المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

[1817]

عَن زَيدِ بنِ خَالِدٍ الجُهَنِيِّ أَنَّهُ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى

ــ

(8)

ومن باب: حكم اللقطة والضوال

قد تقدم القول في اللقطة وإنشادها في كتاب الحجِّ. و (العِفَاص): الوعاء. وأصله: جلدٌ يلبسه رأس القارورة. يقال: عفصت القارورة: شددت عليها العِفاص. و (الوكاء): الخيط الذي يشدُّ به الوعاء. تقول: عفصتُ عفصًا: إذا شددت العِفاص، فإن جعلت العِفاص؛ قلت: أعفصته. وتقول: أوكيت إيكاءً، والشيءَ مُوكى، كما تقول: أعطيت إعطاء، والشيء مُعطَى.

والكلام في اللقطة في مسائل:

الأولى: في حدِّها، وهي عندنا: وجدان مالٍ معصوم (1) لمعصوم معرَّض للضياع، فيدخل في المال كلُّ ما يُتمَّول من جمادٍ وحيوانٍ. ونعني بالمعصوم: كل مال لمالكه حرمة شرعيَّة، فيدخل فيه مال المسلم، والذمِّي، والمعاهد، ويخرج عنه مال الحربي؛ إذ لا حرمة له. وأموال الجاهلية؛ إذ هي ركاز، ويدخل فيه القليل من المال والكثير منه، سواء كان في عامر من (2) الأرض أو غامرها، مدفونًا أو غير مدفون. وتحرزنا بقولنا:(مُعرَّض للضياع) عمَّا يكون في حرز مُحترم، أو عليه حافظ.

المسألة الثانية: في أقسام اللقطة، وهي: جمادٌ، وحيوان. والحيوان: إنسان وغير إنسان، والإنسان إمَّا صغير أو كبير. فالصغير إن علم: أنه مملوك؛ فهو

(1) من (ج 2).

(2)

مستدرك من (ج 2).

ص: 181

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَن اللُّقَطَةِ فَقَالَ: اعرِف عِفَاصَهَا وَوِكَاءَهَا،

ــ

لُقطة. وإلا فهو اللقيط، ويجب حفظه، والقيام به على المسلمين؛ إذا كان ذلك في بلادهم وجوب كفاية، وله أحكام مذكورة في الفروع. ولا يكون المملوك الكبير لُقطة إلا إن كان مِمَّن لا يفهم. وأمَّا غير الإنسان: فإبل، وبقر، وغنم، وخيل، وبغال، وحمير.

المسألة الثالثة: في بيان حكمها. فأمَّا الجماد: فاختلف في حكم التقاطه؛ فذهب الشافعي إلى استحباب ذلك مطلقًا، وعندنا فيه تفصيل. فقيل: لا يجب إلا أن يكون بين قوم غير مأمونين، والإمام عدل؛ فيجب أخذها بنيَّة الحفظ على من وثق بأمانة نفسه، فإن علم خيانة نفسه حرم الأخذ عليه، وإن ظن ذلك كره له، وإذا كانت بين مأمونين، ووثق بأمانة نفسه، فقيل: يستحب له أخذها بنيَّة الحفظ. وروي عن ابن القاسم كراهة التقاطها؛ إلا أن يكون لها قدر وبال. وكذلك روى أشهب في الدنانير، فأمَّا الدرهم وما لا بال فيه (1)؛ فلا أحِبُ له أن يأخذه. وقد رويت عن مالك الكراهة مطلقًا. وباقي ما يتعلّق بها من المسائل يأتي مع البحث في الحديث.

و(قوله: اعرف عِفاصها ووكاءها)، وفي رواية:(وعددها) هذا الأمر للملتقط بتعرف هذه الأمور الثلاثة تفيد إباحة حل وكائها، والوقوف على عينها، وعددها للملتقط. وفائدة ذلك: أنَّه إذا جاء من عرف أولئك الأوصاف دفعت له، كما قال:(فإن جاء صاحبها فعرف عفاصها، وعددها، ووكاءها، فادفعها إليه) وظاهره: اشتراط معرفة مجموع تلك الأوصاف، وأنها تدفع له بغير بيِّنة. وقد اختلف في المسألتين.

فأمَّا المسألة الأولى: فقال ابن القاسم: لا بدَّ من ذكر جميعها؛ يعني:

(1) في (ج 2): له.

ص: 182

ثُمَّ عَرِّفهَا سَنَةً،

ــ

الوكاء، والعِفاص، والعدد. ولم يعتبر أصبغ العدد. وظاهر الحديث حجَّة لابن القاسم، ولأصبغ التمسك بالحديث الذي ليس فيه ذكر العدد. وحجَّة ابن القاسم أوضح؛ لأن من ذكر شيئًا حجَّة على من سكت عنه، ولأنَّه من باب حمل المطلق على المقيد، فإذا أتى بجميع أوصافها؛ فهل يُحَلَّف مع ذلك أو لا؟ قولان. النَّفي لابن القاسم. وتحليفه لأشهب.

ولا تلزمه بينة عند مالك وأصحابه، وأحمد بن حنبل، وغيرهم. وقال أبو حنيفة، والشافعي: لا تدفع له (1) إلا إذا أقام بينة أنها له. والأول أولى؛ لنصّ الحديث على ذلك، ولأنَّه لو كان إقامة البيِّنة شرطًا في الدَّفع لما كان لذكر العِفاص، والوكاء، والعدد معنًى؛ فإنَّه يستحقها بالبيِّنة على كل حال، ولما جاز سكوت النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك، فإنه تأخير للبيان عن وقت الحاجة. وقال أصبغ: إن عرف العِفاص وحده استُبرئ له، فإن جاء أحدٌ، وإلا أُعطيها. وقال ابن عبد الحكم: لو أصاب تسعة أعشار الصفة، وأخطأ العشر لم يعطها إلا أن يصف العدد، فيصاب أقل. وقال أشهب: إن عرف منها وصفين، ولم يعرف الثالث دفعت إليه.

و(قوله: ثم عرِّفها سنة) تعريفها هو: أن ينشدها في مجتمعات الناس، وحيث يظن أن ربَّها هنالك، أو قربه، فيعرفها تعريفًا لا يضرُّ به، ولا يُخُفِي أمرها. والتعريف واجبٌ؛ لأنَّه مأمورٌ به. ثمَّ يختص الوجوب بسنة في المال الكثير؛ الذي لا يفسد، ولا ينقص منها. وهو قول فقهاء الأمصار. ولم يذهب أحدٌ منهم إلى زيادة على السنة إلا شيء روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فإنَّه قال: يعرفها ثلاثة أعوام. وإلا: ما تقدَّم من الخلاف في لقطة الحاجِّ.

فأما الشيء القليل التافه؛ الذي لا يتعلَّق به نفس مالكه كالتمرة، والكِسرة، فلا تعريف فيه. وقد مرَّ النبي صلى الله عليه وسلم بتمرة في الطريق فقال: (لولا أني أخاف أن تكون من

(1) في (ل 1) و (م 2) و (م 3): إليه.

ص: 183

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الصَّدقة لأكلتها) (1)، ولم يعرِّفها.

ولو كانت من القليل الذي تتعلَّق به النفس غالبًا، فهل يُعرَّف أو لا؟ وإذا عُرِّف؛ فهل يُعرَّف سنة، أو يجزئ أقل من ذلك؟ كل ذلك مختلف فيه. فظاهر رواية ابن القاسم: أنَّه يُعرَّف سنة كالكثير. وهو قول الشافعي. وقال ابن القاسم في الكتاب: يُعرِّفه أيَّامًا. وبه قال ابن وهب، ولم يحدد الأيام، بل بحسب ما يظن أن مثلها يطلب فيها. وهذا كالحبل، والمخلاة، والدَّلو، والعصا، والسَّوط، والسِّقاء، والنَّعال. وقال أشهب: إن لم يعرفها فأرجو أن يكون واسعًا (2). وقال بعض العلماء: لا يلزم تعريف شيء من ذلك، وألحقوه بالقسم الأول. وفيه بُعدٌ؛ لأنَّ ما تتشُّوف النفسُ إليه فالغالب: أن صاحبه يطلبه، فلا بدَّ من تعريفه، ولكنه لا ينتهي التعريف فيه إلى السَّنة؛ لأنَّ صاحبه لا يستديم طلبه فيها غالبًا، فحينئذ تضيع استدامة التعريف. فإن قيل: فقد جاء في كتاب أبي داود من حديث جابر: رخَّص لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في السوط، والعصا، والحبل، وأشباهه، يلتقطه الرَّجل ينتفع به (3). وظاهره: أنه لا يحتاج مثل هذا إلى تعريف.

فالجواب: أن هذا لا يصحُّ رفعه؛ لأنَّه من رواية المغيرة بن زياد، عن أبي الزبير، عن جابر. وقد رواه المغيرة بن مسلم عن أبي الزبير، عن جابر، قال: كانوا، ولم يذكر النبي صلى الله عليه وسلم. والمغيرة بن مسلم أصلح حديثًا، وأصح من حديث المغيرة بن زياد. هكذا قاله أبو محمد عبد الحق.

قلت: مع أن حديث أبي الزبير عن جابر لا يؤخذ منه إلا ما ذكر فيه سماعه منه؛ لأنَّه كان يُدلِّس في حديث جابر، ولم يذكر سماعه في هذا الحديث، سلمنا صحته، لكنه يحتمل أن تكون هذه الإباحة بعد التعريف. ويعتضدُ هذا بما رواه

(1) رواه البخاري (2431)، ومسلم (1071)، وأبو داود (1651 و 1652).

(2)

لعل المقصود: أن الأمر فيه متسع.

(3)

رواه أبو داود (1717).

ص: 184

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبو محمد بن أبي حاتم عن حكيمة بنت غيلان عن أبيها: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من التقط لقطة يسيرة، درهمًا، أو حبلا، أو شبه ذلك؛ فليعرفه ثلاثة أيام، فإن كان فوق ذلك فليعرِّفه ستة أيام)(1). وأصح من هذا وأحسن ما خرَّجه النسائي عن عياض بن حمار المجاشعي: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من أخذ لقطة فليشهد ذوي عدل، وليحفظ عفاصها، ووكاءها، ولا يكتم، ولا يُغيِّب، فإن جاء صاحبها، فهو أحق بها، وإن لم يجئ صاحبها فهو (2) مال الله يؤتيه من يشاء) (3)، وهذا عام في كل لُقطة.

و(قوله: فليشهد ذوي عدلٍ) أمرٌ للملتقط بأن يشهد على نفسه بأنه وجد كذا، على جهة الاحتياط للُّقطة مخافة طارئ يطرأ على الملتقط من موت، أو آفة، أو طروء خاطر خيانةٍ.

و(قوله: ولا يكتم، ولا يُغيِّب) يعني به: أنَّه يعرِّفها بأعمِّ أوصافها، ويستدعي من المُدَّعي أخصَّ أوصافها المميَّزة لها، كما تقدم.

وأمَّا ما رواه أبو داود (4) من حديث علي رضي الله عنه: أنَّه وجد دينارًا فرهنه في درهم لحمًا، وأنه أعلم النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، فأقرَّه، ولم يُنكر عليه تصرَّفه في الدينار بالرَّهن. فلا حجَّة فيه لمن يستدلُّ به: على أن القليل من اللقطة لا يُعرَّف؛ لأنَّ عليًّا رضي الله عنه إنما فعل ذلك في حال ضرورة؛ لأنه دخل بيته والحسن والحسين يبكيان من الجوع، فخرج فوجد الدينار، ففعل ذلك حين لم يجد شيئًا آخر، وفي مثل هذه الحال تحل الميتة، فأحرى التصرف في الوديعة، ثم إنَّه لم يُتلف عين الدينار، وإنَّما رهنه، فلمَّا جاء صاحبه، افتَكَّهُ ودفعه إليه. وذكر في هذا الحديث:

(1) رواه البيهقي (6/ 195). وانظر: المجمع (4/ 169).

(2)

في الأصول: وإلا فهو، وما أثبتناه أنسب للسياق، وموافق لرواية النسائي.

(3)

رواه النسائي في الكبرى (5808).

(4)

رواه أبو داود (1716).

ص: 185

فَإِن جَاءَ صَاحِبُهَا، وَإِلَّا فَشَأنَكَ بِهَا. قَالَ: فَضَالَّةُ الغَنَمِ؟ قَالَ: لَكَ أَو لِأَخِيكَ أَو لِلذِّئبِ. قَالَ: فَضَالَّةُ الإِبِلِ؟ قَالَ: مَا لَكَ وَما لَهَا؟ مَعَهَا سِقَاؤُهَا وَحِذَاؤُهَا، تَرِدُ المَاءَ وَتَأكُلُ الشَّجَرَ، حَتَّى يَلقَاهَا رَبُّهَا.

ــ

أن النبي صلى الله عليه وسلم استدعى مدَّعِي الدينار، فسأله، فقال: سقط مني في السُّوق. فأمر عليًّا بافتكاكه، ثم دفعه إلى الرَّجل. من غير أن يسأله عن وصف من أوصاف الدينار، فيحتمل أن يكون اكتفى منه بقوله: أنَّه ضاع مني في السُّوق، وقد كان علي وحده في السُّوق؛ لأنَّ الدينار الواحد ليس فيه عدد، وقد لا يكون له وعاء، ولا وكاء، والدنانير متساوية الأشخاص غالبًا. ويحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم علم أنه صاحبه بوحي، أو بقرائن، فلا حجَّة فيه على سقوط السؤال عن الأوصاف. والله تعالى أعلم.

وقد حصل من هذا: أن اللقطة لا بدَّ لها من تعريف؛ فإن كانت مما لها بال ومقدار عُرِّفت سنة. وإن كانت مما ليس لها ذلك المقدار؛ كان تعريفها بحسبها من غير حدٍّ بعدد مخصوص، ولا زمان مخصوص، بل على الاجتهاد. وأما التمرة، والكِسرة: فلا تحتاج إلى تعريف؛ لأنها مزهودٌ فيها، ولا تتشوف نفس صاحبها إليها. وهذا مذهب مالك وغيره. والله أعلم.

و(قوله: فإن جاء صاحبها، وإلا فشأنُك بها -) أو: (فهي لك)، أو:(فاستنفقها)، وفي حديث أبي:(وإلا فاستمتع بها)(1). وفي كتاب الترمذي (2): (ثمَّ كُلها). وفي كتاب النسائي من حديث عياض بن حمار: (وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء)(3). أفادت هذه الروايات كلها: أن واجد اللقطة بعد التعريف أحق

(1) رواه مسلم (1723)(10) من رواية ابن نُمَيْر.

(2)

انظر: سنن الترمذي (3/ 657).

(3)

رواه النسائي في الكبرى (5809).

ص: 186

وفي رواية: فَإِن جَاءَ صَاحِبُهَا؛ فَعَرَفَ عِفَاصَهَا وَعَدَدَهَا وَوِكَاءَهَا، فَأَعطِهَا إِيَّاهُ، وَإِلَّا فَهِيَ لَكَ.

وفيها أنه صلى الله عليه وسلم: غَضِبَ عندما سئل عن ضالة الإبل حَتَّى احمَرَّت وَجنَتَاهُ.

رواه البخاري (2427 و 2428 و 2429 و 2438)، ومسلم (1722)(1 و 6)، وأبو داود (1704 - 1708)، والترمذيُّ (1372)، والنسائي في الكبرى (5814 - 5816).

ــ

بالنظر فيها من غيره، فلا ينتزعها منه السلطان ولا غيره. وهو قول أهل العلم. غير أن الأوزاعي قال: إن كان مالًا كثيرًا جعله في بيت المال.

واختلفوا إن كان غير مأمون؛ هل يتركها السلطان بيده، أو يأخذها منه؟ فعن الشافعي في ذلك قولان.

قال القاضي عياض: ومقتضى مذهب مالك، وأصحابه: أن يأخذها منه إن كان غير مأمون. وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. فإذا أقرَّت بيده؛ فما الذي يفعل فيها؟ !

الجمهور: على أن له أن يمسكها عنده، ولا ضمان عليه؛ لأنَّها وديعة، كما جاء في بعض طرقه:(ولتكن وديعة عندك). وله أن يصرفها في مصالحه من أكل، أو انتفاع. وله أن يتصدَّق بها، ولا بدَّ في هذين من الضمان متى جاء صاحبها. وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب، وابنه، وابن مسعود، وعائشة، وعطاء، والشافعي، وأحمد، وإسحاق، وأبو حنيفة. غير أنه - أعني: أبا حنيفة - لم يُبح أكلها إلا للفقير. وشذَّ داود فأسقط عنه الضمان بعد السَّنة.

وموجب الخلاف اختلاف تلك الروايات، وذلك: أن ظاهر قوله: (فهي لك)، و (قوله: ثم كُلها)، و (قوله: وإلا فهي مال الله يؤتيه من يشاء): التمليك، وسقوط الضمان، وبه اغتَرَّ داود، لكن قد أزال ذلك الظاهر، ودَحَضَه رواية العدل والضابط الحافظ الإمام يحيى بن سعيد عن يزيد - مولى المنبعث -: أنَّه سمع زيد بن خالد الجهني يقول: سُئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن اللقطة؛ الذهب والورق فقال: (اعرف وكاءها،

ص: 187

[1818]

وعنه، قال: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن اللُّقَطَةِ: الذَّهَبِ أَو الوَرِقِ، فَقَالَ: اعرِف وِكَاءَهَا وَعِفَاصَهَا، ثُمَّ عَرِّفهَا سَنَةً، فَإِن لَم تَعترِف فَاستَنفِقهَا، وَلتَكُن وَدِيعَةً عِندَكَ، فَإِن جَاءَ طَالِبُهَا يَومًا مِن الدَّهرِ فَأَدِّهَا

ــ

وعِفاصها، ثمَّ عرِّفها سَنَة، فإن لم تُعرف فاستنفقها، ولتكن وديعة عندك، فإن جاء طالبها يومًا من الدَّهر، فأدِّها إليه) (1). فهذه أحسن الروايات، وأنصُّها على المطلوب، وهي المبيِّنة لتلك الظواهر الحاكمة عليها. والعجب من داود كيف صُرف عنها وهي بين يديه، وأنَّى تغافلَ عنها؛ وهي حجَّة عليه؟ لكن من حرم التوفيق استدبر الطريق.

و(قوله: ولتكن وديعة عندك) بعد قوله: (استنفقها) معناه: ولتكن في ضمانك على حُكم الوديعة؛ يعني: إذا أنفقها المُودَعُ عنده فإنَّه يضمنها، وإلا: فإذا أنفقها لم تبق عَينُها، فكيف تبقى وديعة إلا على ما ذكرناه؟ والله تعالى أعلم.

و(قوله: فضالةُ الغنم؟ ) فقال: (هي لك، أو لأخيك، أو للذئب) أي: لا بدَّ لها من حال من هذه الأحوال الثلاثة. و (أو) هذه للتقسيم والتنويع. ويفيد هذا: الغنم إذا كانت في موضع يخاف عليها فيه الهلاك جاز لملتقطها أكلها، ولا ضمان عليه؛ إذ قد سوّى بينه وبين الذئب، والذئب لا ضمان عليه، فالملتقط لا ضمان عليه. وهو مذهب مالك وأصحابه، وقد ضمَّنه الشافعي وأبو حنيفة تمسُّكًا ببقاء ملك ربِّها عليها، وبما قد روي من حديث عمرو بن يثربي (2): أنَّه صلى الله عليه وسلم قال: (إن لقيتها لقحة تحمل شفرةً وأزنادًا فلا تمسَّها)(3). ولا حجَّة في شيء من ذلك؛

(1) هو حديث الباب الثاني رقم (2028).

(2)

هو عمرو بن يثربي الضمري، له صحبة، روى عنه عمارة بن حارثة "الجرح والتعديل"(6/ 269).

(3)

رواه أحمد (3/ 423 و 5/ 113)، وفيه: نعجة بدل لقحة.

ص: 188

إِلَيهِ. وَسَأَلَهُ عَن ضَالَّةِ الإِبِلِ فَقَالَ: مَا لَكَ وَلَهَا، دَعهَا. وذكر نحو ما تقدم.

ــ

قد اتفقنا على أن لواجدها أخذها، وأكلها. والأصل: أنَّه لا يجوز التصرُّف في ملك الغير؛ فقد تركنا ذلك (1) الأصل، فلا نتمسك به في باب اللقطة؛ لأن الشرع قد سلَّط الملتقط عليها، ولما كانت هذه مآلها الهلاك إن تُركت ولا ضمان؛ كان أكلها لواجدها أولى بغير ضمان؛ لأنَّه انتفع بها رجل مسلم، ولا حجَّة أيضًا في الحديث لأنَّه من رواية عمارة بن حارثة، وليس بالمشهور الرواية، ولو سُلِّم أنه صحيح فلا حجَّة فيه أيضًا؛ لأنَّ ذلك القول إنما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم جوابًا لمن قال له: أرأيت إن لقيت غنم ابن عمي فأخذت شاة فأجزرتها؛ أعلي في ذلك شيء؟ فأجابه صلى الله عليه وسلم بذلك. فلم يسأله عن ضالة الغنم، بل عن غنم ابن عمِّه، وذلك عندما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(لا يحل لامرئ من مال أخيه شيء إلا بطيب نفسٍ منه)(2). فحينئذ سأله عن ذلك، فأجابه بذلك. ويلحق بالغنم عند مالك: ما لا يبقى من الأطعمة، ويخافُ عليه الفساد، وكان بموضع لا ينحفظ فيه، ولا يوجد من يشتريه، فله أكله، ولا ضمان. وضمَّنه الإمامان، كما قدمناه، فإن كان شيء من ذلك قريبًا من العمران، وأمن الهلاك عليه فلا يجوز له أكله، ولا خلاف فيه، فإن شاء أخذها بنيَّة حفظها، وإن شاء تركها على ما تقدم.

و(قوله في ضالَّة الإبل: ما لك ولها؟ ) إلى آخر الكلام، وغضبه حين قال ذلك يدلُّ على تحريم التعرُّض لضالَّة الإبل؛ لأنَّها يؤمن عليها الهلاك لاستقلالها بمنافعها. وقد نصّ على ذلك بقوله في الرواية الأخرى:(دعها عنك). ومقتضاه:

(1) في (ج 2): هذا.

(2)

رواه أحمد (3/ 423 و 5/ 113)، والحاكم (1/ 193). وانظر: مجمع الزوائد (4/ 171).

ص: 189

وفي رواية: ثم كلها، فإن جاء صاحبها فأدها إليه.

رواه البخاريُّ (3436)، ومسلم (1722)(5 و 7)، وأبو داود (1706)، والترمذي (1373)، والنسائي في الكبرى (5811)، وابن ماجه (2507).

* * *

ــ

المنع من التصرف فيها مطلقًا، وأن تترك حيث هي. لكن هذا إذا لم تكن بأرض مسبعة. وعلى هذا يدلُّ قوله صلى الله عليه وسلم:(ضالة المسلم حرق النار)(1). قال العلماء: هكذا كان في أول الإسلام، وعلى ذلك استمر زمن أبي بكر، وعمر، فلمَّا كان زمن عثمان وعلي، وكثر فساد الناس، واستحلالهم: رأوا التقاطها، وضمَّها، والتعريف بها، وهذا كلُّه منهم وفاءً بمقصود هذا الحديث في لقطة الإبل؛ فإن مقصوده: أنها إذا أمن عليها الهلاك، وبقيت بحيث تتمكن مما تعيش به من الأكل والشرب حتى يجيء ربُّها، فيجدها سليمة، فحينئذ لا يتعرَّض لها أحدٌ، فلو تعذر شيء من ذلك، وخِيف عليها الهلاك أو السَّرق؛ التقطت، وحفظت؛ لأنَّها مال مسلم؛ فيجب حفظه، ولا تُؤكل. ولو كانت بالمواضع المنقطعة عن العمران البعيدة؛ لأنَّ سَوقها ممكن، ومؤونتها متيسرة بخلاف الغنم.

وهل يلحق بها البقر أو بالغنم؟ عندنا في ذلك قولان. فرأى مالك إلحاقها بالغنم لضعفها عن الامتناع عند انفرادها. ورأى ابن القاسم إلحاقها بالإبل إذا كانت بموضع لا يخاف عليها فيه من السِّباع.

قلت: وكأن هذا تفصيل أحوال، لا اختلاف أقوال. وقد بيَّنَّا: أن مثله جار في الإبل، فالأولى: إلحاقها بها.

وكذلك اختلف في التقاط الخيل، والبغال، والحمير. وظاهر قول ابن القاسم: أنها تلتقط. وقال أشهب، وابن كنانة: لا تلتقط.

(1) رواه أحمد (5/ 80).

ص: 190