الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَلَمَّا أَصبَحَ غَدَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: قَد عَجِبَ اللَّهُ مِن صَنِيعِكُمَا بِضَيفِكُمَا اللَّيلَةَ.
وفي رواية: فنزلت: وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ.
رواه البخاري (3798)، ومسلم (2054)(172 و 173)، وأبو داود (3748)، والترمذيُّ (1967)، وابن ماجه (3675).
* * *
(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم
[1942]
عَن المِقدَادِ قَالَ: أَقبَلتُ أَنَا وَصَاحِبَانِ لِي، وَقَد ذَهَبَت أَسمَاعُنَا وَأَبصَارُنَا مِن الجَهدِ، فَجَعَلنَا نَعرِضُ أَنفُسَنَا عَلَى أَصحَابِ
ــ
الله تعالى، ولا يطلبن من النبي صلى الله عليه وسلم لسقوط ذلك عنه بالذي دفع لهنَّ.
و(قوله: عجب الله من صنيعكما بضيفكما) أي: رضي بذلك، وعظَّمه عند ملائكته، كما يباهي بأهل عرفة الملائكة. وهذا الحديث يدلّ على فضل أبي طلحة، وأهل بيته رضي الله عنهم، وأنَّهم المعنيون بقوله تعالى:{وَيُؤثِرُونَ عَلَى أَنفُسِهِم وَلَو كَانَ بِهِم خَصَاصَةٌ} و (الخصاصة): الجوع والفاقة.
و(قول المقداد: قد ذهبت أسماعنا وأبصارنا) أي: ضعفت حتى قاربت الذهاب.
و(قوله: فجعلنا نعرض أنفسنا) أي: نتعرَّض لهم ليطعمونا، وذلك لشدة ما كانوا عليه من الجوع، والضعف.
رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَيسَ أَحَدٌ مِنهُم يَقبَلُنَا، فَأَتَينَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَانطَلَقَ بِنَا إِلَى أَهلِهِ، فَإِذَا ثَلَاثَةُ أَعنُزٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: احتَلِبُوا هَذَا اللَّبَنَ بَينَنَا. قَالَ: فَكُنَّا نَحتَلِبُ، فَيَشرَبُ كُلُّ إِنسَانٍ مِنَّا نَصِيبَهُ، وَنَرفَعُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم نَصِيبَهُ، قَالَ: فَيَجِيءُ مِن اللَّيلِ فَيُسَلِّمُ تَسلِيمًا لَا يُوقِظُ نَائِمًا، وَيُسمِعُ اليَقظَانَ، قَالَ: ثُمَّ يَأتِي المَسجِدَ فَيُصَلِّي، ثُمَّ يَأتِي شَرَابَهُ فَيَشرَبُ، فَأَتَانِي الشَّيطَانُ ذَاتَ لَيلَةٍ وَقَد شَرِبتُ نَصِيبِي، فَقَالَ: مُحَمَّدٌ يَأتِي الأَنصَارَ فَيُتحِفُونَهُ وَيُصِيبُ عِندَهُم، مَا بِهِ حَاجَةٌ إِلَى هَذِهِ الجُرعَةِ، فَأَتَيتُهَا فَشَرِبتُهَا، فَلَمَّا أَن وَغَلَت فِي صدري،
ــ
و(قوله: فليس أحدٌ منهم يقبلنا) أي: يطعمنا. وظاهر حالهم: أن ذلك الامتناع ممن تعرضوا له إنَّما كان لأنهم ما وجدوا شيئًا يطعمونهم إيَّاه، كما اتفق للنبي صلى الله عليه وسلم حيث طلب جميع بيوت نسائه، فلم يجد عندهم شيئًا؛ فإنَّ الوقت كان شديدًا عليهم.
و(قوله: فيسلِّم تسليمًا لا يوقظ نائمًا، ويسمع اليقظان) فيه دليل على مشروعية السَّلام عند دخول البيت. وقد استحبَّه مالك. وأن ذلك مما ينبغي أن يكون برفق، واعتدال.
و(الجرعة): الشربة الواحدة - بضم الجيم - وبالفتح: المصدر المحدود.
و(قوله: وغلت في بطني) أي: دخلت، فكل من دخل في شيء فهو واغل فيه. ومنه قول الشاعر (1):
فاليوم أشربُ (2) غير مُستَحقب
…
إثمًا من الله ولا واغل
يقال: وغَلتُ، أُغِلَ، وغولا، ووغلًا. وهو ثلاثي. فأمَّا (أوغل): رباعيًّا، فهو
(1) هو امرؤ القيس.
(2)
في اللسان والديوان: أُسْقَى. وفي (ج 2): أشرَب -بالسكون-.
وَعَلِمتُ أَنَّهُ لَيسَ إِلَيهَا سَبِيلٌ، قَالَ: نَدَّمَنِي الشَّيطَانُ فَقَالَ: وَيحَكَ، مَا صَنَعتَ؟ أَشَرِبتَ شَرَابَ مُحَمَّدٍ، فَيَجِيءُ فَلَا يَجِدُهُ، فَيَدعُو عَلَيكَ فَتَهلِكُ، فَتَذهَبُ دُنيَاكَ وَآخِرَتُكَ؟ وَعَلَيَّ شَملَةٌ إِذَا وَضَعتُهَا عَلَى قَدَمَيَّ خَرَجَ رَأسِي، وَإِذَا وَضَعتُهَا عَلَى رَأسِي خَرَجَ قَدَمَايَ، وَجَعَلَ لَا يَجِيئُنِي النَّومُ، وَأَمَّا صَاحِبَايَ فَنَامَا وَلَم يَصنَعَا مَا صَنَعتُ، قَالَ: فَجَاءَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم، فَسَلَّمَ كَمَا كَانَ يُسَلِّمُ، ثُمَّ أَتَى المَسجِدَ فَصَلَّى، ثُمَّ أَتَى شَرَابَهُ فَكَشَفَ عَنهُ فَلَم يَجِد فِيهِ شَيئًا، فَرَفَعَ رَأسَهُ إِلَى السَّمَاءِ، فَقُلتُ: الآنَ يَدعُو عَلَيَّ فَأَهلِكُ، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَطعِم مَن أَطعَمَنِي، وَأَسقِ مَن أَسقَانِي. قَالَ: فَعَمَدتُ إِلَى الشَّملَةِ
ــ
بمعنى: السَّير الشديد، والإمعان فيه، قاله الأصمعي. ومنه قوله صلى الله عليه وسلم:(إن هذا الدِّين متين، فأوغل فيه برفق)(1) أي: فسر فيه برفق.
و(الشَّملة): كساء صغير يشتمل به؛ أي: يُلتحف به على كيفية مخصوصة، قد ذكرناها في الصلاة.
و(قوله: ثم أتى المسجد) يعني به - والله أعلم -: مسجد بيته، أي: حيث كان يصلِّي النوافل.
وقوله صلى الله عليه وسلم لما لم يجد شيئًا: (اللهم أطعم من أطعمني، وأسق من سقاني) يدلّ على كرم أخلاقه، ونزاهة نفسه صلى الله عليه وسلم؛ إذ لم يسأل عن نصيبه، ولم يُعرّج على ذلك، لكنَّه دعا الله تعالى.
و(سقاني) بمعنى يسقيني. و (من أطعمني) بمعنى: يطعمني. ولما فهم المقداد منه الدعاء، وطلب أن يفعل الله ذلك معه في الحال؛ عرف: أن الله يجيبه، ولا يرد دعوته، لا سيما عند شدَّة الحاجة، والفاقة. فقام لينظر له شيئًا تكون به إجابة دعوته، فوجد الأعنز حفلًا؛ أي: ممتلئة الضروع باللبن.
(1) رواه أحمد (3/ 199).
فَشَدَدتُهَا عَلَيَّ، وَأَخَذتُ الشَّفرَةَ فَانطَلَقتُ إِلَى الأَعنُزِ أَيُّهَا أَسمَنُ فَأَذبَحُهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَإِذَا هِيَ حَافِل، وَإِذَا هُنَّ حُفَّلٌ كُلُّهُنَّ، فَعَمَدتُ إِلَى إِنَاءٍ لِآلِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، مَا كَانُوا يَطمَعُونَ أَن يَحتَلِبُوا فِيهِ، قَالَ: فَحَلَبتُ فِيهِ حَتَّى عَلَتهُ رَغوَةٌ، فَجِئتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: أَشَرِبتُم شَرَابَكُم اللَّيلَةَ؟ . قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشرَب. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشرَب. فَشَرِبَ ثُمَّ نَاوَلَنِي، فَلَمَّا عَرَفتُ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَد رَوِيَ وَأَصَبتُ دَعوَتَهُ، ضَحِكتُ حَتَّى أُلقِيتُ إِلَى الأَرضِ، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: إِحدَى سَوآتِكَ يَا مِقدَادُ. فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَ مِن أَمرِي كَذَا وَكَذَا، وَفَعَلتُ كَذَا، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: مَا هَذِهِ إِلَّا رَحمَةٌ مِن اللَّهِ، أَفَلَا كُنتَ آذَنتَنِي فَنُوقِظَ صَاحِبَينَا فَيُصِيبَانِ مِنهَا؟ . قَالَ: فَقُلتُ: وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالحَقِّ مَا أُبَالِي إِذَا أَصَبتَهَا وَأَصَبتُهَا مَعَكَ مَن أَصَابَهَا مِن النَّاسِ.
رواه أحمد (6/ 3)، ومسلم (2055).
* * *
ــ
و(الرَّغوة) بضم الراء: ما يعلو اللبن عند الصب والحلب.
و(رَوِي) بكسر الواو، وتحريك الياء في الماضي، يروَى بفتح الواو وسكون الياء: في الشرب. فأما (رَوَى) بفتح الواو في الماضي، وكسره في المستقبل: فهو في رواية الأخبار. ويقال أيضًا بمعنى: الاستقاء على الإبل. وهذا الحديث من دلائل نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
و(قوله: فضحكت حتى ألقيت إلى الأرض) كذا قيدناه مبنيًا لما لم يسم فاعله. وقد وجدناه في بعض النسخ: (ألقيت) مبنيا للفاعل؛ أي: ألقيت نفسي إلى الأرض من شدَّة الضحك. ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم منه ذلك كره ذلك، وقال له:(إحدى سوآتك يا مقداد) أي: هذه الحالة حالة سيئة من جملة حالاتك التي