المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

[1788]

عَن عَبد اللَّهِ بن عُمَرَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُتِيَ بِيَهُودِيٍّ وَيَهُودِيَّةٍ قَد زَنَيَا، فَانطَلَقَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى جَاءَ يَهُودَ، فَقَالَ: مَا تَجِدُونَ

ــ

تفرقة بينها وبين زوجها؛ إذ لو كان ذلك لفرَّق بينهما قبل الرَّجم ولَفَسَخَ النِّكاحَ. ولم يُنقَل شيءٌ من ذلك، ولو كان لَنُقِل كما نُقِلَت القصة، وكثيرٌ من تفاصيلها.

وفيه دليلٌّ على صحة الإجَارَة.

(8)

ومن باب: إقامة الحدّ على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

(قوله: إنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم أتِي بيهودي ويهوديَّةٍ قد زنيا)، وفي الرواية الأخرى:(إن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم برجل وامرأة قد زنيا)، وفي الثالثة:(مرَّ على رسول الله صلى الله عليه وسلم بيهودي مُحَمَّمٍ مَجلُودٍ) هذه الروايات كلها متقاربة في المعنى، ولا يعدُّ مثل هذا اضطرابًا؛ لأن ذلك كلّه حكاية عن حال قضيَّة وقعت، فعبَّر كلٌّ منهم بما تيسَّر له. والكلُّ صحيحٌ إذ هي متواردة: على أنَّه حضر بين يديه صلى الله عليه وسلم يهودي زنى بيهوديةٍ، وهو في موضعه. وفي كتاب أبي داود: أنَّه كان في المسجد. غير أنَّه قد جاء في كتاب أبي داود أيضًا من حديث ابن عمر (1) ما يظهر منه تناقضٌ، وذلك أنَّه قال: (أَتَى نفرٌ من يهود فدعوا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى القُفِّ، فأتاهم في بيت المِدرَاس. فقالوا: يا أبا القاسم! إن رجلًا مِنَّا زنى بامرأة فاحكم بينهم. وظاهر هذا: أنه مشى

(1) رواه أبو داود (4449) والقف: اسم وادٍ بالمدينة. انظر: (معجم البلدان 4/ 383).

ص: 108

فِي التَّورَاةِ عَلَى مَن زَنَى؟ قَالَوا: نُسَوِّدُ وُجُوهَهُمَا وَنُحَمِّلُهُمَا، وَنُخَالِفُ

ــ

إليهم، وأن ذلك لم يكن في مسجده، بل في بيت دَرسِهم. ويرتفع هذا التَّوهُم بحديث أبي هريرة الذي ذكره أبو داود أيضًا. واستوفى هذه القصَّة، وساقها سياقة حسنة فقال: زنى رجل من اليهود وامرأة، فقال بعضهم لبعض: اذهبوا بنا إلى هذا النبي، فإنَّه نبي بُعِثَ بالتخفِيفَات، فإن أفتى بالفتيا دون الرَّجم قبلناها، واحتججنا بها عند الله. وقلنا: فتيا نبي من أنبيائك. قال: فأتَوا النبي صلى الله عليه وسلم وهو جالسٌ في المسجد في أصحابه. فقالوا: يا أبا القاسم! ما ترى في رجل وامرأة منهم زنيا. فلم يُكلِّمهُمُ النبي صلى الله عليه وسلم حتى أتى بيت مدراسهم، فقام على الباب فقال:(أنشدكم بالله الذي أنزل التوراة على موسى! ما تجدون في التوراة على من زنى إذا أحصن؟ ) قالوا: يُحَمَّم، ويُجَبَّه، ويُجلَد - والتَّجبيهُ: أن يحمل الزانيان على حمار، وتقابل أقفيتهما، ويطاف بهما - قال: وسكت شابٌّ منهم. فلمَّا رآه النبي صلى الله عليه وسلم سكت: أَلَظَّ (1) به النُّشدَةَ، فقال: اللَّهم إِذ نشدتنا، فإنا نجد في التوراة الرَّجم. وساق الحديث إلى أن قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فإني أحكم بما في التوراة)، فأمر بهما فرجما (2).

فقد بيَّن في هذا الحديث: أن اليهود جاؤوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم وهو في مسجده، ثمَّ بعد ذلك مشى معهم إلى بيت المدراس بعد أن سألوه عن ذلك، على ما رواه ابن عمر. وذكر في هذا الحديث أيضًا السبب الحامل لهم على سؤال النبي صلى الله عليه وسلم؛ وعليه يدلُّ مساق قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ مِنَ الَّذِينَ قَالُوا آمَنَّا بِأَفوَاهِهِم وَلَم تُؤمِن قُلُوبُهُم} إلى آخر الآيات وما بعدها. وذكر أبو داود أيضًا من حديث جابر؛ فقال: جاءت اليهود برجلٍ وامرأةٍ منهم زنيا، فقال:(ائتُوني بأعلم رجلين منكم)، فأتوا بابني

(1)"ألظَّ": ألحَّ.

(2)

رواه أبو داود (4450).

ص: 109

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

صوريا، فنشدهما:(كيف تجدون في التوراة؟ ) قالا: نجد في التوراة: إذا شهد أربعة: أنَّهم رأوا ذكره في فرجها مثل الميل في المُكحُلة؛ رجما. وذكر الحديث (1). قال: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بالشهود، فجاء أربعة فشهدوا: أنهم رأوا فرجه في فرجها مثل المِيل في المكحلة. فأمر برجمهما (2).

قلت: فالحاصل من هذه الروايات: أن اليهود حَكَّمَت النبي صلى الله عليه وسلم فَحَكَم عليهم بمقتضى ما في التوراة، واستند في ذلك إلى قول ابني صوريا. وأنَّه سمع شهادة اليهود وعمل بها، وأنَّه ليس الإسلام شرطًا في الإحصان. وهذه مسائل يجب البحث عنها، فلنشرع في ذلك مستعينين بالله.

المسألة الأولى في التحكيم: فإذا ترافع أهل الذمَّة إلى الإمام؛ فإن كان ما رفعوه ظلمًا، كالقتل العدوان، والغصب؛ حكم بينهم، ومنعهم منه بلا خلاف. وأمَّا إن لم يكن كذلك؛ فالإمام مخيَّر في الحكم بينهم، وتركه عند مالك والشافعي، غير أن مالكًا رأى الإعراض عنهم أولى، فإن حكم حكم بحكم الإسلام، غير أن الشافعي قال: لا يحكم بينهم في الحدود. وقال أبو حنيفة: يحكم بينهم على كل حال. وهو قول الزهري، وعمر بن عبد العزيز، والحَكَم، وروي عن ابن عبَّاس، وهو أحد قولي الشافعي. والأولى ما صار إليه مالك لقوله تعالى:{فَإِن جَاءُوكَ فَاحكُم بَينَهُم أَو أَعرِض عَنهُم} وهو نصٌّ في التخيير. ثم إنَّ النبي صلى الله عليه وسلم حيث حكم عليهم فعل أحد ما خيَّره الله تعالى فيه، غير أنَّه يبقى على مالك أن يقال له: لِمَ قلتَ: إن الإعراض عنهم أولى مع أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكم بينهم؟ ولا يُتخلص من ذلك بأن يقال: لأنهم يستهزئون بأحكام المسلمين؛ لأنَّا نقول: إن أظهروا ذلك

(1) رواه أبو داود (4452).

(2)

هو حديث الباب رقم (2089).

ص: 110

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

عاقبناهم، وإن أخفوه، فما يخفون من اعتقادهم تكذيب نبينا صلى الله عليه وسلم أكبر، مع قطعنا بأنَّهم يعتقدون ذلك، لكنا عاقدناهم على ذلك، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم قد علم منهم أنهم يهزؤون بديننا وأحكامنا، ومع ذلك فحكم عليهم، وأقرَّهم. ألا تسمع إلى قوله تعالى:{وَإِذَا نَادَيتُم إِلَى الصَّلاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا} ؟ !

وأمَّا قول الشافعي: إنه لا يحكم بينهم في الحدود؛ فمخالف لنصّ الحديث المذكور في الواقعة، فلا يعول عليه. وقد تأوَّل الشافعي حكم النبي صلى الله عليه وسلم على اليهود بالرجم بأن ذلك منه كان إقامة لحكم كتابهم لَمَّا حرفوه، وأخفوه، وتركوا العمل به. ألا ترى أنَّه قال صلى الله عليه وسلم:(اللهم! إني أول من أحيا أمرك إذ أماتوه). وأيضًا: فإن النبي صلى الله عليه وسلم لم يكن بعد نزل عليه حكم الزاني، ولذلك جاء في بعض طرق هذا الحديث: أن ذلك كان حين قدم المدينة، وأيضًا: فلأنه صلى الله عليه وسلم قد استثبت ابني صُوريا عن حكم التوراة، واستحلفهما على ذلك. وأقوال الكُفَّار في الحدود وفي شهاداتهم عليها غير مقبولة بالإجماع، لكن فعل ذلك على طريق إلزامهم ما التزموه وعملوا به. وقد قال هذا كله بعض أصحابنا. وهذا البحث هو المسألة الثانية.

والجواب عنه أن نقول: إنَّه صلى الله عليه وسلم حكم بما علم أنَّه حقٌّ من التوراة، وأنه حكم الله، ولولا ذلك لما أقدم على قتل من ثبت أن له عهدًا. ثمَّ لا يلزم أن يكون طريق حصول العلم بذلك له قول ابني صوريا، بل الوحي، أو ما ألقى الله تعالى في روعه من تعيين صدقهما فيما قالاه من ذلك. ولا نسلِّم: أن حكم الرَّجم لم يكن مشروعًا له قبل ذلك، فإنَّها دعوى تحتاج إلى إثباتها بالنقل. سلمنا ذلك، لكنا نقول: من ذلك الوقت بيان مشروعية الرَّجم ومبدؤه، فيكون النبي صلى الله عليه وسلم أفاد بما فعله إقامة حكم التوراة، وبيان أن ذلك حكم شريعته، وأن التوراة يحكم بما صحَّ وثبت فيها أنَّه حكم الله. وعلى هذا يدلُّ قوله تعالى:{إِنَّا أَنزَلنَا التَّورَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسلَمُوا} وهو نبي من الأنبياء. وقد قال عنه

ص: 111

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبو هريرة: (فإني أحكم بما في التوراة)(1) على ما ذكره أبو داود. وقد استوفينا هذا المعنى في الأصول.

المسألة الثالثة في شهادة أهل الذمَّة: فالجمهور على أن الكافر لا تقبل شهادته على مسلم، ولا على كافر؛ لأنَّ الله عز وجل قد شرط في الشهادة العدالة. والكافر ليس بعدل؛ ولأن الفاسق المسلم مردود الشهادة بالنص، فالكافر أولى؛ ولأن العبد المسلم مسلوب أهلية الشهادة للكفر الأصلي الذي كان سبب رقِّه (2). فالكفر الحاصل في الحال أولى بأن يكون مانعًا، ولا فرق بين الحدود وغيرها، ولا بين السفر والحضر. وقد قبل شهادتهم جماعة من التابعين، وأهل الظاهر إذا لم يوجد مسلم؛ تمسُّكًا بما ذكرناه من حديث أبي داود المتقدم. وقال أحمد بن حنبل: تجوز شهادة أهل الذمَّة على المسلمين في السفر عند عدم المسلمين تمسُّكًا في ذلك بما جاء في كتاب أبي داود عن الشعبي: أن رجلًا من المسلمين حضرته الوفاة بدقوقاء (3) هذه، ولم يجد أحدًا من المسلمين يشهد على وصيته، فأشهد رجلين من أهل الكتاب، فقدما الكوفة، فأتيا الأشعري، فأخبراه، وقدما بتركته ووصيته، فقال الأشعري: هذا أمرٌ لم يكن بعد الذي كان في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم فأحلفهما بعد العصر بالله: ما كذبا، ولا خانا، فأمضى شهادتهما (4).

(1) رواه أبو داود (4450) و (4451).

(2)

جاء في كتاب "الفقه الإسلامي وأدلته"(6/ 562) للدكتور وهبة الزحيلي: من شروط الشاهد: الحرية: اتفق الحنفية والمالكية والشافعية على أن الشاهد يُشترط فيه: أن يكون حرًا، فلا تُقبل شهادة رقيقٍ؛ لقوله تعالى:{ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ} [النحل: 75]، ولأن الشهادة فيها معنى الولاية، وهو لا ولاية له.

(3)

"دقوقاء": بلد بين بغداد وإربل.

(4)

رواه أبو داود (3605).

ص: 112

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

ولا حجة فيه؛ لأنَّه مرسل وموقوف. ولو صحَّ؛ فلم يحكم بمجرد شهادتهما حتى ضم إليها يمينهما، والشاهد لا يستحلف. وإنَّما كان هذا من أبي موسى عملًا بما [تُفِيدُه القرائن](1). والله تعالى أعلم.

فأمَّا أخبَار أهل الكفر فيما لا يُعرَف إلا من جهتهم، كإخبارهم عن ذبائحهم، ونسائهم، وأحكامهم، وأقوال أطِبَّائهم، فتُسمَع إذا احتيج إلى ذلك لضرورة الحال، وهي أخبار لا شهادات. والله تعالى أعلم.

ويُعتَذَر للجمهور عن رجم النبي صلى الله عليه وسلم الزانيين عند شهادة اليهود: بأن النبي صلى الله عليه وسلم نفَّذ عليهم ما علم أنَّه حكم التوراة، وألزمهم العمل به على نحو ما عملت به بنو إسرائيل إلزامًا للحجَّة عليهم، وإظهارًا لتحريفهم وتغييرهم، فكان منفِّذًا لا حاكمًا. وهذا يمشي على تأويل الشافعي المتقدم. وأمَّا على ما قرَّرناه من أن النبي صلى الله عليه وسلم كان حاكمًا في القضيَّة بحكم الله، فيكون العذر عن سماع شهادة اليهود: أن ذلك كان خاصًّا بتلك الواقعة؛ إذ لم تسمع في الصدر الأول شهاداتهم في مثل ذلك. والله تعالى أعلم.

المسألة الرابعة: وهي أن هذا الحديث يدلُّ على أن ليس شرطًا في الإحصان. فإنه صلى الله عليه وسلم رجم اليهوديين، ولو كانا شرطًا لما رجمهما. وبهذا قال الزهري، وابن أبي ليلى، وأبو حنيفة، والشافعي، وأحمد. وقالت طائفة أخرى: إنَّه من شروط الإحصان. وبه قال مالك، والشافعي - في أحد قوليه - متمسكين بأن الشرع إنَّما حكم برجم الحرِّ، المسلم، الثيب، إذا زنى؛ لعلو منصبه، وشرفيته بالحرية والإسلام؛ بدليل: أن العبد لا يرجم، وينصف عليه الحدّ لخسَّة قدره. والكافر أخس من العبد المسلم، فكان أولى بألا يرجم، ولأن من شرط

(1) في (ل 1) و (ز) و (م 3): يفيده ظاهر القرآن.

ص: 113

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الإحصان صحة النكاح، وأنكحة الكفار فاسدة (1)، فلا يصح فيهم الإحصان لعدم شرطه، واستيفاء مباحثها في الخلاف. ويُعتذر لمالك، ولمن قال بقوله بما تقدم، وبما رواه عيسى عن ابن القاسم أنَّه قال: إن اليهوديين المرجومين لم يكونا أهل ذِمَّة، وإنَّما كانا أهل حرب، كما رواه الطبري وغيره: أن الزانيين كانا من أهل فدك وخيبر، وكانوا حربًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم. واسم المرأة الزانية: بُسرة. وكانوا بعثوا إلى يهود المدينة ليسألوا النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا لهم: سلوا محمدًا عن هذا، فإن أفتاكم بغير الرَّجم فخذوا به، وإن أفتى بالرَّجم فاحذروا.

قلت: وهذا الاعتذار يحتاج إلى أن يعتذر عنه. وسبب ذلك بعد تسليم صحة الحديث: أن مَجِيئهم سائلين يوجب عهدًا لهم، كما إذا جاؤونا، ودخلوا بلادنا لغرضٍ مقصود: من تجارة، أو رسالة، أو ما أشبه ذلك. فإن ذلك يوجب لهم أمانًا، فإمَّا أن يقضى غرضهم، أو يُرَدُّوا إلى مأمنهم، ولا يحل قتلهم، ولا أخذ مالهم. قاله القاضي أبو بكر بن العربي.

المسألة الخامسة: قد يحتجُّ بهذا الحديث من يرى على الإمام إقامة الحدّ على زناة أهل الذمِّة وإن لم يتحاكموا إلينا، وهو قول أبي حنيفة، وأحد قولي الشافعي. وقد روي عن ابن عباس. وقال مالك: لا يعرض لهم الإمام، ويردُّهم

(1) هذا قول المالكية، أما الجمهور فعندهم: أن أنكحة الكفار غير المرتدين صحيحة، يقرون عليها إذا أسلموا أو تحاكموا إلينا. واتفق الجمهور على: أنه لا يُعتبر في نكاحهم صفة عقدهم وكيفيته، ولا يُعتبر له شروط أنكحة المسلمين من: الولي، والشهود، وصيغة الإيجاب والقبول، وأشباه ذلك. فيجوز في حقِّهم ما اعتقدوه، ويقرُّون عليه بعد الإسلام. ولو قلنا بفساد أنكحتهم لأدَّى إلى أمرٍ قبيح، هو: الطعن في نسب كثير من الأنبياء. انظر: الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور وهبة الزحيلي (7/ 159 - 160).

ص: 114

بَينَ وُجُوهِهِمَا، وَيُطَافُ بِهِمَا. قَالَ: فَأتُوا بِالتَّورَاةِ إِن كُنتُم صَادِقِينَ. فَجَاؤوا بِهَا فَقَرَؤوهَا، حَتَّى إِذَا مَرُّوا بِآيَةِ الرَّجمِ، وَضَعَ الفَتَى الَّذِي يَقرَأُ يَدَهُ عَلَى آيَةِ الرَّجمِ، وَقَرَأَ مَا بَينَ يَدَيهَا وَمَا وَرَاءَهَا، فَقَالَ لَهُ عَبدُ اللَّهِ بنُ سَلَامٍ - وَهُوَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مُرهُ فَليَرفَع يَدَهُ، فَرَفَعَهَا، فَإِذَا تَحتَهَا آيَةُ الرَّجمِ، فَأَمَرَ بِهِمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَرُجِمَا، قَالَ عَبدُ اللَّهِ بنُ عُمَرَ: كُنتُ فِيمَن

ــ

إلى أهل دينهم إلا أن يظهر منهم ذلك بين يدي (1) المسلمين؛ فيمنعوا من ذلك. ولا حجَّة لمن خالف مالكًا في هذا الحديث، لما قدَّمناه من أنهم حكَّموا النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك، فحكم بأحد ما خيَّره الله تعالى فيه على ما تقدَّم.

الغريب: الحُمَم: الفَحم، واحدته: حُمَمَة. والمُحمَّمُ: المسوَّد. وروى العذري، والسمرقندي: نُسَوِّد وجوههما ونُحمِّمهُما. ورواه السَّجزي: نُجمِلهُما - بنون مضمومة، وجيم -؛ بمعنى: نحملهما على جمل، ويطاف بهم. ورواها الطبري: نَحمِلهما - بنون مفتوحة، وحاء مهملة - من الحمل. وكلتا الروايتين أحسن من رواية العذري، لأن فيها تكرارًا. فإن قوله: نسوِّدهما. هو بمعنى: نُحَمِّمهُما. وقد تقدم ذكر (التَّجبيه)، وقد تقدم أن هذا الفعل إنما كان مما اخترعته اليهود، وابتدعوه، وجعلوه عوضًا عن حكم الرَّجم، ولذلك لم يقل به أحدٌ من أهل الإسلام في الزنى، وإنَّما عمل به بعض أهل العلم في شاهد الزور، فرأى أن يحمم وجهه، ويجلد، ويحلق رأسه، ويطاف به. وروي ذلك عن عمر بن الخطاب. وقد روي ذلك عن بعض قضاة البصرة. ولم يره مالك.

و(قوله: فأتوا بالتوراة) دليل على جواز المطالبة بإقامة الحجج على الأحكام.

(1) ليست في (ج 2).

ص: 115

رَجَمَهُمَا، فَلَقَد رَأَيتُهُ يَقِيهَا مِن الحِجَارَةِ بِنَفسِهِ.

وفي رواية: إن اليهود جاؤوا إلى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم برجل منهم وامرأة قد زنيا. وساقه بنحو ما تقدم.

رواه أحمد (2/ 7)، والبخاري (3635)، ومسلم (1699)(26 و 27)، وأبو داود (4446)، والترمذيُّ (1436).

ــ

و(قوله: فلقد رأيته يقيها الحجارةَ بنفسه) هذا يدلُّ على أنهما لم يُحفر لهما، ولا رُبِطا. وقد تقدَّم القولُ في ذلك. وقد وقع هذا اللفظُ في الموطأ (1): فرأيتُ الرَّجلَ يحني على المرأة، يقيها الحجارة. رويناه:(يَحنِي) بياء مفتوحةٍ، وبحاء مهملة، من الحنُوِّ، وهو الصواب. ورويناه:((يَجنِي) بالجيم من غير همزٍ، وليست بصوابٍ. وحكى بعضُ مشايخنا: أن صوابها: (يَجنَأ) بفتح الياء والجيم وهمزة، وحكاها عن أبي عبيد، وأظنه: القاسم بن سلام. والذي رأيته في الغريبين لأبي عبيد الهروي: قال: (فجعل الرَّجل يُجنِئ عليها)، بياء مضمومة وهمزةٍ. قال: أي: يكبُّ عليها. يقال: أجنأ عليه، يُجنئ، إجناءً: إذا أكبَّ عليه يقيه شيئًا. قال: وفي حديثٍ آخر: فلقد رأيته يُجانئ عليها يقيها الحجارة بنفسه. هذا نصُّه (2). وفي الصِّحاح: جنأ الرَّجل على الشيء، وجانأ عليه، وتجانأ عليه: إذا أكبَّ عليه. قال الشاعر (3):

أغَاضِرُ (4) لَو شهدتِ غَداةَ بِنتُم

جُنُوءَ العَائِداتِ على وِسَادِي

ورجلٌ أجنأُ: بيِّن الجَنَاء؛ أي: أحدب الظهر. والمُجنأُ - بالضم -: الترس.

(1) رواه مالك في الموطأ (2/ 815).

(2)

انظر كتاب "غريب الحديث"(2/ 62).

(3)

هو كثير عزّة.

(4)

منادى مرخم، والأصل: أغاضرة.

ص: 116

[1789]

وعَن البَرَاءِ بنِ عَازِبٍ قَالَ: مُرَّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِيَهُودِيٍّ مُحَمَّمًا مَجلُودًا، فَدَعَاهُم صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: هَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُم؟ قَالَوا: نَعَم، فَدَعَا رَجُلًا مِن عُلَمَائِهِم فَقَالَ: أَنشُدُكَ بِاللَّهِ الَّذِي أَنزَلَ التَّورَاةَ عَلَى مُوسَى، أَهَكَذَا تَجِدُونَ حَدَّ الزَّانِي فِي كِتَابِكُم؟ قَالَ: لَا، وَلَولَا أَنَّكَ نَشَدتَنِي بِهَذَا لَم أُخبِركَ! نَجِدُهُ الرَّجمَ، وَلَكِنَّهُ كَثُرَ فِي أَشرَافِنَا، فَكُنَّا إِذَا أَخَذنَا الشَّرِيفَ تَرَكنَاهُ، وَإِذَا أَخَذنَا الضَّعِيفَ أَقَمنَا عَلَيهِ الحَدَّ، قُلنَا: تَعَالَوا فَلنَجتَمِع عَلَى شَيءٍ نُقِيمُهُ عَلَى الشَّرِيفِ وَالوَضِيعِ، فَجَعَلنَا التَّحمِيمَ وَالجَلدَ مَكَانَ الرَّجمِ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ إِنِّي أَوَّلُ مَن أَحيَا أَمرَكَ إِذ أَمَاتُوهُ! فَأَمَرَ بِهِ فَرُجِمَ، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل:{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحزُنكَ الَّذِينَ يُسَارِعُونَ فِي الكُفرِ} إِلَى قَولِهِ {إِن أُوتِيتُم هَذَا فَخُذُوهُ} يَقُولُ: ائتُوا مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم، فَإِن أَمَرَكُم بِالتَّحمِيمِ وَالجَلدِ فَخُذُوهُ، وَإِن أَفتَاكُم بِالرَّجمِ فَاحذَرُوا، فَأَنزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:{وَمَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} {وَمَن لَم يَحكُم بِمَا

ــ

قلت: ويحصل من مجموع حكاية أبي عبيد وصاحب الصِّحاح: أنَّه يُقال: جنأَ - مهموزًا ثلاثيًّا ورباعيًّا -.

و(قوله تعالى: {وَمَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الكَافِرُونَ} يحتجُّ بظاهره من يُكفِّرُ بالذنوب، وهم الخوارج، ولا حجَّة لهم فيه؛ لأنَّ هذه الآيات نزلت في اليهود المحرفين كلام الله تعالى، كما جاء في هذا الحديث، وهم كفار، فيشاركهم في حكمها من يشاركهم في سبب نزولها. وبيان هذا: أن المسلم إذا علم حكم الله تعالى في قضيَّة قطعًا، ثم لم يحكم به؛ فإن كان عن جَحدٍ كان كافرًا، لا يختلف في هذا. وإن كان لا عن جَحدٍ كان عاصيًا مرتكب كبيرة؛ لأنَّه مصدق بأصل ذلك الحكم، وعالم بوجوب تنفيذه عليه، لكنه عصى بترك العمل به،

ص: 117

أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ}، {وَمَن لَم يَحكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الفَاسِقُونَ} فِي الكُفَّارِ كُلُّهَا.

رواه مسلم (1700)، وأبو داود (4448)، والنسائي في الكبرى (7218)، وابن ماجه (2558).

* * *

ــ

وهكذا في كل ما يعلم من ضرورة الشرع حكمه، كالصلاة، وغيرها من القواعد المعلومة. وهذا مذهب أهل السُّنة. وقد تقدم ذلك في كتاب الإيمان؛ حيث بيَّنَّا: أن الكفر هو الجحد والتكذيب بأمرٍ معلوم ضروري من الشرع، فما لم يكن كذلك فليس بكفر.

ومقصود هذا البحث: أن هذه الآيات المراد بها: أهل الكفر، والعناد. وأنها كانت ألفاظها عامة، فقد خرج منها المسلمون؛ لأنَّ ترك العمل بالحكم مع الإيمان بأصله هو دون الشرك. وقد قال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ لا يَغفِرُ أَن يُشرَكَ بِهِ وَيَغفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَن يَشَاءُ} وترك الحكم بذلك ليس بشرك بالاتفاق، فيجوز أن يُغفر، والكفر لا يُغفر، فلا يكون ترك العمل بالحكم كفرًا. ويعتضد هذا بالقاعدة المعلومة من الشرع المتقدمة.

والظلم والفسق في هاتين الآيتين المراد به: الكفر؛ لأنَّ الكافر وضع الشيء في غير موضعه، وخرج عن الحق، فصدق على الكافر: أنَّه ظالم وفاسق، بل هو أحق بذينك الاسمين ممن ليس بكافر؛ لأنَّ ظلمه أعظم الظلم، وفسقه أعظم الفسق. وقد تقدَّم في الإيمان بيان كفر دون كفر، وظلم دون ظلم.

* * *

ص: 118