الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَأَرسَلنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنهُ، فَأَكَلَهُ.
رواه أحمد (3/ 311)، ومسلم (1935)(17 و 18)، وأبو داود (3840)، والنسائي (7/ 208).
* * *
(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها
[1836]
عَن عَلِيِّ بنِ أَبِي طَالِبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن مُتعَةِ النِّسَاءِ يَومَ خَيبَرَ، وَعَن لُحُومِ الحُمُرِ الإِنسِيَّةِ.
رواه البخاري (5523)، ومسلم (1407)، والنسائي (6/ 126)، وابن ماجه (1961).
ــ
هذا الحديث للجمهور ردٌّ على من قال بمنع ما طفا من ميتات الماء. وهو: طاووس، وابن سيرين، وحماد بن زيد، وأصحاب الرأي - أبو حنيفة وأصحابه -. وروي عن جابر بن عبد الله أنه قال: يُؤكل ما يوجد في حافتي البحر، وما جَزَرَ عنه، ولا يُؤكل ما طفا. ومثله روي عن ابن عباس، وكأنهما قصرا الإباحة على حديث أبي عبيدة المذكور. والصحيح: الإباحة في الجميع لقوله صلى الله عليه وسلم: (هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)، والله تعالى أعلم.
(5)
ومن باب: النَّهي عن لحوم الحمر الأهلية
قد تقدم الكلام في (1) تحريم نكاح المتعة في كتاب النكاح.
(1) في (ل 1): على.
[1837]
وعن أَبي ثَعلَبَةَ قَالَ: حَرَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لُحُومَ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ.
رواه البخاريُّ (5527)، ومسلم (1936)، والنسائي (7/ 304).
ــ
و(قوله: حرَّم رسول الله صلى الله عليه وسلم لحوم الحمر الأهلية) وفي الروايات الأخر: (نهى)، والأُولى نصٌّ في تحريمها. وهي مفسِّرة للنَّهي الوارد في الروايات الأخر. وبالتحريم للحمر الأهلية قال جمهور العلماء - سلفًا وخلفًا - وفي مذهب مالك قولٌ بالكراهة المغلظة، والصحيح: الأول؛ لما تقدم. لا يقالُ: كيف يُجزِم بتحريم أكلها مع اختلاف الصحابة في تعليل النهي الوارد فيها على أقوال؟ فمنهم من قال: نهى عنها لأنَّها لم تُخَمس. ومنهم من قال: لأنها كانت حمولتهم. ومنهم من قال: لأنها كانت تأكل الجَلَّة، كما ذكره أبو داود. ومنهم من قال: لأنها رجس. وهذه كلها ثابتة بطرق صحيحة، وهي متقابلة، فلا تقوم بواحد منها حجَّة. فكيف يجزم بالتحريم؟ وإذا لم يجزم بالتحريم فأقل درجات النهي أن يحمل على الكراهة؛ لأنَّا نجيب عن ذلك: بأن الصحابي قد نصَّ على ذلك التحريم كما ذكرناه آنفًا، وبأن أولى العلل ما صرَّح به منادي رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال:(إن الله ورسوله ينهيانكم عنها، فإنَّها رجسٌ من عمل الشيطان). والرِّجس: النَّجس. فلحومها نجسة؛ لأنَّها هي التي عاد عليها ضمير (إنها رجس). وهي التي أمر بإراقتها من القدور، وغسلها منها، وهذا حكم النجاسة. فظهر: أن هذه العلَّة أولى من كل ما قيل فيها.
وأما التعليل الذي ذكره أبو داود من حديث غالب بن أبجر، وهو الذي قال فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم:(إنما حرمتها عليكم من أجل جوَّال القرية)(1) فحديث لا يصح؛ لأنَّه يرويه عن عبد الله بن عمرو بن لويم، وهو مجهول، وقد رواه رجل يقال له: عبد الرحمن بن بشر، وهو أيضًا مجهولٌ على ما ذكره أبو محمد عبد الحق.
وأما
(1) رواه أبو داود (3809).
[1838]
وعَن ابنِ عُمَرَ، نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَكلِ الحِمَارِ الأَهلِيِّ يَومَ خَيبَرَ، وَكَانَ النَّاسُ احتَاجُوا إِلَيهَا.
رواه البخاريُّ (4218)، ومسلم (561) في الصيد والذبائح (25)، والنسائي (7/ 203).
[1839]
وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ أَبِي أَوفَى، وسئل عَن لُحُومِ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ، فَقَالَ: أَصَابَتنَا مَجَاعَةٌ يَومَ خَيبَرَ، وَنَحنُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَد أَصَبنَا لِلقَومِ حُمُرًا خَارِجَةً مِن المَدِينَةِ فَنَحَرنَاهَا، فَإِنَّ قُدُورَنَا لَتَغلِي؛ إِذ نَادَى مُنَادِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَن اكفَؤوا القُدُورَ، وَلَا تَطعَمُوا مِن لُحُومِ الحُمُرِ
ــ
ما عدا ذلك من العلل التي ذكرناها فمتوهمة مقدَّرة، لا يشهد لها دليل. فصح ما قلناه، والحمد لله.
ثم نقول: لا بُعد في تعليل تحريمها بعلل مختلفة، كل واحدة منها مستقلة بإفادة التحريم. وهو الصحيح من أحد القولين للأصوليين. وأمَّا تعليل من علَّلها بعدم التخميس فغير صحيح؛ لأنَّه: يجوز أكل الطعام والعلوفة قبل التخميس اتفاقًا، لا سيما في حال المجاعة، والحاجة.
وقد تقدم القول في الإنسيَّة، وأنها تقال بفتح الهمزة والنون. [وهي الأشهر عند المحققين من أهل التقييد. ويقال أيضًا: بكسر الهمزة وسكون النون] (1). وكلاهما منسوب إلى الإنس.
و(قوله: أن اكفؤوا القدور) الرواية المشهورة بوصل الألف، وفتح الفاء، من: كفأت القدر إذا قلبتها، وقد رويت بقطع الهمزة وكسر الفاء من: أكفأت. قال ابن السكيت وابن قتيبة: هما لغتان بمعنى واحد. وقال الأصمعي: كفأت الإناء،
(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 2).
شَيئًا. فَقُلتُ: حَرَّمَهَا تَحرِيمَ مَاذَا؟ قَالَ: تَحَدَّثنَا بَينَنَا فَقُلنَا: حَرَّمَهَا أَلبَتَّةَ، وَحَرَّمَهَا مِن أَجلِ أَنَّهَا لَم تُخَمَّس.
وفي رواية: فقال: إنما نهى عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأنها لم تخمس، وقال آخرون: نهى عنها ألبتة.
رواه البخاري (3155)، ومسلم (1937)(26 و 27)، والنسائي (7/ 203).
[1840]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: لَا أَدرِي أنَهَى عَنهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِن أَجلِ أَنَّهُ كَانَ حَمُولَةَ النَّاسِ، فَكَرِهَ أَن تَذهَبَ حَمُولَتُهُم، أَو حَرَّمَهُ يَومِ خَيبَرَ؛ لُحُومَ الحُمُرِ الأَهلِيَّةِ.
رواه البخاريُّ (4227)، ومسلم (1939).
[1841]
وعَن سَلَمَةَ بنِ الأَكوَعِ قَالَ: خَرَجنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى خَيبَرَ، ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ فَتَحَهَا عَلَيهِم، فَلَمَّا أَمسَى النَّاسُ اليَومَ الَّذِي فُتِحَت عَلَيهِم أَوقَدُوا نِيرَانًا كَثِيرَةً، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذِهِ النِّيرَانُ؟ عَلَى أَيِّ شَيءٍ تُوقِدُونَ؟ . قَالَوا: عَلَى لَحمٍ، قَالَ: عَلَى أَيِّ لَحمٍ؟ . قَالَوا: عَلَى لَحمِ حُمُرٍ إِنسِيَّةٍ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَهرِيقُوهَا وَاكسِرُوهَا. فَقَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَو نُهَرِيقُهَا وَنَغسِلُهَا؟ قَالَ: أَو ذَاكَ.
رواه أحمد (4714)، والبخاري (2477)، ومسلم (1802)، وابن ماجه (3195).
ــ
وكلَّ شيء قلبته، ولا يقال: أكفأت، وقيل: كفأتُ القِدر: كببتها ليخرج ما فيها، وأكفأتها: أملتها.
و(قوله صلى الله عليه وسلم في القدور: (أهريقوها، واكسروها)، كأن الأمر بكسر هذه
[1842]
وعَن أَنَسٍ قَالَ: لَمَّا فَتَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَيبَرَ أَصَبنَا حُمُرًا خَارِجًا مِن القَريَةِ، فَطَبَخنَا مِنهَا، فَنَادَى مُنَادِي النبي صلى الله عليه وسلم: أَلَا إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنهَيَانِكُم عَنهَا؛ فَإِنَّهَا رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ. فَأُكفِئَت القُدُورُ بِمَا فِيهَا، وَإِنَّهَا لَتَفُورُ بِمَا فِيهَا.
وفي رواية: لَمَّا كَانَ يَومُ خَيبَرَ، جَاءَ جَاءٍ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُكِلَت الحُمُرُ، ثُمَّ جَاءَ آخَرُ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أُفنِيَت الحُمُرُ، فَأَمَرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَبَا طَلحَةَ فَنَادَى: إِنَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يَنهَيَانِكُم
…
وذكر نحوه.
رواه البخاري (5528)، ومسلم (1940)(34 و 35)، والنسائي (7/ 254)، وابن ماجه (3196)
* * *
ــ
القدور إنما صدر منه بناءً على أن هذه القدور لا ينتفع بها مطلقًا، وأن الغسل لا يؤثر فيها لما يسري فيها من النجاسات، كما نقوله في أواني الخمر المضرَّاة (1)، فلما قال له الرجل:(أو نهريقها، ونغسلها)، فهم الرسول صلى الله عليه وسلم أنها مِمَّا ينغَسل، فأباح له ذلك، فتبدَّل الحكم لتبَدُّل سببه. ولهذا في الشريعة نظائر. وهي تدل على أنَّه صلى الله عليه وسلم كان يحكم بالاجتهاد فيما لم يُوح إليه فيه شيء. وقد تقدم التنبيه على هذا في الحجِّ عند قول العباس:(إلا الإذخر).
وفيه دليلٌ: على أن إزالة النجاسات إنما تكون بالماء، خلافًا لأبي حنيفة، وقد تقدم.
* * *
(1) الضاري من الآنية: الذي ضُرِّي بالخمر (عُتِّقَ) فإذا جُعِل فيه النبيذ صار مُسكِرًا.