المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

[2140]

عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ أَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِن أَحيَاءِ العَرَبِ، فَاستَضَافُوهُم فَلَم يُضِيفُوهُم، فَقَالُوا لَهُم: هَل فِيكُم رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ - أَو مُصَابٌ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنهُم: نَعَم. فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ فَأَبَى أَن يَقبَلَهَا، وقَالَ: حَتَّى أَذكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا رَقَيتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ! فَتَبَسَّمَ وَقَال: وَمَا أَدرَاكَ أَنَّهَا رُقيَةٌ؟

ــ

(7)

ومن باب: أمِّ القرآن رقيةٌ من كل شيء

الحي القبيل، واستضافوهم سألوهم الضيافة، واللَّديغ الذي لدغته الحيَّة أو العقرب، وقد يُسمَّى بالسليم تفاؤلًا كما قد جاء في الرواية الأخرى (1). والقطيع من الغنم هو الجزء المقتطع منها، فعيل بمعنى مفعول.

وقوله وما أدراك أنها رقية؟ ! ؛ أي: أي شيء أعلمك أنَّها رقية؟ ! تعجبًا من وقوعه على الرُّقى بها، ولذلك تبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله وما أدراك أنها رقية؟ ! ، وكأن هذا الرجل علم أن هذه السورة قد خصَّت بأمور؛ منها: أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين،

(1) انظر: صحيح مسلم (2201)(66).

ص: 585

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وعلى بيان عاقبة الجاحدين.

وقد روى الدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا (1)، وفيه فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ! فقلت: يا رسول الله، شيء ألقي في روعي. قال: فكلوا وأطعمونا من الغنم (2)، وقيل: إن موضع الرُّقية منها إنما هو: {إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} ويظهر لي أن السُّورة كلها موضع الرُّقية لما ذكرناه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: وما أدراك أنَّها رقية؟ ، ولم يقل: إن فيها رقية.

وقوله اقسموا (3)، واضربوا لي بسهم معكم، هذه القسمة (4) إنَّما هي قسمة برضا الرَّاقي؛ لأنَّ الغنم ملكه، إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحقها، لكن طابت نفسه بالتشريك فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة وهي القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، وقد تقدَّم ذكر الخلاف فيها في النكاح.

وقوله في الأم (5) ما كنا نأبُنُه برقية؛ أي نتهمه بها، يقال: أَبَنتُ الرَّجل، آبُنُهُ، وآبِنُهُ - إذا رميته بخلَّة سوء. ومنه: رجل مأبون؛ أي: معيبٌ. والأبنَة: العيب. ومنه: عودٌ مأبون - إذا كان فيه أُبنَة تعيبه؛ أي: عقدة - قاله القتبي وغيره.

وقد روي هذا الحرف ما كنَّا نظنه بدل نأبنه؛ أي: نتهمه.

وقد ذكر أبو داود (6) حديث أبي سعيد هذا على مساق فيه زوائد، فلنذكره على سياقه، فقال:

(1) زيادة من (ج 2).

(2)

رواه الدارقطني (3/ 63 - 64).

(3)

هذه اللفظة ليست في الرواية التي أوردها في التلخيص، وإنما هي في رواية أخرى في الأم برقم (2201)(66).

(4)

ما بين حاصرتين زيادة من (ج 2).

(5)

انظر صحيح مسلم (2201)(66).

(6)

رواه أبو داود (3418).

ص: 586

ثُمَّ قَالَ: خُذُوا مِنهُم، وَاضرِبُوا لِي بِسَهمٍ مَعَكُم.

ــ

عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رهطًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، فنزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم. قال: فلُدِغ سيِّدُ ذلك الحي، فَشَفَوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهط الذين نزلوا بكم لعل يكون عند بعضهم شيء ينفع صاحبكم! فقال بعضهم: إن سيِّدنا لُدغ، فشفينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء يشفي صاحبنا رُقية؟ فقال رجل من القوم: إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا! ما أنا براقٍ حتَّى تجعلوا لنا جعلًا! فجعلوا له قطيعًا من الشاء، فأتاه فقرأ عليه أمَّ الكتاب، ويَتفِل حتَّى برأ كأنما أُنشط من عقال. قال: فأوفاهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال: اقتسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستأمره! فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟ ! أحسنتم، فاضربوا لي معكم بسهم.

وذُكِرَ عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمِّه أنه مرَّ بقومٍ، فأتوه فقال: إنك جئت من عند (1) هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرَّجل! فأتوه برجل معتوهٌ في القيود فرقاه بأمِّ القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشيَّة، كلَّما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنَّما أنشط من عقال، فأعطوه شيئًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُل، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق (2)، ولا يخفى ما في هذا المساق من الفقه والزوائد، فتأمله!

وإيقاف الصحابي قبول الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمل بما يجب من التوقف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمرٌ لا يختلف فيه.

وقوله صلى الله عليه وسلم خذوا منهم، واضربوا لي معكم بسهم بيان للحكم بالقول

(1) زيادة من (ل 1).

(2)

رواه أبو داود (3420).

ص: 587

وفي رواية: فَجَعَلَ يَقرَأُ أُمَّ القُرآنِ وَيَجمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتفِلُ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ.

رواه أحمد (3/ 10)، والبخاريُّ (2276)، ومسلم (2201)(65)، وأبو داود (3418)، والترمذي (2064)، والنسائي (1028) في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه (2560).

* * *

ــ

وتمكين له بالعمل؛ إذ لم تكن له حاجة لذلك السَّهم إلا ليبالغ في بيان أن ذلك من الحلال المحض الذي لا شبهة فيه، فكان ذلك أعظم دليل لمن يقول بجواز الأجرة على الرُّقى والطب، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وجماعة من السَّلف والخلف.

وأمَّا الأجرة على تعليم القرآن فأجازها الجمهور من السلف والخلف متمسكين بهذا الحديث، وما زاد فيه البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله (1)، وهذا يلحق بالنُّصوص، وقد حرم أبو حنيفة أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وكذلك أصحابه - تمسُّكًا بأمرين:

أحدهما: أن تعلم القرآن وتعليمه واجبٌ من الواجبات التي تحتاج إلى نيَّة التقرُّب والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام.

وثانيهما: ما رواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت قال: علَّمت ناسًا من أهل الصُّفة الكتاب والقرآن، وأهدى إلي رجل منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله، فلآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنَّه! فأتيته فسألته، فقال: إن كنت تحب أن تطوَّق قوسًا من نار فاقبلها (2).

(1) رواه البخاري (5737).

(2)

رواه أبو داود (3416).

ص: 588