الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه
[1767]
عَن عَبدِ اللَّهِ - هو ابن مسعود - قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَحِلُّ دَمُ امرِئٍ مُسلِمٍ يَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَّا بِإِحدَى ثَلَاثٍ: الثَّيِّبُ الزَّانِي، وَالنَّفسُ بِالنَّفسِ،
ــ
(6)
ومن باب: لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث
(قوله صلى الله عليه وسلم: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث: الثيب الزاني، والنَّفس بالنَّفس، والتَّارك لدينه المفارق للجماعة) الثيب هنا: المحصن. وهو اسم جنس يدخل فيه الذكر والأنثى. وهو حجَّة على ما اتفق المسلمون عليه: من أن حكم الزاني المحصن الرَّجم. وسيأتي شروط الإحصان، وبيان أحكام الرَّجم.
و(قوله: النفس بالنَّفس) موافق لقوله تعالى: {وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} ويعني به: النفوس المتكافئة في الإسلام، والحرِّيَّة؛ بدليل قوله:(لا يقتل مسلم بكافر)(1) خرَّجه البخاري عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهو حجَّة للجمهور من الصَّحابة، والتابعين على من خالفهم، وقال: يقتل المسلم بالذمي. وهم أصحاب الرأي، والشَّعبي، والنَّخعي، ولا يصحُّ لهم ما رووه من حديث ربيعة: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل يوم خيبر مسلمًا بكافر (2)؛ لأنَّه
(1) رواه البخاري (6903).
(2)
رواه أبو داود في المراسيل (250)، والشافعي في المسند (2/ 159 - 160)، والبيهقي (8/ 30)، والدارقطني (3/ 135)، وعبد الرزاق في المصنف (18514). قال الدارقطني والصواب عن ربيعة، عن ابن البيلماني مرسل عن النبي صلى الله عليه وسلم. وابن البيلماني ضعيف لا تقوم به حجة إذا وصل الحديث، فكيف بما يرسله؟ .
وَالتَّارِكُ لِدِينِهِ
ــ
منقطع، ومن حديث ابن البيلماني، وهو ضعيف، ولا يصحُّ في الباب إلا حديث البخاري المتقدم.
وأما الحرية فشرط في التكافؤ، فلا يقتل حر بعبد عند مالك، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبي ثور. وهو قول الحسن، وعطاء، وعمرو بن دينار، وعمر بن عبد العزيز؛ محتجِّين في ذلك: بأن العبد لما كان مالًا متقوَّمًا كان كسائر الأموال إذا تلفت؛ فإنما يكون فيها قيمة المتلف بالغة ما بلغت، والحرُّ ليس بمال بالاتفاق، فلا يكون كفؤًا للعبد، فلا يقتل به، ويغرم قيمته ولو فاقت على دية الحرِّ، ويجلد القاتل مائة، ويحبس عامًا عند مالك.
وذهبت طائفة أخرى: إلى أنَّه يُقتل به. وإليه ذهب سعيد بن المسيب، والنخعي، والشعبي، وقتادة، والثوري، وأصحاب الرأي؛ محتجين بقوله صلى الله عليه وسلم:(المسلمون تتكافأ دماؤهم، ويسعى بذمتهم أدناهم)(1)، وذهب النخعي، والثوري في أحد قوليه: إلى أنه يقتل به، وإن كان عبده، محتجين في ذلك بما رواه النسائي من حديث الحسن عن سمرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه، ومن أخصاه خصيناه)(2). قال البخاري عن علي بن المديني: سماع الحسن من سمرة صحيح. وأخذ بهذا الحديث. وقال البخاري: وأنا أذهب إليه. وقال غيره: لم يسمع الحسن من سمرة إلا حديث العقيقة.
و(قوله: التارك لدينه) يعني به: المرتد؛ الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: (من بدَّل دينه فاقتلوه)(3). وهذا الحديث يدل: على أن المرتد الذي يقتل هو الذي يبدل بدين الإسلام دين الكفر؛ لأنَّه صلى الله عليه وسلم استثناه من قوله: (لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، ثم ذكرهم، وذكر منهم: التارك لدينه. وقد تقدم الكلام في الرِّدَّة، وأحكامها.
(1) رواه أبو داود (2751)، وابن ماجه (1683).
(2)
رواه النسائي (8/ 20 - 21).
(3)
رواه أحمد (1/ 282)، والبخاري (6922).
المُفَارِقُ لِلجَمَاعَةِ.
رواه أحمد (1/ 465)، ومسلم (1676)(25)، وأبو داود (4352)، والترمذي (1402)، والنسائي (8/ 13)، وابن ماجه (2534).
[1768]
وعنه، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تُقتَلُ نَفسٌ ظُلمًا إِلَّا كَانَ عَلَى ابنِ آدَمَ الأَوَّلِ كِفلٌ مِن دَمِهَا؛
ــ
و(قوله: المفارق للجماعة) ظاهره: أنَّه أتى به نعتًا جاريًا على التارك لدينه؛ لأنَّه إذا ارتد عن دين الإسلام، فقد خرج عن جماعتهم، غير أنه (يلحق بهم)(1) في هذا الوصف كل من خرج عن جماعة المسلمين، وإن لم يكن مرتدًّا، كالخوارج، وأهل البدع إذا منعوا أنفسهم من إقامة الحدِّ (2) عليهم، وقاتلوا عليه، وأهل البغي، والمحاربون، ومن أشبههم؛ فيتناولهم لفظ (المفارق للجماعة) بحكم العموم، وإن لم يكن كذلك لم يصحّ الحصر المذكور في أول الحديث الذي قال:(لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث)، فلو كان المفارق للجماعة إنما يعني به: المفارقة بالرِّدَّة فقط لبقي من ذكرناه من المفارقين للجماعة بغير الردة لم يدخلوا في الحديث، ودماؤهم حلال بالاتفاق، وحينئذ لا يصحُّ الحصر، ولا يصدق، وكلام الشارع مُنَزَّهٌ عن ذلك؛ فدلَّ: على أن ذلك الوصف يعم جميع ذلك النوع، والله تعالى أعلم. وتحقيقه: أنَّ كلَّ من فارق الجماعة يصدق عليه: أنه بدَّل دينه، غير أن المرتدَّ بدَّل كلَّ الدِّين، وغيره من المفارقين بدَّل بعضه.
و(قوله: لا تقتل نفس ظلمًا إلا كان على ابن آدم الأول كفل من دمها) يدخل فيه بحكم عمومه نفس الذمِّي والمعاهد إذا قتلا ظلمًا؛ لأنَّ (نفسًا) نكرة في سياق النفي، فهي للعموم.
و(الكفل): الجزء والنصيب، كما قال تعالى: {وَمَن
(1) في (ل 1): يَدْخل.
(2)
في (ع) و (ل 1): الحق، والمثبت من (م) و (ج 2).
لِأَنَّهُ كَانَ أَوَّلَ مَن سَنَّ القَتلَ.
رواه أحمد (1/ 383)، والبخاري (3335)، ومسلم (1677)، والنسائي (7/ 82)، وابن ماجه (2616).
ــ
يَشفَع شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُن لَهُ كِفلٌ مِنهَا}؛ أي: نصيب. وقال الخليل: الكفل من الأجر والإثم: الضعف.
و(قوله: لأنَّه أول من سنَّ القتل) نصٌّ على تعليل ذلك الأمر؛ لأنَّه لما كان أول من قتل كان قتله ذلك تنبيهًا لمن أتى بعده، وتعليمًا له. فمن قتل كأنَّه اقتدى به في ذلك، فكان عليه من وزره. وهذا جار في الخير والشَّرِّ؛ كما قد نصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث المتقدم بقوله:(من سنَّ في الإسلام سنة حسنة كان له أجرها، وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة. ومن سن في الإسلام سنة سيئة كان عليه وزرها ووزر من عمل بها إلى يوم القيامة)(1). وبهذا الاعتبار يكون على إبليس كفل من معصية كل من عصى بالسجود؛ لأنَّه أول من عصى به. وهذا - والله أعلم - ما لم يتب ذلك القاتل الأول من تلك المعصية؛ لأنَّ آدم عليه السلام أول من خالف في أكل ما نهي عنه، ولا يكون عليه شيء من أوزار من عصى بأكل ما نهي عنه، ولا شربه ممن بعده بالإجماع؛ لأنَّ آدم عليه السلام تاب من ذلك، وتاب الله عليه، فصار كأن لم يجن؛ فإن التائب من الذنب كمن لا ذنب له. والله تعالى أعلم.
وابن آدم المذكور هنا هو: قابيل، قتل أخاه هابيل لما تنازعا تزويج إقليمياء، فأمرهما آدم أن يقربا قربانًا، فمن تقبل منه قربانه؛ كانت له. فتُقُبِّل قربان هابيل، فحسده قابيل، فقتله بغيًا وعدوانًا. هكذا حكاه أهل التفسير.
(1) رواه مسلم (2674)، وأبو داود (4609)، والترمذي (2676).