الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد
[1932]
عن جَبَلَةَ بن سُحَيمٍ قَالَ: كَانَ ابنُ الزُّبَيرِ يَرزُقُنَا التَّمرَ، قَالَ: وَقَد كَانَ أَصَابَ النَّاسَ يَومَئِذٍ جَهدٌ، وَكُنَّا نَأكُلُ فَيَمُرُّ عَلَينَا ابنُ عُمَرَ - وَنَحنُ نَأكُلُ - فَيَقُولُ: لَا تُقَارِنُوا، فَإِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن الإِقرَانِ؛
ــ
(11)
ومن باب: النهي عن القران في التمر
(الجهد) - بفتح الجيم -: المشقة، وبالضم: الطاقة.
و(قوله: نهى عن الإقران) هكذا وقعت هذه اللفظة لجميع رواة مسلم هنا، وليست بمعروفة؛ أعني: لفظة الإقران؛ فإنها وقعت رباعيَّة من: أقرن، وصوابه: القران؛ لأنَّه من: قرن، يقرن - ثلاثيًّا -، كما جاء في الرواية الأخرى: أن يقرن. قال الفرَّاء: يقال: قرن بين الحج والعمرة، ولا يقال: أقرن. قال غيره: إنَّما يقال: أقرن على الشيء: إذا قوي عليه، وأطاقه. ومنه قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا لَهُ مُقرِنِينَ} ؛ أي: مطيقين.
قلت: غير أنه جاء في الصَّحاح: أقرن الدَّم في العرق، واستقرن؛ أي: كثر. فيحتمل أن يحمل الإقران المذكور في هذا الحديث على ذلك، فيكون معناه: أنه نهى عن الإكثار من أكل التمر إذا أكل مع غيره. ويرجع معناه إلى القران المذكور في الرواية الأخرى، والله أعلم.
وقد حمل أهل الظاهر هذا النهي على التحريم مطلقًا. وهو منهم جهل بمساق الحديث وبالمعنى. وحمل الجمهور، والفقهاء، والأئمة هذا النهي على حالة المشاركة في الأكل والاجتماع عليه، بدليل فهم ابن عمر راوي الحديث ذلك المعنى، وهو أفهم للمقال، وأقعد بالحال، وبدليل قوله: إلا أن يستأذن الرجل
إِلَّا أَن يَستَأذِنَ الرَّجُلُ أَخَاهُ. قَالَ شُعبَةُ: لَا أُرَى هَذِهِ الكَلِمَةَ إِلَّا مِن كَلِمَةِ ابنِ عُمَرَ، يَعنِي الِاستِئذَانَ.
وفي رواية: نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن يَقرِنَ الرَّجُلُ بَينَ التَّمرَتَينِ حَتَّى يَستَأذِنَ أَصحَابَهُ.
رواه البخاريُّ (5446)، ومسلم (2045)(150 و 151)، وأبو داود (3834)، والترمذيُّ (1814)، وابن ماجه (3331).
ــ
أخاه. فإنَّ كان هذا من قول النبي صلى الله عليه وسلم فهو نصٌّ في المقصود، وإن كان من قول ابن عمر؛ فكما قلناه.
وقد علله الجمهور بعلتين:
إحداهما: أن ذلك يدلّ على كثرة الشَّرَه، والنَّهم. وبهذا عللته عائشة رضي الله عنها حيث قالت: إنها نذالة (1).
وثانيتهما: إيثار الإنسان نفسه بأكثر من حقه على مشاركه، وحكمهم في ذلك التساوي.
و(قوله: إلا أن يستأذن أخاه). قال الخطابي: إن ذلك النهي إنما كان في زمنهم لما كانوا عليه من الضيق والمواساة، فأمَّا اليوم: فلا يحتاجون إلى الاستئمار.
قلت: وهذا فيه نظر، وذلك أن الطعام إذا قُدِّم إلى قوم فقد تشاركوا فيه، وإذا كان كذلك فليأكل كل واحد منهم على الوجه المعتاد على ما تقتضيه المروءة، والنصفة من غير أن يقصد اغتنام زيادة على الآخر، فإنَّ فعل وكان الطعام شركة بحكم الملك؛ فقد أخذ ما ليس له، وإن كان إنما قدَّمه لهم غيرهم، فقد اختلف العلماء فيما يملكون منه. فإنَّ قلنا: إنهم يملكونه بوضعه بين أيديهم؛ فكالأول. وإن قلنا: إنهم إنما يملك كل واحد منهم ما رفع إلى فيه؛ فهذا سوء أدب، وشَرَه،
(1) انظر فتح الباري (9/ 572).
[1933]
عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا عَائِشَةُ، بَيتٌ لَا تَمرَ فِيهِ جِيَاعٌ أَهلُهُ - أَو - جَاعَ أَهلُهُ، قَالَهَا مَرَّتَينِ أَو ثَلَاثًا.
رواه أحمد (6/ 105)، رمسلم (2046)(153)، وأبو داود (3831)، والترمذي (1815)، وابن ماجه (3327).
* * *
ــ
ودناءة. فعلى الوجه الأول: يكون محرَّمًا، وعلى الثاني: مكروها؛ لأنَّه يناقض مكارم الأخلاق، والله تعالى أعلم.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: بيتٌ لا تمر فيه جياع أهله) هذا إنما عنى به النبي صلى الله عليه وسلم المدينة، ومن كان على حالهم، ممن غالب قوتهم: التمر، وذلك: أنه إذا خلا البيت عن غالب القوت في ذلك الموضع كان عن غير الغالب أخلى، فيجوع أهله؛ إذ لا يجدون شيئًا. ويصدق هذا القول على كل بلد ليس فيه إلا صنف واحد، أو يكون الغالب فيه صنفًا واحدًا، فيقال على بلد ليس فيه إلا البر: بيت لا بر فيه جياع أهله. ويفيد هذا التنبيه على مصلحة تحصيل القوت، وادِّخاره؛ فإنَّه أسكن للنفس غالبًا، وأبعد عن التشويش.
* * *