي
قوله صلى الله عليه وسلم: (تسمَّوا باسمي، ولا تكنوا بكنيتي) صدر هذا القول عن النبي صلى الله عليه وسلم مرات؛ فعلى حديث أنس إنما قاله حين نادى رجل: يا أبا القاسم! فالتفت النبي صلى الله عليه وسلم، فقال الرجل: لم أعنك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم ذلك القول. وهذه حالة تنافي الاحترام، والتعزير المأمور به، فلمَّا كانت الكناية بأبي القاسم تؤدي إلى ذلك نهى عنها. ويتأيد هذا المعنى بما نقل: أنَّ اليهود كانت تناديه بهذه الكناية إزراءً، ثم تقول: لم أعنك. فحسم الذريعة بالنَّهي. فإن قيل: فيلزم على هذا: أن تُمنع التَّسمية بمحمد، وقد فرَّق بينهما، فأجازه في الاسم، ومنعه في الكناية.
فالجواب: أنَّه لم يكن أحدٌ من الصحابة يجترئ أن يناديه باسمه؛ إذ الاسم لا توقير بالنداء به، بخلاف الكناية فإنَّ في النداء بها احترامًا وتوقيرًا، وإنما كان يناديه باسمه أجلاف العرب، ممن لم يؤمن، أو آمن ولم يرسخ الإيمان في قلبه، كالذين نادوه من وراء الحجرات: يا محمد! اخرج لنا. فأنزل الله تعالى فيهم: {إِنَّ الَّذِينَ يُنَادُونَكَ مِن وَرَاءِ الحُجُرَاتِ أَكثَرُهُم لا يَعقِلُونَ} فمنعت الذريعة فيما كانوا ينادونه به، وأبيح ما لم يكونوا ينادونه به. وعلى هذا المعنى فيكون النهي عن
[2044]
وعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ فَسَمَّاهُ مُحَمَّدًا، فَقُلنَا: لَا نَكنيكَ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى تَستَأمِرَهُ. قَالَ: فَأَتَاهُ فَقَالَ: إِنَّهُ وُلِدَ لِي غُلَامٌ فَسَمَّيتُهُ بِرَسُولِ اللَّهِ، وَإِنَّ قَومِي أَبَوا أَن يَكنُونِي بِهِ حَتَّى تَستَأذِنَ رَسُولَ اللَّه. فَقَالَ: تسَمَّوا بِاسمِي، وَلَا تَكَنَّوا بِكُنيَتِي، فَإِنَّمَا بُعِثتُ قَاسِمًا أَقسِمُ بَينَكُم.
ــ
ذلك مخصوصًا بحياته. وقد ذهب إلى ذلك بعض أهل العلم. وقد رُوي: أن عليًّا رضي الله عنه قال: يا رسول الله! إن وُلد بعدك غلامٌ أَأُسَمِّيه باسمك، وأكنِّيه بكنيتك؟ . قال:(نعم)(1).
وأما حديث جابر فيقتضي: أن النهي عن ذلك إنما كان لأن ذلك الاسم لا يصدق على غيره صدقه عليه، ولذلك قال متصلًا بقوله:(تسمَّوا باسمي، ولا تكتنوا بكنيتي، فإني أنا أبو القاسم أقسم بينكم) وفي الرواية الأخرى: (فإنما بعثت إليكم قاسِمًا) يعني: أنه هو الذي يبين قسم الأموال في المواريث، والغنائم، والزكوات، والفيء، وغير ذلك من المقادير، فيُبلِّغ عن الله حكمه، ويبيِّن قسمه. وليس ذلك لأحدٍ، إلا له، فلا يطلق هذا الاسم في الحقيقة إلا عليه.
وعلى هذا التأويل الثاني: فلا يكتني أحدٌ بأبي القاسم، لا في حياته، ولا بعد موته. وإلى هذا ذهب بعض السَّلف، وأهل الظاهر، وزادت طائفة أخرى من السَّلف منع التسمية بالقاسم؛ لئلا يكنى أبوه بأبي القاسم. وذهبت طائفة ثالثة من السلف أيضًا: إلى أن الممنوع إنما هو الجمع بين اسمه وكنيته. واستدلوا على ذلك بما رواه الترمذي عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى أن يجمع أحدٌ بين اسمه وكنيته، ويسمِّي محمدًا أبا القاسم) (2) قال: حديث حسن صحيح. وعلى هذا
(1) رواه أبو داود (4967)، والترمذي (2846).
(2)
رواه الترمذي (2841).
وفي رواية: فإني أنا أبو القاسم أقسم بينكم.
رواه البخاريُّ (3538)، ومسلم (2133)(3 و 4 و 5)، وأبو داود (4965)، والترمذي (2845)، وابن ماجه (3736).
[2045]
وعنه: أَنَّ رَجُلًا مِن الأَنصَارِ وُلِدَ لَهُ غُلَامٌ فَأَرَادَ أَن يُسَمِّيَهُ مُحَمَّدًا، فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ فَقَالَ: أَحسَنَت الأَنصَارُ، سَمُّوا بِاسمِي وَلَا تَكتَنُوا بِكُنيَتِي.
رواه مسلم (2133)(6).
ــ
فيجوز أن يكتني بأبي القاسم من لم يكن اسمه محمدًا. وذهب الجمهور من السلف والخلف، وفقهاء الأمصار: إلى جواز كل ذلك، فله أن يجمع بين اسمه وكنيته، وله أن يسمي بما شاء من الاسم والكنية بناء على أن كل ما تقدَّم إما منسوخ، وإما مخصوص به صلى الله عليه وسلم واحتجوا على ذلك بما رواه الترمذي وصححه من حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وبما رواه أبو داود عن عائشة رضي الله عنها قالت: جاءت امرأة إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: يا رسول الله! إني ولدتُ غلامًا فسميته: محمدًا، وكنيته بأبي القاسم، فذكر لي أنك تكره ذلك. فقال:(ما الذي أحل اسمي وحرَّم كُنيتي؟ ! ) أو: (ما الذي حرم كُنيتي وأحل اسمي؟ ! )(1) ويتأيَّد النَّسخ بما ثبت (2): أن جماعة كثيرة من السَّلف وغيرهم سمُّوا أولادهم باسمه، وكنّوهم بكنيته جمعًا وتفريقًا. وكأن هذا كان أمرًا معروفًا معمولًا به في المدينة وغيرها. فقد صارت أحاديث الإباحة أولى؛ لأنَّها:
إما ناسخة لأحاديث المنع، وإما مرجحة بالعمل المذكور، والله تعالى أعلم.
وقد شذَّت طائفة فمنعوا التسمية بمحمد جملة متمسكين بذلك بما يروى عن
(1) رواه أبو داود (4968).
(2)
زيادة من (ز).
[2046]
وعنه: وُلِدَ لِرَجُلٍ مِنَّا غُلَامٌ؛ فَسَمَّاهُ القَاسِمَ، فَقُلنَا: لَا نَكنِيكَ أَبَا القَاسِمِ، وَلَا نُنعِمُكَ عَينًا. فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: أَسمِ ابنَكَ عَبدَ الرَّحمَنِ.
رواه مسلم (2133)(7).
ــ
النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (تسمُّون أولادكم محمدًا، ثم تلعنونهم)(1) وبما كتب عمر رضي الله عنه إلى الكوفة من قوله: (لا تسمُّوا أحدًا باسم نبي)(2) وبأمره جماعة بالمدينة بتغيير أسماء أبنائهم محمدًا، ولا حجَّة في شيء من ذلك. أما الحديث: فغير معروف عند أهل النقل، وعلى تسليمه فمقتضاه النهي عن لعن من اسمه محمد (3)، لا عن التسمية به. وقد قدَّمنا النصوص الدالة على إباحة التسمية بذلك، بل: قد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تدلُّ على الترغيب، في التسمية بمحمد؛ كقوله صلى الله عليه وسلم:(ما ضرَّ أحدكم أن يكون في بيته محمد، ومحمدان)(4) وكقوله صلى الله عليه وسلم: (ما اجتمع قوم في مشورة فيهم رجل اسمه محمد فلم يدخلوه فيها إلا لم يبارك لهم فيها)(5) ومثله كثير. وأما أمر عمر رضي الله عنه: فكان بسبب: أنه سمع رجلًا يقول لابن أخيه محمد بن زيد بن الخطاب: فعل الله بك يا محمد، وصنع بك. فدعا عمر به، وقال: ألا أرى رسول الله صلى الله عليه وسلم يُسبُّ بك! والله! لا تدعى
(1) رواه البزار كما في كشف الأستار (1987)، وأبو يعلى (3386). وانظر: مجمع الزوائد (8/ 48).
(2)
رواه أبو جعفر الطبري كما في "الشفا" للقاضي عياض (4702).
(3)
وكذا اللعن منهيٌّ عنه بشكلل عام أيًّا كان الاسم.
(4)
رواه ابن سعد في الطبقات (5/ 38).
(5)
ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (1/ 156). قال ابن عدي: هذا حديث غير محفوظ، وأحمد الشامي هو عندي ابن كنانة، وهو منكر الحديث. قال أبو عروبة: وعثمان الطرائفي عنه عجائب، يروي عن مجهولين.
[2047]
وعَن المُغِيرَةِ بنِ شُعبَةَ قَالَ: لَمَّا قَدِمتُ نَجرَانَ سَأَلُونِي فَقَالَوا: إِنَّكُم تَقرَءُونَ: يَا أُختَ هَارُونَ، وَمُوسَى قَبلَ عِيسَى بِكَذَا وَكَذَا. فَلَمَّا قَدِمتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سَأَلتُهُ عَن ذَلِكَ. فَقَالَ: إِنَّهُم كَانُوا يُسَمُّونَ بِأَنبِيَائِهِم وَالصَّالِحِينَ قَبلَهُم.
رواه مسلم (2135)، والترمذي (3154).
* * *
ــ
محمدًا أبدًا، وعند ذلك - والله تعالى أعلم - كتب لأهل الكوفة، وأمر أهل المدينة بما سبق، ثم إنه ذكر له جماعة سمَّاهم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك. فترك الناس من ذلك (1).
تنبيه: الأصل في الكناية أن يكون للرجل ابن فيُكنى باسم ابنه ذلك، ولذلك كني النبي صلى الله عليه وسلم بأبي القاسم، فإنَّه كان له ولدٌ يسمى: القاسم من خديجة رضي الله عنها، وكأنه كان أوَّل ذكور أولاده. وعلى هذا: فلا ينبغي أن لا يكنى أحدٌ حتى يكون له ولدٌ يُكنى باسمه، لكن: قد أجاز العلماء خلاف هذا الأصل، فكنَّوا من ليس له ولدٌ، لحديث عائشة رضي الله عنها؛ أنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم: كلُّ صواحباتي لهن كنى، وليس لي كنية، فقال:(اكتني بابن أختك عبد الله) فكانت تكتني بأمِّ عبد الله (2). وقد كنَّى النبي صلى الله عليه وسلم الصغير، فقال:(يا أبا عمير! ما فعل النُّغير (3)) وقد قال عمر رضي الله عنه: عجلوا بكنى أبنائكم وأولادكم (4)؛ لا تسرع إليهم ألقاب السَّوء.
وحديث المغيرة يدلُّ: على أن مريم صلوات الله عليها؛ إنما سُميت أخت
(1) رواه محمد بن سعد كما في الشفا (2/ 470).
(2)
رواه البخاري في الأدب المفرد (850 و 851)، وابن سعد (8)(63 و 64)، والطبراني (23/ 36 و 37).
(3)
رواه أحمد (3/ 212)، والبخاري (6203)، ومسلم (659)، والترمذي (333).
(4)
ليست في (ج 2).