المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

[1835]

عَن جَابِرٍ قَالَ: بَعَثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمَّرَ عَلَينَا أَبَا عُبَيدَةَ نَتَلَقَّى عِيرًا لِقُرَيشٍ، وَزَوَّدَنَا جِرَابًا مِن تَمرٍ، لَم يَجِد لَنَا غَيرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيدَةَ

ــ

بشرط الغسل؛ فإن الماء طهور، لكن ينبغي أن يكون الغسل على ما قاله ابن عباس كما حكيناه عنه آنفًا. وهذا فيما يطبخون فيه من أوانيهم، فأما ما يستعملونه من غير أن يطبخوا فيه: فخفيف، إن لم تظن فيه نجاسة، وقد توضأ عمر رضي الله عنه من بيت نصراني في حُقِّ نصرانية. فأما لو كان الإناء من أواني الخمر، أو مما يجعل فيه شيء من النجاسات، فلا شك في المنع من استعماله؛ إلا أن يغسل غسلًا بالغًا؛ فإن كان منها ما يبعد انفصال النجاسة عنه، لم يجز استعماله ألبتة.

قلت: ويظهر لي - على مقتضى هذا الحديث - أنه لا ينبغي للوَرِع أن يُقدِم على أكل طعام أهل الكتاب، ما وجد منه بدًّا؛ بل هو أولى بالانكفاف عنه من الأواني. والله تعالى أعلم.

(4)

ومن باب: إباحة أكل ميتة البحر

العير: الإبل المُحَملة.

قوله: (وزوَّدنا جرابًا من تمر؛ لم يجد لنا غيره) اختلفت ألفاظ الرواة في هذا المعنى؛ فمنها: ما ذكرناه. وفي رواية: (فكنا نحمل أزوادنا على رقابنا). وفي أخرى: (ففني زادهم). وفي الموطأ: (فكان مزودي تمر)، وفي أخرى:(فكان يعطينا قبضة قبضة، ثم أعطانا تمرة تمرة)، ويلتئم شتات هذه الروايات بأن يقال: إن النبي صلى الله عليه وسلم زادهم ذلك المزود، أو المزودين إلى ما كان عندهم من زاد أنفسهم الذي كانوا يحملونه على رقابهم، ثم إنهم لما اشتدت بهم الحال جمع أبو عبيدة ما كان

ص: 218

يُعطِينَا تَمرَةً تَمرَةً. قَالَ: فَقُلتُ: كَيفَ كُنتُم تَصنَعُونَ بِهَا؟ قَالَ: نَمَصُّهَا كَمَا يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشرَبُ عَلَيهَا مِن المَاءِ، تَكفِينَا يَومَنَا إِلَى اللَّيلِ، وَكُنَّا نَضرِبُ بِعِصِيِّنَا الخَبَطَ ثُمَّ نَبُلُّهُ بِالمَاءِ فَنَأكُلُهُ.

وفي رواية: فسمي جيش الخبط.

ــ

عندهم إلى المزود الذي زادهم النبي صلى الله عليه وسلم فكان يُفرِّقُه عليهم قبضة قبضة، إلى أن أشرف على النَّفاذ، فكان يعطيهم إيَّاه تمرة تمرة إلى أن فني ذلك.

وَجَمعُ أبي عبيدة الأزواد، وقسمتها بالسَّويَّة: إما أن يكون حكمًا حكم به لِمَا شاهد من ضرورة الحال، ولِمَا خاف من تلف من لم يكن معه زاد، فظهر له: أنه قد وجب على من معه زاد أن يُحيي من ليس له شيء، أو يكون ذلك عن رضا من كان له زادٌ رغبةً في الثواب، وفيما قاله النبي صلى الله عليه وسلم[في الأشعريين من أنهم إذا قل زادهم جمعوه فاقتسموه بينهم بالسَّويَّة. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم] (1):(فهم مني، وأنا منهم)(2)، وقد فعل ذلك النبي صلى الله عليه وسلم غير مرَّة. ولذلك قال بعض العلماء: إنه سنة.

و(الخَبَط) بفتح الخاء والباء: اسم لما يُخبط فيتساقط من ورق الشجر. وبسكون الباء: المصدر. وتبليلهم الخَبَط بالماء ليلين للمضغ. وإنَّما صاروا لأكل الخبط عند فقد التمرة الموزعة عليهم. وهذا كله يدلُّ على ما كانوا عليه من الجِدِّ، والاجتهاد، والصبر على الشدائد العظام، والمشقات الفادحة، إظهارًا للدِّين، وإطفاءً لكلمة المبطلين. رضي الله عنهم أجمعين.

وساحل البحر، وسيفه، وشطِّه، كل ذلك بمعنى واحد.

و(رفع لنا) أي: ظهر لنا، واطَّلعنا عليه. وهو مبني لما لم يسم فاعله.

و(الكثيب) و (الضرب): الجبل الصغير، والكوم أصغر منه. و (الضخم): المرتفع الغليظ.

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

(2)

رواه مسلم (2500).

ص: 219

قَالَ: وَانطَلَقنَا عَلَى سَاحِلِ البَحرِ، فَرُفِعَ لَنَا عَلَى سَاحِلِ البَحرِ كَهَيئَةِ الكَثِيبِ الضَّخمِ، فَأَتَينَاهُ فَإِذَا هِيَ دَابَّةٌ تُدعَى العَنبَرَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عُبَيدَةَ: مَيتَةٌ، ثُمَّ قَالَ: لَا بَل نَحنُ رُسُلُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَد اضطُرِرتُم فَكُلُوا. قَالَ: فَأَقَمنَا عَلَيهِ شَهرًا، وَنَحنُ ثَلَاثُمِائَةٍ، حَتَّى سَمِنَّا. قَالَ: وَلَقَد رَأَيتُنَا نَغتَرِفُ مِن

ــ

و(قوله: تُدعى العَنبَر) أي: تسمَّى بـ (العنبر)، ولعلها سميت بذلك لأنها الدابَّة التي تلقي العنبر، وكثيرًا ما يوجد العنبر على سواحل البحر، وقد وجد عندنا منه على ساحل البحر بقادس - موضع بالأندلس - قطعة كبيرة كالكوم، حصل لواجديه منه أموال عظيمة.

و(قول أبي عبيدة: مَيتَة) أي: هي مَيتَة، فلا تُقرب؛ لأنَّها حرام بنصِّ القرآن العام، ثم إنه أضرب عمَّا وقع له من ذلك لما تحقق من الضرورة المبيحة له، ولذلك قال:(لا، بل نحن رسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد اضطررتم فكلوا) وهذا يدلّ على جواز حمل العموم على ظاهره، والعمل به من غير بحث عن المخصِّصات، فإن أبا عبيدة حكم بتحريم ميتة البحر تمسُّكًا بعموم القرآن، ثم إنه استباحها بحكم الاضطرار، مع أن عموم القرآن في الميتة مخصَّصٌ بقوله صلى الله عليه وسلم:(هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)(1)، ولم يكن عنده خبر من هذا المخصِّص، ولا عند أحد من أصحابه.

و(قوله: فأقمنا عليها شهرًا حتى سَمِنَّا) دليل لمالك، ولمن يقول بقوله: على أن يأكل من الميتة شبعه، ويتبسط في أكلها، فإنَّها قد أبيحت له، وارتفع تحريمها في تلك الحال فأشبهت الذَّكيَّة، وخالفه في ذلك جماعة، منهم: الحسن، والنخعي، وقتادة، وابن حبيب، فقالوا: لا يأكل منها حتى يضطرَّ إليها ثانية، ولا يأكل منها إلا ما يُقيم (2) رمقه. وقال عبد الملك: إن تغدَّى حَرُمَت عليه

(1) رواه أحمد (2/ 237)، وأبو داود (81)، والترمذي (69)، والنسائي (1/ 176)، وابن ماجه (386).

(2)

في (ل 1): يسدُّ.

ص: 220

وَقبِ عَينِهِ بِالقِلَالِ الدُّهنَ، وَنَقتَطِعُ مِنهُ الفِدَرَ كَالثَّورِ، أَو كَقَدرِ الثَّورِ، ولَقَد أَخَذَ مِنَّا أَبُو عُبَيدَةَ ثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا فَأَقعَدَهُم فِي وَقبِ عَينِهِ، وَأَخَذَ ضِلَعًا مِن

ــ

يومه، وإن تعشى حرمت عليه ليلته. وهذا الذي قاله هؤلاء تعضده القاعدة، وهي: أن كل ما أبيح لضرورة (1) فيتقدَّر بقدرها، على أنَّه يمكن أن يقال في قضيَّة أبي عبيدة، وأكلهم من تلك الميتة شهرًا حتى سمنوا: إن ذلك القَدر كان قدر ضرورتهم، وذلك أنهم كانوا قد أشرفوا على الهلاك من الجوع، والضعف، وسقطت قواهم، وهم مستقبلون سفرًا، وعَدَوًّا، فإن لم يفعلوا ذلك ضعفوا عن عدوهم، وانقطعوا عن سفرهم، وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لأصحابه عند الفتح:(تقوَّوا لعدوكم، والفطر أقوى لكم)(2).

و(قوله: حتى سَمِنَّا) يعني: تقوينا، وزال ضعفنا، كما قال في الرواية الأخرى:(حتى ثابت إلينا أجسامنا) أي: رجعت إلينا قوَّتنا. وإلا فما كانوا سِمَانًا قطُّ.

و(حجاج العين) يقال: بفتح الحاء وكسرها، وهو الوقب أيضًا. وهو غار العين الذي فيه حبَّتها. وأصل الوقب: الحفرة في الحجر.

و(الفِدَرُ): جمع فِدرَة: وهي القطعة من اللحم، والعجين، وشبههما. وهي:(الثَّور) أيضًا، وجمعه: أثوار. والمراد بها هنا: قطع العجين أو السويق، ولذلك شبَّه قطع اللحم بها؛ إذ قال: كقدر الثور.

فإن قيل: كيف جاز لهم أن يأكلوا من هذه الميتة إلى شهر، ومعلوم: أن اللحم إذا أقام هذه المدَّة، بل أقل منها، أنه يُنتِن، ويشتدُّ نَتَنُه، فلا يحل الإقدام عليه، كما تقدم في الصيد؛ إذ قال:(كله ما لم يُنتِن)(3).

فالجواب: أن يقال: لعل ذلك لم يَنتَهِ نَتَنُه إلى حال يخاف منه الضرر لبرودة

(1) ليست في (ع).

(2)

رواه مالك في الموطأ (2/ 294).

(3)

انظره في التلخيص برقم (2041).

ص: 221

أَضلَاعِهِ فَأَقَامَهَا، ثُمَّ رَحَلَ أَعظَمَ بَعِيرٍ مَعَنَا، فَمَرَّ مِن تَحتِهَا، وَتَزَوَّدنَا مِن لَحمِهِ وَشَائِقَ، فَلَمَّا قَدِمنَا المَدِينَةَ أَتَينَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرنَا ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ: هُوَ رِزقٌ أَخرَجَهُ اللَّهُ لَكُم، فَهَل مَعَكُم مِن لَحمِهِ شَيءٌ فَتُطعِمُونَا؟ قَالَ:

ــ

الموضع، أو يقال: إنهم أكلوه طريًّا، ثم مَلَّحُوه، وجعلوه وشائِق؛ أي: قدَّدوه قدائد، كما يُفعل باللحم. ويقال فيه: وشقت اللحم، فاتَّشق، والوَشيقَة: القديدة. وعلى هذا يدلّ قوله: (ونقتطع منه الفدر) أي: القطع الكبار.

و(قوله: وتزوَّدنا من لحمه وشائق) أي: قدائد. وهذا اللفظ يدلّ أيضًا: على أنه يتزوَّد من الميتة إذا خاف ألا يجد غيرها، فإن وجد غيرها، أو ارتجى وجوده لم يستصحبها. وهو قول مالك، وغيره من العلماء.

و(قوله: كنا نَغتَرف من وَقب عينها (1) بالقلال الدُّهن) دليل على أنهم كانوا يجيزون الانتفاع بشحوم الميتة، وبالزيت النجس، كما يقوله ابن القاسم، ويجنب المساجد. وخالفه عبد الملك وغيره، فقالوا: لا ينتفع بشيء من ذلك؛ لقوله صلى الله عليه وسلم في سمن الفأرة: (إن كان مائعًا فلا تقربوه)(2).

و(قوله صلى الله عليه وسلم: هو رزق الله أخرجه لكم) تذكير لهم بنعمة الله تعالى ليشكروه عليها.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: فهل عندكم شيء منه فتطعمونا) وأكله منه ليبيِّن لهم بالفعل جواز أكل ميتة البحر في غير الضرورة، وأنها لم تدخل في عموم الميتة المحرَّمة في القرآن، كما قد بيَّن ذلك بقوله صلى الله عليه وسلم:(هو الطهور ماؤه، الحل ميتته)(3).

وفي

(1) في التلخيص: عينه.

(2)

رواه أحمد (2/ 233 و 265)، وأبو داود (3841). وانظره في: بلوغ المرام لابن حجر برقم (807).

(3)

سبق تخريجه قبل قليل.

ص: 222