المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

[1771]

عن عَلقَمَةَ بن وَائِلٍ عن أبيه قَالَ: إِنِّي لَقَاعِدٌ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؛ إِذ جَاءَ رَجُلٌ يَقُودُ آخَرَ بِنِسعَةٍ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَذَا قَتَلَ أَخِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَقَتَلتَهُ؟ (فَقَالَ: إِنَّهُ لَو لَم يَعتَرِف أَقَمتُ عَلَيهِ البَيِّنَةَ). قَالَ:

ــ

(8)

ومن باب: الحث على العفو

عن القصاص بعد وجوبه

قوله: (جاء رجل يقود آخر بنِسعَةٍ) النِّسعة: ما ضفر من الأدم كالحبال. وجمعها: أنساع. فإذا فُتل ولم يُضفر؛ فهو الجديل. والجدل: الفَتل. وفيه من الفقه: العنف على الجاني، وتثقيفه، وأخذ الناس له حتى يحضروه إلى الإمام، ولو لم يجعل ذلك للناس لفرَّ الجناة، وفاتوا، ولتعذر نصر المظلوم، وتغيير المنكر.

و(قوله: هذا قتل أخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أقتلته) فيه من الفقه سماع دعوى المدَّعي في الدَّم قبل إثبات الموت والولاية. ثم لا يثبت الحكم حتى يثبت كل ذلك. فإن قيل: فقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم على القاتل في هذا الحديث من غير إثبات ولاية المدَّعي. فالجواب: إن ذلك كان معلومًا عند النبي صلى الله عليه وسلم وعند غيره، فاستغنى عن إثباته لشهرة ذلك.

وفيه: استقرار المدَّعى عليه بعد سماع الدعوى لإمكان إقراره، فتسقط وظيفة إقامة البينة عن المدَّعي. كما جرى في هذا الحديث.

و(قوله: لو لم يعترف أقمت عليه البينة) بيان: أن الأصل في ثبوت الدِّماء الإقرار، أو البيِّنة. وأمَّا القسامة: فعلى خلاف الأصل، كما تقدم؛ وفيه: استقرار المحبوس، والمتهدَّد، وأخذه بإقراره. وقد اختلف في ذلك العلماء، واضطرب

ص: 52

نَعَم قَتَلتَهُ، قَالَ: فكَيفَ قَتَلتَهُ؟ . قَالَ: كُنتُ أَنَا وَهُوَ نَختَبِطُ مِن شَجَرَةٍ، فَسَبَّنِي، فَأَغضَبَنِي، فَضَرَبتُهُ بِالفَأسِ عَلَى قَرنِهِ، فَقَتَلتُهُ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: هَل لَكَ مِن شَيءٍ تُؤَدِّيهِ عَن نَفسِكَ؟ .

ــ

المذهب عندنا في إقراره بعد الحبس والتهديد. هل يُقبل جملة، أو لا يقبل جملة؟ والفرق (1)(فيقبل إذا عيَّن ما اعترف به من قتل، أو سرقة، ولا يُقبل إذا لم يعين) ثلاثة أقوال.

و(قوله: كيف قتلته؟ ) سؤال استكشاف عن حال القتل، لإمكان أن يكون خطأ، أو عمدًا. ففيه من الفقه: وجوب البحث عن تحقيق الأسباب التي تنبني عليها الأحكام، ولا يكتفى بالإطلاق. وهذا كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم مع ماعز حين اعترف على نفسه بالزنى على ما يأتي.

و(قوله: كنت أنا وهو نختبط من شجرة، فسبَّني، فأغضبني، فضربته بالفأس على قرنه فقتلته). نختبط (نفتعل) من الخبط، وهو ضرب بالعصا ليقع يابسُ ورقها، فتأكله الماشية. وقرن الرأس: جانبه الأعلى. قال الشاعر:

. . . . . . . . . . . . . . .

وضَرَبتُ قَرنِي كَبشِها فَتَجَدَّلا (2)

و(قوله: هل لك من شيء تؤدِّيه عن نفسك) يدلّ: على أنه صلى الله عليه وسلم قد ألزمَه حكم إقراره، وأن قتله كان عمدًا؛ إذ لو كان خطأ لما طالبه بالدِّية، ولطولب بها العاقلة، ويدلُّ على هذا أيضًا قوله:(أترى (3) قومك يشترونك؟ ) لأنه لما استحق أولياء المقتول نفسه بالقتل العمد صاروا كالمالكين له، فلو دفع أولياء القاتل عنه عوضًا فقبله أولياء المقتول لكان ذلك كالبيع. وهذا كله إنما عرضه

(1) أي: إن القول الثالث هو التفريق بين ما إذا عيَّن أو لم يُعيِّن.

(2)

في (ل): فتجندلا. و (جدَّله): صرعه وأوقعه على الأرض فهو مجدَّل.

(3)

في التلخيص: فترى.

ص: 53

قَالَ: مَا لِي مَالٌ إِلَّا كِسَائِي وَفَأسِي، قَالَ: فَتَرَى قَومَكَ يَشتَرُونَكَ؟ . قَالَ: أَنَا أَهوَنُ عَلَى قَومِي مِن ذَاكَ، فَرَمَى إِلَيهِ النبي صلى الله عليه وسلم بِنِسعَتِهِ وَقَالَ: دُونَكَ صَاحِبَكَ. فَانطَلَقَ بِهِ الرَّجُلُ، فَلَمَّا وَلَّى قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ.

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم على القاتل بناء منه: على أنه إذا تيسَّر له ما يؤدي إلى أولياء المقتول سألهم في العفو عنه.

ففيه من الفقه: السعي في الإصلاح بين الناس، وجواز الاستشفاع، وإن رفعت حقوقهم للإمام؛ بخلاف حقوق الله تعالى، فإنَّه لا تجوز الشفاعة فيها إذا بلغت الإمام.

و(قوله: ما لي مال إلا كسائي وفأسي) فيه من الفقه: أنَّ المال يُقال على كل ما يتموَّل من العروض وغيرها. وأن ذلك ليس مخصوصًا بالإبل، ولا بالعين. وقد تقدَّم ذلك.

و(قوله: فرمى إليه النبي صلى الله عليه وسلم بنِسعَته وقال: دونك صاحبك) أي: خذه فاصنع به ما شئت. هذا: إنَّما حكم به النبي صلى الله عليه وسلم لَمَّا تحقق السبب، وتعذَّر عليه الإصلاح، وبعد أن عرض على الولي العفو فأبى، كما قاله ابن أشوع، وبعد أن علم: أنه لا مستحِقَّ للدَّم إلا ذلك الطالب خاصة. ولو كان هناك مستحقٌّ آخر لتعيَّن استعلام ما عنده من القصاص أو العفو.

وفيه ما يدلُّ: على أن القاتل إذا تحقق عليه السبب، وارتفعت الموانع لا يقتلُه الإمام، بل يدفعه للولي يفعل به ما يشاء من قتل، أو عفو، أو حبس، إلى أن يرى رأيه فيه. ولا يسترقَّه بوجه؛ لأنَّ الحرَّ لا يملك. ولا خلاف فيه فيما أعلمه.

و(قوله: فانطلق به، فلمَّا ولى قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن قتله فهو مثله) ظاهره: إن قتله كان عليه من الإثم مثل ما على القاتل الأول. وقد صرَّح بهذا في الرواية الأخرى التي قال فيها: (القاتل والمقتول في النَّار)، وهذا فيه إشكال عظيم.

ص: 54

فَرَجَعَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَلَغَنِي أَنَّكَ قُلتَ: إِن قَتَلَهُ فَهُوَ مِثلُهُ. وَأَخَذتُهُ

ــ

فإن القاتل الأوَّل قَتَل عمدًا. والثاني يَقتُلُ قِصَاصًا، ولذلك: لما سمع الولي ذلك قال: (يا رسول الله! قلت ذلك؟ ! وقد أخذته بأمرك).

فاختلف العلماء في تأويل هذا على أقوال:

الأول: قال الإمام أبو عبد الله المازري: أمثلُ ما قيل فيه: أنَّهما استويا بانتفاء التِّباعةِ عن القاتل بالقِصاص.

قلت: وهذا كلامٌ غير واضح. ويعني به - والله أعلم -: أن القاتل إذا قَتَل قِصَاصًا لم يبق عليه تبعة من القتل. والمقتصّ: لا تبعة عليه؛ لأنَّه استوفى حقه، فاستوى الجاني والولي المقتصُّ في أن كل واحد منهما لا تبعة عليه.

الثاني: قال القاضي عياض: معنى قوله: (فهو مثله) أي: قاتل مثله، وإن اختلفا في الجواز والمنع، لكنهما اشتركا في طاعة الغضب، وشِفَاء النفس، لا سيما مع رغبة النبي صلى الله عليه وسلم في العفو، على ما جاء في الحديث.

قلت: والعجيبُ من هذين الإمامين: كيف قنعا بهذين الخيالين (1) ولم يتأمَّلا مساق الحديث، وكأنهما لم يسمعا قول النبي صلى الله عليه وسلم حين انطلق به يجرُّه ليقتله:(القاتل والمقتول في النار). وهذه الرواية مفسِّرة لقوله في الرواية المتقدمة: (إن قَتَلَه فهو مِثلُه)[لأنها ذُكِرت بدلًا منها، فعلى مقتضى قوله: (فهو مثله) أي: هو في النار مثله](2)، ومن هنا عظم الإشكال. ولا يلتفت لقول من قال: إن ذلك إنما قاله صلى الله عليه وسلم للولي لِمَا عَلِمَه منه من معصية يستحق بها دخول النار؛ لأنَّ المعصية المقدرة (3)، إما أن يكون لها مدخل في هذه القصَّة، أو لا مدخل لها فيها. فإن كان

(1) في (ع) و (م): الحالين.

(2)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(3)

المقدرة ليست في (ع).

ص: 55

بِأَمرِكَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم:

ــ

الأول فينبغي لنا أن نبحث عنها حتى نتبيَّنها ونعرف وجه مناسبتها لهذا الوعيد الشديد. وإن لم يكن لها مدخل في تلك القضية لم يلق بحكمة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا ببلاغته، ولا ببيانه، أن يذكر وعيدًا شديدًا في قضية ذات أحوال وأوصاف متعددة، ويقرن ذلك الوعيد بتلك القصَّة، وهو يريد: أن ذلك الوعيد إنَّما هو لأجل شيء لم يذكره هو، ولا جرى له ذكر من غيره. ثمَّ إن المقول له ذلك قد فهم: أن ذلك إنما كان لأمر جرى في تلك القصة، ولذلك قال للنبي صلى الله عليه وسلم: تقول ذلك، وقد أخذته بأمرك؟ ! ولو كان كما قاله هذا القائل؛ لقال له النبي صلى الله عليه وسلم: إنَّما قلت ذلك للمعصية التي فعلت، أو: الحالة التي أنت عليها، لا لهذا، ولما كان يسكت عن ذلك، ولبادر لبيانه في تلك الحال؛ لأنَّ الحاجة له داعية، والنصيحة والبيان واجبان عليه صلى الله عليه وسلم. والله تعالى أعلم.

الثالث: أن أبا داود (1) روى هذا الحديث من طريق أبي هريرة وقال فيه: قتل رجل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فرفع ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فدفعه إلى ولي المقتول. فقال القاتلُ: يا رسول الله! والله ما أردت قتله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم للولي: (أما إنَّه إن كان صادقًا ثمَّ قتلته دخلت النار) فحاصله: أن هذا المعترف بالقتل زعم أنه لم يرد قتله، وحلف عليه، فكان القتل خطأ، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم خاف أن يكون القاتل صدق فيما حلف عليه، وأن القاتل يعلم ذلك؛ لكن سلمه له بحكم إقراره بالعمد، ولا شاهد يشهد له بالخطأ. ومع ذلك فتوقَّع صدقَهُ، فقال: إن قتلته دخلت النَّار. فكأنه قال: إن كان صادقًا وعلمت أنت صدقه، ثمَّ قتلته فأنت في النار. وهذا - على ما فيه من التكلُّف - يبطله قوله:(القاتل والمقتول في النار)، فسوَّى بينهما في الوعيد. فلو كان القاتلُ مُخطِئًا لما استحق بذلك النَّار، ولَمَا باء بإثمِه وإثم صاحبه؛ فإن المخطئ لا يكون آثِمًا، ولا يتحمَّل إثمَ من أخطأ عليه.

(1) رواه أبو داود (4498) عن أبي هريرة.

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الرابع: أن أبا داود (1) روى هذا الحديث عن وائل بن حجر، وذكر فيه ما يدلّ: على أن النبي صلى الله عليه وسلم قصد تخليصه فعرض (2) الدِّية، أو العفو على الولي ثلاث مرَّات، والولي في كل ذلك يأبى إلا القتل معرضًا عن شفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وعن حرصه على تخليص الجاني من القتل، فكأن الولي صدر منه جفاء في حق النبي صلى الله عليه وسلم حيث ردَّ متأكد شفاعته، وخالفه في مقصوده. ويظهر هذا من مساق الحديث. وذلك: أن وائل بن حجر قال: كنت عند النبي صلى الله عليه وسلم إذ جيء برجل قاتل في عنقه نسعة. قال: فدعا ولي المقتول، فقال:(أتعفو؟ )، قال: لا. فقال: (أتأخذ الدِّية؟ ) قال: لا. قال: (أتقتل؟ ) قال: نعم. قال: (اذهب به)، فلمَّا ولى، قال:(أتعفو؟ ) قال: لا. قال: (أفتأخذ الدِّية؟ ) قال: لا. قال: (أفتقتل؟ ) قال: نعم. قال: (اذهب به)، فلمَّا كان في الرابعة قال:(أما إنَّك إن عفوت عنه يبوء بإثمه وإثم صاحبه)، قال: فعفا عنه (3). فهذا المساق يفهم منه: صحَّة قصد النبي صلى الله عليه وسلم لتخليص ذلك القاتل، وتأكد شفاعته له في العفو، أو قبول الدِّية. فلمَّا لم يلتفت الولي إلى ذلك كله صدرت منه صلى الله عليه وسلم تلك الأقوال الوعيدية مشروطة باستمراره على لَجَاجه، ومضيه على جفائه. فلما سمع الولي ذلك القول عفا وأحسن، فقُبِلَ، وأُكرِمَ. وهذا أقرب من تلك التأويلات والله أعلم بالمشكلات. وهذا الذي أشار إليه ابن أشوع حيث قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم سأله أن يعفو فأبى.

تنبيه: إنَّما عظم الإشكال من جهة قوله صلى الله عليه وسلم: (القاتل والمقتول في النار)، ولما كان ذلك قال بعض العلماء: إن هذا اللفظ يعني: قوله: (القاتل والمقتول في النار) إنما ذكره النبي صلى الله عليه وسلم في حديث آخر، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: (إذا التقى المسلمان

(1) رواه أبو داود (4499) عن وائل بن حجر.

(2)

في (ل 1): بعرْضِ.

(3)

رواه أبو داود (4499).

ص: 57

أَمَا تُرِيدُ أَن يَبُوءَ بِإِثمِكَ وَإِثمِ صَاحِبِكَ؟ . قَالَ: بلى يَا نَبِيَّ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّ ذَاكَ كَذَاكَ. قَالَ: فَرَمَى بِنِسعَتِهِ وَخَلَّى سَبِيلَهُ.

ــ

بسيفيهما فالقاتل والمقتول في النار) (1). فوهم بعض الرواة، فضمه إلى هذا الحديث الآخر.

قلت: وهذا فيه بُعد. والله تعالى أعلم.

و(قوله: أما تريد أن يبوء بإثمك وإثم صاحبك؟ ) أي: ينقلب، ويرجع. وأكثر ما يُستعمل:(باء بكذا) في الشر. ومنه قوله تعالى: {فَبَاءُوا بِغَضَبٍ عَلَى غَضَبٍ} ويعني بذلك - والله تعالى أعلم -: أن المقتول ظلمًا تُغفر له ذنوبه عند قتل القاتل له. والولي يغفر له عند عفوه عن القاتل. فصار ذهاب ذنوبهما بسبب القاتل، فلذلك قيل عنه: إنَّه باء بذنوب كل واحد منهما. هذا أحسن ما قيل فيه. والله تعالى أعلم.

و(قوله: ألك شيء تؤدِّيه عن نفسك) يفيد: أنَّه لو حضرت الدِّية لدفعت للولي، ولسقط القصاص لكن برضى الولي، ولا يُجبر على أخذها؛ لأنَّ الذي للولي القصاص أو التخيير. وهو حقه، ولا يختلف في هذا. وإنَّما اختلف في إجبار القاتل على إعطاء الدية إذا رضي بها الولي. فذهب جماعة: إلى إجباره عليها؛ منهم: الشافعي وغيره على ما تقدَّم في كتاب الحجِّ. وقالت طائفة أخرى: لا يجبر عليها، ولا يكون ذلك إلا برضا القاتل والولي، وإليه ذهب الكوفيون. وهو مشهور مذهب مالك. وسبب هذا الخلاف معارضة السُّنة للقرآن. وذلك: أن ظاهر القرآن وجوب القصاص. وهو قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتلَى} وقوله: {وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} وقد ثبت: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من قتل له قتيل فأهله بين خيرتين،

(1) رواه أحمد (5/ 46)، ومسلم (2888)(15)، وأبو داود (4269)، والنسائي (7/ 124)، وابن ماجه (3965).

ص: 58