المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

[1767]

عَن عَبدِ اللَّهِ - هو ابن مسعود - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ،

ــ

(6)

ومن باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث

(قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنَّفس بالنَّفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة) الثيب هنا: المحصن. وهو اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى. وهو حجَّة على ما اتفق المسلمون عليه: من أن حكم الزاني المحصن الرَّجم. وسيأتي شروط الإحصان، وبيان أحكام الرَّجم.

و(قوله: النفس بالنَّفس) موافق لقوله تعالى: {وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} ويعني به: النفوس المتكافئة في الإسلام، والحرِّيَّة؛ بدليل قوله:(لا يقتل مسلم بكافر)(1) خرَّجه البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو حجَّة للجمهور من الصَّحابة، والتابعين على من خالفهم، وقال: يقتل المسلم بالذمي. وهم أصحاب الرأي، والشَّعبي، والنَّخعي، ولا يصحُّ لهم ما رووه من حديث ربيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر (2)؛ لأنَّه

(1) رواه البخاري (6903).

(2)

رواه أبو داود في المراسيل (250)، والشافعي في المسند (2/ 159 - 160)، والبيهقي (8/ 30)، والدارقطني (3/ 135)، وعبد الرزاق في المصنف (18514). قال الدارقطني والصواب عن ربيعة، عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله؟ .

ص: 38

وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ

ــ

منقطع، ومن حديث ابن البيلماني، وهو ضعيف، ولا يصحُّ في الباب إلا حديث البخاري المتقدم.

وأما الحرية فشرط في التكافؤ، فلا يقتل حر بعبد عند مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وهو قول الحسن، وعطاء، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز؛ محتجِّين في ذلك: بأن العبد لما كان مالًا متقوَّمًا كان كسائر الأموال إذا تلفت؛ فإنما يكون فيها قيمة المتلف بالغة ما بلغت، والحرُّ ليس بمال بالاتفاق، فلا يكون كفؤًا للعبد، فلا يقتل به، ويغرم قيمته ولو فاقت على دية الحرِّ، ويجلد القاتل مائة، ويحبس عامًا عند مالك.

وذهبت طائفة أخرى: إلى أنَّه يُقتل به. وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والثوري، وأصحاب الرأي؛ محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم:(المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)(1)، وذهب النخعي، والثوري في أحد قوليه: إلى أنه يقتل به، وإن كان عبده، محتجين في ذلك بما رواه النسائي من حديث الحسن عن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه، ومن أخصاه خصيناه)(2). قال البخاري عن علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح. وأخذ بهذا الحديث. وقال البخاري: وأنا أذهب إليه. وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة.

و(قوله: التارك لدينه) يعني به: المرتد؛ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه)(3). وهذا الحديث يدل: على أن المرتد الذي يقتل هو الذي يبدل بدين الإسلام دين الكفر؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم استثناه من قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، ثم ذكرهم، وذكر منهم: التارك لدينه. وقد تقدم الكلام في الرِّدَّة، وأحكامها.

(1) رواه أبو داود (2751)، وابن ماجه (1683).

(2)

رواه النسائي (8/ 20 - 21).

(3)

رواه أحمد (1/ 282)، والبخاري (6922).

ص: 39

المُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ.

رواه أحمد (1/ 465)، ومسلم (1676)(25)، وأبو داود (4352)، والترمذي (1402)، والنسائي (8/ 13)، وابن ماجه (2534).

[1768]

وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُقتَلُ نَفسٌ ظُلمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفلٌ مِن دَمِهَا؛

ــ

و(قوله: المفارق للجماعة) ظاهره: أنَّه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه؛ لأنَّه إذا ارتد عن دين الإسلام، فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه (يلحق بهم)(1) في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسلمين، وإن لم يكن مرتدًّا، كالخوارج، وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحدِّ (2) عليهم، وقاتلوا عليه، وأهل البغي، والمحاربون، ومن أشبههم؛ فيتناولهم لفظ (المفارق للجماعة) بحكم العموم، وإن لم يكن كذلك لم يصحّ الحصر المذكور في أول الحديث الذي قال:(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، فلو كان المفارق للجماعة إنما يعني به: المفارقة بالرِّدَّة فقط لبقي من ذكرناه من المفارقين للجماعة بغير الردة لم يدخلوا في الحديث، ودماؤهم حلال بالاتفاق، وحينئذ لا يصحُّ الحصر، ولا يصدق، وكلام الشارع مُنَزَّهٌ عن ذلك؛ فدلَّ: على أن ذلك الوصف يعم جميع ذلك النوع، والله تعالى أعلم. وتحقيقه: أنَّ كلَّ من فارق الجماعة يصدق عليه: أنه بدَّل دينه، غير أن المرتدَّ بدَّل كلَّ الدِّين، وغيره من المفارقين بدَّل بعضه.

و(قوله: لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها) يدخل فيه بحكم عمومه نفس الذمِّي والمعاهد إذا قتلا ظلمًا؛ لأنَّ (نفسًا) نكرة في سياق النفي، فهي للعموم.

و(الكفل): الجزء والنصيب، كما قال تعالى: {وَمَن

(1) في (ل 1): يَدْخل.

(2)

في (ع) و (ل 1): الحق، والمثبت من (م) و (ج 2).

ص: 40

لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَن سَنَّ القَتلَ.

رواه أحمد (1/ 383)، والبخاري (3335)، ومسلم (1677)، والنسائي (7/ 82)، وابن ماجه (2616).

ــ

يَشفَع شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَهُ كِفلٌ مِنهَا}؛ أي: نصيب. وقال الخليل: الكفل من الأجر والإثم: الضعف.

و(قوله: لأنَّه أول من سنَّ القتل) نصٌّ على تعليل ذلك الأمر؛ لأنَّه لما كان أول من قتل كان قتله ذلك تنبيهًا لمن أتى بعده، وتعليمًا له. فمن قتل كأنَّه اقتدى به في ذلك، فكان عليه من وزره. وهذا جار في الخير والشَّرِّ؛ كما قد نصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم بقوله:(من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)(1). وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود؛ لأنَّه أول من عصى به. وهذا - والله أعلم - ما لم يتب ذلك القاتل الأول من تلك المعصية؛ لأنَّ آدم عليه السلام أول من خالف في أكل ما نهي عنه، ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه، ولا شربه ممن بعده بالإجماع؛ لأنَّ آدم عليه السلام تاب من ذلك، وتاب الله عليه، فصار كأن لم يجن؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والله تعالى أعلم.

وابن آدم المذكور هنا هو: قابيل، قتل أخاه هابيل لما تنازعا تزويج إقليمياء، فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا، فمن تقبل منه قربانه؛ كانت له. فتُقُبِّل قربان هابيل، فحسده قابيل، فقتله بغيًا وعدوانًا. هكذا حكاه أهل التفسير.

(1) رواه مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2676).

ص: 41