المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب القصاص في الجراح - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(5) باب القصاص في الجراح

(5) باب القصاص في الجراح

[1766]

عَن أَنَسٍ: أَنَّ أُختَ الرُّبَيِّعِ أُمَّ حَارِثَةَ جَرَحَت إِنسَانًا،

ــ

قلت: وهو الظاهر من قوله صلى الله عليه وسلم: (لو أن امرأً اطَّلع عليك بغير إذن فخذفته بحصاةٍ، ففقأت عينه لم يكن عليك جناح)(1)، وأيضًا: فقد رام النبي صلى الله عليه وسلم أن يطعن بالمدراة في عين من أراد أن يطَّلع من حُجرٍ في باب بيته. وقال: (لو أعلم أنك تطَّلع لطعنت به في عينك)(2)، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم بالذي يريد أن يفعل ما لا يجوز، أو ما يؤدي إلى ديةٍ. وأيضًا: فقد جاء عنه أنه قال: (من اطَّلع في بيت قومٍ بغير إذنهم فقد حلَّ لهم أن يفقؤوا عينه)(3). وأمَّا من زعم: أنه يضمن، فمن حُجَّته: أنَّه لو نظر إنسان إلى عورة آخر لما أباح ذلك منه فقء عينه، ولما سقط عنه الضمان بالاتفاق. [فهذا أول بنفي الضمان] (4). وحملوا قوله:(لا جناح عليك) أي: لا إثم. ومنهم من قال: يحمل الحديث على أنَّه رماه بحصاةٍ. ولم يرد فقء عينه، فانتفى عنه الإثم لذلك.

قلت: وهذا تحريف وتبديل، لا تأويل، ولا قياس مع النصوص.

(5)

ومن باب: القصاص في الجراح

(قوله: إن أخت الرُّبيِّع أم حارثة جرحت إنسانًا) كذا وقع هذا اللفظ في كتاب

(1) رواه أحمد (2/ 243)، والبخاري (6902)، ومسلم (2158)، والنسائي (8/ 61).

(2)

رواه أحمد (5/ 330)، والبخاري (6241)، ومسلم (2156)(40)، والترمذي (2709)، والنسائي (8/ 60 - 61).

(3)

البخاري (6888)، ومسلم (2158).

(4)

في (ج 2): وكذلك هذا.

ص: 34

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

مسلم. قال القاضي عياض: المعروف: أن الرَّبيع هي صاحبة القصة. وكذا جاء الحديث في البخاري في الروايات الصحيحة: أنها الرَّبيع بنت النضر، وأخت أنس بن النَّضر، وعمَّة أنس بن مالك. وأن الذي أقسم هو أخوها أنس بن النَّضر، وكذا في المصنفات، وجاء مفسَّرًا عند البخاري وغيره: أنها لطمت جارية، فكسرت ثنيَّتها. ورواية البخاري هذه تدل: على أن الإنسان المجروح المذكور في رواية مسلم هو جارية. فلا يكون فيه حجَّة لمن ظن أنَّه رجل، فاستدلَّ به: على أن القصاص جار بين الذكر والأنثى فيما دون النفس. والصحيح: أن الإنسان ينطلق على الذكر والأنثى وهو من أسماء الأجناس. وهي تعمُّ الذكر والأنثى، كالفرس يعمُّ الذكر والأنثى. والجمهور من السلف والخلف على جريان القصاص بين الذكر والأنثى، فيقتل الذكر بالأنثى إلا خلافًا شاذًّا عن الحسن وعطاء، وروي ذلك عن علي بن أبي طالب. وهم محجوجون بقوله تعالى:{وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} فعمَّ، وبأنه قد تقدم: أن النبي صلى الله عليه وسلم قتل اليهودي بالجارية (1). فأمَّا قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيكُمُ القِصَاصُ فِي القَتلَى} ؛ فإنما اقتضت بيان حكم النوع إذا قتل نوعه، فبيَّنت حكم الحرِّ إذا قتل حرًّا، والعبد إذا قتل عبدًا، والأنثى إذا قتلت أنثى. ولم تتعرض لأحد النَّوعين إذا قتل الآخر، لكن بين ذلك بقوله تعالى:{وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا أَنَّ النَّفسَ بِالنَّفسِ} وبيَّنه النبي صلى الله عليه وسلم بسنَّته لما قتل اليهودي بالمرأة. وأمَّا القِصاص بين الرَّجل والمرأة فيما دون النفس: فهو قول الجمهور أيضًا، وخالفهم في ذلك ممن يرى القصاص بينهما في النفس أبو حنيفة، وحمَّاد، فقالا: لا قصاص بينهما فيما دون النفس. وهما محجوجان بإلحاق ما دون النَّفس على طريق الأحرى والأولى. وذلك: أنهما قد وافقا الجمهور: على أن الرَّجل يقتل بالمرأة مع عظم حرمة

(1) انظر الحديث في التلخيص برقم (2063 و 2064).

ص: 35

فَاختَصَمُوا إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: القِصَاصَ القِصَاصَ! . فَقَالَت أُمُّ الرَّبِيعِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! أَيُقتَصُّ مِن فُلَانَةَ؟ ! وَاللَّهِ لَا يُقتَصُّ مِنهَا،

ــ

النَّفس. ولا شكَّ: أن حرمة ما دون النفس أهونُ من حرمة النَّفس. فكان القِصاص فيها أحرى وأولى. وفي المسألتين مباحث مستوفاة في علم الخلاف.

و(قوله: القصاصَ، القصاصَ! ) الرِّواية بنصب القصاص في اللفظين. ولا يجوز غيره. وهو منصوب بفعل مضمر لا يجوز إظهاره. تقديره: ألزمكم القصاص. أو: أقيموا القصاص. غير أن هذا الفعل لا تظهره العرب قطّ؛ لأنهم استغنوا عنه بتكرار اللفظ. كما قالوا: الجدارَ الجدارَ (1). والصبي، الصبي.

ولما فهم أنس بن النضر - على ما ذكره البخاري، أو أمّ الرَّبيع على ما ذكره مسلم - لزوم القصاص؛ عظم عليه أن تكسر ثنية الجانية، فبذلوا الأرش؛ فلم يرضَ أولياء المجني عليها به، فكلَّم أهلها في ذلك، فأبَوا، فلما رأى امتناعهم من ذلك، وأن القصاص قد تعيَّن قال: أيُقتَصُّ من فلانة، والله لا يُقتصُّ منها؟ ! ثقة منه بفضل الله تعالى، وتعويلًا عليه في كشف تلك الكُربة، لا أنه ردَّ حكم الله وعانده، بل هو مُنزَّهٌ عن ذلك لما علم من فضله، وعظيم قدره، وبشهادة النبي صلى الله عليه وسلم بما له عند الله تعالى من المنزلة. وهذا التأويل أولى من تأويل من قال: إن ذلك القسم كان منه على جهة الرَّغبة للنبي صلى الله عليه وسلم، أو للأولياء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قد أنكر ذلك عليه بقوله:(سبحان الله! كتاب الله القصاص). ولو كان رَغِبَهُ لما أنكره. وأيضًا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم قد سمَّاه قسمًا، وأخبر: أنه قسم على الله، وأن الله تعالى قد أبرَّه فيه لما قال:(إن من عباد الله من لو أقسم على الله لأبرَّه).

ففيه: العمل بشرع من قبلنا إذا صحَّ عندنا، ولم يثبت في شرعنا ناسخ له. ولا مانع منه. وقد اختلف في ذلك الفقهاء، والأصوليون. وفي المذهب فيه

(1) في (ع): الحذارَ الحذارَ.

ص: 36

فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: سُبحَانَ اللَّهِ، يَا أُمَّ الرَّبِيعِ، القِصَاصُ كِتَابُ اللَّهِ. قَالَت: لَا وَاللَّهِ، لَا يُقتَصُّ مِنهَا أَبَدًا، قَالَ: فَمَا زَالَت حَتَّى قَبِلُوا الدِّيَةَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ مِن عِبَادِ اللَّهِ مَن لَو أَقسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ.

رواه أحمد (3/ 128)، والبخاري (2806)، ومسلم (1675)، وأبو داود (4595)، والنسائي (8/ 26 - 27)، وابن ماجه (2649).

* * *

ــ

قولان، ووجه هذا الفقه قوله:(كتاب الله القصاص)، وليس في كتاب الله القصاص في السِّن إلا في قوله تعالى حكاية عمَّا حكم به في التوراة في قوله تعالى:{وَكَتَبنَا عَلَيهِم فِيهَا} الآية، إلى قوله:{وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ}

وفيه: القصاص في السِّن إذا قُلِعَت أو طُرِحَت. وفي كسرها وكسر عظام الجسد خلاف؛ هل يُقتَصُّ منها، أو لا؟ فذهب مالك إلى القصاص في ذلك كلِّه إذا أمكنت المماثلة وما لم يكن مخوفًا، كعظم الفخذ، والصُّلب، أخذًا بقوله تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} وبقوله: {وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالجُرُوحَ قِصَاصٌ} وذهب الكوفيون، والليث، والشافعي: إلى أنَّه لا قود في كسر عظم ما خلا السِّن لعدم الثقة بالمماثلة. وفيه ما يدلّ على كرامات الأولياء.

* * *

ص: 37