الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء
[2140]
عَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ أَنَّ نَاسًا مِن أَصحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا فِي سَفَرٍ، فَمَرُّوا بِحَيٍّ مِن أَحيَاءِ العَرَبِ، فَاستَضَافُوهُم فَلَم يُضِيفُوهُم، فَقَالُوا لَهُم: هَل فِيكُم رَاقٍ؟ فَإِنَّ سَيِّدَ الحَيِّ لَدِيغٌ - أَو مُصَابٌ! فَقَالَ رَجُلٌ مِنهُم: نَعَم. فَأَتَاهُ فَرَقَاهُ بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ، فَأُعطِيَ قَطِيعًا مِن غَنَمٍ فَأَبَى أَن يَقبَلَهَا، وقَالَ: حَتَّى أَذكُرَ ذَلِكَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم! فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهِ مَا رَقَيتُ إِلَّا بِفَاتِحَةِ الكِتَابِ! فَتَبَسَّمَ وَقَال: وَمَا أَدرَاكَ أَنَّهَا رُقيَةٌ؟
ــ
(7)
ومن باب: أمِّ القرآن رقيةٌ من كل شيء
الحي القبيل، واستضافوهم سألوهم الضيافة، واللَّديغ الذي لدغته الحيَّة أو العقرب، وقد يُسمَّى بالسليم تفاؤلًا كما قد جاء في الرواية الأخرى (1). والقطيع من الغنم هو الجزء المقتطع منها، فعيل بمعنى مفعول.
وقوله وما أدراك أنها رقية؟ ! ؛ أي: أي شيء أعلمك أنَّها رقية؟ ! تعجبًا من وقوعه على الرُّقى بها، ولذلك تبسَّم النبي صلى الله عليه وسلم عند قوله وما أدراك أنها رقية؟ ! ، وكأن هذا الرجل علم أن هذه السورة قد خصَّت بأمور؛ منها: أنها فاتحة الكتاب ومبدؤه، وأنها متضمنة لجميع علوم القرآن من حيث إنها تشتمل على الثناء على الله عز وجل بأوصاف كماله وجلاله وعلى الأمر بالعبادات والإخلاص فيها والاعتراف بالعجز عن القيام بشيء منها إلا بإعانته تعالى، وعلى الابتهال إلى الله تعالى في الهداية إلى الصراط المستقيم وكفاية أحوال الناكثين،
(1) انظر: صحيح مسلم (2201)(66).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وعلى بيان عاقبة الجاحدين.
وقد روى الدارقطني من حديث أبي سعيد الخدري مرفوعًا (1)، وفيه فقال: وما يدريك أنها رقية؟ ! فقلت: يا رسول الله، شيء ألقي في روعي. قال: فكلوا وأطعمونا من الغنم (2)، وقيل: إن موضع الرُّقية منها إنما هو: {إِيَّاكَ نَعبُدُ وَإِيَّاكَ نَستَعِينُ} ويظهر لي أن السُّورة كلها موضع الرُّقية لما ذكرناه، ولقوله صلى الله عليه وسلم: وما أدراك أنَّها رقية؟ ، ولم يقل: إن فيها رقية.
وقوله اقسموا (3)، واضربوا لي بسهم معكم، هذه القسمة (4) إنَّما هي قسمة برضا الرَّاقي؛ لأنَّ الغنم ملكه، إذ هو الذي فعل العوض الذي به استحقها، لكن طابت نفسه بالتشريك فأحاله النبي صلى الله عليه وسلم على ما يقع به رضا المشتركين عند القسمة وهي القرعة، فكان فيه دليل على صحة العمل بالقرعة في الأموال المشتركة، وقد تقدَّم ذكر الخلاف فيها في النكاح.
وقوله في الأم (5) ما كنا نأبُنُه برقية؛ أي نتهمه بها، يقال: أَبَنتُ الرَّجل، آبُنُهُ، وآبِنُهُ - إذا رميته بخلَّة سوء. ومنه: رجل مأبون؛ أي: معيبٌ. والأبنَة: العيب. ومنه: عودٌ مأبون - إذا كان فيه أُبنَة تعيبه؛ أي: عقدة - قاله القتبي وغيره.
وقد روي هذا الحرف ما كنَّا نظنه بدل نأبنه؛ أي: نتهمه.
وقد ذكر أبو داود (6) حديث أبي سعيد هذا على مساق فيه زوائد، فلنذكره على سياقه، فقال:
(1) زيادة من (ج 2).
(2)
رواه الدارقطني (3/ 63 - 64).
(3)
هذه اللفظة ليست في الرواية التي أوردها في التلخيص، وإنما هي في رواية أخرى في الأم برقم (2201)(66).
(4)
ما بين حاصرتين زيادة من (ج 2).
(5)
انظر صحيح مسلم (2201)(66).
(6)
رواه أبو داود (3418).
ثُمَّ قَالَ: خُذُوا مِنهُم، وَاضرِبُوا لِي بِسَهمٍ مَعَكُم.
ــ
عن أبي سعيد رضي الله عنه أن رهطًا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم انطلقوا في سفرة سافروها، فنزلوا بحي من أحياء العرب، فاستضافوهم فأبوا أن يضيفوهم. قال: فلُدِغ سيِّدُ ذلك الحي، فَشَفَوا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فقال بعضهم: لو أتيتم هؤلاء الرَّهط الذين نزلوا بكم لعل يكون عند بعضهم شيء ينفع صاحبكم! فقال بعضهم: إن سيِّدنا لُدغ، فشفينا له بكل شيء لا ينفعه شيء، فهل عند أحد منكم شيء يشفي صاحبنا رُقية؟ فقال رجل من القوم: إني لأرقي، ولكن استضفناكم فأبيتم أن تضيفونا! ما أنا براقٍ حتَّى تجعلوا لنا جعلًا! فجعلوا له قطيعًا من الشاء، فأتاه فقرأ عليه أمَّ الكتاب، ويَتفِل حتَّى برأ كأنما أُنشط من عقال. قال: فأوفاهم جُعلهم الذي صالحوهم عليه. فقال: اقتسموا. فقال الذي رقى: لا تفعلوا حتى نأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم ونستأمره! فغدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكروا ذلك له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من أين علمتم أنها رقية؟ ! أحسنتم، فاضربوا لي معكم بسهم.
وذُكِرَ عن الشعبي عن خارجة بن الصلت عن عمِّه أنه مرَّ بقومٍ، فأتوه فقال: إنك جئت من عند (1) هذا الرجل بخير، فارق لنا هذا الرَّجل! فأتوه برجل معتوهٌ في القيود فرقاه بأمِّ القرآن ثلاثة أيام غدوة وعشيَّة، كلَّما ختمها جمع بزاقه ثم تفل، فكأنَّما أنشط من عقال، فأعطوه شيئًا، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر له، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كُل، فلعمري لمن أكل برقية باطل لقد أكلت برقية حق (2)، ولا يخفى ما في هذا المساق من الفقه والزوائد، فتأمله!
وإيقاف الصحابي قبول الغنم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم عمل بما يجب من التوقف عند الإشكال إلى البيان، وهو أمرٌ لا يختلف فيه.
وقوله صلى الله عليه وسلم خذوا منهم، واضربوا لي معكم بسهم بيان للحكم بالقول
(1) زيادة من (ل 1).
(2)
رواه أبو داود (3420).
وفي رواية: فَجَعَلَ يَقرَأُ أُمَّ القُرآنِ وَيَجمَعُ بُزَاقَهُ وَيَتفِلُ، فَبَرَأَ الرَّجُلُ.
رواه أحمد (3/ 10)، والبخاريُّ (2276)، ومسلم (2201)(65)، وأبو داود (3418)، والترمذي (2064)، والنسائي (1028) في عمل اليوم والليلة، وابن ماجه (2560).
* * *
ــ
وتمكين له بالعمل؛ إذ لم تكن له حاجة لذلك السَّهم إلا ليبالغ في بيان أن ذلك من الحلال المحض الذي لا شبهة فيه، فكان ذلك أعظم دليل لمن يقول بجواز الأجرة على الرُّقى والطب، وهو قول مالك والشافعي وأبي حنيفة وأصحابه وأحمد وإسحاق وأبي ثور وجماعة من السَّلف والخلف.
وأمَّا الأجرة على تعليم القرآن فأجازها الجمهور من السلف والخلف متمسكين بهذا الحديث، وما زاد فيه البخاري من حديث ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أحق ما أخذتم عليه أجرًا كتاب الله (1)، وهذا يلحق بالنُّصوص، وقد حرم أبو حنيفة أخذ الأجرة على تعليم القرآن، وكذلك أصحابه - تمسُّكًا بأمرين:
أحدهما: أن تعلم القرآن وتعليمه واجبٌ من الواجبات التي تحتاج إلى نيَّة التقرُّب والإخلاص، فلا يؤخذ عليها أجرة كالصلاة والصيام.
وثانيهما: ما رواه أبو داود من حديث عبادة بن الصامت قال: علَّمت ناسًا من أهل الصُّفة الكتاب والقرآن، وأهدى إلي رجل منهم قوسًا، فقلت: ليست بمال، وأرمي عليها في سبيل الله، فلآتينَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنَّه! فأتيته فسألته، فقال: إن كنت تحب أن تطوَّق قوسًا من نار فاقبلها (2).
(1) رواه البخاري (5737).
(2)
رواه أبو داود (3416).