الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء
[1790]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِذَا زَنَت أَمَةُ أَحَدِكُم فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَليَجلِدهَا الحَدَّ، وَلَا يُثَرِّب عَلَيهَا، ثُمَّ إِن زَنَت
ــ
(9)
ومن باب: إقامة السَّادة الحدَّ على الأرقَّاء
(قوله: إذا زنت أَمَةُ أحدكم فتبيَّن زناها فليجلدها)، الأمة: هي المملوكة. وتجمع الأمة: إماءٌ وأَمَوانٌ. قال (1):
أمَّا الإماء فلا يدعونني ولدًا
…
إذا ترامى بنو الأُموانِ بالعار
وتبيُّنُ زنى الأمة يكون بالإقرار وبالحَبَل، وبصحة الشهادة عند الإمام. وهل يكتفي السيِّد بعلم الزنى أو لا؟ عندنا في ذلك روايتان.
و(قوله: فليجلدها)، أمرٌ للسيِّد بجلد أمته الزانية وعبده. وبه قال الجمهور من الصحابة، والتابعين، والفقهاء، خلا أهل الرأي أبا حنيفة وأصحابه، فإنَّهم قالوا: لا يقيم الحدّ إلا السلطان. وهذه الأحاديث - النصوص الصحيحة - حجَّة عليهم. وفي معنى حدّ الزنى عند الجمهور سائر الحدود، غير أنهم اختلفوا في حد السَّرِقة، وقصاص الأعضاء. فمنع مالك وغيره إقامة السيِّد ذلك مخافة أن يمثل بعبده، ويدعي أنَّه سرق وأقام الحدّ عليه، فيسقط العتق الواجب بالمُثلَة.
قلت: وعلى هذا: لو قامت بيِّنة توجب حدّ السَّرِقة أقامه. وقاله بعض أصحابنا إذا قامت على السَّرِقة البيِّنة. وقال الشافعي: يقطع السيِّد عبده إذا سرق.
قلت: وعلى هذا: فله أن يَقتل عبده إذا قتل؛ لكن إذا قامت البيِّنة.
(1) هو القَتَّال الكلابي.
فَليَجلِدهَا الحَدَّ وَلَا يُثَرِّب عَلَيهَا، ثُمَّ إِن زَنَت الثَّالِثَةَ فَتَبَيَّنَ زِنَاهَا فَليَبِعهَا وَلَو بِحَبلٍ مِن شَعَرٍ.
رواه البخاريُّ (2152)، ومسلم (1703)(30)، وأبو داود (4470).
ــ
وكل من قال بإقامة السيِّد الحدّ على أمته لم يفرِّق بين أن تكون الأمة ذات زوج، أو غير ذات زوج؛ خلا مالكًا فإنَّه قال: إن كانت غير ذات زوج، أو كانت متزوجة بعبد السيِّد أقام عليها الحدّ، فلو كانت متزوجة بأجنبي لم يقم سيِّدها عليها الحدّ لحق الزوج؛ إذ قد يُعِيبُها عليه، وإنَّما يقيمه الإمام.
والجلد المأمور به هنا: هو نصف حدِّ الحرِّ. الذي قال الله تعالى فيه: {فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى المُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ}
و(قوله: ولا يُثَرِّب عليها) أي: لا يُوبِّخ، ولا يُعيِّر، ولا يُكثِر من اللَّوم، فإنَّ الإكثار من ذلك يزيل الحياء والحشمة، ويُجرئ على ذلك الفعل. وأيضًا: فإن العبد غالب حاله: أنَّه لا ينفعه اللوم والتوبيخ، ولا يؤثر، فلا يظهر له أثر، وإنما يظهر أثره في حق الحر. ألا ترى قول الشاعر:
واللَّوم للحرِّ مُقيمٌ رادِعٌ
…
والعبدُ لا يَردَعُهُ إلا العصا
وأيضًا: فإن التوبيخ واللَّوم (1) عقوبة زائدة على الحد الذي نصّ الله تعالى عليه، فلا ينبغي أن يلتزم ذلك. ولا يدخل في ذلك الوعظ والتخويف بعقاب الله تعالى، والتهديد إذا احتيج إلى ذلك؛ إذ ليس بتثريب، ولأن الصحابة رضي الله عنهم قد قالوا لشارب الخمر: أما اتَّقيت الله، أما استحيت من رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(1) في (ج 2): الذم.
[1791]
وعنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الأَمَةِ إِذَا زَنَت وَلَم تُحصِن قَالَ: إِن زَنَت فَاجلِدُوهَا، ثُمَّ إِن زَنَت فَاجلِدُوهَا، ثُمَّ إِن زَنَت
ــ
و(قوله: ثم إن زنت فبيعوها ولو بضفير)، الضفير: الحبل المضفور، فعيل بمعنى: مفعول. وفي الرِّواية الأخرى: (ولو بحبل من شعر)[فوصف الحبل بكونه من شعر](1)؛ لأنَّه أكثر حبالهم. وهذا خرج مخرج التقليل والتزهيد في الجارية الزانية، فكأنَّه قال: لا تمسكها، بعها بما تيسَّر. ففيه دليل على إبعاد أهل المعاصي واحتقارهم.
فروع: إذا باعها عرَّف بزناها، فإنَّه عيبٌ، فلا يحلُّ أن يكتم. فإن قيل: إذا كان مقصود هذا الحديث إبعاد الزانية، ووجب على بائعها التعريف بزناها، فلا ينبغي لأحد أن يشتريها، لأنها مِمَّا قد أُمِرنا بإبعادها. فالجواب: إنَّها مالٌ، ولا يُضاع؛ للنهي عن إضاعة المال، ولا تُسيَّب، ولا تحبس دائمًا؛ إذ كل ذلك إضاعة مال، ولو سُيِّبت لكان ذلك إغراءً لها بالزنى وتمكينًا منه، فلم يبق إلا بيعها. ولعل السيِّد الثاني يُعِفُّها بالوطء، أو يبالغ في التحرز بها، فيمنعها من ذلك. وعلى الجملة فعند تَبَدُّل الأملاك تختلف عليها الأحوال. وجمهور العلماء حملوا الأمر ببيع الأمة الزانية على النَّدب، والإرشاد للأصلح، ما خلا داود وأهل الظاهر فإنهم حملوه على الوجوب تمسُّكًا بظاهر الأمر، والجمهور صرفوه عن ظاهره تمُّسكًا بالأصل الشرعي، وهو: أنَّه لا يجبر أحدٌ على إخراج ملكه لملك آخر بغير الشفعة. فلو وجب ذلك عليه لجبر عليه، ولم يجبر عليه فلا يجب. وقد استنبط بعض العلماء من هذا الحديث جواز البيع بالغَبن، قال: لأنه بيع خطير بثمن يسير. وهذا ليس بصحيح؛ لأنَّ الغبن المختلف فيه إنَّما هو مع الجهالة من المغبون. وأمَّا مع علم البائع بقدر ما باع وبقدر ما قبض فلا يختلف فيه؛ لأنَّه
(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).
فَاجلِدُوهَا، ثُمَّ بِيعُوهَا وَلَو بِضَفِيرٍ. قَالَ ابنُ شِهَابٍ: لَا أَدرِي بَعدَ الثَّالِثَةِ أَو الرَّابِعَةِ. وَالضَّفِيرُ: الحَبلُ.
رواه أحمد (4/ 117)، والبخاري (2153)، ومسلم (1704)(33)، وأبو داود (4469)، وابن ماجه (2565).
ــ
عن علم منه ورضًا، فهو إسقاط لبعض الثَّمن، وإرفاق بالمشتري، لاسيَّما وقد بيَّنَّا: أن الحديث خرج على جهة التزهيد، وترك الغبطة.
و(قوله: سُئِل عن الأَمَة إذا زنت ولم تحصن) هذه الزيادة التي هي قوله: (ولم تحصن) هي رواية مالك عن ابن شهاب. قال الطحاوي: لم يقله غير مالك. قال غيره: ليس ذلك بصحيح، بل قد رواه سفيان بن عيينة، ويحيى بن سعيد، عن ابن شهاب، كما قاله مالك.
واختلف في تأويل قوله: (ولم تحصن). فقيل: لم تعتق، وتكون فائدته: أنها لو زنت وهي مملوكة فلم يحدَّها سيِّدها حتى عتقت لم يكن له سبيل إلى جلدها. والإمام هو الذي يقيم ذلك عليها إذا ثبت عنده. وقيل: ما لم تتزوَّج. وفائدة ذلك: أنَّها إذا تزوَّجت لم يكن للسِّيد أن يجلدها لحق الزوج؛ إذ قد يضره ذلك. وهذا مذهب مالك إذا لم يكن الزوج ملكًا للسيِّد، فلو كان جاز للسيِّد ذلك؛ لأنَّ حقَّهُما حقُّه. وقيل: لم تسلم. وفائدته: أن الكافرة لا تُحدُّ، وإنما تُعزر وتُعاقب. وعلى هذا فيكون الجلد المأمور به في هذا الحديث على جهة التعزير، لا الحدّ. وهذا كله إنَّما هو تَنَزُّل على أن النبي صلى الله عليه وسلم علَّق الجلد المأمور به في الجواب على نفي الإحصان المأخوذ قيدًا في السؤال، وعلى القول بدليل الخطاب. وحينئذ يكون هذا الحديث على نقيض قوله تعالى:{فَإِذَا أُحصِنَّ فَإِن أَتَينَ بِفَاحِشَةٍ فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى المُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} فإن شرط الجلد نفي الإحصان، وشرط الحدِّ في الآية ثبوت الإحصان، فلا بدَّ أن يكون أحد الإحصانين غير الآخر. ولو قدَّرناه واحدًا فيهما للزم أن يكون الجلد المترتب على نفي الإحصان في الحديث غير الحد المترتب على الإحصان المثبت في الآية.
[1792]
وعَن أَبِي عَبدِ الرَّحمَنِ قَالَ: خَطَبَ عَلِيٌّ فَقَالَ: يَا أَيُّهَا
ــ
وقد اختلف في إحصان الآية، كما اختلف في الإحصان المنفي في الحديث. فقال قوم: هو الإسلام. قاله ابن مسعود، والشعبي، والزهري، وغيرهم. وعلى هذا: فلا تُحدُّ كافرةٌ. وقال آخرون: إنَّه التزويج. قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. وعلى هذا فتُحدُّ المتزوجة وإن كانت كافرة، كما قاله الشافعي. وقال آخرون: إنَّه الحرية. وروي ذلك عن عمر، وابن عباس، وعلي. وعلى هذا: فلا تُحدُّ أمةٌ بوجه وإن كانت مسلمة، لكنها يجلدها سيِّدها تعزيرًا. وكل هذا الخلاف أوجبه اشتراك لفظ الإحصان، فإنَّه قد جاء في كتاب الله تعالى بمعنى: الإسلام، والحرية، والتزويج، والعفاف. والعفاف غير مراد في هذا الحديث، ولا في هذه اآية بالاتفاق، فبقي لفظ الإحصان محتملًا لأن يراد به واحد من تلك المعاني الثلاثة، فترتب عليه الخلاف المذكور.
والذي يرفع الإشكال عن الحديث إن شاء الله تعالى: أن نفي الإحصان إنما هو من قول السَّائل، ولم يصرَّح النبي صلى الله عليه وسلم بأخذه قيدًا في الجلد. فيحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم أعرض عنه، وأفتى (1) بالجلد مطلقًا. ويشهد لهذا التأويل: أن الأحاديث الواردة في جلد الأمة إذا زنت، ليس فيها ذكر لذلك القيد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم لقوله:(إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها الحدّ. . . الحديث) ولو سلمنا: أن ذلك القيد من كلام النبي صلى الله عليه وسلم وتنزلنا على القول بدليل الخطاب، فأولى الأقوال به أن يحمل على التزويج، ويستفاد منه صحة مذهب مالك على ما قدَّمناه دفعا للاشتراك، وتنزيلًا للحديث على فائدة مستجدَّة. والذي يحسم مادة الإشكال عن الحديث والآية حديث علي بعد هذا، وهو قوله في حال خطبته: يا أيها النَّاس أقيموا على أرقائكم الحدّ، من أحصن منهم ومن لم يحصن. وهذا الحديث وإن كان موقوفًا على علي رضي الله عنه في كتاب مسلم، فقد رواه النسائي، وقال فيه: قال
(1) في (ج 2): وأجابه.
النَّاسُ، أَقِيمُوا عَلَى أَرِقَّائِكُم الحَدَّ، مَن أَحصَنَ مِنهُم، وَمَن لَم يُحصِن، فَإِنَّ أَمَةً لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم زَنَت،
ــ
رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم؛ من أحصن منهم، ومن لم يحصن)(1) وهذا ينصّ على أمر السَّادة بإقامة الحد الذي ذكره الله تعالى، وليس بتعزير، فإنَّه قد سمَّاه حدًّا، وصرَّح بإلغاء اعتبار الإحصان مطلقًا؛ إذ سوَّى بين وجوده وعدمه، فتُحدُّ الأَمَة الزانية على أي حال كانت. ويعتذر عن تخصيص الإحصان في الآية بالذكر: بأنه أغلب حال الإماء، أو الأهم في مقاصد الناس، لا سيما إذا حمل الإحصان على الإسلام. وهو أولى الأقوال على ما قد أوضحه القاضي أبو بكر بن العربي. والله تعالى أعلم.
و(قوله: فإن أمة لرسول الله صلى الله عليه وسلم زنت) كذا جاء في كتاب مسلم. وفي كتاب أبي داود: (فجرت جارية لآل رسول الله صلى الله عليه وسلم). وظاهره: أن هذه الجارية كانت لبعض عشيرته. وهذه الرواية أحسن من رواية مسلم وأليق بحال من ينتسب لحضرة بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وملكه، استصحابًا لما شهد الله تعالى به من الطهارة لذلك الجناب الكريم، كما قال تعالى:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا} وكيف يليق بمن كان في مثل هذا (2) البيت الكريم، وبمن صحَّ له ذلك الملك الشريف أن تقع منه فاحشة الزنى. هذا والله من البعد على الغاية القصوى، فإن العبد من طينة سيِّده. ألا ترى أنَّه لما كثر المنافقون على مارية في ابن عمها؛ الذي كان يزورها، فبعث النبي صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب ليقتله، فدخل عليه، فلما رآه كشف عن فرجه فإذا هو أَجَبُّ، فقرأ علي رضي الله عنه:{إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذهِبَ عَنكُمُ الرِّجسَ أَهلَ البَيتِ وَيُطَهِّرَكُم تَطهِيرًا}
(1) رواه النسائي في الكبرى (7239) دون قوله: "من أحصن. . .". وانظر: تلخيص الحبير (4/ 66).
(2)
في (ج 2): ذلك.
فَأَمَرَنِي أَن أَجلِدَهَا، فَإِذَا هِيَ حَدِيثة عَهدٍ بِنِفَاسٍ، فَخَشِيتُ إِن أَنَا جَلَدتُهَا أَن أَقتُلَهَا، فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَحسَنتَ.
رواه مسلم (1705)، وأبو داود (4473)، والترمذيُّ (1441).
* * *
ــ
[الأحزاب: 33](1). هذا كله مع احتمال أن يراد بآل محمد نفسه، كما قدمناه في قوله صلى الله عليه وسلم:(اللَّهم صلِّ على آل أبي أوفى)(2)، وفي قوله:(لقد أوتيت مزمارًا من مزامير آل داود)(3). وتكون هذه الأمة من الإماء المُتخذات للخدمة والتصرف، ولعلَّها قريبة عهد بالجاهلية. لكن الأوَّل أليق وأسلم. والله تعالى أعلم.
و(قوله: فأمرني أن أجلدها) هذا إنَّما كان لما ظهر من زناها بالحَبَل، كما دلَّ عليه قوله:(فإذا هي حديثة عهد بنفاس).
و(قوله: فخشيت إن أنا جلدتها أن أقتلها). هذا فيه أصل من أصول الفقه. وهو ترك العمل بالظاهر لِمَا هو أولى منه، وتسويغ الاجتهاد. ألا ترى أن عليًّا رضي الله عنه قد ترك ظاهر الأمر بالجلد مخافة أمر آخر؛ هو أولى بالمراعاة، فحسَّنه النبي صلى الله عليه وسلم له وصوَّبه. ولو كان الأمر على ما ارتكبه أهل الظاهر من الأصول الفاسدة لجلدها وإن هلكت.
وفيه من الفقه ما يدلُّ على أن من كان حدُّه دون القتل لم يقم عليه الحدّ في مرضه حتى يفيق، لا مُفَرَّقًا، ولا مجموعًا، ولا مخففًا، ولا مثقلًا. وهو مذهب الجمهور تمسُّكًا بهذا الحديث، وهو أولى مما خرَّجه أبو داود من حديث سهل بن
(1) سيأتي تخريجه في التلخيص برقم (2100).
(2)
رواه أحمد (3/ 353)، والبخاري (1497)، ومسلم (1078).
(3)
رواه البخاري (5048)، ومسلم (793)(236)، والترمذي (3855).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
حنيف: أن رجلًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم اشتكى حتى أَضنَى، فعاد جِلدَةً على عَظمٍ، فوقع على جارية لغيره، ثمَّ ندم، فاستُفتِي له رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يأخذوا له مائة شمراخ فيضربوه بها ضربة واحدة (1)؛ لأنَّ إسناده مختلف فيه. ولحديث سهل هذا؛ قال الشافعي: يضرب المريض بِعثكُولِ نخل تصل شماريخه كلها إليه، أو بما يقوم مقامه. وهذا في مريض ليس عليه حدُّ القتل. فلو كان عليه جلدٌ وقتلٌ؛ يجلد الحدّ ثم يقتل بعد ذلك. وحديث علي هذا: قد أخرجه النسائي، والترمذي، وزاد فيه: فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (دعها حتى ينقطع دمها ثم أقم عليها الحدّ، وأقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم)، وهذا لفظ أبي داود (2). وهو نصٌّ على صحة مذهب الجمهور، وهو أصحُّ من حديث سهل وأعلى، فالعمل به أوجب وأولى، والحدُّ الذي أمر علي بإقامته هو نصف حدّ الحرَّة الذي قال الله تعالى فيه:{فَعَلَيهِنَّ نِصفُ مَا عَلَى المُحصَنَاتِ مِنَ العَذَابِ} وهو خمسون جلدة، وهو قول الجمهور. ولا رجم على أمة وإن كانت متزوجة بالإجماع.
فروع: قال ابن المنذر: أجمع كل من أحفظ عنه من أهل العلم: أن الجلد بالسَّوط؛ والسَّوط الذي يجلد به سوط بين سوطين، ولا تُجَرَّد المرأة، وتُستَر، ويُنزع عنها ما يقيها. وهو مذهب مالك وغيره، بل لا خلاف فيه فيما أعلم. وأمَّا الرَّجل: فاختلف في تجريده. فقيل: لا يجرد. وبه قال طاوس، والشعبي، وقتادة، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور. وروي ذلك عن ابن مسعود، وأبي عبيدة بن الجرَّاح. وقالت طائفة أخرى: يجرَّد وتستر عورته. وبه قال عمر بن عبد العزيز، ومالك. وقال الأوزاعي: ذلك إلى الإمام، إن شاء جرَّد، وإن شاء لم يجرد. واتفقوا على أن المجلود وعليه قميصه مجلود.
وتُضرب المرأة قاعدة عند
(1) رواه أبو داود (4472).
(2)
رواه أبو داود (4473)، والترمذي (1441)، والنسائي في الكبرى (7239).