الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع
[2172]
عن عَبدَ اللَّهِ بنَ عَبَّاسٍ قَالَ: أَخبَرَنِي رَجُلٌ مِن أَصحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم مِن الأَنصَارِ أَنَّهُم بَينَمَا هُم جُلُوسٌ لَيلَةً مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رُمِيَ بِنَجمٍ فَاستَنَارَ، فَقَالَ لَهُم رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَاذَا كُنتُم تَقُولُونَ فِي الجَاهِلِيَّةِ إِذَا رُمِيَ بِمِثلِ هَذَا؟ قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعلَمُ، كُنَّا نَقُولُ: وُلِدَ اللَّيلَةَ رَجُلٌ عَظِيمٌ، وَمَاتَ رَجُلٌ عَظِيمٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنَّهَا لَا يُرمَى بِهَا لِمَوتِ أَحَدٍ وَلَا لِحَيَاتِهِ، وَلَكِن رَبُّنَا تبارك وتعالى اسمُهُ إِذَا قَضَى أَمرًا سَبَّحَ حَمَلَةُ العَرشِ، ثُمَّ سَبَّحَ أَهلُ السَّمَاءِ الَّذِينَ يَلُونَهُم، حَتَّى يَبلُغَ
ــ
كما قد نصَّ عليه في الحديث، وكذلك في الأربعين الميعادية: أمر بنو إسرائيل أن يكملوا تهيَّؤهم لسماع كلام الله، فكمل لهم ذلك عند انتهائها، ومثل ذلك في الأربعين الإخلاصية، وأما أربعون شارب الخمر فليَتَبدَّل لحم شارب الخمر بغيره، ويؤيده أن أهل التجارب قالوا: إن السمن يظهر في الحيوان في أربعين يومًا، وقريبٌ من هذا الأربعون المضروبة لخصال الفطرة؛ لأنَّها عند انتهائها يكمل فحشها واستقذارها، فينبغي أن تغير عن حالها. وأما أربعون إتيان العراف فلأنها - والله أعلم - المدة التي ينتهي إليها تأثير تلك المعصية في قلب فاعلها وفي جوارحه، وعند انتهائها ينتهي ذلك التأثير، والله تعالى أعلم.
(20)
ومن باب رمي الشياطين بالنجوم
قوله لكن ربُّنا إذا قضى أمرًا سبَّح حملة العرش؛ أي: أظهر قضاءه وما حكم به لملائكته، لأنَّ قضاءه إنما هو راجع إلى سابق علمه ونفوذ مشيئته وحُكمه، وهما أزليان، فإذا اطّلع حملة العرش على ما سبق في علمه خضعت الملائكة لعظمته وضجَّت بتسبيحه وتقديسه، فيسمع ذلك أهل السماء التي
التَّسبِيحُ أَهلَ هَذِهِ السَّمَاءِ الدُّنيَا، ثُمَّ قَالَ الَّذِينَ يَلُونَ حَمَلَةَ العَرشِ لِحَمَلَةِ العَرشِ: مَاذَا قَالَ رَبُّكُم؟ فَيُخبِرُونَهُم مَاذَا قَالَ، فَيَستَخبِرُ بَعضُ أَهلِ السَّمَاوَاتِ بَعضًا حَتَّى يَبلُغَ الخَبَرُ هَذِهِ السَّمَاءَ الدُّنيَا، فَيخطَفُ الجِنُّ السَّمعَ فَيَقذِفُونَ إِلَى أَولِيَائِهِم، وَيُرمَونَ بِهِ، فَمَا جَاؤوا بِهِ عَلَى وَجهِهِ فَهُوَ حَقٌّ، وَلَكِنَّهُم يَقرفُونَ فِيهِ وَيَزِيدُونَ.
ــ
تليهم، وهكذا ينتهي التسبيح لملائكة سماء الدنيا، ثم يتساءلون فيما بينهم: ماذا قال ربكم؟ على الترتيب المذكور في الحديث.
ففيه ما يدل على أن حملة العرش أفضل الملائكة وأعلاهم منزلة، وأن فضائل الملائكة على حسب مراتبهم في السماوات، وأن الكل منهم لا يعلمون شيئًا من الأمور إلا بأن يعلمهم الله تعالى به، كما قال تعالى:{عَالِمُ الغَيبِ فَلا يُظهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَدًا * إِلا مَنِ ارتَضَى مِن رَسُولٍ}
وفيه ما يدل على أن علوم الملائكة بالكائنات يستفيده بعضهم من بعض إلا حملة العرش؛ فإنهم يستفيدون علومهم من الحق سبحانه وتعالى، فإنَّهم هم المبدوؤون بالإعلام أولًا، ثم إن ملائكة كل سماء تستفيد من التي فوقها، وفي هذا دليل على أن النجوم لا يعرف بها علم الغيب ولا القضاء، ولو كان كذلك لكانت الملائكة أعلم بذلك وأحق به، وكل ما يتعاطاه المنجمون من ذلك فليس شيء منه علمًا يقينًا، وإنَّما هو رجم بظن وتخمين بوهم، الإصابة فيه نادرة، والخطأ والكذب فيه غالب، وهذا مشاهد من أحوال المنجمين، والمطلوب من العلوم النجوميات ما يهتدى به في الظلمات وتعرف به الأوقات، وما سوى ذلك فمخارق وتُرَّهات، ويكفي في الرد عليهم ظهور كذبهم واضطراب قولهم، وقد اتفقت الشرائع على أن القضاء بالنجوم محرَّم مذموم.
وقوله ولكنهم يقرفون فيه ويزيدون، هكذا عند ابن ماهان، وهو من القرف وهو الخلط - قاله صاحب الأفعال؛ أي: يخلطون فيها من الكذب.