الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها
[2130]
عَن أَنَسٍ: أَنَّ امرَأَةً يَهُودِيَّةً، أَتَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِشَاةٍ مَسمُومَةٍ، فَأَكَلَ مِنهَا، فَجِيءَ بِهَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَسَأَلَهَا عَن ذَلِكَ؟
ــ
وبقول مالك قال أحمد، وجماعة من الصحابة والتابعين، والشافعي في قولٍ له آخر. وروي عنه أيضًا: أنه يسأل عن سحره، فإنَّ كان كفرًا؛ استتيب منه. وقال مالك في المرأة تعقد زوجها: أنَّها تُنكَّل ولا تقتل. وقال ابن المسيب في رجل طُبَّ، أو أخذ عن امرأته أيُحِلُّ ويُنشَر؟ قال: لا بأس به. وقال: أما ما ينفع فلم ينه عنه. وأجاز أيضًا أن يسأل من الساحر حل السِّحر. وإليه مال المزني، وكرهه الحسن البصري.
(3)
ومن باب ما جاء أن السُّموم لا تؤثر بذاتها
قوله: (إن يهوديَّة أتت رسول الله صلى الله عليه وسلم بشاةٍ مسمومة) ظاهره: أنها أتته بها على وجه الهدية، فإنَّه كان يقبل الهديَّة، ويُثيب عليها. ويحتمل أن تكون ضيافة، وأبعد ذلك أن تكون بيعًا. وفي غير كتاب مسلم: أنه صلى الله عليه وسلم أخذ من الشاة الذراع، فأكل منها هو وبشر بن البراء، وأنه قال عند ذلك:(إن هذه الذراع تخبرني: أنها مسمومةٌ) فأحضرت اليهوديَّة، فسُئلت عن ذلك، فاعترفت، وقالت: إنما فعلت ذلك؛ لأنَّك إن كنت نبيًّا لم يضرك، وإن كنت كاذبًا أَرَحتَ منك (1). وفي كتاب مسلم قالت: أردت لأقتلك. فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بأن قال: (ما كان الله ليسلطك على ذلك) فلم يضرَّ ذلك السُّم رسول الله صلى الله عليه وسلم طول حياته غير ما أثَّر بلهواته وغير ما كان يعاوده منه في أوقات، فلما حضر وقت وفاته أحدث الله تعالى ضرر ذلك
(1) رواه أبو داود (4510).
فَقَالَت: أَرَدتُ لِأَقتُلَكَ، قَالَ: مَا كَانَ اللَّهُ لِيُسَلِّطَكِ عَلَى ذَلكِ قَالَ - أَو قَالَ: عَلَيَّ قَالَ -: قَالُوا: أَلَا تَقتُلُهَا؟ قَالَ: لَا.
ــ
السُّم في النبي صلى الله عليه وسلم فتوفي بسببه، كما قال صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي توفي فيه:(لم تزل أكلة خيبر تعاودني (1)، فالآن أوان قطعت أبهري) (2) فجمع الله لنبيِّه صلى الله عليه وسلم بين النبوَّة والشهادة مبالغة في الترفيع والكرامة. وأمَّا بشر بن البراء: فروي: أنه مات من حينه. وقيل: بل لزمه وجعه ذلك، ثم توفي منه بعد سنة.
ففي هذا الحديث فوائد كثيرة؛ أهمها: ما أظهر الله تعالى من كرامات النبي صلى الله عليه وسلم حيث كلمه الجماد، ولم يؤثر فيه السُّم، وعلم ما غيب عنه من السُّم. وفيه ما نبه عليه في الترجمة: من أن السُّموم لا تؤثر بذواتها، بل بإذن الله تعالى ومشيئته. ألا ترى: أن السُّم أثر في بشر ولم يؤثر في النبي صلى الله عليه وسلم، فلو كان يؤثر بذاته لأثر فيهما في الحال؟ ! .
و(قوله: ألا تقتلها! قال: لا) هذه رواية أنس: أنَّه لم يقتلها. وقد وافقه على ذلك أبو هريرة فيما رواه عنه ابن وهب. وقد روى عنه أبو سلمة بن عبد الرحمن: أنَّه قتلها. وفي رواية ابن عباس: أنَّه صلى الله عليه وسلم دفعها إلى أولياء بشر فقتلوها. ويصح الجمع، بأن يقال: إنه لم يقتلها أولًا بما فعلت من تقديم السُّم إليهم، بل حتى مات بشر، فدفعها إليهم فقتلوها.
ففيه من الفقه: أن القتل بالسُّم كالقتل بالسِّلاح الذي يوجب القصاص. وهو قول مالك إذا استكرهه على شربه فيقتل بمثل ذلك. وقال الكوفيون: لا قصاص في ذلك، وفيه الدِّية على عاقلته. قالوا: ولو دسَّه له في طعام أو شراب لم يكن عليه شيء ولا على عاقلته. وقال الشافعي: إذا فعل ذلك به وهو مكره ففيه قولان:
(1) كذا في (ل 1)، وفي بقية النسخ:(تعادُّني).
(2)
رواه البخاري (4428)، والدارمي (1/ 32).