المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

وفي رواية: فانطلق به وفي عنقه نسعة يجرها، فلما أدبر قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: القاتل والمقتول في النار فأتى رجل الرجل فقال له مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فخلى عنه، قال ابن أشوع: إن النبي صلى الله عليه وسلم إنما سأله أن يعفو عنه فأبى.

رواه مسلم (1680)(22 و 23)، وأبو داود (4499 - 4501)، والنسائي (7/ 15 و 16).

* * *

(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

[1772]

عن أَبي هُرَيرَةَ قَالَ: اقتَتَلَت امرَأَتَانِ مِن هُذَيلٍ، فَرَمَت إِحدَاهُمَا الأُخرَى بِحَجَرٍ،

ــ

بين أن يأخذوا العقل، وبين أن يقتلوا) (1)، وهذا نصَّ في التخيير. وبيان الأرجح يستدعي تطويلًا. وبسطه في كتب الخلاف.

(9)

ومن باب: دية الخطأ على عاقلة القاتل وما جاء في دية الجنين

(قوله: اقتتلت امرأتان من هذيل - وفي أخرى -: من بني لحيان، فرمت إحداهما الأخرى بحجر). وفي حديث المغيرة: ضربتها بعمود فسطاط (2).

(1) رواه البخاري (4295)، ومسلم (1354)، والترمذي (809 و 1406)، والنسائي (5/ 205 و 206).

(2)

رواه مسلم (1682)(38).

ص: 59

فَقَتَلَتهَا وَمَا فِي بَطنِهَا، فَاختَصَمُوا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَنَّ دِيَةَ جَنِينِهَا غُرَّةٌ، عَبدٌ، أَو وَلِيدَةٌ،

ــ

لا تباعد بينهما؛ إذ يحتمل أن تكون جمعت ذلك عليها، فأخبر أحدهما بإحدى الآلتين، والثاني بالأخرى.

و(قوله: فقتلتها وما في بطنها) ظاهر العطف بالفاء: أن القتل وقع عقب الضرب، وليس كذلك لما رواه سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرة - عبد أو وليدة - ثمَّ: إن المرأة توفيت) (1)، وهذا نصٌّ في تأخر موتها عن وقت الضرب. وفي هذه الرواية أيضًا: بيان أن الجنين خرج ميتًا. والأولى محتملة لأن يكون خرج، ولأن يكون لم يخرج، لكنه مات، وبينهما فرقان، فإنَّه إذا مات في بطنها ولم يخرج فلا شيء فيه عند كافة العلماء؛ لأنَّه لم تتحقق حياته، ولأنَّه كالعضو منها، ولم ينفصل عنها، فلا شيء فيه. وأجمع أهل العلم: على أن في الجنين الذي يسقط من ضرب أمه حيًّا، ثم يموت؛ الدِّية كاملة في الخطأ وفي العمد بعد القسامة. وقيل: بغير قسامة، لكن اختلفوا فيما به تُعلم حياته. وقد اتفقوا: على أنه إذا استهل صارخًا، أو ارتضع، أو تنفس نفسًا محققًا حي، فيه الدِّية كاملة. واختلفوا فيما إذا تحرَّك. فقال الشافعي، وأبو حنيفة: حركته تدل على حياته. وقال مالك: لا؛ إلا أن يقارنها طول إقامة. وسببه اختلاف شهادة الحركة في الوجود للحياة.

و(قوله: فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن دية جنينها غرة - عبد، أو وليدة). قضى: حكم وألزم. و (غرة - عبد أو وليدة -) روي: (غرة) - بالتنوين - ورفع (عبدٌ) على البدل. وروي بغير تنوين وخفض عبد بالإضافة. ومعناهما متفاوت (2) وإن اختلف توجيههما النحوي.

(1) رواه أحمد (2/ 535)، والبخاري (6910)، ومسلم (1681).

(2)

في (ج 2): تقارب.

ص: 60

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و(قوله: أو وليدة) معطوف على (عبد) رفعًا وخفضًا. و (أو) فيه للتنويع، أو للتخيير، لا للشكِّ. وكذلك فهمه مالك وغيره. ويعني بالوليدة: الأمَة. وقد جاء في بعض ألفاظه: (أو أمة) مكان: (وليدة). وغرَّة المال: خياره. قال ابن فارس: غرة كل شيء: أكرمه وأنفسه. وقال أبو عمرو (1): معناه: الأبيض. ولذلك سميت: غرة. فلا يؤخذ فيها أسود. ولذلك: اختار مالك أن تكون من الحُمر. ومقتضى مذهب مالك: أنَّه مخيَّر بين إعطاء غرة، أو عُشر دية الأمِّ، من نوع ما يجري بينهم؛ إن كانوا أهل ذهب فخمسون دينارًا، أو أهل ورق فستمائة درهم، أو خمس فرائض من الإبل. وقيل: لا يعطى من الإبل. وعلى هذا في قيمة الغرة الجمهور. وخالف الثوري، وأبو حنيفة، فقالا: الغرة خمسمائة درهم؛ لأنَّ دية أمِّه عندهم خمسة آلاف درهم. وعمدة الجمهور في تقويم الغرَّة بما ذكر قضاء الصحابة بذلك. وذهب بعض السَّلف؛ منهم: عطاء، ومجاهد، وطاووس: إلى غرة عبد، أو وليدة، أو فرس. وقال بعضهم: أو بغل. وقال ابن سيرين: عبد، أو وليدة، أو مائة شاة. ومتمسك هؤلاء ما رواه أبو داود من حديث أبي هريرة قال: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الجنين بغرة عبد، أو أمة، أو فرس، أو حمار، أو بغل. وفي بعض طرقه: خمسمائة شاة (2). وهو وهمٌ. وصوابه: مائة شاة. وفي مسند الحارث بن أبي أسامة: في الجنين غرَّة عبد، أو أمة، أو عشر من الإبل، أو مائة شاة (3). خرَّجه من حديث حمل بن مالك (4). والصحيح: ما خرَّجه مسلم. وقال داود

(1) هو أبو عمرو بن العلاء، من أئمة اللغة والأدب، وأحد القراء السبعة. مات بالكوفة سنة (154 هـ).

(2)

رواه أبو داود (4579).

(3)

رواه الحارث بن أبي أسامة كما في (المطالب العالية رقم 1855) وفيه: عشرون من الإبل.

(4)

في المطالب العالية: حَمَل بن النابغة.

ص: 61

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وأصحابه: كل ما وقع عليه اسم (غرة) يجزئ. وأقل سن الغرَّة عند الشافعي سبع سنين في أحد قوليه.

وقد شذَّت شرذمة فقالوا: لا شيء في الجنين. وهي محجوجةٌ بكل ما تقدم في الباب، وبإجماع الصحابة على أن فيه حكمًا، وبحديث المغيرة الآتي بعده.

و(قوله: فطرحت جنينها)(1)، وفي اللفظ الآخر:(سقط ميتًا)(2). والجنين: اسم لما يجتنُّ في بطن المرأة [من الولد](3). والمتفق على اعتباره من أحواله أن يزايل أُمَّه وهو تامُّ التصوير والتخطيط.

واختلف فيما قبل ذلك من كونه: علقة، أو مضغة؛ هل يعتبر أم لا؟ فعندنا وعند أبي حنيفة: يعتبر. وعند الشافعي: لا، حتى يتبيَّن شيء من خلقه وتصويره، ولا فرق بين أن يكون ذكرًا، أو أنثى؛ إذ كل واحد منهما يسمَّى جنينًا، وكأن الشرع قصد بمشروعية الغرَّة في الجنين دفع الخصومة والتنازع. [كما قد فعل في باب المصرَّاة، حيث قدر فيها الصاع من الطعام رفعًا للتنازع](4) وجبرًا للمتلف بما تيسَّر. وقد بالغت الصحابة في هذا المعنى، حيث قدَّروا الغرَّة بخمسين دينارًا، أو ستمائة درهم. والله تعالى أعلم. فإن زايل الجنين أمَّه بعد موتها، فهل فيه غرَّة أم لا؟ قولان:

الأول: لربيعة، والليث، والزهري، وأشهب، وداود.

والثاني: لمالك، والشافعي، وعامة العلماء.

(1) هذا القول ليس في التلخيص، وإنما هو في إحدى روايات صحيح مسلم برقم (1681)(34).

(2)

هذا القول رواه مسلم في صحيحه (1681) 35).

(3)

ما بين حاصرتين ليس في (ع) و (ج 2).

(4)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 62

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

و(قوله: فقضى فيه بغرَّة، وجعله على أولياء المرأة) يعني: الضاربة. وهذا نصٌّ: في أن الغرة تقوم بها العاقلة. وبه قال الكوفيون، والشافعي. وهو أحد قولي مالك. وقيل: على الجاني. وهو المشهور من قول مالك. وقاله أهل البصرة. واختلفوا: هل تلزمه الكفارة مع الغرَّة أم لا؟ قولان. الأول لمالك.

قلت: وهذه الأحاديثُ كلُّها إنَّما جاءت في جنين واحد، انفصل من حرَّة مسلمة ميتًا. فلو خالف شيئًا من هذه القيود ففيه تفصيل. وذلك يعرف بمسائل:

الأولى: لو ألقت أجنة لكان في كل جنين غرَّة. هذا قول الكافة، ولا يعرف فيه خلاف.

الثانية: لو ألقت بعضه فلا غرَّة فيه. وقال الشافعي: فيه الغرَّة.

الثالثة: لو كان جنين أمة ففيه عشر قيمة أمَّه. هذا قول عامة أهل العلم. وذهب الثوري، والنعمان، وابن الحسن: إلى أن فيه عشر قيمته لو كان حيًّا ذكرًا كان أو أنثى. وذهب الحسن: إلى أن فيه نصف عشر ثمن أمَّه. وذهب سعيد بن المسيب: إلى أن فيه عشرة دنانير. وقال حمَّاد بن أبي سليمان: فيه حُكم.

الرابعة: جنين الكتابية. وفيه عشر دية أمَّه، ولا يحفظ فيه خلاف.

الخامسة: من أعتق ما في بطن جاريته، فضربها ضارب، فطرحته، فديته دية المملوك. وهو قول الزهري، والثوري، وأحمد، وإسحاق.

السادسة: إذا اختلف الجاني والمجني عليه، فقال الجاني: طرحته ميتًا. وقال المجني عليه: بل حيًّا. فالقول قول الجاني. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، وأصحاب الرأي.

السابعة: دية الجنين موروثة على كتاب الله تعالى. وقال الزهري والشافعي:

ص: 63

وَقَضَى بِدِيَةِ المَرأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا، وَوَرَّثَهَا وَلَدَهَا وَمَن مَعَهُم، فَقَالَ حَمَلُ بنُ النَّابِغَةِ الهُذَلِيُّ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وكَيفَ أَغرَمُ مَن لَا شَرِبَ، وَلَا أَكَلَ، وَلَا نَطَقَ وَلَا استَهَلَّ؟ ! فَمِثلُ ذَلِكَ يُطَلُّ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا هَذَا مِن إِخوَانِ الكُهَّانِ، مِن أَجلِ سَجعِهِ الَّذِي سَجَعَ.

ــ

إن كان الضارب هو الأب لم يرث من الغرَّة شيئًا. وقال الليث، وربيعة: هي للأم خاصَّة.

و(قول حمل بن النابغة: أنغرم من لا شربَ، ولا أكلَ، ولا نطقَ، ولا استهلَ) يدل: على أن عاقلة الجاني تحمل الغرَّة كما هو أحد القولين.

و(قوله: فمثل ذلك يُطَلُّ) رويناه بالياء باثنتين من تحتها، بمعنى: يُهدر [ولا يطلب به](1). ورويناه بالباء بواحدة من تحتها، من البطلان؛ أي: هو ممن ينبغي أن يبطل. والمعنيان يرجعان إلى شيء واحد؛ أي: هذا لا ينبغي فيه شيء.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: إنَّما هذا من إخوان الكهَّان) فسَّره الراوي: بقوله: من أجل سجعه؛ يعني بذلك: أنه تشبَّه بالكهَّان، فسجع كما يسجعون حين يخبرون عن المغيِّبات، كما قد ذكر ابن إسحاق من سجع شقّ وسطيح (2) وغيرهما. وهي عادةٌ مستمرَّة في الكهَّان. وقيل: إنما أنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك السَّجع لأنه جاء به في مقابلة حكم الله مستبعدًا له، ولا يذمُّ من حيث السَّجع؛ [لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد تكلم بكلام يشبه السجع] (3) في غير ما موضع. وقيل: إنما أنكر عليه تكلّف الإسجاع على طرق الكهَّان وحوشية الأعراب. وليس بسجع فصحاء العرب، ولا على مقاطعها.

قلت: وهذا القول الأخير إنَّما يصحُّ أن يقال على قوله صلى الله عليه وسلم: (أسجع

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

شقّ وسطيح: كاهنان من كهّان العرب.

(3)

ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).

ص: 64

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

كسجع الأعراب) (1)، لا على قوله:(إنَّما هذا من إخوان الكهَّان)(2)، فتأمله.

وحَمَل بن النابغة - بفتح الحاء المهملة والميم -. وقال فيه في الرواية الأخرى: حمل بن مالك. وهو هذلي من قبيل القاتلة. ولحيان: فخذ من هذيل، [ولذلك صدق أن يقال على القاتلة: أنها هذلية لحيانية. ولحيان] (3) يقال بفتح اللام وكسرها.

قلت: وقد ذكر الحديث الحارث بن أبي أسامة عن أبي المليح مرسلًا قال: إن حمل بن مالك كانت له امرأتان: مليكة، وأم عفيف، فحذفت إحداهما الأخرى (4) بحجر فأصابت قبلها، فماتت، وألقت جنينها ميِّتًا (5)، وذكر الحديث كنحو ما تقدم. وعلى هذا فكان حَمَلٌ زوجَ المقتولة والقاتلة، وعاصبَ القاتلة، ووالدَ الجنين. وحينئذ يكون قوله: أنغرم من لا شربَ ولا أكلَ؛ دليل: على أنه غارم وليس بوارث. ولهذا قال الليث بن سعد، وربيعة: إن الغرَّة للأمّ خاصة. ويحتمل: أن يكون معبِّرا عن العصبة دون نفسه، مستبعدًا للحكم، كما تقدم. والله تعالى أعلم.

و(قوله: وقضى بدية المرأة على عاقلتها) فيه تلفيف في الضمائر أزالته الرِّواية الأخرى؛ التي قال فيها: (فجعل دية المقتولة على عصبة القاتلة).

وقد احتج

(1) رواه مسلم (1682)(38)، وأبو داود (4568)، والترمذي (1411)، والنسائي (8/ 51)، وابن ماجه (2633).

(2)

هو حديث الباب رقم (2072).

(3)

ما بين حاصرتين ساقط من (م).

(4)

في حاشية (م): الضاربة: أم عفيف بنت مسروح، ويُقال فيها أيضًا: أم غطيف.

والمضروبة: مليكة بنت ساعدة الهذليّ.

(5)

ذكره ابن حجر في المطالب العالية برقم (1855).

ص: 65

وفي رواية: قال: فجعل رسول الله صلى الله عليه وسلم دية المقتولة على عصبة القاتلة، وغرة لما في بطنها.

ــ

بظاهر الحديث من رأى: أنه لا يستقاد ممن قتل بمثقل، وإنَّما عليه الدِّية. وهم الحنفية. ولا حجَّة لهم في ذلك لما تقدم: من أن النبي صلى الله عليه وسلم قد أقاد ممن قتل بحجر، كما تقدم في حديث اليهودي (1)، ولقوله تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} والمماثلة بالمثقَّل ممكنة، ولإمكان كون هذا القتل خطأ أو شبه عمد [فاندفع القصاص بذلك](2)، ولو سلّم: أنه كان عمدًا لكان ذلك برضا العصبة، وأولياء الدَّم، لا بالحكم، وكل ذلك محتمل، فلا حجَّة لهم فيه.

وفيه ما يدل: على أن العاقلة تحمل الدِّية. وقد أجمع المسلمون: على أنَّها تحمل دية الخطأ، وما زاد على الثلث. واختلفوا في الثلث. فقال الزهري: الثلث فدونه هو في مال الجاني، [ولا تحمله العاقلة. وقال سعيد بن المسيب: الثلث فما زاد على العاقلة، وما دون الثلث في مال الجاني] (3)، وبه قال مالك، وعطاء، وعبد العزيز بن أبي سلمة. وأمَّا ما دون الثلث فلا تحمله العاقلة عند من ذكر، ولا عند أحمد. وقالت طائفة: عقل الخطأ على عاقلة الجاني؛ قَلَّت الجنايةُ أو كثرت. وهو قول الشافعي. وقد تقدم في الدِّيات وانقسامها. فإن قيل: كيف ألزم العاقلة الدية، والقتل عمدٌ؟ والعاقلة لا تعقل عمدًا، ولا صلحًا، ولا اعترافًا.

فالجواب: أن هذا الحديث خرَّجه النَّسائي من حديث حَمَل بن مالك. وقال فيه: قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم في جنينها بغرَّة، وأن تقتل بها (4). وهو طريق صحيح.

(1) سبق تخريجه في التلخيص برقم (2063 و 2064).

(2)

ما بين حاصرتين مستدرك من (ج 2).

(3)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

(4)

رواه النسائي (8/ 47).

ص: 66

وفي أخرى: فقضى فيه بغرة، وجعله على أولياء المرأة.

رواه أحمد (2/ 438 و 535)، والبخاري (6910)، ومسلم (1681)(36 و 37 و 38)، وأبو داود (4576 و 4579)، وابن ماجه (2639 و 2641).

ــ

وهذا نصٌّ: في أنه قضى بالقصاص من القاتلة؛ بخلاف الأحاديث المتقدمة؛ فإن فيها: أنه قضى على العاقلة بالدِّية.

ووجه التلفيق؛ وبه يحصل [الجواب على](1) التحقيق: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قضى بقتل القاتلة أولًا، ثم إن العصبة، والأولياء اصطلحوا: على أن التزم العصبة الدِّية ويعفو الأولياء. فقضى النبي صلى الله عليه وسلم بالدِّية على العصبة لما التزموها. والله تعالى أعلم.

و(قوله: وورثها عصبتها ومن معهم) أعاد الضمير الأول على الدِّية، والثاني على المقتولة. وعنى بالعصبة: بنيها، وبمن معهم من الزوج. ولم يختلف: في أن الزوج يرث هنا من دية زوجته فرضه، وإن كانوا قد اختلفوا فيه: هل يرث من دية الجنين؟ على ما تقدم. والدِّية موروثة على الفرائض سواء كانت عن خطأ، أو عن عمدٍ تعذَّر فيه القود. والذي يبين الحق في هذا الباب حديثان خرَّجهما الترمذي.

أحدهما: عن سعيد بن المسيب. قال: قال عمر: الدِّية على العاقلة، ولا ترث المرأة من زوجها شيئًا (2). فأخبره الضحَّاك بن سفيان الكلابي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إليه: أن ورث امرأة أشيم الضَّبابي من دية زوجها. وقال: هذا حديث حسن صحيح (3).

وثانيهما: عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ج 2).

(2)

ليست في (ل 1).

(3)

رواه الترمذي (2110).

ص: 67

[1773]

وعَن المِسوَرِ بنِ مَخرَمَةَ قَالَ: استشار عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ، الناس فِي مِلَاصِ المَرأَةِ، فقال المُغِيرَةُ بنُ شُعبَةَ: شَهِدتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَضَى

ــ

قضى في جنين امرأة من بني لحيان سقط ميتًا بغرَّة عبد أو أمة، ثم إن المرأة التي قضى عليها (1) بغرة توفيت، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم: بأن ميراثها لبنيها وزوجها، وإن عقلها على عصبتها (2).

ثمَّ حيث وجبت الدِّية على العاقلة؛ فلا تؤخذ منهم حالَّة، بل مُنجَّمة في ثلاث سنين. وهو قول عامَّة أهل العلم من السَّلف والخلف. وتوزع على الأحرار، البالغين، الأغنياء، الذكور. فلا تؤخذ من عبدٍ، ولا من صبي، ولا من امرأة، ولا من فقير بالإجماع على ما حكاه ابن المنذر. واختلفوا في قدر ما يوزع على من يُطالَب بها.

فقال الشافعي: من كثر ماله أخذ منه نصف دينار، ومن كان دونه ربع دينار، لا ينقص منه، ولا يزاد عليه. وحكى أبو ثور عن مالك: أنه قال: على كل رجل ربع دينار. وبه قال أبو ثور. وقال أحمد: يحملون بقدر ما يطيقون. وقال أصحاب الرأي: ثلاثة دراهم، [أو أربعة دراهم](3).

قلت: والقول ما قاله أحمد. فإن التحديد يحتاج إلى شرع جديد.

و(قوله: استشار عمر بن الخطاب الناس في ملاص المرأة) كذا صحيح الرواية: (ملاص) من غير ألف. وقد وقع في بعض نسخ الأئمة: (إملاص)، وكذا قيَّده الحميدي. وكلاهما صحيح في اللغة. فإنَّه قد جاء: أملص، وملص: إذا أفلت. قال الهروي: وسُئل عن إملاص المرأة الجنين قال: يعني: أن تزلقه قبل

(1) في حاشية (م): عليها، بمعنى لها، وهي المضروبة.

(2)

رواه الترمذي (2111).

(3)

ما بين حاصرتين سقط من (ج 2).

ص: 68

فِيهِ بِغُرَّةٍ: عَبدٍ أَو أَمَةٍ، قال: فَقَالَ عُمَرُ: ائتِنِي بِمَن يَشهَدُ مَعَكَ، قَالَ: فَشَهِدَ له مُحَمَّدُ بنُ مَسلمَةَ.

رواه أحمد (4/ 244)، والبخاريُّ (6905)، ومسلم (1683)، وابن ماجه (2640).

* * *

ــ

وقت الولادة. وكل ما زلق من اليد فقد ملَص يملَص. ومنه حديث الدَّجال: وأملصت به أمُّه (1). قال أبو العبَّاس: يقال: أملصت به. وأزلقت به. وأسهلت به، وخطأت به.

قلت: وإملاص فيما حكاه الهروي عن عمر هو المصدر؛ لأنَّه ذكر بعده الجنين، وهو مفعوله. وفيما ذكره مسلم (2):(ملاص) ويعني به: الجنين نفسه، فلا يتعدَّى هنا؛ لأنه نقل من المصدر المؤكد، فسمِّي به. فإن أصله: ملص يملص ملاصًا؛ كـ (لزم، يلزم، لزامًا).

وفيه من الفقه: الاستشارة في الوقائع الشرعية، وقبول أخبار الآحاد، والاستظهار بالعدد في أخبار العدول. وليس ذلك عن شك في العدالة، وإنَّما هو استزادة يقين، وطمأنينة نفس. ولا حجَّة فيه لمن يشترط العدد في قبول أخبار الآحاد؛ لأنَّ عمر رضي الله عنه قد قبل خبر الضَّحَّاك وغيره من غير استظهار. والله تعالى أعلم (3).

* * *

(1) ذكره ابن الأثير في النهاية (4/ 356).

(2)

من (ج 2).

(3)

في (ع): ورد بعد هذا الكتاب: كتاب الضحايا، وهو مخالف لترتيب التلخيص والنسخ المخطوطة.

ص: 69