الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَأَنَّكَ رَعَيتَ الغَنَمَ، قَالَ: نَعَم، وَهَل مِن نَبِيٍّ إِلَّا وَقَد رَعَاهَا؟ ! أَو نَحوَ هَذَا مِن القَولِ.
رواه أحمد (3/ 326)، والبخاري (3406)، ومسلم (2050).
* * *
(14) باب نعم الإدام الخل
[1938]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سَأَلَ أَهلَهُ الأُدُمَ.
ــ
أي: سائرها. وقد حكي أيضًا عن الأصمعي. وحكي عن ابن الأعرابي: أن الذي لم يسود هو الكباث، والأسود: هو البرير، وجماعه (المرد). وعن مصعب: أن المرد هو إذا ورَّد؛ فإذا اخضر فهو الكباث، فإذا اسود فهو البرير.
و(قوله: كأنك رعيت الغنم؟ قال: نعم. وهل من نبي إلا رعاها؟ ) قد تقدَّم الكلام على هذا، وحاصله راجع: إلى أن الله تعالى درَّب الأنبياء على رعاية الغنم، وسياستها؛ ليكون ذلك تدريجًا إلى سياسة الأمم؛ إذ الراعي يقصد مصلحة الغنم، ويحملها على مراشدها، ويقوم بكلفها وسياستها. ومن تدرَّب على هذا وأحكمه؛ كان متمكنًا من سياسة الخلق ورحمتهم، والرفق بهم. وكانت الغنم بهذا أولى لما خص به أهلها من السكينة، وطلب العافية، والتواضع. وهي صفات الأنبياء، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم:(السكينة في أهل الغنم، والفخر والخيلاء في أهل الإبل)(1).
(1) رواه البخاري (4388)، ومسلم (52)، والترمذي (2244) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه.
فَقَالَوا: مَا عِندَنَا إِلَّا خَلٌّ، فَدَعَا بِهِ، فَجَعَلَ يَأكُلُ بِهِ وَيَقُولُ: نِعمَ الأُدُمُ الخَلُّ، نِعمَ الأُدُمُ الخَلُّ.
رواه مسلم (2052)(166)، وأبو داود (3820)، والترمذيُّ (1840 - 1843)، والنسائي (7/ 14)، وابن ماجه (3317).
[1939]
وعنه؛ قَالَ: كُنتُ جَالِسًا فِي دَارِي، فَمَرَّ بِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَشَارَ إِلَيَّ، فَقُمتُ إِلَيهِ، فَأَخَذَ بِيَدِي، فَانطَلَقنَا، حَتَّى أَتَى بَعضَ حُجَرِ نِسَائِهِ، فَدَخَلَ، ثُمَّ أَذِنَ لِي فَدَخَلتُ الحِجَابَ عَلَيهَا، فَقَالَ:
ــ
و(قوله: نعم الإدام (1) الخل) الإدام: كل ما يؤتدم به؛ أي: يؤكل به الخبز مما يطيبه، سواء كان مما يصطبغ به كالأمراق، والمائعات، أو مما لا يصطبغ به، كالجامدات: كاللحم، والبيض، والجبن، والزيتون، وغير ذلك. هذا معنى الإدام عند الجمهور من الفقهاء والعلماء سلفًا وخلفًا. وشذَّ أبو حنيفة وصاحبه أبو يوسف، فقالا في البيض، واللحم المشوي، وشبه ذلك مما لا يصطبغ به: ليس شيء من ذلك بإدام. وينبني على هذا الخلاف الخلاف فيمن حلف ألا يأكل إدامًا فأكل شيئًا من هذه الجامدات. فحنَّثه الجمهور، ولم يحنِّثه أبو حنيفة ولا صاحبه. والصحيح: ما صار إليه الجمهور، بدليل قوله صلى الله عليه وسلم وقد وضع تمرة على كسرة وقال:(هذه إدام هذه)(2)، وبدليل قوله أيضًا - وقد سُئل عن إدام أهل الجنة أول ما يدخلونها - فقال:(زيادة كبد الحوت)(3).
و(قول جابر: فدخلت الحجاب عليها) ظاهره: أن هذا كان بعد نزول الحجاب، غير أنه ليس فيه: أنه رآها، فقد تستتر بثوب آخر، أو بحجاب آخر.
(1) الذي في التلخيص وصحيح مسلم: "الأُدُم".
(2)
رواه أبو داود (3259).
(3)
رواه أحمد (3/ 108)، والبخاري (3329).
هَل مِن غَدَاءٍ؟ . قَالَوا: نَعَم، فَأُتِيَ بِثَلَاثَةِ أَقرِصَةٍ، فَوُضِعنَ عَلَى بتي، فَأَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قُرصًا فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيهِ، وَأَخَذَ قُرصًا آخَرَ فَوَضَعَهُ بَينَ يَدَيَّ،
ــ
ويحتمل أن يكون ذلك قبل نزول الحجاب.
و(قوله: فأتي بثلاثة أقرصة فوضعن على بتي) كذا ضبطه الصدفي، والأسدي بباء واحدة مفتوحة، وبعدها تاء باثنتين من فوقها مكسورة، مشدَّدة، وبعدها: ياء باثنتين من تحتها مشدَّدة، منوَّنة.
قلت: (والبت): كساء من وبر أو صوف. قال الشاعر:
من كان ذا بَتٍّ فهذا بَتِّي
…
مُصَيِّفٌ مُقَيِّظٌ مُشَتِّي
وكأن الذي وضعت القرصة عليه منديل من صوف، وكذلك عند ابن ماهان، غير أنه فتح التاء، وعند الطبري:(بُني) بضم الباء، بعدها نون مكسورة مشددة، والياء المشدَّدة. قال الكناني: وهو الصواب، وهو: طبق من خوص. قال ابن وضاح: (بُني): طبق، أو مائدة من خوص، أو حلفاء. ووقع في بعض النسخ:(على نبيء) بتقديم النون مفتوحة، وكسر الباء بواحدة بعدها. وقيل في تفسيره: إنَّه مائدة من خوص. قال ثعلب: النبيئة شيء مدوَّر يعمل من خوص وشريط.
وقسمة النبي صلى الله عليه وسلم الأقرصة الثلاثة نصفين يدلّ: على جواز فعل مثل (1) ذلك مع الضيف، بل يدلّ على كرم أخلاق فاعله، وإيثاره الضيف عند قلَّة الطعام، كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم؛ فإنَّ الذي قدم إليه كان غداءه؛ فإنَّ أقرصتهم صغار، لا سيما في مثل ذلك الوقت، ومع ذلك فشرك فيه الغير وفاء بقوله صلى الله عليه وسلم:(طعام الواحد كافي الاثنين، وطعام الاثنين كافي الثلاثة)(2).
(1) من (ج 2).
(2)
رواه أحمد (3/ 382)، ومسلم (2059)، والترمذي (1820).
ثُمَّ أَخَذَ الثَّالِثَ فَكَسَرَهُ بِاثنَينِ، فَجَعَلَ نِصفَهُ بَينَ يَدَيهِ، وَنِصفَهُ بَينَ يَدَيَّ، ثُمَّ قَالَ: هَل مِن أُدُمٍ؟ . قَالَوا: لَا، إِلَّا شَيءٌ مِن خَلٍّ، قَالَ: هَاتُوهُ، فَنِعمَ الأُدُمُ هُوَ.
وفي رواية: قَالَ جَابِرٌ: فَمَا زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ مُنذُ سَمِعتُهَا مِن نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قال ابن نافع: مَا زِلتُ أُحِبُّ الخَلَّ مُنذُ سَمِعتُهَا مِن جَابِرٍ.
رواه مسلم (2052)(169)، وابن ماجه (3318).
* * *
ــ
و(قوله: أحرام الثوم؟ ) هذا سؤال من يعتقد: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا ترك أكل شيء جرت العادة بأكله كان ذلك دليلًا على تحريمه، ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:(لا)، وهو رد على من يقول من أهل الظاهر: إنه حرام، يمنع حضور الجماعات للصلاة. وقد تقدم الكلام على هذا في كتاب الصلاة.
و(قوله: ولكني أكرهه) هذا يدل: على كراهة أكل الثوم وإن كان مطبوخًا. وقد تقدم قول عمر رضي الله عنه فمن أكلهما فليمتهما طبخًا (1). وإنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يكرههما مطلقًا لخصوصيته بمناجاة الملائكة، ولذلك قال في بعض الحديث:(فإني أناجي من لا تناجي)(2).
و(قول أبي أيوب: فإني أكره ما تكره) فيه جواز الامتناع من المباح، وإطلاق اسم الكراهة عليه، وإن لم يكن مطلوب الترك.
وإنما تحرج أبو أيوب من البقاء في العلو الذي كان النبي صلى الله عليه وسلم تحت؛ إعظامًا للرسول صلى الله عليه وسلم، واحتراما عن أن يعلوه، ولإمكان أن يسقط من العلو شيء عند حركتهم في العلو، فيؤذي النبي صلى الله عليه وسلم.
(1) رواه مسلم (567).
(2)
رواه البخاري (7359)، ومسلم (564)(73).