المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٥

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(22) كتاب القسامة والقصاص والديات

- ‌(1) باب في كيفية القسامة وأحكامها

- ‌(2) باب القصاص في العين وحكم المرتد

- ‌(3) باب القصاص في النفس بالحجر

- ‌(4) باب من عض يد رجل فانتزع يده فسقطت ثنية العاض

- ‌(5) باب القصاص في الجراح

- ‌(6) باب لا يحل دم امرئ مسلم إلا بإحدى ثلاث، وتكرار إثم من سن القتل، وأنه أول ما يقضى فيه

- ‌(7) باب تحريم الدماء والأموال والأعراض

- ‌(8) باب الحث على العفو عن القصاص بعد وجوبه

- ‌(9) باب دية الخطأ على عاقلة القاتل، وما جاء في دية الجنين

- ‌(23) كتاب الحدود

- ‌(1) باب حد السرقة وما يقطع فيه

- ‌(2) باب النهي عن الشفاعة في الحدود إذا بلغت الإمام

- ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

- ‌(4) باب إقامة الحد على من اعترف على نفسه بالزنا

- ‌(5) باب يحفر للمرجوم حفرة إلى صدره وتشد عليه ثيابه

- ‌(6) باب من روى أن ماعزا لم يحفر له ولا شد ولا استغفر له

- ‌(7) باب لا تغريب على امرأة ويقتصر على رجم الزاني الثيب ولا يجلد قبل الرجم

- ‌(8) باب إقامة حكم الرجم على من ترافع إلينا من زناة أهل الذمة

- ‌(9) باب إقامة السادة الحد على الأرقاء

- ‌(10) باب الحد في الخمر وما جاء في جلد التعزير

- ‌(11) باب من أقيم عليه الحد فهو كفارة له

- ‌(12) باب الجبار الذي لا دية فيه ومن ظهرت براءته مما اتهم به لم يحبس ولم يعزر

- ‌(24) كتاب الأقضية

- ‌(1) باب اليمين على المدعى عليه والقضاء باليمين والشاهد

- ‌(2) باب حكم الحاكم في الظاهر لا يغير حكم الباطن والحكم على الغائب

- ‌(3) باب الاعتصام بحبل الله وأن الحاكم المجتهد له أجران في الإصابة وأجر في الخطأ

- ‌(4) باب لا يقضي القاضي وهو على حال تشوش عليه فكره، ورد المحدثات، ومن خير الشهداء

- ‌(5) باب تسويغ الاجتهاد

- ‌(6) باب اختلاف المجتهدين في الحكم لا ينكر

- ‌(7) باب للحاكم أن يصلح بين الخصوم، وإثم الخصم الألد

- ‌(8) باب الحكم في اللقطة والضوال

- ‌(9) باب الاستظهار في التعريف بزيادة على السنة إذا ارتجى ربَّها

- ‌(10) باب النهي عن لقطة الحاج وعن أن يحلب أحد ماشية أحد إلا بإذنه

- ‌(11) باب الأمر بالضيافة والحكم فيمن منعها

- ‌(12) باب الأمر بالمواساة بالفضل وجمع الأزواد إذا قلت

- ‌(25) كتاب الصيد والذبائح وما يحل أكله من الحيوان وما لا يحل

- ‌(1) باب الصيد بالجوارح وشروطها

- ‌(2) باب الصيد بالسهم ومحدد السلاح وإذا غاب الصيد

- ‌(3) باب النهي عن أكل كل ذي ناب من السباع وذي مخلب من الطير

- ‌(4) باب إباحة أكل ميتة البحر وإن طفت

- ‌(5) باب النهي عن لحوم الحمر الأهلية، والأمر بإكفاء القدور منها

- ‌(6) باب في إباحة لحوم الخيل وحمر الوحش

- ‌(7) باب ما جاء في أكل الضب

- ‌(8) باب ما جاء في أن الضب والفأر يتوقع أن يكونا مما مسخ

- ‌(9) باب أكل الجراد والأرانب

- ‌(10) باب الأمر بإحسان الذبح وحد الشفرة

- ‌(11) باب النهي عن صبر البهائم وعن اتخاذها غرضا وعن الخذف

- ‌(12) باب من ذبح لغير الله ولعنه

- ‌(26) كتاب الأشربة

- ‌(1) باب تحريم الخمر

- ‌(2) باب الخمر من النخيل والعنب

- ‌(3) باب النهي عن اتخاذ الخمر خلا، وعن التداوي بها، وعن خلط شيئين مما يبغي أحدهما على الآخر

- ‌(4) باب النهي عما ينتبذ فيه

- ‌(5) باب نسخ ذلك والنهي عن كل مسكر

- ‌(6) باب كل شراب مسكر خمر وحرام وما جاء في إثم من شربه

- ‌(7) باب كم المدة التي يشرب إليها النبيذ

- ‌(8) باب كيفية النبيذ الذي يجوز شربه

- ‌(9) باب استدعاء الشراب من الخادم والشرب في القدح

- ‌(10) باب شرب اللبن، وتناوله من أيدي الرعاء من غير بحث عن كونهم مالكين

- ‌(11) باب الأمر بتغطية الإناء، وإيكاء السقاء، وذكر الله تعالى عليهما

- ‌(12) باب بيان أن الأمر بذلك من باب الإرشاد إلى المصلحة وأن ترك ذلك لا يمنع الشرب من ذلك الإناء

- ‌(13) باب النهي عن الشرب قائما، وعن اختناث الأسقية، والشرب من أفواهها

- ‌(14) باب النهي عن التنفس في الإناء وفي مناولة الشراب الأيمن فالأيمن

- ‌(27) كتاب آداب الأطعمة

- ‌(1) باب التسمية على الطعام

- ‌(2) باب الأمر بالأكل باليمين والنهي عن الأكل بالشمال

- ‌(3) باب الأكل مما يليه والأكل بثلاث أصابع

- ‌(4) باب لعق الأصابع والصحفة وأكل اللقمة إذا سقطت

- ‌(5) باب من دعي إلى الطعام فتبعه غيره

- ‌(6) باب إباحة تطييب الطعام وعرض من لم يدع

- ‌(7) باب من اشتد جوعه تعين عليه أن يرتاد ما يرد به جوعه

- ‌(8) باب جعل الله تعالى قليل الطعام كثيرا ببركة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وذكر كثير من آداب الأكل

- ‌(9) باب في أكل الدباء والقديد

- ‌(10) باب في أكل التمر مقعيا، وإلقاء النوى بين إصبعين، وأكل القثاء بالرطب

- ‌(11) باب النهي عن القران في التمر عند الجهد

- ‌(12) باب بركة عجوة المدينة وأنها دواء

- ‌(13) باب الكمأة من المن، وماؤها شفاء للعين، واجتناء الكباث الأسود

- ‌(14) باب نعم الإدام الخل

- ‌(15) باب كراهية النبي صلى الله عليه وسلم الثوم

- ‌(16) باب الأكل مع المحتاج بالإيثار

- ‌(17) باب إطعام الجائع وقسمة الطعام على الأضياف عند قلته، وبركة النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(18) باب يخبأ لمن غاب من الجماعة نصيبه

- ‌(19) باب الحض على تشريك الفقير الجائع في طعام الواحد وإن كان دون الكفاي

- ‌(20) باب المؤمن يأكل في معى واحد، والكافر يأكل في سبعة أمعاء

- ‌(21) باب النهي عن الأكل والشرب في آنية الذهب والفضة

- ‌(28) كتاب الأضاحي

- ‌(1) باب في التسمية على الأضحية وفي وقتها وأن من ذبح قبله أعاد

- ‌(2) باب إعادة ما ذبح بعد الصلاة وقبل ذبح الإمام

- ‌(3) باب ما يجوز في الأضاحي من السن

- ‌(4) باب ما يختار في الأضحية

- ‌(5) باب الذبح بما أنهر الدم والنهي عن السن والظفر

- ‌(6) باب النهي عن أكل لحوم الأضاحي فوق ثلاث

- ‌(7) باب الرخصة في ذلك

- ‌(8) باب إذا دخل العشر وأراد أن يضحي فلا يمس من شعره ولا بشره

- ‌(29) كتاب اللباس

- ‌(1) باب تحريم لباس الحرير والتغليظ فيه على الرجال وإباحته للنساء

- ‌(2) باب ما يرخص فيه من الحرير

- ‌(3) باب من لبس ثوب حرير غلطا أو سهوا نزعه أول أوقات إمكانه

- ‌(4) باب الرخصة في لبس الحرير للعلة

- ‌(5) باب النهي عن لبس القسي والمعصفر

- ‌(6) باب لباس الحبرة والإزار الغليظ والمرط المرحل

- ‌(7) باب اتخاذ الوساد والفراش من أدم والأنماط ولم يجوز أن يتخذ من الفرش

- ‌(8) باب إثم من جر ثوبه خيلاء ومن تبختر وإلى أين يرفع الإزار

- ‌(9) باب إرخاء طرفي العمامة بين الكتفين

- ‌(10) باب النهي عن تختم الرجال بالذهب وطرحه إن لبس

- ‌(11) باب لبس الخاتم الورق وأين يجعل

- ‌(12) باب في الانتعال وآدابه

- ‌(13) باب النهي عن اشتمال الصماء والاحتباء في ثوب واحد وفي وضع إحدى الرجلين على الأخرى مستلقيا

- ‌(14) باب ما جاء في صبغ الشعر والنهي عن تسويده والتزعفر

- ‌(15) باب لا تدخل الملائكة بيتا فيه كلب ولا صورة إلا أن تكون الصورة رقما

- ‌(16) باب كراهية الستر فيه تماثيل وهتكه وجعله وسائد وكراهية كسوة الجدر

- ‌(17) باب أشد الناس عذابا يوم القيامة المصورون

- ‌(18) باب في الأجراس والقلائد في أعناق الدواب

- ‌(19) باب النهي عن وسم الوجوه وأين يجوز الوسم

- ‌(20) باب النهي عن القزع وعن وصل شعر المرأة

- ‌(21) باب في لعن المتنمصات والمتفلجات للحسن

- ‌(22) باب النهي عن الزور وهو ما يكثرن به الشعور وذم الكاسيات العاريات والمتشبع بما لم يعط

- ‌(30) كتاب الأدب

- ‌(1) باب في أحب الأسماء إلى الله وأبغضها إليه

- ‌(2) باب قوله عليه الصلاة والسلام: تسموا باسمي ولا تكنوا بكنيتي، وفي التسمية بأسماء الأنبياء والصالحين

- ‌(3) باب ما يكره أن يسمى به الرقيق

- ‌(4) باب في تغيير الاسم بما هو أولى والنهي عن الاسم المقتضي للتزكية

- ‌(5) باب تسمية الصغير وتحنيكه والدعاء له

- ‌(6) باب تكنية الصغير وندائه بيا بني

- ‌(7) باب الاستئذان وكيفيته وعدده

- ‌(8) باب كراهية أن يقول: أنا، عند الاستئذان، والنهي عن الاطلاع في البيت وحكم المطلع إن فقئت عينه

- ‌(9) باب نظرة الفجأة، وتسليم الراكب على الماشي، وحق الطريق

- ‌(10) باب حق المسلم على المسلم، والسلام على الغلمان

- ‌(11) باب لا يبدأ أهل الذمة بالسلام وكيفية الرد عليهم إذا سلموا

- ‌(12) باب في احتجاب النساء وما يخفف عنهن من ذلك

- ‌(13) باب النهي عن المبيت عند غير ذات محرم وعن الدخول على المغيبات

- ‌(14) باب اجتناب ما يوقع في التهم ويجر إليه

- ‌(15) باب من رأى فرجة في الحلقة جلس فيها وإلا جلس خلفهم

- ‌(16) باب النهي عن أن يقام الرجل من مجلسه، ومن قام من مجلسه ثم رجع إليه عن قرب فهو أحق به

- ‌(17) باب الزجر عن دخول المخنثين على النساء

- ‌(18) باب امتهان ذات القدر نفسها في خدمة زوجها وفرسه؛ لا يغض من قدرها

- ‌(19) باب النهي عن مناجاة الاثنين دون الثالث

- ‌(20) باب جواز إنشاد الشعر وكراهية الإكثار منه

- ‌(21) باب في قتل الحيات وذي الطفيتين والأبتر

- ‌(22) باب المبادرة بقتل الحيات إلا أن تكون من ذوات البيوت؛ فلا تقتل حتى تستأذن ثلاثا

- ‌(23) باب قتل الأوزاغ وكثرة ثوابه في أول ضربة

- ‌(24) باب كراهية قتل النمل إلا أن يكثر ضررها

- ‌(25) باب فيمن حبس الهر

- ‌(26) باب في كل ذي كبد أجر

- ‌(27) باب النهي عن سب الدهر

- ‌(28) باب النهي عن تسمية العنب كرما

- ‌(29) باب النهي عن أن يقول سيد: عبدي وأمتي، أو غلام: ربي أو ربك

- ‌(30) باب لا يقل أحد: خبثت نفسي وما جاء أن المسك أطيب الطيب

- ‌(31) باب من عرض عليه طيب أو ريحان فلا يرده، وبماذا يستجمر

- ‌(32) باب تحريم اللعب بالنرد

- ‌(33) باب مناولة السواك الأكبر

- ‌(31) كتاب: الرقى والطب

- ‌(1) باب في رقية جبريل النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(2) باب العين حق، والسحر حق، واغتسال العائن

- ‌(3) باب ما جاء أن السموم وغيرها لا تؤثر بذاتها

- ‌(4) باب ما كان يرقي به رسول الله صلى الله عليه وسلم المرضى، وكيفية ذلك

- ‌(5) باب مماذا يرقى

- ‌(6) باب لا يرقى برقى الجاهلية ولا بما لا يفهم

- ‌(7) باب أم القرآن رقية من كل شيء

- ‌(8) باب الرقية بأسماء الله والتعويذ

- ‌(9) باب لكل داء دواء، والتداوي بالحجامة

- ‌(10) باب التداوي بقطع العرق والكي والسعوط

- ‌(11) باب الحمى من فيح جهنم، فابردوها بالماء

- ‌(12) باب التداوي باللدود والعود الهندي

- ‌(13) باب التداوي بالشونيز والتلبينة

- ‌(14) باب التداوي بالعسل

- ‌(15) باب ما جاء أن الطاعون إذا وقع بأرض فلا يخرج منها فرارا، ولا يقدم عليها

- ‌(16) باب لا عدوى ولا طيرة ولا صفر ولا هامة ولا نوء ولا غول

- ‌(17) باب لا يورد ممرض على مصح

- ‌(18) باب في الفأل الصالح وفي الشؤم

- ‌(19) باب النهي عن الكهانة، وعن إتيان الكهان، وما جاء في الخط

- ‌(20) باب في رمي النجوم للشياطين عند استراق السمع

الفصل: ‌(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

[1779]

وعنها: قالت: كَانَت امرَأَةٌ مَخزُومِيَّةٌ تَستَعِيرُ المَتَاعَ وَتَجحَدُهُ، فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بقطع يَدهَا، فَأَتَى أَهلُهَا أُسَامَةَ فَكَلَّمُوهُ، فَكَلَّمَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ ذَكَرَ نَحوَ الأول.

رواه مسلم (1688)(10)، وأبو داود (4374).

* * *

(3) باب حد البكر والثيب إذا زنيا

[1780]

عَن عُبَادَةَ بنِ الصَّامِتِ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: خُذُوا عَنِّي، خُذُوا عَنِّي، قَد جَعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلًا؛ البِكرُ بِالبِكرِ، جَلدُ مِائَةٍ ونَفيُ

ــ

السَّارق، وأنها ماحيةٌ لإثم السَّرِقة، وللمعرَّة اللاحقة، فيحرم تعييره بذلك. أو يعاب عليه شيء مما كان هنالك. وهكذا حكم أهل الكبائر إذا تابوا منها، وحسنت أحوالهم بعدها، تُسمعُ أقوالهم، وتُقبل شهادتهم. وهذا مذهب الجمهور، غير أن أبا حنيفة قال: لا تقبل شهادة القاذف المحدود مطلقًا وإن تاب. وقال مالك: لا تُقبل شهادة المحدود فيما حدّ فيه، وتُقبل في غيره.

(3)

ومن باب: حدّ البكر والثيِّب إذا زنيا

(قوله صلى الله عليه وسلم: خذوا عني، خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا) أي: افهموا عني تفسير السبيل المذكور في قوله تعالى: {فَأَمسِكُوهُنَّ فِي البُيُوتِ حَتَّى يَتَوَفَّاهُنَّ المَوتُ أَو يَجعَلَ اللَّهُ لَهُنَّ سَبِيلا} واعملوا به. وذلك: أن مُقتضى هذه الآية: أن من زنى حبس في بيته إلى أن يموت. كذا قاله ابن عباس في النساء، وحكي عن ابن عمر: أن ذلك حكم الزانيين؛ يعني: الرَّجل والمرأة. فكان ذلك

ص: 80

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحبس هو حدّ الزناة؛ لأنَّه كان يحصل به إيلام الجاني وعقوبته؛ بأن يمنع من التصرف والنكاح وغيره طول حياته، وذلك عقوبةٌ وزجرٌ، كما يحصل من الجلد والتغريب. فحقيق أن يُسمّى ذلك الحبس حدًّا، غير أن ذلك الحكم كان محدودًا إلى غاية وهو أن يبين الله لهن سبيلًا آخر غير الحبس، فلما بلغ وقت بيانه المعلوم عند الله أوضحه الله تعالى لنبيّه صلى الله عليه وسلم فبلَّغه لأصحابه، فقال لهم:(خذوا عني، قد جعل الله لهن سبيلًا: البكر بالبكر جلد مائة، وتغريب عام، والثيِّب بالثيِّب جلد مائة والرَّجم)، فارتفع حكم الحبس في البيوت لانتهاء غايته. وهذا نحو قوله تعالى:{ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيلِ} فإذا جاء الليل ارتفع حكم الصيام، لانتهاء غايته، لا لنسخه. وبهذا يعلم بطلان قول من قال: إن الحبس في البيوت في حق البكر منسوخ بالجلد المذكور في النور، وفي حق الثيِّب بالرَّجم المجمع عليه. وهذا ليس بصحيح لما ذكرناه أولًا، ولأن الجمع بين الحبس، والجلد، والرَّجم ممكن، فلا تعارض، وهو شرط النسخ مع علم [المتأخر من](1) المتقدم، كما قدَّمناه في باب النسخ في الأصول. وإذا تقرر هذا فاعلم: أن الأمَّة مُجمِعة: على أن البكر - ويعني به: الذي لم يحصن - إذا زنى جلد الحدّ. وجمهور العلماء من الخلفاء، والصحابة، والتابعين، ومن بعدهم، على وجوب التغريب مع الحدّ إلا أبا حنيفة، وصاحبه محمد بن الحسن، فإنَّهما قالا: لا تغريب عليه. فإن النصّ الذي في الكتاب إنَّما هو على جلد الزاني، والتغريب زيادةٌ عليه، والزيادة على النصّ نسخ، فيلزم عليه نسخ القرآن القاطع بخبر الواحد، فإن التغريب إنما ثبت بخبر الواحد.

والجواب: أنا لا نسلِّم: أن الزيادة على النص نسخٌ، بل زيادة حكم آخر مع

(1) ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

ص: 81

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الأصل، فلا تعارض، فلا نسخ. وقد بيَّنا ذلك في الأصول، سلمنا ذلك، لكن هذه الآية ليست بنصٍّ، بل عموم ظاهرٌ، فيخصّص منها بعض الزناة بالتغريب، كما يخصِّص بعضهم بالرَّجم، ثمَّ يلزمهم ردَّ الحكم بالرجم فإنه زيادة على نصّ القرآن، وهو ثابت بأخبار الآحاد. ولو سلَّمنا: أن الرَّجم ثبت بالتواتر، فشرطه الذي هو الإحصان ثبت بأخبار الآحاد، ثم هم قد نقضوا هذه القاعدة التي قعدوها في مواضع كثيرةٍ بيَّناها في الأصول.

ومن أوضح ذلك: أنهم أجازوا الوضوء بالنبيذ معتمدين في ذلك على خبر ضعيف لم يصحّ عند أهل العلم بالحديث، وهو زيادة على ما نصّ عليه القرآن من استعمال الماء.

ثم القائلون بالتغريب اختلفوا فيه. فقال مالك: ينفى من مصر إلى الحجاز وشَعب وأسوان ونحوها. ومن المدينة إلى خيبر وفدك، وكذلك فَعَل عمر بن عبد العزيز. وقد نفى علي رضي الله عنه من الكوفة إلى البصرة. قال مالك: ويحبس في البلد الذي نُفي إليه. وقيل: يُنفى إلى عمل غير عمل بلده. وقيل: إلى غير بلده. وقال الشافعي: أقلُّ ذلك يوم وليلة.

قلت: والحاصل: أنَّه ليس في ذلك حدٌّ محدود، وإنَّما هو بحسب ما يراه الإمام، فيختلف بحسب اختلاف أحوال الأشخاص على حسب ما يراه أردع.

ثمَّ القائلون بالتغريب لم يختلفوا في تغريب الذكر الحرّ. واختلفوا في تغريب المرأة والعبد. فممن رأى التغريب فيهما؛ أخذا بعموم حديث التغريب، ابن عمر، وقد حدّ مملوكة له في الزنى، ونفاها إلى فدك. وبه قال الشافعي، وأبو ثور، والثوري، والطبري، وداود.

وهل يُنفى العبد والأمة سنة أو نصف سنة؟ قولان عند الشافعي. وذهب معظم القائلين بالنفي: إلى أنه لا نفي على مملوك، وبه قال الحسن وحماد بن

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أبي سليمان، ومالك، وأحمد، وإسحاق. ولم ير مالك، والأوزاعي على النساء نفيًا. وروي مثله عن علي بن أبي طالب بناءً على تخصيص حديث النفي.

أما في الأَمَة: فبقوله صلى الله عليه وسلم: (إذا زنت أمة أحدكم فليجلدها ثلاثًا). ثم قال بعد ذلك: (ثم إن زنت فبيعوها ولو بِضَفِير)(1)، ولم يذكر النفي، وهو موضع بيان، ووقته، لا يجوز تأخيره عنه، ولأن تغريب المملوك عقوبة لمالكه يمنعه من منافعه في مدة تغريبه، ولا يناسب ذلك تصرُّف الشرع، فلا يعاقب غير الجاني، ألا ترى أن العبد لا يجب عليه الحجَّ، ولا الجمعة، ولا الجهاد لحق السيِّد؛ فِبأن لا يغرب أولى.

وإمَّا في حق الحرَّة: فلأنها لا تسافر مسيرة يوم وليلة إلا مع ذي محرم أو زوج، فإن أوجبنا التغريب على هؤلاء معها كنا قد عاقبناهم وهم برءاءُ، وإن لم نوجبه عليهم لم يجز لها أن تسافر وحدها فتعذَّر سفرها. فإن قيل: تسافر مع رفقة مأمونة أو النساء؛ كما يقوله مالك في سفر الحجّ. فالجواب: إن ذلك من مالك سعي في تحصيل وظيفة الحجّ لعظمها وتأكد أمرها، بخلاف الزانية؛ فإن المقصود منه المبالغة في الزجر والنكال، وذلك حاصل بالجلد، ولأن إخراج المرأة من بيتها الأصل منعه.

ألا ترى: أن صلاتها في بيتها أفضل، ولا تخرج منه في العِدَة. وقد قال صلى الله عليه وسلم:(أَعرُوا النساء يَلزَمن الحِجالَ)(2).

وحاصل ذلك: أن في إخراجها من بيتها إلى بلد آخر تعريضها لكشف عورتها، وتضييعا لحالها، وربما يكون ذلك سببًا لوقوعها فيما أخرجت من سببه، وهو الفاحشة. ومآل هذا البحث تخصيص عموم التغريب بالمصلحة المشهود لها بالاعتبار، وهو مختلف فيه، كما ذكرناه في الأصول.

(1) رواه أحمد (4/ 117)، والبخاري (2153)، ومسلم (1704)(33)، وأبو داود (4469)، وابن ماجه (2565).

(2)

رواه الطبراني في الكبير (19/ 1063)، وذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (5/ 138) وقال: رواه الطبراني في الكبير والأوسط، وفيه مجمع بن كعب ولم أعرفه، وبقية رجاله ثقات. وانظر: تنزيه الشريعة (2/ 212).

ص: 83

سَنَةٍ، والثيب بالثيب جلد مائة والرجم.

رواه أحمد (5/ 313)، ومسلم (1690)(12)، وأبو داود (4416)، والترمذي (1434).

ــ

و(قوله: والثيِّب بالثيِّب جلد مائة والرَّجم) الثيب هنا: هو المحصن، وهو البالغ، العاقل، الحرّ، المسلم، الواطئ وطئًا مباحًا في عقد صحيح. هذه شروط الإحصان عند مالك، وقد اختلف في بعضها. ولبيان ذلك موضع آخر. فإذا زنى المحصن وجب الرَّجم بإجماع المسلمين، ولا التفات لإنكار الخوارجِ والنّظَّامِ (1) الرَّجمَ، إمَّا لأنهم ليسوا بمسلمين عند من يكفِّرهم، وإما لأنَّهم لا يعتد بخلافهم؛ لظهور بدعتهم وفسقهم على ما قرَّرناه في الأصول.

وهل يجمع عليه الجلد والرَّجم؟ كما هو ظاهر هذا الحديث؛ وبه قال الحسن البصري، وإسحاق، وداود، وأهل الظاهر. وروي عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه: أنَّه جمع ذلك على شراحة، وقال: جلدتها بكتاب الله، ورجمتها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. أو يقتصر على الرَّجم وحده؟ وهو مذهب الجمهور، متمسكين بأن النبي صلى الله عليه وسلم رجم ماعزًا والغامدية ولم يجلدهما، وقال:(اغدُ يا أُنَيس على امرأة هذا، فإن اعترفت فارجمها)(2)، ولم يذكر الجلد، فلو كان مشروعًا لما سكت عنه، وكأنَّهم رأوا: أن هذا أرجح من حديث الجمع بين الجلد والرَّجم، إما لأنَّه منسوخ إن عرف التاريخ، وإمَّا لأن العمل المتكرر من النبي صلى الله عليه وسلم في أوقات متعددة أثبت في النفوس، وأوضح، فيكون أرجح. وقد شذَّت طائفة فقالت: يجمع الجلد والرجم على الشيخ، ويُجلد الشابُّ تمسُّكًا بلفظ الشيخ. وهو خطأ، فإنَّه قد سَمَّاه في الحديث الآخر: الثيب.

(1) هو إبراهيم بن سيّار، من أئمة المعتزلة. توفي سنة (231 هـ).

(2)

رواه البخاري (2315)، ومسلم (1697)، وأبو داود (4445)، والنسائي (8/ 240 - 241)، وابن ماجه (2549).

ص: 84

[1781]

وعن عَبد اللَّهِ بن عَبَّاسٍ قَالَ: قال عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ - وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى مِنبَرِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ بَعَثَ مُحَمَّدًا بِالحَقِّ، وَأَنزَلَ عَلَيهِ الكِتَابَ، فَكَانَ مِمَّا أُنزِلَ الله عَلَيهِ آيَةُ الرَّجمِ، قَرَأنَاهَا، وَوَعَينَاهَا، وَعَقَلنَاهَا، فَرَجَمَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَجَمنَا بَعدَهُ، فَأَخشَى إِن طَالَ بِالنَّاسِ زَمَانٌ أَن يَقُولَ قَائِلٌ: مَا نَجِدُ الرَّجمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ! فَيَضِلُّوا بِتَركِ فَرِيضَةٍ أَنزَلَهَا اللَّهُ،

ــ

و(قوله في الأصل (1): كرب لذلك وتَرَبَّد وجهه) أي: أصابه كربٌ، وعلت وجهه غَبَرَةٌ. والرَّبدة: تغيير البياض للسواد، وقد تقدم في الإيمان.

و(قول عمر: كان مما أنزل الله تعالى على نبيه صلى الله عليه وسلم آية الرَّجم، فقرأناها، ووعيناها، وعقلناها) هذا نصٌّ من عمر رضي الله عنه على أنَّ هذا كان قرآنًا يُتلى. وفي آخره ما يدلُّ على أنَّه نُسخ كَونُها من القرآن، وبقي حُكمُها معمولًا به، وهو الرَّجم. وقال ذلك عمر بمحضرِ الصحابة رضي الله عنهم. وفي مَعدن الوحي، وشاعت هذه الخطبة في المسلمين، وتناقلها الرُّكبان، ولم يسمع في الصحابة ولا فيمن بعدهم من أنكر شيئًا مِمَّا قاله عمر، ولا راجعه لا في حياته ولا بعد موته، فكان ذلك إجماعًا منهم على صحة هذا النوع من النسخ. وهو نسخ التلاوة مع بقاء الحكم، ولا يلتفت لخلاف من تأخر زمانه، وقل علمه في ذلك.

وقد بيَّنا في الأصول: أن النسخ على ثلاثة أضرب: نسخ التلاوة، ونسخ الحكم مع بقاء التلاوة، ونسخ التلاوة مع بقاء الحكم.

و(قوله: فرجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجمنا بعده) يعني: نفسه وأبا بكر رضي الله عنهما.

و(قوله: فأخشى إن طال زمان أن يقول قائل: ما نجدُ الرَّجم في كتاب الله فيضلُّوا بترك فريضةٍ أنزلها الله تعالى) هذا الذي توقعه عمر قد وقع بعده للخوارج،

(1) أي: في مسلم، الحديث رقم (1690)(13).

ص: 85

فإِنَّ الرَّجمَ فِي كِتَابِ اللَّهِ حَقٌّ عَلَى مَن زَنَى إِذَا أَحصَنَ مِن الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ؛ إِذَا قَامَت البَيِّنَةُ، أَو كَانَ الحَبَلُ، أَو الِاعتِرَافُ.

ــ

والنّظَّام؛ فإنَّهم أنكَرُوا الرَّجم، فهم ضالون بشهادة عمر رضي الله عنه وهذا من الحق الذي جعل الله تعالى على لسان عمر وقلبه رضي الله عنه، ومما يدلُّ على أنَّه كان محدِّثًا بكثير مما غاب عنه، كما شهد له بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و(قوله: فإن الرَّجم في كتاب الله) أي: في حكم الله الذي كان نزل في الكتاب، وكان فيه ثابتًا قبل نسخه، كما قدَّمناه. وقد نصَّ على هذا المعنى فيما ذكره عنه مالك في الموطأ؛ فقال: لولا أن يقول الناس: زاد عمر في كتاب الله لكتبته بيدي: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة (1). وهذا من قوله يدلّ على أن الكتاب قد أحكمت آياته وانحصرت حروفه وكلماته، فلا يقبل الزيادة ولا النقصان.

و(قوله: حقٌّ) أي: ثابت يعمل به إلى يوم القيامة.

و(قوله: على من زنى من الرِّجال أو النساء إذا أحصن) هذا مجمع عليه؛ إذ لم يسمع بمن فرَّق فيه بين الرجال والنساء. وقد رجم رسول الله صلى الله عليه وسلم ماعزًا والغامدية على ما يأتي.

و(قوله: إذا قامت البينة، أو كان الحبل، أو الاعتراف) فيعني بالبينة الأربعة الشهداء العدول، المؤدين للشهادة في فَورٍ واحد؛ الذين يَصفُون رؤية فرجه في فرجها كالمِرُّود في المكحلة، المقيمين على شهادتهم إلى أن يقام الحدّ على ما يُعرف في كتب الفقه.

و(الحَبَلُ): يعني به: أن يظهر بامرأة لا زوج لها، ولا سيِّد، وكانت غير طارِئةٍ (2) - حَبَلٌ، ولم يظهر ما يدلُّ على الإكراه [مثل أن تتعلق

(1) رواه مالك في الموطأ (2/ 824).

(2)

جاء في شرح النووي على صحيح مسلم لهذا الحديث: إلا أن تكون غريبةٌ طارئة، =

ص: 86

رواه البخاريُّ (3872)، ومسلم (1691)(15)، وأبو داود (4418)، والترمذيُّ (1431).

* * *

ــ

به، وتفضح نفسها، وهي تُدمَى، فأما لو لم يكن إلا قولها أنها أكرهت، ولم يظهر ما يدلّ على الإكراه] (1)، فإنَّها لا يَدفَع الحدّ عنها مجرَّدُ قولِها، ولا يكون قولها شبهة عندنا، وهو شبهة عند أبي حنيفة يدرأ بها الحدّ. وبه قال ابن المنذر، والكوفيون، والشافعي، قالوا: إذا وجدت المرأة حاملًا فلا حدّ عليها إلا أن تقرَّ بالزنى، أو تقوم عليها بيِّنة. ولم يفرِّقوا بين الطارئة وغيرها. ويرد عليهم قول عمر رضي الله عنه: أو الحَبَل - بحضرة الصحابة - ولا منكر. وأيضًا: فمثل هذا لا يقوله عمر رضي الله عنه عن اجتهاد، إنَّما يقوله عن النبي صلى الله عليه وسلم لكنه لم يصرَّح بالرفع. ولا يضرُّنا ذلك. ولو سلَّمنا: أنَّه قاله عن اجتهاد فاجتهاده راجحٌ على اجتهاد غيره؛ لشهادة النبي صلى الله عليه وسلم (إن الله تعالى قد جعل الحق على لسانه وقلبه)(2). وسيأتي الكلام في الاعتراف.

* * *

= وتدعي أنه من زوج أو سيِّد. وقال في اللسان: يقال للغرباء: الطُّرّاء، وهم الذين يأتون من مكانٍ بعيد.

(1)

ما بين حاصرتين ساقط من (ع).

(2)

رواه ابن عمر (2/ 401)، والبزار كما في كشف الأستار (2501) من حديث أبي هريرة.

ص: 87