الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر
[1867]
عَن أَنَسٍ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَن الخَمرِ تُتَّخَذُ خَلًّا فَقَالَ: لَا.
رواه أحمد (3/ 119)، ومسلم (1983)، وأبو داود (3675)، والترمذي (1294).
ــ
في تحريم خلطهما وشربه، وهو مذهبُ كافة فقهاء الأمصار، وجمهور العلماء، ومالك في أحد قوليه، وفي الثاني الكراهة، وهو مشهورُ مذهبه. وقد شذَّ أبو حنيفة، وأبو يوسف فقالا: لا بأس بخلط ذلك وشُربه. وقالا: ما حل مفردًا حلَّ مجموعًا. وهذه مخالفة للنصوص الشرعية، وقياسٌ فاسد الوضع، ثم هو منتقِضٌ بجواز نكاح كلِّ واحدةٍ من الأختين مُنفرِدَةً، والجمع بينهما حرامٌ بالإجماع. وأعجب من ذلك تأويلُ أصحابهما للحديث، إذ قالوا: إن النَّهي عن ذلك إنما هو من باب السَّرف بجمع إدامين. وهذا تغيير وتبديل، لا تأويل. ويشهد ببطلانه نصوص أحاديث هذا الباب كلها. ثم إنهم جعلوا الشرابَ إدامًا، فِعل من ذَهَل عن الشرع والعادة، وتعامى، وكيف ينهى عن الجمع بين إدامين وقد جُمعا على مائدة رسول الله صلى الله عليه وسلم بغير مَينٍ (1) على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
واختلف القائلون بمنع الخلط في تعليل ذلك وعدمه، فالذي يليق بمذهب أهل الظاهر عدمُ التعليل. والجمهورُ يُعَلِّلونه بخوف إسراع الشدَّة المسكرة. وعلى هذا: يقصر النهي عن الخلط على كل شيئين يُؤَثِّر كل واحدٍ منهما في الآخر إسراع
(1)"المَين": الكذب.
[1868]
وعن طَارِق بن سُوَيدٍ الجُعفِيَّ أنه سَأَلَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَن
ــ
الشِّدَّة إذا خلطا، وهذا هو الذي يُفهم من الأحاديث الواردة في هذا الباب؛ فإنها مصرَّحة بالنَّهي عن الخلط للانتباذ والشرب. وقد أبعد بعض أصحابنا فمنع الخلط وإن لم يكن كذلك، حتى منع خلطهما للتخليل، وهذا إنما يليق بمن لم يعلِّل النهي عن الخليطين بعلَّة، ويلزم عليه أن يجري النهي على خلط العسل واللبن، وشراب الورد والبنفسج، والعسل والخلِّ، وغير ذلك. والصواب ما ذهب إليه مالك والجمهور. والله الموفق.
ونهيه صلى الله عليه وسلم عن اتخاذ الخمر خلًا ظاهرٌ في تحريم ذلك. وبه قالت طائفة من أهل العلم، وروي عن عمر، وبه قال الزهري، وكرهه مالك، وقال أبو حنيفة: لا بأس بأن تتخذ الخمر خلًا. وكيف يصحُّ له هذا مع هذا الحديث ومع سببه الذي خرج عليه؟ وهو: أن أنسًا روى أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا: أنجعله خلًا؟ قال: (لا)، فهراقه (1)، فلو كان هذا جائزًا لكان قد ضيَّع على الأيتام ما لهم، ولوجب الضمان على من أراقها عليهم، وهو: أبو طلحة. وكل ذلك لم يلزم، فدلَّ ذلك على فساد ذلك القول.
وهذا الحديث أيضًا يدلّ: على أن الخمر لا تُملك بوجه، وهو مذهب الشافعي. وقال بعض أصحابنا: إنَّها تُملك. وليس بصحيح؛ إذ لا تُقرُّ تحت يد أحد من المسلمين، ولا يجوز له التصرُّف فيها إلا بالإراقة، ولا ينتفع بها. فأي معنى لقول من قال: إنه يملكها؟ ! غير أنه يُطلق لفظ التمليك بالمجاز المحض. والله أعلم.
فرع: لو تخلَّلت الخمر بأمرٍ من الله عز وجل حلَّت. ولا خلاف في ذلك على ما حكاه القاضي عبد الوهاب. فأمَّا لو خلَّلها آدمي فقد أثم؛ لاقتحامه النهي، ثم إنها تحل وتطهر، على الرواية الظاهرة عن مالك، وعنه رواية أخرى: أنها
(1) رواه أحمد (3/ 260).
الخَمرِ، فَنَهَاهُ أَو كَرِهَ أَن يَصنَعَهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا أَصنَعُهَا لدوَاءِ. فَقَالَ: إِنَّهُ لَيسَ بِدَوَاءٍ، وَلَكِنَّهُ دَاءٌ.
رواه مسلم (1984)، وأبو داود (3873)، والترمذيُّ (2047).
ــ
لا تحل تغليظًا على المقتحم. وقال الشافعي: إنها تحل وهي على النجاسة. وهذا ضعيف لوجهين:
أحدهما: أنه منتقضٌ بما إذا تخلَّلت من نفسها.
والثاني: أن الموجب للتحريم والتنجيس - وهو الشدَّة - قد زال، فيزول الحكم.
فإن قيل: هَبكَ أن الشدة قد زالت، لكن بقيت علَّة أخرى للتَّنجيس وهو مخالطة الوعاء النجس فإنَّه تنجس بالخمر، فلما استحالت عينها للخلِّيِّة بقيت ممازجته الوعاء النجس، فتنجست بما خالطها من نجاسة الوعاء.
فالجواب: أن الوعاء حيث استحالت الخمر خلًا طاهرٌ لطهارة ما تعلق به فيه؛ إذ هو الآن جزء من الخل الذي في الوعاء. فإن قيل: فيلزم على هذا أن يزول حكم النجاسة عن المحل بغير الماء، وليس بأصلكم!
فالجواب: إنا وإن لم يكن ذلك أصلنا، فقد خرج عن ذلك الأصل الكلِّي فروع: كالمخرجين، وذيل المرأة، والخف، والنعل إذا تعلقت بها أرواث الدواب، وكالسَّيف الصقيل، وغير هذا مِمَّا استثني عن ذلك الأصل بحكم الدليل الخاصّ، فيمكن أن تَلحق هذه المسألة بتلك المواضع. والتحقيق في الجواب ما أشرنا إليه: من أن عين ما حكمنا بنجاسته لأجله قد طهر، فالمتعلق به الآن طاهرٌ لا نجس، فالوعاء ليس بنجس. والله الموفق.
و(قوله صلى الله عليه وسلم للذي سأله عن الخمر فقال: إنما أصنعها للدواء: إنها ليس بدواء، ولكنها داء) دليل: على أنه لا يجوز التداوي بالخمر، ولا بما حرمه
[1869]
وعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ نَهَى أَن يُنبَذَ الزَّبِيبُ والتَّمرُ جَمِيعًا، وَنَهَى أَن يُنبَذَ الرُّطَبُ وَالبُسرُ جَمِيعًا.
رواه أحمد (3/ 294)، والبخاريُّ (5601)، ومسلم (1986)(16 و 17)، وأبو داود (3703)، والترمذي (1876)، والنسائي (8/ 290)، وابن ماجه (3395).
[1870]
وعن أَبِي قَتَادَةَ، أَنَّ نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم نَهَى عَن عَن خَلِيطِ الزَّبِيبِ وَالتَّمرِ، وَعَن خَلِيطِ الزَّهوِ وَالرُّطَبِ، وعن خَلِيطِ التَّمرِ وَالبُسرِ، وَقَالَ: انتَبِذُوا كُلَّ وَاحِدٍ عَلَى حِدَتِهِ.
وفي رواية: لا تنتبذوا الزهو والرطب جميعا، ولا تنتبذوا الزبيب والتمر جميعا، وانتبذوا كل واحد منهما على حدته.
رواه مسلم (1988)(24 و 25)، وأبو داود (3704)، والنسائيُّ (8/ 289).
[1871]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم أَن يُخلَطَ التَّمرُ وَالزَّبِيبُ جَمِيعًا، وَأَن يُخلَطَ البُسرُ وَالتَّمرُ جَمِيعًا، وَكَتَبَ إِلَى أَهلِ جُرَشَ يَنهَاهُم عَن خَلطِ التَّمرِ وَالزَّبِيبِ.
رواه مسلم (1990)، والنسائي (8/ 290).
* * *
ــ
الله تعالى من النجاسات والميتات، وغيرهما أكلًا، ولا شربًا. وبه قال كثير من أهل العلم.